صلاح حسن بابان اختار الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الحرب والمواجهة العسكرية برفضه في 18 مارس/آذار 2003 الذهاب إلى المنفى الذي منحه إياه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، لتواجه "بلاد الرافدين" بعدها مصيرا صعبا، بدأ بالغزو الأميركي في أبريل/نيسان 2003 وما تخللها من عمليات حربية وقتل وتدمير، ثم ليعاني العراق بعدها الكثير من المشاكل الأمنية والسياسية والاقتصادية التي لا زال يكابدها. كبرياء ويرى اللواء المتقاعد ماجد القيسي أن "الغرور والكبرياء لدى صدام حسين دفعه للذهاب إلى خيار المواجهة العسكرية مع بوش الذي كان مُصرّاً على الحرب بتحشيداته العسكرية في المنطقة آنذاك التي استحال عودتها حتى في حالة تنحي صدام". وأضاف أن صدام كان يعتقد أنه بإمكانه مقاومة هذه الهجمة الشرسة، والوقوف بوجهها بمراهنته على أن هناك من سيقف معه، لكن العالم خذله. وقال القيسي -الذي كان ضابطاً في الجيش برتبة لواء- إنه بالمقارنة بين حربي 1991 و2003 اللتين شنتهما أميركا على العراق نجد أن في الأولى استطاع بوش الأب تحشيد المجتمع الدولي ضد صدام وإجباره على الخروج من الكويت، إلا أن بوش الابن عام 2003 فشل في حشد الرأي الدولي للهجوم على العراق باستثناء البريطانيين وبعض الدول الشرقية التي أغرتها واشنطن بالمال. وفي رده على سؤال للجزيرة نت عن سبب لجوء صدام للمواجهة العسكرية بدلا من التنحي رغم إدراكه بضعف القدرات العسكرية لجيشه وعدم إمكانية صد الجيش الأميركي، يؤكد القيسي أن قرار التنحي أو اختيار النفي لم يكن في حسابات صدام، مضيفا أن رؤساء الأنظمة الدكتاتورية تختار تدمير البلاد (كما حدث في العراق ثم ليبيا وسوريا لاحقا) من أجل البقاء على كرسي الحُكم. لكن الصحفي العراقي مصطفى كامل يرى أن صدام كان رئيسا للجمهورية ولا يجوز دستوريا وأخلاقيا أن يتخلى عن هذه المسؤولية، ويهرب من المواجهة ويؤمن نفسه والبلد يقع فريسة الغزاة، مشيرا إلى أن الجانب الأميركي لم يعط الأمان للعراق والعراقيين في حال تنحي صدام. ويضيف الصحفي -الذي شغل منصب سكرتير صحيفة الجمهورية التي كانت تصدر في عهد صدام- أن إدارة بوش كانت أعلنت أنها ماضية في غزو العراق حتى لو غادر صدام السلطة. وواصل حديث للجزيرة نت بالقول إنه ثبت لاحقا كذب كل الأسباب والذرائع التي ساقتها أميركا لتبرير غزو العراق، سواء ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل أو الإرهاب أو الإتيان بالديمقراطية للعراق. أميركا أرادت الصدام من جهته اعتبر الباحث النفسي الدكتور علاء الصفار أن حالة اليأس التي وصل إليها الشعب عام 2003 أثرت بشكل سلبي على القوات المسلحة ومنعتها والتي تمثلت على أرض الواقع بعدم إمكانية المقاومة لأكثر من 3 أسابيع بآليات ضعيفة ومتواضعة لا ترتقى إلى الآليات والقدرات لدى القوات الأميركية. ويضيف: ظاهريا وضعت أميركا خيار المنفى أمام صدام، لكنّها في الحقيقة كانت تُريد الاصطدام به لأنها كانت على دراية تامّة بضعف قدرات الجيش العراقي "المُصاب بالإحباط واليأس" فضلا عن عدم الحرفية والمهنية في إدارة المعارك من قبل صدام، وهذا ما جعل المعنويات العسكريّة والمدنيّة والتعبويّة العامّة في تدن ملحوظ، لتتجه نحو الانهيار التدريجي وبوتيرة مسرعة مع بدء الحرب رغم ادعاء صدام القدرة على مواجهة أميركا. نظام حديدي ويعلق السياسي العراقي مثال الألوسي على الموضوع بالقول إن صدام نجح في بناء نظام حديدي خليط من المدرسة الروسية الكوبية الصينية والتي من أبرز أسسها عدم الثقة بالمواطن، والبطش ليس بالمعارض فقط بل بالمخالف كذلك، إلى جانب أن استعانته بالمدرسة المخابراتية الألمانية الشرقية لتدريب رجاله بالأجهزة الأمنية والمخابراتية جعلت هناك استحالة للإطاحة به وإسقاط نظامه من داخل العراق، وهذا ما دفع أميركا إلى شنّ الحرب عليه. ويصف الألوسي محاولة تغيير نظام صدام بأنها أشبه ما كانت بـ "المجازفة" التي لا يقترب منها أحد، مما جعل واشنطن أمام خيار واحد وهو الإطاحة بصدام من خلال حرب عسكرية. وأضاف أن صدام كان مع خيار الحرب لاعتقاده بأن أميركا لن تقْدم على ذلك أبداً. غير أن الخبير العسكري ربيع الجواري يرى -في حديث للجزيرة نت- أنّ صدام رفض خيار النفي لأنه كان يعرف جيدا أن المحاكم الدولية ستلاحقه في منفاه وتأتي به "لجرائمه التي نفذها بحقّ شعبه أولاً بالإضافة لغزوه الكويت ثانيا". ويؤكد الجواري، وهو ضابط سابق في الجيش، أن صدام لم يفكّر بالشعب بقدر ما فكرّ بنفسه من خلال قراره الذهاب إلى الحرب التي خلّفت دماراً شاملاً للبلد.


عدالت عبدالله     يؤسفنا حقاً أن نرى المثقف العراقي اليوم بهذه الوضعية المُتردية والمُتشرذمة التي يعيشها، والموقف المتفرج الذي لا يتمظهر سوى في التحسر على أحوال البلاد والعباد وإبتلاع النطق وكل ما على اللسان ليعيش فقط في(مأمن) و بـ(أمان)!. المثقف العراقي يعلم تماماً، وقبل الجميع، بأن هذه الوضعية ليست من مصلحته على المدى البعيد حتى وإن ضمِنت له الى أجل تجنب شرور الأقدار و غدور الأنذال من أهل السياسة و وجوه السلطان. أنه يعي بأن الموقف هذا- التفرج والتجنب- غير مُشَرّف له أبداً ولا يعكس تطلعاته أو طموحاته المجتمعية، التي ينبغي العمل من أجلها بل التضحية في سبيلها دون الرهان على من ظَهَرَ فشله الذريع للجميع بل وصل الأمر معه الى إنحدار البلد كله صوب الهاوية تماماً. المثقف العراقي، للأسف، لم يستطع، قبل كل شيء، أن يجسد هوية عراقية جديدة، مُنعكسة للتركيبة الفسيفسائية للمجتمع، وإن إدعت البعض هذا سرعان ما نجد إختزاله لهذه الهوية فقط في الصورة النمطية التي رسمها البعث في مخيلته، والتي تتمثل في طغيان البعد العربي لها على حساب مكونات أخرى مجتمعية لا ترى ما يمثلها في هذه الهوية - ومن حقها أن تكون كذلك - طالما كان خطاب الهوية هذه، خطاباً إقصائياً، أو على الأقل غير محتويٍ لعناصر أساسية نعلم بأنها لم تُمنح حق الوجود والمشاركة بفعل سيطرة الآيديولوجية الشوفينية التي كانت سائدة في حقبة النظام البعثي البائد(1968-2003م). المثقف العراقي فشل في إستقطاب نفسه كشريحة إجتماعية متميزة، تقود لنا مسيرة فكرية وثقافية مثمرة في المجتمع وتؤثر على حقل السياسة وعقول الساسة وظاهرة التحزبات السائدة، المفرطة اللاعقلانية والمُتحاربة، التي شتتت المجتمع وفك إرتباط إجزائه ببعضها البعض لحد قتل وتصفية البعض على الأسماء والإنتماء الى مذهب دون آخر أو قومية دون أخرى. المثقف العراقي أخفق أيضاً في إنتاج ثقافة جديدة وحداثية تجعل المواطن يتمسك بهويته الوطنية العريضة و لايتحصن خلف الإنتماءآت الثانوية وتفضيلها على أي إجتماع وطني حضاري متسامح ومنفتح. المثقف العراقي، لم يقدر حتى الآن أن يشكل وسطاً مجتمعياً مؤثراً تُراهن القوى الإجتماعية الأخرى على تماسكه وتعاضده وجعله إنموذجاً يحتذى به على مبدأ الإحتكام بالمُثل العليا وتقليد أهل الصفوة في المجتمع وتقاليدهم الفكرية والسلوكية تجاه الإنسان والمجتمع والعالم وكل القيم الأخرى الكفيلة بإرتقاء المجتمعات وتحضرها. المثقف العراقي لم يستعن بل لم يهتم أصلاً حتى بتجارب المثقفين والنخب المتنورة في الدول المتقدمة ودورهم الرمزي والمعنوي الكبير في بناء الوطن والمواطن وترسيخ القيم الجماعية الجديدة التي تعجز أي أمة على وجه المعمورة أن تنهض بدونها ومن دون القطيعة مع كل ما يسبب لها التقوقع والتخلف إن كان بإسم (الأصالة) أو محاربة (الغزو الثقافي) اللَذين أصبحا أمثلة على عناوين ذرائعية لاترمي اليوم الى شيء ما إلا المزيد من الإنغلاق أمام حركة التاريخ ومساره. المثقف العراقي لم يعد يتمتع بأي مناعة فكرية أو ثقافية أيضاً تجاه مخططات الأحزاب والمذاهب لإحتواء مواقفهم وأفكارهم وجعلهم مجرد شريحة تابعة مُتبنية لكل ما يفتون و يقولون ويعملون دون أي إعتراض قوي لاتعقبه الخيبة، ولم يعد يقاوم المغريات المادية والمعونية، التي تمنحها الأحزاب والتيارات وترشها لشراء الذِمم وتفريغ البلد من أي أصوات مجتمعية أو تكتلات إجتماعية ترفض التفاعل والقبول بالواقع القائم في البلد، والذي لم يُعد يطيقه أحد حتى المتحزبين والمتمذهبين أنفسهم، اللذين لايمثلون الآن أي دور يُذكر سوى إنتهازية الطاعة للأجنبي وتنفيذ الإملاءآت الخارجية لا غيرها. المثقف العراقي فشل حتى في بيان أي رغبة حقيقية للمشاركة في مظاهرات القوى الإجتماعية الفاعلة في المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة الى الآن، وقيادتها لهذه الإعتراضات الجماعية ضد الوضع القائم، ولم يشكل كتلة موحدة فكرياً وعملياً لتكثيف الضغوط على القوى المتنفذة في البلاد وإرضاخهم لإرادة الشعب ومطالبه المتمثلة في الحد من الفساد والبطالة والعنف المؤسسي والسرقة المنظمة، التي يشهدها البلد منذ حوالي عقدين من الزمن دون حد أو حدود!. المثقف العراقي لم يقدر أن يلم شمله حتى في المنفى وبلاد الحرية، حيث لا رقابة على القول والفعل والنظيم والدعوة السياسية والفكرية، وإنما ظل مشتتاً ومتشرذماً الى الآن، يُتابع وحسب الأوضاع كبقية الناس العاديين، الذين لا يفقهون الأمور، بينما المثقف، في كل مجتمع، يُعرف تقليدياً وبخطاب فكري وسياسي، على أنه يُشكل دوماً ضمير الأمة والأنسانية، ومُستَوجب عليه إبداء مواقف تُماهي هويته المعنوية ورصيده المجتمعي وتؤثر بها على الوقائع والأحداث أو الشؤون والشجون. أي أن لايقف هذا الكائن، في النهاية، مكتوفة الأيدي وخالٍ من كل شعور بالمسؤولية الوطنية، أو على الأقل لا يتستر على ما يجري في البلد على أيدي أحزاب وتيارات ومذاهب سياسية ودينية يُدرك تماماً بأنها حطمت العراق ومجتمعه في وضح النهار ودمرت أبسط مقومات النهوض ثانيةً بسبب غيابه هو وقوى أخرى إجتماعية قادرة على أن تواجهها وتحد من غطرستها وسلبها ونهبها المُنَظَّمين لكل خيرات البلد وثرواته. كاتب وأكايمي من كُردستان العراق


  صلاح حسن بابان يربط كثيرون بين عودة مسلسل الاعتداءات على الصحافيين والنشطاء وبين اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية التي يتوقع إجراؤها في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. لكن هذا يفتح الباب على احتمالات تجدد مشاهد الاغتيالات والتصفيات والخطف على أبواب الانتخابات.  هذه المخاوف عادت مجدداً إلى الواجهة مع اغتيال مدير الحملة الدعائية الانتخابية لعضو مجلس النواب رعد الدهلكي المنتمي لكتلة “اتّحاد القوى”، والمعروف بمعارضته الشديدة للميليشيات والفصائل المقرّبة من إيران. قتل الدهلكي مع ابن شقيقه بمسدساتٍ كاتمة للصوت في منطقة “المرادية” جنوب غربي قضاء بعقوبة التابع لمحافظة ديالى، لكن مدير شرطة المحافظة يقول إن الحادثة لها علاقة بـ”ثأر عشائري”. الذاكرة العراقية ما زالت تحتفظ بصدمتها حتى الآن من هول فاجعة الاغتيال الذي تعرّض له المحلّل والباحث والناشط السياسي هشام الهاشمي (47 سنة) أمام منزله شرق العاصمة بغداد مساء الاثنين في السادس من حزيران/ يونيو من العام الماضي على يد مسلّحين مجهولين يستقلون دراجتين ناريتين، في هجوم أثار موجة غضب وتنديد في العراق وخارجه، ليخرج أحمد ملا طلال الناطق باسم رئيس الوزراء بعد أشهر قليلة من الحادثة ليؤكد أن “لجنة التحقيق توصلت إلى القتلة، لكن لا يجوز التصريح بهويتهم، حفاظاً على سير التحقيقات وسريتها”. ليتسبب هذا الكلام، على ما يبدو، بتقديمه استقالته لاحقاً.  لا يُمكن فصل الاغتيالات عن التنافس السياسي في العراق بين القوى المتنازعة على السلطة منذ عام 2003، مع الاختلاف في الأساليب، لكن يبقى المشترك هو صناعة الموت. يترافق ذلك مع عجز واضح لدى الأجهزة الأمنية في معالجة هذه الظاهرة، فضلاً عن فشلها في كشف الجهات التي تقف وراء عمليات الاغتيال، مع ان الجهات التي تقتل تترك، غالباً، بصمتها السياسية على الجرائم، ومن الواضح أنه لا يمكن لأي جهة تنفيذ اغتيالات معقدة، لم تمتلك أسلحة وفصائل عسكرية وامكانية حركة على الأرض، تمكّنها من العمل بحرية، والإفلات من العقاب. الغريب في هذه الظاهرة أيضاً، أنّها بقيّت فاعلة وجارية في العراق منذ تأسيس الدولة فيه عام 1921، من العهد الملكي، مروراً بالحكم الجمهوري وحتى بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، لتتخذ أشكالاً ومسارات وأساليب متعدّدة وجديدة بعد ذلك، لكنها حافظت على هدفها: إسكات الأصوات المعارضة والترهيب. ليبقى الاختلاف بين زمن صدام وزمن ما بعد صدّام، أن الاغتيالات كانت تحدث قبل عام 2003 بتوقيع وتوجيه من السلطة مباشرةً، ليختلف الأمر بعد سقوط الطاغية، عبر استخدام فرق مدرّبة ومجهّزة عسكرياً، وتعمل وفق أجندات مموليها الخارجيين. رئيس مجلس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي يتوعّد دائماً مثل أسلافه بعدم السماح للجناة الإفلات من العقاب مها طال الزمن، لكن حتى الآن لم يكشف إلا عن عصابة موت واحدة اعلن الكاظمي القاء القبض عليها فيما لا يزال معظم القتلة طليقين.  تزايد الاغتيالات مع قرب الانتخابات يرتبط برغبة لدى الميليشيات التي تنفذها بإقصاء أي احتمال للتغيير في المشهد السياسي العراقي الذي طالب به النشطاء في حراك تشرين، حينما رفعوا شعارات انتخابات نيابية حرة خالية من السلاح. الاغتيال يأتي لتأكيد ان السلاح سيكون حاضراً كناخب أساسي في الانتخابات النيابية العراقية المقبلة. محمد نعناع، محلل سياسي، يقول إن هذه الجهات التي تغتال، لا تقبل بصعود أيّ مشروع آخر يعارض توجهاتها. وتنفّذ اغتيالاتها باعتماد أسلوبين: “الاغتيال المباشر بأيدي عناصرها المنتمين المحترفين بعد جمع معلومات من طريق المراقبة الدقيقة للأهداف، والطريقة الثانية من طريق اختراق الأجهزة الأمنية أو الضغط على ضباط وعناصر في القوى الأمنية لتوجيههم بما يخدم توجهاتها ومشاريعها”. يؤكد نعناع لـ”درج” أنّ هذه الجهات لها من القوة والنفوذ والتمويل ما يجعلها فوق القانون وفوق المؤسسات: “هذا ما يصعّب الكشف عن عملياتها للرأي العام بسهولة”. أمّا الاغتيالات العشوائية غير مفهومة الدوافع، فسببها ضعف القانون وعدم سيطرة الأجهزة الأمنيّة على عصابات الجريمة المنظمة، بحسب نعناع، “وأحياناً تنسّق الجهات ذات الدوافع السياسية والايديولوجية مع عصابات الجريمة المنظمة لتنفيذ الاغتيالات”. يرى نعناع أن تأثير الاغتيالات سياسياً وانتخابياً يطاول بضرره الحركات المنبثقة عن الانتفاضة التشرينية، عبر استهداف نشطائها أمنياً، لثني القيمين عليها عن طرح مرشحين للانتخابات. مع اعتقاده أن الكتل التقليدية لا تتأثر بهذا الجو، لأنها تتحكم بجماهيرها، وكتلتها الناخبة، ولها نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها.  من هنا تضع الجهات التي تقوم بالإغتيالات – بحسب نعناع- في أولوياتها عدم السماح بصعود كيانات انتخابية لها توجهات مغايرة. لكن وعي جماهير تشرين الذين اختاروا طريق التغيير، يجعل النشطاء مصممين على مواجهة هذه الاغتيالات وكشف الجهات السياسية التي تقف وراءها والتركيز على خطورتها على مستقبل العراق والعراقيين. وفي السابق كانت المحافظات ذات الغالبية السنّية، وأجزاء من العاصمة بغداد أكثر المناطق تحدث فيها الإغتيالات مع اقتراب الانتخابات، إلا أن المعادلة إنقلبت هذه المرّة مع اندلاع الثورة التشرينية الغاضبة ضد السلطة والفساد، لتزيد من احتمال أن تكون المحافظات الشيعية بيئة ساخنة للاغتيالات مع ازدياد التيارات الشبابية الجديدة المناهضة للأحزاب الشيعية التقليدية وللتدخل الإيراني. يرى الخبير الأمني سرمد البياتي صعوبة سيطرة السلطات الأمنية على ظاهرة الاغتيالات، لا سيما في بغداد لأسباب عدة، أبزرها عدم وجود منظومة كاميرات في شوارع العاصمة: “من الصعب مراقبة المنفذين لعمليات الاغتيال التي عادة تستخدم الدراجات النارية للهرب بعد التنفيذ، ومرتكبوها مدربون بشكل جيد، إذ يظهر ذلك من خلال اختيارهم مواقيت الهجوم والتنفيذ”. ولكن إذا كانت هناك كاميرات، فذلك يصعّب عليهم المهمة، ويمكّن السلطات من الوصول اليهم بسهولة.


 وفيق السامرائي 1.عندما تتهم  أميركا أطرافا (ولو تنويها) بشن عشرات آلاف الهجمات الإلكترونية على مؤسساتها فهذا ليس تنافسا بل صراع خطير.  وعندما يتحدث الأميركيون عن وجود قدرات ليزرية صينية وروسية يمكن أن/ أو قد تهدد الأقمار الصناعية الأميركية ومنظومات الانترنت مستقبلا، فالقارئ يتوجس من أن يشمل التهديد وسائط ووسائل التويتر والفيسبوك وغيرهما.. أيضا فيعود العالم إلى مرحلة البداءة.  2. أما قصص الصواريخ الفرط صوتية فتدخل ضمن صراع الفضاء وعلى الأرض.  3. الاقتصاد الصيني يتوسع بسرعة والاقتصاد الأميركي في مرحلة مراجعة السياسات الخاطئة السابقة لتأمين ظروف تنافسية مناسبة.  4. التنافس الصراعي في جنوب شرق آسيا صعب ومعقد وهناك توجه أميركي قوي.  5. نفط الخليج كان مهما جدا قبل تطور النفط الصخري الأميركي، وعودة ارتفاع أسعاره كانت بسبب تراجع كورونا والتزام حصص التصدير النفطي، وبعد عقد زمني ومع تطور الطاقة الخضراء لن تبقى أسعاره وتأثيره كما هي.  6. قيل إن وزارة الدفاع الأميركية تقول إنها ستحافظ على دور ووجود قوي في الخليج والقول شيء والمعطيات على الأرض شيء آخر.  7. خلال عشرين عاما خسرت أميركا كما متداول ترليونات الدولارات في الشرق الأوسط، وما حصلت عليه من الخليج ليس إلا جزءً بسيطا وأخطأت إن أعطت أسبقية عالية من جهدها هناك، فبسبب خلل في فلسفة ادارتها السياسية لم تقترب من الشعوب، ولم تتمم حسم موقف، وبقيت قواتها ومؤسساتها مشغولة بحروب متناثرة وبحماية نفسها. ولم تستطع أن تضمن علاقة تتمناها مع حليف شرق أوسطي إلا قليلا منهم، فكثيرون باتوا يبحثون عن تعدد الحلفاء والأصدقاء لضعف ثقتهم بثبات مواقف الادارات الأميركية المتغيرة.  8.المؤشرات الأولية للمتغيرات الاستراتيجية/ التكتيكية في اليمن وملامح التفاهم المستقبلي مع إيران، وفرض ضوابط وقيود على حالات التدخل، وتجنب الاحتكاك بالقيادات، ورفع مستوى قرار استخدام الطائرات المسيرة عدا في ثلاث دول وجعله بيد البيت الأبيض وليس الدفاع، والحاجة إلى صرف المال لمعالجة الوضع الداخلي، ومتطلبات حماية الأمن الداخلي من التدخلات الخارجية، وقصص الليزر الجوي البعيد المدى، كلها تدل على أن كل شيء تحت مراجعة أميركية شاملة ودقيقة لا تتحمل وجع رأس يشغلها على طرفي الخليج، وقد يعود التاريخ الى نصف قرن، وسنرى معادلات أخرى.


القاضي / عبدالكريم حيدر علي بخصوص الحكم الصادر بحق المتهمين الخمس وفق المادة ١٥٦ من قانون العقوبات وعلى النحو المعدل في اقليم كوردستان بموجب المادة (١) من القانون رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٣ الصادر عن البرلمان الكوردستاني اود ان اتطرق الى بعض الجوانب القانونية :-  الاعتراف الجنائي  :  ان الاعتراف اذا كان سليماً ومستوفياً لشروطه القانونية ومن تلك الشروط صدوره من المتهم وهو متمتع بارادة حرة وان يكون صريحاً  وان يكون الاعتراف امام المحكمة وقاضي التحقيق  ،  فاذا كان الاعتراف قد صدر نتيجة الاكراه المادي او المعنوي فلايؤخذ به في حالة ثبوت الاكراه ، الرجوع عن الاعتراف :-  وان قاضي التحقيق وعند مثول المتهم امامه والذي اعترف امام المحقق ولكنه انكر التهمة المسندة اليه امامه وادعى المتهم بانه قد تعرض للاكراه عند تدوين افادته من قبل ضابط الشرطة او المحقق فانه يتعين عليه   ارساله الى الفحص الطبي من قبله مباشرة دون ارجاعه الى الجهة التي تجري التحقيق معه هذا في حالة الاكراه المادي اما اذا كان معنوياً فعلى قاضي التحقيق الاستماع الى اقوال اي شخص يمكن ان يكون شاهداً بخصوص تلك الواقعة كل ذلك من اجل فتح قضية مستقلة بحق القائم بالتحقيق واتخاذ الاجراءات القانونية بحقه وفق المادة ٣٣٣ من قانون العقوبات العراقي ،  اما اذا اعترف المتهم امام قاضي التحقيق فانه يحق له الادعاء امام محكمة الموضوع التي تجرى محاكمته بعد الانكار بان اعترافه بالتهمة في مرحلة التحقيق الابتدائي قد صدر منه نتيجة الاكراه وهنا ايظاً يتوجب على المحكمة ان تجري تحقيقاتها بخصوص ذلك الادعاء ولايجوز لها اهمال ذلك لكي تسير العدالة الجنائية في مسارها القانوني والصحيح واذا ثبت لديها صحة الادعاء فان ذلك الاعتراف كدليل جنائي يتم اهدارها لان القانون رقم ٢٢ لسنة ٢٠٠٣ الصادر عن برلمان كوردستان وفي المادة ٩ منه التي نصت على انه ( يوقف العمل بالمادة ٢١٨ من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي ويحل محلها في اقليم كوردستان مايلي ( يشترط في الاقرار ان لايكون قد صدر نتيجة الاكراه ) في حين كان الاصلي على النحو التالي في القانون المشار اليه ( يشترط في الاقرار ان لايكون قد صدر نتيجة اكراه مادي او ادبي او وعد او وعيد . ومع ذلك اذا انتفت رابطة السببية بينها وبين الاقرار او كان الاقرار قد ايد بادلة اخرى تقتنع معها المحكمة بصحة مطابقته للواقع او ادى الى اكتشاف حقيقة ما جاز للمحكمة ان تأخذ به )  ان المشرع الكوردستاني حسناً فعل عندما قرر بعدم الاخذ بالاقرار  الصادر نتيجة الاكراه بمعنى ان على المحكمة طرح ذلك الاقرار في مثل تلك الحالة وكانه غير موجود ضمن ملف القضية حتى وان أنتفت الرابطة السببية بينه وبين الاقرار او كان ذلك الاقرار الصادر عن الاكراه مؤيداً بادلة اخرى او ادى الى كشف حقيقة ما ، ولكن المشرع قد اخطأ في الحالات الاخرى غير الاكراه والتي تجعل منه معيباً وغير مقبولاً وهي الاقرار الصادر نتيجة الوعد او الوعيد ، فانه من الضروري على قضاتنا الانتباه الى الفرق الموجود في هذه المسألة بين القانون العراقي وبين التعديل الجاري في اقليم كوردستان  مما يتعين على المحاكم الجزائية في كوردستان ملاحظة كل تلك القواعد القانونية عند تقييمها لاقرار المتهم خاصة في حالة رجوعه عنه امام محكمة الجنايات المختصة او محكمة الجنح ، كما ان محكمة التمييز المختصة لها سلطة الرقابة على كل ذلك فاذا لم تكن محكمة الموضوع منتبهة الى ذلك فانها من جانبها تقوم بتقييم ذلك الاعتراف والادلة الاخرى على ضوء القواعد المشار اليه واذا تولدت الشك في الادلة المتحصلة بشكل عام فان عليها تفسير الشك لمصلحة المتهم باعتبار ان الاصل في الانسان البراءة. واعتقد ان محكمة التمييز لايزال في هيئاتها قضاة جديرين بالاحترام وانهم علم بتلك القواعد ولهم خبرة طويلة في ذلك الشأن ، وكما هو معلوم وكما استقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية ومحكمة تمييز اقليم كوردستان بان المحكمة لايمكن لها ان تعتمد على القرائن في اصدار حكمها بالادانة والعقوبة الا اذا كانت مجموعة من القرائن ولايرقى الشك اليها وكافية لتوليد القناعة والوجدان ( هنا نؤكد على الوجدان القضائي الصرف )  - * عضو محكمة تمييز اقليم كوردستان سابقاً


د. اراس حسين دارتاش  الجميع  في العراق على علم بطبيعة المناقشات الداىًرة الان  حول مشروع  موازنة العراق لعام 2021 بصورة و اخرى ، وكل من ينظر الى بنودها حسب مصلحته التي تنطلق من خلفيته الاقتصادية و السياسية ، لذلك هناك من يوًيد بنودها  او يعارضها  ، و هناك من يفضل اعادة صياغتها ...الى اخره من الاّراء بشاًنها. و اكثر المناقشات حدةً بشاًن هذه الموازنة ، هي التي  تتعلق بحصة الاقليم في مشروع الموازنة ، و حسب ما جاءت من الحكومة الى البرلمان ، بنسبة ( 12،67٪؜ ) مقابل تسليم الاقليم لبغداد يوميا ، واردات مقدار ( 250 الف برميل ) من بيع النفط المصدر  إضافةً الى ( نصف) واردات المتاًتية من الكماركُ من المنافذ الحدودية . رغم اننا على شبه قناعة بان النسبة المذكورة  لن تحظى بموافقة الاًغلبية البرلمانية ، الا انها اصبحت هذه الفقرة محط الجدال و النقاش و التاًويل  لدى عدد كبير من أعضاءالبرلمان المحترمين ، سواءً بصورة مقصودة او غير مقصودة ، او قد تكون لأغراض انتخابية و سياسية او غيرها ، الامر الذي ، وكما يبدو ، خلق راًيا عاما لدى بعض  المواطنين العراقيين المحترمين في  محافظات الوسط و الجنوب   ، يفهم منه  ، بان محافظات الاقليم ، و بموجب الفقرة المذكورة اعلاه ، تستحوذ  على حصة اكبر  من الموازنة مقارنةً  ببقية  المحافظات الاخرى ، لذلك فان الاًغلبية البرلمانية التابعة للكتل السياسية  تصر على عدم الموافقة على هذه الفقرة ،  بل و محاولة تعديلها من خلال فرض شروط اقسى على حصة الاقليم من موازنة 2021 ، قد تكون غير دستورية وتكون مجحفة بحق الاقليم و مواطنيه .   على اي حال......وإذا مضت الاًمور على ما يرام ...... وجدنا من الضروري و حسب تقديرنا  المتواضع ، ان نبين للراًى العام  حصة الاقليم ( الفعلية  او الحقيقية ) و كما اقرت من قبل الحكومة في مشروع الموازنة العامة و قبل اجراء فرض شروط غير واقعيةِ و  اشد على حصة الاقليم من قبل الاًغلبية البرلمانية ، و لكي يطلع  الرأي العام العراقي على هذه المساًلة الحساسة  في طبيعة العلاقة بين حكومة الاقليم و الحكومة الاتحادية ، ارتاًينا ان نوضح الامر ومن خلال النقاط التالية  :- أولاً - اذا افترضنا بان البرلمان سوف  يصادق على ( مقترح ) اللجنة المالية  بتخفيض  حجم الموازنة من ( 164 الى 127 ترليون دينار ) ، فانه يترتب عليه ما يلي :- 1- ان حصة الاقليم البالغة نسبة (12،67 ٪؜) من الموازنة العامة  تحدد عادةً بعد (طرح ) مقدار ( النفقات السيادية و الحاكمة ) من الموازنة العامة . 2- ومن خلال مراجعة مقدار النفقات السيادية و الحاكمة التي قدرت في الموازنة العامة في السنوات السابقة   فانها تشكل سنوياً نسبة لاتقل عن ( 30٪؜) من حجم الموازنة العامة ، و حسب هذه النسبة،  فان مجموعها يقدر ب ( 127 في 30٪؜ ) =  38 ترليون دينار تقريباً، ثانياً- وبعد طرح مجموع  النفقات السيادية و الحاكمة  المقدرة اعلاه  بـ ( 38 ترليون دينار ) من مجموع الموازنة العامة المفترضة حسب مقترح البرلمان بـ ( 127 ترليون ) ، يبقى مقدار الموازنة بحدود ( 89 ترليون دينار  ) الذي يحدد بموجبه حصة الاقليم و كما يلي :- 1- ان حصة الاقليم المفترضة بموجب الموازنة العامة المفترضة تبلغ ( 89 في 12،67 ٪؜ ) = 11،3 ترليون دينار تقريباً. 2- لكن بموجب مشروع  قانون الموازنة العامة 2021١ ، فان حصة الاقليم تحتسب من ( النفقات العامة الفعلية ) وليست من (النفقات العامة المفترضة  او المقدرة ) في مشروع القانون  . 2- و كما هو معروف و منذ عام  ( 2005 و لحد الان ) فان الحكومة الاتحادية لم تستطيع  و في احسن الأحوال ان تنفذ ( تنفق فعلياً ) اكثر  من نسبة ( ٧٠٪؜) من مجموع النفقات  العامة المقدرة   . 4- و بموجب الفرضيات اعلاه سوف يبلغ مقدار ( النفقات العامة  الغير فعلية  ) اي غير منفذة لعام 2021  من قبل الحكومه الاتحادية بحدود  ( 89 في 30٪؜ ) =  27 ترليون دينار  ، بينما سوف يبلغ مقدار  ( النفقات العامة  الفعلية ) بحدود ( 62 ترليون ) و التي تحتسب بموجبها  حصة الاقليم الفعلية  بنسبة ( 12،67٪؜ ). خلاصة القول ...... حتى في حالة مصادقة البرلمان على الفقرة المقرة من قبل الحكومة حول  تخصيص نسبة الاقليم  بـ ( 12،67٪ )  في مشروع موازنة 2021 ، فان حصة الاقليم الحقيقية تبلغ ( 62 في 12،67 ٪؜  8 ترليون دينار  تقربياً . ختاماً..... ان تحققت الفرضيات المذكورة اعلاه ، فان  (الحصة الفعلية )  للإقليم تشكل نسبة  ( 6.3٪؜  ) من الموازنة ،  وليست نسبة (  12،67٪؜ ) ، و يستلم الاقليم بموجبها  بحدود ( 8 ترليون دينار ) من حصته  لأربع محافظات الاقليم بحدود ( 6 مليون ) نسمة ، و كل هذا يتحقق ان قام الاقليم  بتسليم واردات مقدار 250 الف برميل لنفط الاقليم المصدر يوميا  و نصف وارداته من المنافذ الحدودية لبغداد. والسوًال الختامي ..... ماذا سوف يحصل للإقليم و لطبيعة العلاقة بين الحكومتين  لو فرضت الاًغلبية البرلمانية شروطاً اقسى من شروط الحكومة على الاقليم في الموازنة ...!!؟؟؟. والبقية اتركها للراًى العام العراقي عسى و لعل ...... مع التحيات .... ‌


كامران قره داغي   نحج النظام العراقي في سحق الانتفاضة لتبدأ أكبر عملية هجرة للمدنيين الكرد عبر الجبال باتجاه تركيا وايران ليتبعها القرار الاميركي بدعم إقامة الملاذات الآمنة لإعادة الكرد إلى ديارهم... كركوك كانت المدينة الكبيرة الوحيدة التي لم تحدث فيها انتفاضة شعبية وحررتها قوات البيشمركة. قررت القيادة الكردية الهجوم على كركوك من ثلاثة محاور، أربيل شمالاً والسليمانية شرقاً وجنوباً. في كتابه بالكردية “نسور قنديل الحمر”، يشرح عضو المكتب السياسي السابق لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني” فريدون عبد القادر الذي كان مسؤولاً عن محور السليمانية وكَرميان التي تشمل كركوك وخانقين وكلار وكفري ودوزخورماتو وغيرها، مما يسميه الكرد بالمناطق الدافئة، أن عمليات تحرير المناطق الكردية كانت تتم بمشاركة قوات البيشمركة التابعة للحزبين الرئيسيين وأحزاب أخرى، لكن تحرير كَرميان قادته قوات “الوطني الكردستاني”، إذ إن مسعود بارزاني المسؤول العسكري في كردستان في اجتماع معه قبل بدء الهجوم، “قال لنا إنكم تمثلوننا أيضاً ونضع الهجوم في أيديكم”. يضيف عبد القادر أن القوات المهاجمة من جنوب كركوك واجهت مقاومة عنيفة في دوز خورماتو، خصوصاً من قبل مقاتلي التنظيم الإيراني المعارض “مجاهدي خلق”، الذي كان يستخدم الدبابات والأسلحة الثقيلة وسقط خلال المعارك الضارية هناك الكثير من عناصر البيشمركة. كان هذا التنظيم الموالي للنظام يقيم قواعد عسكرية في العظيم وقرب جلولاء وقره تبه وسليمان بيك، ومقاتلوه لم يشاركوا في الحرب إلى جانب القوات العراقية وبالتالي ظلت معنوياتهم عالية كما انهم كانوا يدركون ان مصيرهم مرتبط ببقاء النظام البعثي الامر الذي يفسر ضراوة مقاومتهم لقوات البيشمركة. في النهاية حتى بعد تحرير كركوك فإن جنوبها ظل منطقة قتالية ولم تنجح القوات الكردية في الاستيلاء عليها. يروي عبد القادر تفاصيل دقيقة وكثيرة عن العمليات في جبهة كرميان والهجوم على كركوك، ملاحظاً أن قياديين في “الاتحاد الوطني الكردستاني” في مقدمهم نوشيروان مصطفى، توقعوا أن تصبح كركوك عاملاً سلبياً في مسيرة الانتفاضة، مضيفاً أن التطورات لاحقاً أكدت صحة توقعهم.  قوات البيشمركة دخلت من محورين إلى كركوك مساء 20/3/1991 من محوري السليمانية وأربيل وسيطرت على المدينة للمرة الأولى في تاريخ الانتفاضات الكردية، فيما فر منها علي حسن المجيد بطائرة هليكوبتر إلى تكريت تاركاً وراءه في مقار أجهزة النظام وحزب البعث أطناناً من الوثائق التي استولى عليها الكرد وشكلت لاحقاً جزءاً من الوثائق التي نقلت إلى الولايات المتحدة وما زالت مودعة في إحدى جامعاتها وديعة لمالكها الشرعي العراق. وشهد اليوم التالي احتفالات بتحرير المدينة وعيد رأس السنة الكردية نوروز معاً. تحرير كركوك كان نصراً تاريخياً للكرد ووجه ضربة معنوية للنظام البعثي. نوشيروان مصطفى كان أكبر مسؤول في قيادة “الوطني الكردستاني” الذي دخل إلى كركوك. في لقائي الخاص مع نوشيروان مصطفى في لندن، روى لي أنه بعد تحرير كركوك مباشرة تلقت قيادته هناك رسالة من أحد رؤساء العشائر العربية في الحويجة جنوب غربي كركوك، هنأ فيها نيابة عن رؤساء 11 عشيرة عربية سنية رئيسية القيادة الكردية، مقترحاً التعاون والتنسيق بين الطرفين. مصطفى عبر عن اعتقاده بأن موقف هذه العشائر العربية كان نابعاً من مخاوفها من قرب انهيار النظام البعثي الحاكم نهائياً. أطلعني مصطفى على الرسالة التي كان يحتفظ بها في أرشيفه الخاص مشترطاً عدم استنساخها أو ذكر أسماء رؤساء العشائر الموقعين عليها. وجاء في الرسالة أن أجهزة النظام كانت تثير مخاوف السكان العرب بمزاعم مفادها أن القوات الكردية كانت تقوم باغتصاب النساء وتقتل السكان العرب، وتجبرهم على إخلاء قراهم وأملاكهم. لذا اقترح الموقعون أن تقوم القيادة الكردية بتوجيه نداءات عبر إذاعتها لتطمين السكان العرب بأن الثورة الكردية ليست ضد العرب، بل إنها “ضد نظام صدام الذي عانى منه شعبنا عرباً وكرداً مع الأقليات الأخرى”. ووعد موقعو الرسالة بأنه بعد أن توجه القيادة الكردية هذه النداءات، فإن وفداً يمثل رؤساء هذه العشائر سيقوم بزيارة القيادة الكردية. تحرير كركوك كان نصراً تاريخياً للكرد ووجه ضربة معنوية للنظام البعثي. تم بث النداءات والتطمينات التي طلبها رؤساء العشائر، فوصل وفد منهم إلى منتجع صلاح الدين للقاء بارزاني ومصطفى. الوفد طلب تعهدات من الكرد بأنهم لن يتعرضوا للسكان العرب ولن يسمحوا لـ”الجعفريين” الاستيلاء على السلطة. وأوضح الطرف الكردي للوفد “أننا علمانيون ونسعى إلى إقامة نظام ديموقراطي لا يميز بين السنة والشيعة وبين المسلمين والمسيحيين وبين العرب والكرد والتركمان”. وأوضح مصطفى أن القيادة الكردية كانت مهتمة جداً بفكرة التنسيق مع رؤساء العشائر العربية التي كانت حدود نفوذها تمتد حتى الفرات، وفي حال العمل المشترك يمكنها أن تحرر هذه المناطق بما فيها تكريت، خصوصاً أن أعضاء الوفد “تعهدوا لنا بأنهم سيحررون مناطقهم من سيطرة بغداد ولن يحتاجوا إلى أي دعم من الكرد بالسلاح والرجال وكل ما يطلبونه هو أن نرسل معهم فريقاً يمثل القيادة للتنسيق معهم”. فوق ذلك قال مصطفى: “تلقينا لاحقاً معلومات من مصادرنا بأن هذه العشائر اتخذت بالفعل إجراءات محددة تمهيداً للتحرك ضد النظام. وزادت ثقتنا بتعهدات رؤساء العشائر العربية أننا تلقينا رسالة ثانية تطلب التنسيق معنا هذه المرة من نحو 20 رئيساً لعشائر في محيط تكريت”. لكن ما حدث بعد ذلك أن القوات العراقية بدأت الهجوم المضاد ضد قوات البيشمركة فأدركت العشائر العربية أن الوضع أصبح مختلفاً وليس في مصلحة الكرد، فقرر رؤساؤها، حفاظاً على مصالح عشائرهم، قطع اتصالاتهم بالكرد، لكنهم حرصوا على إعادة الفريق الكردي المرافق وسلامة وصول أعضائه إلى المناطق الكردية.  برزان التكريتي يتحرك في جنيف في الأثناء، حدثت تطورات ذات صلة في أوروبا. اتصل برزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام حسين فجأة ليطلب من الكرد لقاءه في جنيف كي يبلغهم رسالة من صدام حسين. كان التكريتي وقتها يشغل منصب ممثل العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف. كانت الانتفاضة الكردية بدأت عندما تلقى الصديق الراحل سرجل قزاز، وهو رجل أعمال كردي كان يقيم ويعمل في مانشستر ولندن في بريطانيا، اتصالاً هاتفياً من التكريتي. تلت ذلك تفاصيل رواها لي قزاز في لقاء خاص أجريته معه في 17/6/1993 في أنقرة، حيث كان ممثلاً لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني”. قزاز جمعته علاقة شخصية مع جلال طالباني وكان موضع ثقة لديه وكان يكلفه القيام بمهمات خاصة في أوروبا، بينها الاتصال ببرزان التكريتي في الثمانينات فنشأت بينهما علاقة شخصية وبعد إقامة العلاقات بين القيادة الكردية والحكومة التركية اختاره ليمثله في أنقرة. هنا رواية قزاز عن اتصالاته بالتكريتي:  “في 7/3/1991 كنت في منزلي في مانشستر عندما أبلغتني ابنتي أن شخصاً اسمه برزان التكريتي يطلبني على الهاتف. قلت لها أن تطلب منه ان يتصل مجدداً بعد نصف ساعة، وذلك كي يسنح لي الوقت لربط سماعة الهاتف بجهاز تسجيل. في 1988 التقى قزاز التكريتي أكثر من مرة في جنيف ليبلغه رسالة من طالباني مقترحاً فتح حوار بين الكرد وبغداد على أن توقف السلطات العراقية عمليات التعريب في المناطق الكردية، ويوقف الكرد القتال ضد القوات الحكومية “لكنه رد بغطرسة قائلاً ومن هم هؤلاء الكرد كي تننازل الدولة للتحدث معهم؟ الآن في الغرب والشرق الناس مستعدون لتقبيل يدي الرئيس صدام حسين”. بعد نحو نصف ساعة، اتصل بي التكريتي مجدداً وذكرني بأغنية عراقية شعبية تخاطب فيها الحبيبة حبيبها الذي هجرها متسائلة هل هو السبب أم أن أهله يمنعونه من لقائها. أجبته بأنني “في آخر مرة التقيتك في 1988 قبل نهاية الحرب العراقية– الإيرانية وبلغتك رسالة من مام جلال اقترح فيها فتح حوار بين الكرد وبغداد على أساس وقف تعريب المناطق الكردية، كان ردك بانك لا تستطيع أن تفعل شيئاً. لكن التكريتي قال إن الأمر مختلف هذه المرة وكل شيء في يدي وأنا وأنت يجب أن نحل المشكلات. هل يمكنك أن تأتي إلى جنيف اليوم أو غداً؟ قلت له إنني سأتصل به لإعطائه الجواب. بعد ذلك هاتفت مام جلال الذي كان وقتها في دمشق لأخبره بما حدث. بعد فترة قصيرة اتصل بي مام جلال وقال إنه اتصل عبر جهاز الراديو مع كاك مسعود (بارزاني) فاتفقنا على أن تذهب إلى جنيف لتسمع ما يقوله برزان، لكنك يجب أن تلتزم التزاماً كاملاً بكل ما يبلغك به، بالتوافق مع أربعة قياديين موجودين في لندن هم فؤاد معصوم ومحمد توفيق عن الاتحاد الوطني الكردستاني وهوشيار زيباري ومحسن دزه يي عن الحزب الديموقراطي الكردستاني. بعدما زودني القياديون الأربعة بتوجيهاتهم وتعليماتهم توجهت إلى جنيف في 8/3 وأقمت في فندق انتركونتينينتال قبالة مقر الممثلية العراقية حيث استقبلني التكريتي. قبل بدء الحديث استدعى برزان موظفاً اسمه ممدوح وأمره بأن يكتب محضراً للجلسة، وأن يدون كل كلمة نقولها من دون أي تحريف لأن هذا الرجل كردي وإذا أهملت ولو كلمة واحدة مما يقوله فإنه لن يوقع على المحضر، بحسب تعبيره. استمر الحديث نحو 6-7 ساعات وتألف المحضر من 40 صفحة. إقرأوا أيضاً: سألني برزان ماذا يريد الكرد؟ قلت أولاً أن تضم منطقة الحكم الذاتي المناطق الكردية كافة، وثانياً يريدون سلطات أوسع وحقوقاً تشرّع دستورياً. هنا أمر برزان الموظف ممدوح بأن يجلب لنا القهوة وعندما غادر الغرفة قال لي برزان: :أطلب ضمانات دولية وأن تجري المفاوضات برعاية دولية أو أقله برعاية الملك حسين”. وبالفعل أضفت هذه المطالب بعدما عاد ممدوح فسجلها في المحضر. أعتقد أن يرزان أراد بذلك أن يكسب ثقتنا وأن يقوم شخصياً بدور مهم لاستعادة نفوذه الذي أضعفه علي حسن المجيد. بالمناسبة، كان برزان يكره المجيد ومرة كنا وحدنا فشتمه بعبارات بذيئة وروى لي أن طارق عزيز طلب منه بعد انتهاء اجتماعه المشهور في جنيف في 9/1/1991 مع وزير الخاريجة الأميركي جيمس بيكر، أن يرافقه إلى بغداد كي يؤيده عندما ينقل كلام بيكر إلى صدام. وأضاف برزان: “في البداية رفضت لكنني وافقت بعدما ألح علي، لكنني في بغداد لم أستطع لقاء صدام أبداً لأن هذا الـ…. الحقير (المجيد) ما خلّاه يشوفني وبعد كم يوم ضجت ورجعت إلى جنيف”. بعدما أضفت المطلب بالضمانات الدولية ودوّنه ممدوح في المحضر تابعت: نريد أن تكون المفاوضات شفافة لأننا كلما كنا نتفاوض مع صدام كان يكذب علينا. هنا توقف ممدوح عن الكتابة ليسأل برزان هل يكتب صدام أو السيد الرئيس، فأجابه برزان بأن عليه أن يدون كلامي حرفياً. في نهاية حديثنا، سلمني برزان رسالة قال إنها من صدام إلى مام جلال. وبعدما عدت إلى غرفتي في الفندق قرأت الرسالة التي تضمنت انتقادات بعبارات شديدة اللهجة للقيادة الكردية واتهامها بالتواطؤ مع الإيرانيين وخيانة الشعب العراقي، لكنه ختم رسالته بعرضه التفاوض بين الطرفين. في 9/3 عدت إلى لندن وفي اليوم ذاته التقيت بالقياديين الكرد الأربعة لأبلغهم بمضمون لقائي مع برزان، لكنني شعرت بأنهم لم يكونوا متفقين على موقف موحد. بعد ذلك سافرت إلى جنيف للقاء التكريتي مرات عدة في 12 و17 و22 و27/3 وفي كل اللقاءات أبلغني بوضوح الموافقة على مطالبنا بأن تتركز المفاوضات على المناطق المتنازع عليها والضمانات الدولية وحتى الفيدرالية. إلى ذلك أبدى موافقة مبدئية على أن تدار الشؤون الأمنية محلياً، فيما ترابط القوات العراقية على الحدود الدولية. عندما بدأنا البحث في الإجراءات اللوجستية قال برزان أن بغداد تصر على أن يكون الاجتماع في عمان وأن يرأس الوفد الكردي جلال طالباني ومسعود بارزاني شخصياً، فيما يكون الوفد العراقي ممثلاً بعزة الدوري وطارق عزيز. لكننا رفضنا وابلغته باستحالة مشاركة بارزاني وطالباني في التفاوض في المرحلة الأولى. في النهاية تم الاتفاق على أن يمثل الطرف الكردي فؤاد معصوم ومحمد توفيق وهوشيار زيباري ومحسن دزه يي. فوق ذلك أبلغته بأن القيادة الكردية تطلب أن يفتتح كل اجتماع الملك حسين وأن يحضر الاجتماعات إما شخصياً أو ولي عهده الامير الحسن بن طلال ممثلاً عنه. أخيراً في اجتماعنا في 22/3 طلب برزان أن يقتصر الحديث بيننا على إجراءات السفر إلى عمان. عدت إلى لندن واتفقنا على اجتماع للقياديين الأربعة في شقتي اللندنية. لكن زيباري لم يحضر. وفي الأيام التالية أيضاً تعذر الاتصال بزيباري فلم يستطع القياديون الثلاثة الآخرون اتخاذ قرار في غياب زيباري. أخيراً عدت إلى جنيف في 27/3 وطلبت من التكريتي مزيداً من الوقت، لكنه غضب واتهمنا بالتسويف والسعي إلى كسب الوقت، لاعتقادنا بأن أميركا وبريطانيا ستساعداننا، بحسب تعبيره. في السادسة مساء اليوم ذاته اتصلت للمرة الاخيرة من غرفتي في الفندق بفؤاد معصوم، فأبلغني بتعذر اجتماع الأربعة معاً لذا لا قرار. وفي 28/3 شنت قوات الحرس الجمهوري الهجوم على كركوك. لماذا تراجعت السعودية عن دعم الانتفاضة؟ ما سلف رواية قزاز للاتصالات مع برزان التكريتي في جنيف. من جهتي تستدعي الموضوعية أن أسمع رأي الطرف الآخر وتفسيره لما حدث فاتصلت وأنا أكتب هذه السطور من لندن بهوشيار زيباري في منتجع صلاح الدين، وقلت له إنني أنوي نشر قصة قزاز وطلبت منه أن يوضح رأيه في روايته للأحداث. زيباري أكد أن غيابه لم يكن عن عمد، بل كان بسبب دعوة عاجلة من السعودية للسفر إلى الرياض للبحث في دعم الانتفاضة. وأوضح أن “السعوديين دعوا وفداً مشتركاً من الحزب الديموقراطي الكردستاني وحركة الوفاق وحزب الدعوة للبحث في خطة تدعم السعودبة بموجبها الانتفاضة في العراق كله، لإطاحة صدام وان مشاركة هذه الجهات تعني تمثيل الشيعة والسنة والكرد”. وتابع أن الوفد “ضم إضافة إليه ومحسن دزه يي، إياد علاوي وصلاح عمر العلي عن حركة الوفاق وابراهيم الجعفري وحيدر العبادي وموفق الربيعي عن حزب الدعوة”. وختم بأن هذا هو السبب الوحيد لغيابه، لكنه لم يستطع أن يكشف الأمر في حينه. لكن السؤال الذي كان يشغل بالي وقتها هو، لماذا تراجعت السعودية عن دعم الانتفاضة؟ في إطار الدراسة التي كان يفترض إنجازها عام 1993 مع الباحثة ميلروي في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، ولم تكتمل كنا أجرينا لقاء خاصاً مع زيباري في منتجع صلاح الدين حول موقف السعودية في ضوء زيارته الرياض في آذار/ مارس 1991. زيباري أوضح أنه التقى مسؤولين سعوديين في مقدمهم الأمير تركي الفيصل وأنه، اي زيباري، شدد لهم على أن الكرد لا يسعون إلى الانفصال عن العراق. وبحسب زيباري فإن السعوديين كانوا “متحمسين” لدعم الانتفاضة وقبول طلبات الطرف الكردي. لكن مع حلول نهاية الشهر وبعدما ظل منتظراً بضعة أيام للاجتماع مع المسؤولين السعوديين مجدداً للبحث عملياً في طلبات الطرف الكردي، أبلغه مضيفوه بأن بطاقة السفر لعودته إلى لندن جاهزة ففهم أنهم غيروا موقفهم فعاد إلى لندن خالي الوفاض. لكن ماذا حدث خلال وجود زيباري في الرياض كي تتراجع السعودية فجأة عن دعمها الانتفاضة؟ لمزيد من التوضيح أعود إلى قصة قزاز لكونها ذات صلة. ففي ختام روايته عن الاتصالات مع برزان التكريتي في جنيف، أخبرني بانه كان في شقته اللندنية مساء 28/ 3 أي بعد يوم واحد من بدء الهجوم العراقي المضاد على كركوك ومناطق أخرى في كردستان، عندما زاره فجأة من دون موعد مسبق الصحافيان الأميركيان جون كولي وتشارلز غلاس وكانا يعملان وقتها في محطة تلفزيون “آي بي سي”. غلاس قال لقزاز إنه كان في كردستان حيث التقى بارزاني وشخصيات أخرى. وأضاف أنه وكولي علما باتصالات قزاز مع التكريتي في جنيف، وأوضحا أن معلوماتهما تفيد بأن مستشار مجلس الأمن القومي الأميركي وقتها برينت سكوكروفت زار السعودية ودولاً أخرى في المنطقة ويعتقدان، أنه ربما زار جنيف أيضاً، لكن وزارة الخارجية الأميركية رفضت أن ترد على استفسارهما في هذا الخصوص أو ما إذا كانت واشنطن شجعت الكرد على التفاوض مع بغداد. لذا طلب غلاس من قزاز أن يكشف ما حدث أمام عدسة التلفزيون، مضيفاً أن فريقاً للتصوير موجود أمام العمارة لإجراء المقابلة معه فوراً. قزاز اتصل بمحمد توفيق وفؤاد معصوم ومحسن دزه يي فأجمعوا على رفض الطلب وشددوا على ضرورة التزام الصمت والامتناع عن الحديث في الموضوع.  “السعوديين دعوا وفداً مشتركاً من الحزب الديموقراطي الكردستاني وحركة الوفاق وحزب الدعوة للبحث في خطة تدعم السعودبة بموجبها الانتفاضة في العراق كله، لإطاحة صدام وان مشاركة هذه الجهات تعني تمثيل الشيعة والسنة والكرد” لتسليط مزيد من الضوء على هذه التطورات أضيف أن مستشار الأمن القومي الأميركي برنت سكوكروفت زار الرياض فعلاً في 27/3/1991 وكان يرافقه مستشار شؤون الشرق الأوسط في مجلس الامن القومي وقتها ريتشارد هاس. وكان ذلك بعد يوم واحد من القرار الأميركي سيئ الصيت بالسماح للنظام العراقي باستخدام طائرات الهليكوبتر الحربية، التي استخدمتها القوات العراقية فورا لشن الهجوم على الانتفاضة الكردية اعتباراً من 28/3. الرأي السائد بين شخصيات عراقية معارضة وأوساط مطلعة في واشنطن هو أن الإداراة الإميركية تبنت الرأي القائل إن انقلاباً عسكرياً أو من داخل النظام يمكن أن يحدث، وذلك أفضل من استمرار انتفاضة قد تؤدي إلى الفوضى وتفكيك العراق. وفي الإطار، فإن سكوكروفت وهاس ضغطا على السعوديين لتغيير موقف الرياض والتراجع عن دعم الانتفاضة. وكنت تابعت هذا الموضوع لاحقاً عندما رتب لي معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى لقاء مع ريتشارد هاس في أواخر حزيران/ يونيو 1993 وكان آنذاك باحثاً رئيساً في “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي” في العاصمة الاميركية. زرته في مكتبه وبعد تبادل الحديث عن أوضاع العراق تطرقت إلى زيارته وسكوكروفت إلى الرياض في 72/3 وأكد لي أن السعوديين كانوا في البداية عازمين على دعم الانتفاضة، لكنهم تراجعوا عن ذلك إثر زيارته وسكوكروفت الرياض. وسألته مباشرة هل غيروا رأيهم عن قناعة أم لأن هاس وسكوكروفت ضغطا عليهم لتغيير موقفهم؟ فوجئت برد فعل غريب من هاس. رأيت وجهه يزداد احمراراً، ثم نهض من مكانه مرتبكاً، وقال بحدة إنه ليس مستعداً للإجابة على هذا السؤال وأي سؤال آخر، لذا فإنه لا يريد استمرار اللقاء. من جهتي، نهضت ولملمت أوراقي وودعته وغادرت مكتبه، متوجهاً نحو المصعد لكنه لحقني قبل أن يصل المصعد واعتذر عن رد فعله السلبي ودعاني إلى العودة إلى مكتبه مجدداً، فوافقت. عاودنا الحديث فقال إنه لا يستطيع أن يجيب على أسئلة تكشف أموراً، لا يستطيع أن يكشفها، فواصلنا الحديث في قضايا أخرى. أكملت اللقاء وخرجت من مكتبه بقناعة تامة بأن رد فعله العنيف على سؤالي كان دليلاً مقنعاً كافياً لي على أنه وسكوكروفت مارسا بالفعل ضغطاً على الرياض لتغيير موقفها من الانتفاضة في العراق. هكذا نحج النظام العراقي في سحق الانتفاضة لتبدأ أكبر عملية هجرة للمدنيين الكرد عبر الجبال باتجاه تركيا وايران ليتبعها القرار الاميركي بدعم إقامة الملاذات الآمنة لإعادة الكرد إلى ديارهم ومن ثم بدء المفاوضات بين القيادة الكردية وبغداد وموقف الأميركيين والروس منها. وفي هذا الإطار، يأتي اتصالي بطلب من جلال طالباني بالسياسي السوفياتي يفغيني بريماكوف الذي كان توسط في مفاوضات 1970 لتحقيق الحكم الذاتي للكرد في العراق. 


  تحسين قادر     مقدمة   لم يكن العراق عبر التاريخ المعاصر بلداً موحداً، إذ تم بعد الحرب العالمية الأولى ربط الولايات الثلاث، البصرة وبغداد والموصل وإلحاق جنوب كردستان قسراً بها بغرض تشكيل العراق الحالي منها. لا يمتلك أي من المكونات العراقية أي انتماء حقيقي للعراق، فكل منها ينتمي إلى نفسه وإلى الجذور الإثنية والمذهبية لھا خارج العراق، أكثر من انتمائه إلى العراق.   العراق الموحد   على مدى القرن العشرين وما مر من القرن الحادي والعشرين ظهرت أربعة اتجاهات سعت إلى تأسيس العراق الموحد وإعطاء المكونات القومية والدينية والمذهبية الهوية العراقية: الاتجاه الأول: محاولة الإنكليز وفئات من الشخصيات البارزة للمكونات (بخاصة النخبة العربية السنية)، إذ كانوا يرومون تأسيس بلد دستوري تكون المواطنة فوق كل الاعتبارات والانتماءات الأخرى. لكن المشكلات البنیویة للمجتمع كانت عقبة أمام نجاح هذا الاتجاه، ومع حلول 14 تموز 1958 وإسقاط الملكية وتعطيل البرلمان وغروب سلطة الإنكليز.. فشلت تلك المحاولة. الاتجاه الثاني: كان الحزب الشيوعي العراقي يسعى إلى تأسيس «وطن حر وشعب سعيد» من منظور وحدة الطبقة العاملة العراقية، إلا أن مسعى هذا الحزب لم يحالفه النجاح رغم النضال الدؤوب والتضحيات الكثيرة له. وبسبب تفاقم أسباب ذاتية وموضوعية، داخلية وعالمية، لم يستلم هذا الحزب السلطة، وفي النهاية تكبد خسائر فادحة، وراحت أتعابه أدراج الرياح، إذ تغلغله الانشقاقات والانقسامات، ورغم إخلاص الحزب ونواياه الطيبة، فإنه لا يستطيع اليوم، إلا بصعوبة بالغة جداً، الحصول على مقعد واحد في برلمان العراق أو في برلمان إقليم كردستان. ففي العراق والإقليم، يطغى ويسيطر القادة والعشائر والأحزاب المؤسسة باسم الدين والقومية والميليشيات على الوضع والموقف. الاتجاه الثالث: الدكتاتورية والحزب الشمولي النامي بين السنة باسم الاتجاه القومي العربي، التي حكمت العراق من 1963 حتى 2003 بالحديد والنار ولم تتورع عن ممارسة العنف والإبادة الجماعية باسم عمليات الأنفال للمكون الكردي، وممارسة أقسى أنواع القتل والظلم إزاء الشيعة والمكونات الأخرى وكافة أنواع وأطياف والمعارضة! وفي النتيجة تسببوا في اشتعال حروب داخلية  و خارجية متتالية.. ومن جانب آخر أبعدوا الشيعة والكرد عن السنة، وجعلوا من العراق سجناً وجحيماً للجميع (ما عدا الأقلية الحاكمة المتسلطة). الاتجاه الرابع: وفي عام 2003 استأنفت وعاودت القوات الأمريكية المحاولة الانكليزية الفاشلة، بغية تأسيس عراق جديد يضم جميع المكونات مع الحقوق المتساوية، ومن أجل ذلك فرضت – عنوة – دستور عام 2005. في الحقيقة، لم يكن عراق ما بعد 2003 جديداً بل كان محاكاة سافرة للعراق القديم، ولم يكن حديثاً بل كان قديماً من ثلاثة جوانب: 1- كانت النخبة وأصحاب القرار العربي يحملون الأفكار والبنى الأيديولوجية التقليدية للعراق القديم. 2- كان الطرف الكردي ملتزماً وأسيراً بفكرة الحكم الذاتي والاكتفاء به والحفاظ على وحدة العراق القديم. وما مشاركة هذا الطرف في العملية السياسية في العراق إلا من أجل المال والمحاصصة الإدارية والامتيازات الشخصية والأسرية والحزبية. في الحقيقة، لم يكن القادة الأكراد والأحزاب الحاكمة في كردستان عراقيين ولا كردستانيين في الفكر والممارسة، بل كانوا ولا يزالون يفتقرون إلى استراتيجية قومية ووطنية واضحة ومدروسة، واتبعوا سياسة يومية وقصيرة الأمد للاحتفاظ بالسلطة وجمع المال لهم ولأبنائهم وذويهم. 3- أصر المجتمع الدولي - وبالأخص أمريكا - على إبقاء العراق القديم موحداً من منظور الجيوستراتيجية القديمة للحفاظ على توازن القوى في الشرق الأوسط، بخاصة في منطقة الخليج لصد المخاطر الإيرانية. ويتضح ذلك من خلال ملاحظة الأمريكيين أن القادة الكرد (مثلما روى ذلك بريمر في مذكراته)، كانوا يولون المال أهمية كثيرة لهم ولأحزابهم... فلجأوا إلى اتباع سياسة الترغيب، لترويضهم وإقناعهم، فتيسر لهم تشكيل العراق القديم من جديد من دون أن يواجهوا أي مشكلة. ونظراً لغياب ثقافة الديمقراطية وعدم الإيمان بسيادة القانون، وحرية التعبير والمساواة بين الأقوام والأديان والطوائف وحقوق الإنسان، باءت هذه المحاولة أيضا بالفشل، فأهملَ المكونُ الشيعي، بحكم الأكثرية في البرلمان والحكومة، تطبيقَ معظم فقرات الدستور (على سبيل المثال تشكيل المجلس الفيدرالي والمادة 140). وفي الوقت الراهن يتراجع الشيعة عن الدستور بشكل رسمي وفعلي، يظهر ذلك من خلال اتخاذ الموقف المتشدد والمتشنج إزاء حقوق ومستحقات الإقليم، وإهمال حل مشاكل المناطق المتنازع عليها وحسمها، وإصدار عدد كبير من القوانين التي تحط وتقلل من قيمة وأهمية حقوق الإنسان! ويشكل ذلك إحباطاً كبيراً لأمريكا بعد أفغانستان، خلال العقدين المنصرمين من القرن الحادي والعشرين، لذلك يُعد انسحاب أمريكا وقواتها أمراً متوقعاً. يسلط المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه الموسوم (بناء الدولة) الضوءَ على ذلك الإحباط والتراجع الأمريكي. ومن الأهمية بمكان، أن نذكر الجميع في هذا السياق، أن المفكر الكردي الدكتور برهان ياسين (الأستاذ الجامعي في السويد) قد أطلعَ القادةَ على مجموعة من التوقعات والسيناريوهات، في رسالة له وجهها إلى الحزبين الحاكمين في كردستان، منها مخاطر إعادة وتكرار المشروع البريطاني في ثوب أمريكي وتوقع إحباط هذا المشروع، مثلما وجدنا فشل المشروع البريطاني مع انهيار النظام الملكي السابق. لقد صاغ الدكتور برهان ياسين توقعه هذا في سؤال: إذا كان المشروع البريطاني العراقي الداعي الى توحيد العراق قد انتهى في الثمانين سنة الماضية بتاريخ مليء بالدماء. فما الذي يضمن أن يكون المشروع نفسه ناجحاً في ثوبه وصيغته وصبغته الأمريكية. وفي الرسالة نفسها يثير الدكتور برهان سؤالاً مهماً أمام قيادة الحزبين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حين يقول متسائلاً: هل يشترك الكرد ويسهم في تأسيس وتشكيل دولة من جديد ثم ينصرف بعدئذ الى المطالبة بحقوقه من الدولة نفسها؟ بإمكان القارئ قراءة الرسالتين في الرابط أدناه: http://burhanyassin.com/2%20name%20bo%20hkumetekan   ولابد من القول، أن الدكتور برهان قد انصرف منذ سنوات الى التنظير لخيبات أمل ثلاث: (ولمزيد من التفاصيل، ممكن الاطلاع على الرابط أدناه: http://burhanyassin.com/Helbijardinekan-dr.%20Burhan%20Yassin   1- خيبة الأمل الناجمة عن موقف السنة ازاء الشيعة وموقف الشيعة ازاء السنة. 2- يأس الكرد من موقف الشيعة والسنة على حد سواء. 3- خيبة أمل أمريكا من مشروع العراق الموحد (عراق الشيعة والسنة والكرد)، أي اليأس من وهم العراق الجديد الذي أرادت أمريكا تشكيله لتضمن فيه مصالحها وتسعى إلى الحفاظ عليه. يعتقد الباحث أن أحد السيناريوهات القوية المتوقعة هو وصول تلك الخيبات الثلاث إلى القمة في وقت واحد، حينئذ يصبح تفكك العراق أمراً حتمياً). ويبدو أن المصالح الأمريكية والفرص والتهديدات في الشرق الأوسط التي تتمثل في (النفط والغاز، الأمن الإسرائيلي، الأسلحة النووية الفتاكة والعنف والإرهاب الإسلامي) يعاد النظر فيها، بمعنى أن الحكومة الأمريكية لا تتخلى عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، بل يتم العمل والتعامل معها بوسائل وسبل مختلفة، منها تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية التي بدأت بالإمارات والبحرين، والتي بالتأكيد ستعقبها سيناريوهات أخرى.   تجربة جنوب كردستان   كانت كردستان على مدى التاريخ ضحية المعادلات الدولية والإقليمية، ناهيك عن العوامل الداخلية. ولقد طرأت تغيرات على المعادلات الدولية منذ عام 1991 لصالح جنوب كردستان، وإن أهم ما تمخض عن هذا التغيير هو انتخابات البرلمان وتشكيل حكومة إقليم كردستان في عام 1992. ومنذ عام 2003 استطاع الكرد بسط سيطرتهم على غالبية جنوب كردستان، من ضمنها مدينة كركوك، وسنحت الفرصة الذهبية لبناء حاضر ومستقبل مشرق للجميع. ولكن لعدم وجود قيادة تاريخية، والتحزب والصراع بين الأحزاب الحاكمة على السلطة والمال، لم يوضع ويُشرّع دستور لإقليم كردستان، وكنا نأمل ذلك، بعد أن توفرت آنذاك فرص ثمينة، قبل وضع الدستور للعراق. ولم يُبذل (في السنوات الخمس عشرة الأخيرة) أي جهد باتجاه تحقيق ذلك، حيث لم تؤسس أجهزة ومؤسسات دستورية، ولم تفصل السلطات عن بعضها البعض، ولم تتحول الأحزاب إلى أحزاب مدنية مجردة من السلاح، ولم تُوحد قوى البيشمركة في إطار جيش نظامي وطني موحد، وأُهمِلَ تشيكلُ محاكم عادلة جريئة ونزيهة، ولم يكترثوا لإجراء الانتخابات في أجواء حرة ونزيهة، ليتم تداول السلطات في جو سلمي آمن.  ومن جانب آخر لم تتم صياغة البنى الاقتصادية والمالية المنتجة. وإضافة إلى ذلك لم يوضع نظام مصرفي وضريبي لضمان معالجة البطالة، ولم نجد تحركاً جدياً بهدف إنشاء سوق حرة، ولم تجر إحصائية، من جانب آخر لم يتم الحفاظ على حرية التعبير وحقوق الإنسان والسعي لتحقيق المساواة بين الجنسين..... صفوة القول إنهم حالوا دون تحويل المجتمع المتحزب المسلح إلى مجتمع مدني حقيقي!   التشاؤم إزاء مستقبل العراق والإقليم   سأكون متشائماً في هذه الظروف بصدد توجه العراق، في ظل هذا النهج والبنى الطائفية المسلحة، نحو التمدين ومعالم الدستور، وقس على هذا النحو كردستان حيث لا نرى في ظل حكم القادة الجائرين والأحزاب المسلحة أي أفق رائق وواضح يبشر بالخير. لقد عانينا الدمار ورأينا أشباح الحروب وعمليات الأنفال العسكرية والإبادة الجماعية، وهذه كلها تجارب مريرة في ماضينا، يُتَوَقَعُ ونتوقع حدوثها في راهننا ومستقبلنا کما جرى للإيزيديين. إنها تجارب تسبقنا وتعيش معنا، حيث اقترفت جرائم إبادة بنوايا وأغراض طائفية ومذهبية مختلفة في بداية ظهور داعش وزواله. وبعد استفتاء 25 أيلول وهجمات 16 أكتوبر 2017 على سكان كركوك والمناطق المتنازع عليها.  ففي ظروف كهذه تتخلف الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للعراق وكردستان وتتفاقم أكثر حد الوصول إلى الانهيار والانحلال. ولا تثمر علاقات سلطات المركز مع سلطة الإقليم شيئاً لصالح الطبقات المسحوقة في كلا الطرفين، بل تصب في مساومات رخيصة وقصيرة الأمد للذود عن الامتيازات الشخصية والعائلية والحزبية لحكام كلا الطرفين، العراق والإقليم معاً. ينال الشعب المظلوم في كردستان والعراق بشكل عام القسط الأوفر من البؤس والفاقه والعوز وخصوصا سكنة مناطق كردستان الخارجة عن حدود الإقليم، والأقليات القومية والدينية للمنطقة.. فيكونون الضحية الأولى في الصراع مثلما كانوا في الماضي.   بصيص أمل   إن توعية الفرد وتقويته لينال حريته وليتمتع بها، والوصول إلى قناعة تفيد ضرورة تَكَّون وبناء المجتمع من أفراد أحرار في ظل المساواة والعدالة على أساس المواطنة، وتمييزهم وتنظيمهم في إطارات مدنية متنوعة، خارج الحزب والسلطة المستبدة الفاسدة في العراق وكردستان، وبناء الحوار وتوطيد جسر العلاقات المتنوعة بين الأكاديميين والناشطين المستقلين ومنظمات المجتمع المدني في العراق والإقليم، تكون مفتاحاً لحل الأزمات. إن إحدى المشاكل الكبرى التي خلقت البؤس للشعب الكادح من كلا الطرفين، هي هذا الإطار العراقي المصطنع قسراً! الذي لا يستفيد منه سوى القادة الفاسدين والأحزاب والميليشيات العائدة لكلا الطرفين، لقد جعلوا من هذا الاطار حجة لعسكرة المجتمع وإشعال الحروب المتتالية التي لا يقف وراءها أي مبرر. «فالفاشية تولد الحرب.. وتخلق الحرب الفاشية». من جانب آخر نرى أن كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر لإخفاء عيوبه ونواقصه الصارخة في الإدارة والحكم الرشيد. فعلى سبيل المثال تجعل الحكومة العراقية مسألة النفط والمعابر الحدودية وعدم تسليم الموارد الداخلية من قبل الإقليم حجة لإخفاء مساوئ حكمها الطائفي والفاسد، فيستشهد بأن الإقليم كله لا يساوي محافظة البصرة من حيث سعة الموارد!. ومن جانب آخر اتخذت حكومة الإقليم من قطع رواتب الموظفين من قبل بغداد حجة تغطي بها إحباطها وعجزها في إدارة الحكم وفسادها المستشري في كردستان منذ ثلاثين عاماً! ففي ظرف كهذا فشلَ المجتمعُ السياسي وأجهزة الحكم في العراق وكردستان في إدارة حكم البلد، وتطبيق الدستور، وحماية السلم والوئام الاجتماعي وحفظ حقوق الإنسان، وتأمين الحياة والعيش وضمان رواتب الموظفين. نعم فشلت في حماية الحدود وسيادتها على سماء وأرض البلد... والأخطر والأنكى من ذلك كله عدم تحقيق المساواة والوئام بين المكونات، بل على العكس من ذلك خُلقت وتُخلق أزمات مستدامة بينهما، إلى حد النزاع العنيف والحروب التي راح أبناء الفقراء ضحايا فيها وأصبحوا وقوداً لنارها. من هنا ولهذا، سيكون حوار المفكرين والأكاديميين والنشطاء والمنظمات المدنية والنقابات الحقيقية والمتظاهرين لكلا الطرفين حول المواضيع كلها، بخاصة ما يتعلق بحق تقرير المصير وتفكيك هذا الإطار الخالق للأزمة والجور، شيئاً مصيرياً للجميع. وإن تحقيق حق تقرير المصير لشعب كردستان وكافة المكونات العراقية يخدم الجميع من دون أي تمييز. وأود أن أقول بالتحديد، بقدر ما يكون استقلال كردستان مفيداً وضرورياً لشعب كردستان، بقدر ما يكون، بل على نحو أكثر، ضرورياً لتحرر شعب العراق وكافة مكوناته. إن تغيير السلطة ونجاح النضال المدني والتخلص من هؤلاء القادة المستبدين والأحزاب الفاسدة والميليشيات العائلية والطائفية سيكون أسهل ويتيسر لكل مكون، إذا استقل الأكراد و المکونات و أصبح لهم كيانهم الخاص.


 عبد الرحمن الراشد   واحدة من الإشكالات الخطيرة التي واجهت السعودية، وبقية الدول الحليفة للولايات المتحدة في الفترة الرئاسية الثانية لباراك أوباما، فلسفتها لما تراه استراتيجية للمرحلة الجديدة. أوباما كرَّر الحديث عنها لكنَّها كانت تعكس رؤية فريق كبير من راسمي السياسة العليا. باختصار شديد، يرى هؤلاء أن مفهوم المصالح العليا تغير كثيراً عمَّا كان عليه بعد مرحلة الحرب العالمية الثانية. الصين، وليست روسيا، هي التحدي الاقتصادي والسياسي، والمصالح مع شرق آسيا. التوجه شرقاً سيكون على حساب الغرب والشرق الأوسط الذي تراجعت أهميته مع تزايد إنتاج أميركا للبترول الصخري فجعلها دولة مصدرة وغيّر تاريخاً طويلاً من العلاقة بين الجانبين. بدأ الانسحاب العسكري الأميركي من المنطقة وتراجع النشاط السياسي بناء عليه. لكن السنوات التالية بيَّنت أنَّ الأمور لم تكن بتلك البساطة. فالتهديد النووي الإيراني خطر عالمي وإن كان بعيداً. الإرهاب يمكن أن يعود ويهدد الولايات المتحدة في عقر دارها. والصين نفسها تزحف باتجاه آسيا وأفريقيا وتستولي على المناطق التي رسمتها على خريطة مشروعها الضخم «الحزام والطريق» الذي يتمدد مثل التنين إلى جنوب شرقي آسيا وأوقيانوسيا وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وطريق بحر الشمال الروسي، ووقعت مع بكين 126 دولة، وأصبحت باكستان تقريباً صينية، بعد أن كانت سابقاً في الفضاء الأميركي. دول النفط الشرق الأوسطية مهمة للغاية كونها المورد الأول للطاقة، والسعودية أكبر مصدر نفطي للصين. هذه تجعل واشنطن تعيد تفسير مفهوم المصالح العليا في ضوء تنافسها الدولي. هذه الصورة من فوق للعلاقات الدولية وعودة التنافس على المنطقة. والتفاصيل الصغيرة لا تخرج عنها. ليست للولايات مصلحة في ترك اليمن مثلاً دولة فاشلة وبؤرة تنمو فيها الميليشيات الحوثية و«تنظيم القاعدة» وتصبح تحت سيطرة إيران. وهي لا تريد القتال هناك، وبالتالي ليس لها خيار سوى دعم التحالف العربي بقيادة السعودية. من جهة تريد واشنطن إرضاء المنظمات التي تدعو لوقف الحرب لأسباب إنسانية، لكنها لا تملك حلاً ينهي سبب المأساة الحقيقي وهو استيلاء الحوثيين على اليمن. ومن جهة أخرى يريد بايدن دعم التحالف وتعزيز نفوذ بلاده من دون التورط العسكري مباشرة. والحقيقة أن إدارتي أوباما وترمب السابقتين كانتا مع دعم التحالف وبيعها الأسلحة رغم التصريحات التي توحي بعكس ذلك. وحتى ما هلَّلت له وسائل الإعلام المعادية برفع إدارة بايدن اسم الحوثي من قائمة الإرهاب لتعكس قرار إدارة ترمب، فإنَّ القرار ينسجم مع بحثها عن حل سلمي حيث لا يمكن التفاوض مع الحوثيين إذا كانوا على قائمة الإرهاب. ولا بد من التذكير أن ترمب لم يصنف جماعة الحوثي إرهابية إلا قبل 10 أيام من خروجه من الرئاسة. أما تصريحات واشنطن ودعواتها للسعودية ومصر ودول المنطقة حول تعاملها مع ما تعتبره قضايا حقوقية والمطالبة بالإفراج عن موقوفين، فهو عرف يتكرَّر مع معظم الحكومات الأميركية، لكنَّها لا تستطيع أن تفرض على هذه الحكومات تغيير قوانينها ولا الإفراج عمن تعتبره يهدد أمنها. وقد تغادر الإدارة الأميركية الحالية من البيت الأبيض بعد سنوات قبل أن يخرج المحكومون في مدد طويلة. لهذا فإنَّ المراهنة على بايدن وإدارته في تغيير الأوضاع أو فرض الضغوط لا تنسجم مع المصالح العليا لهذه الدول المقدمة على مصالح الأفراد. كما أن تسويق مفهوم الوصاية والإملاء هو جزء من دعاية القوى العاجزة. الدول العربية تعرف أن المصالح طريق من مسارين. والولايات المتحدة كدولة في الأخير تحكم مصالحها مع دول المنطقة، وإلا لن تجد عندها اهتماماً بقضاياها أو شكاواها.   الشرق الاوسط


حسني محلي  تضع الأوساط التركية الرسمية العديد من السيناريوهات في ما يتعلق بالسياسات المائية التي تتضمّن دراسات جدية حول مصادر المياه، ومنها الأمطار والمياه الجوفية، إضافةً إلى الأنهار المذكورة التي يزيد عددها على 100 نهر.  بعد أن أصبحت تركيا طرفاً أساسياً في مجمل تطورات الملف السوري مع سنوات ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وضعت أنقرة العديد من السيناريوهات والحسابات لعلاقاتها المستقبلية مع دمشق، وعبرها مع باقي دول المنطقة، وفي مقدمتها العراق المجاور لتركيا وسوريا وإيران.  وتأتي مياه الفرات ودجلة والأنهار الصغيرة الأخرى (حوالى 12 نهراً مع سوريا و3 مع العراق) ضمن هذه الحسابات، وخصوصاً مع استمرار مواسم الجفاف التي يبدو أنها ستنعكس بشكل أو بآخر على سياسات أنقرة المائية مستقبلاً مع الدولتين المذكورتين.  وكانت مياه الفرات دائماً مادة مهمة في المساومات التركية مع سوريا والعراق معاً أو على انفراد، منذ أن بدأت تركيا ببناء السّدود على نهر الفرات، وأولها سدّ كابان الذي تمّ افتتاحه في العام 1974، ثم سدّ كاراكايا في العام 1987. وكان سدّ أتاتورك الذي تمّ افتتاحه في العام 1991 هو الأهم في أزمة المياه بين تركيا وكل من سوريا والعراق، وخصوصاً بعد أن قال رئيس الوزراء سليمان ديمريل في العام 1991 "إن الدول العربية تبيع نفطها، فلماذا لا نبيع أيضاً مياهنا؟".  وقد أصرّت أنقرة منذ البداية على بناء السّدود بعد أن رفضت التوقيع على الاتفاقية الدولية (1997) التي تنظم عملية الاستخدام المشترك لمياه المجاري الدولية المشتركة، ومنها النيل والفرات ودجلة، وهي تقول إنّ الأخيرين نهران تركيان عابران للحدود، وليسا نهرين مشتركين، ومن حقّها التصرف بمياهها كما تشاء، مع مراعاة مصالح دول المصب.  تعود جذور أزمة المياه التركية مع سوريا والعراق إلى العام 1920، عندما تم التوقيع على اتفاقيات "ثلاثية وثنائية" بين وتركيا وكل من سوريا (مستعمرة فرنسية) والعراق (مستعمرة بريطانية) لتقسيم المياه وفق المعايير الدولية المتبعة آنذاك. وتضمّنت اتفاقية "لوزان" (1923) التي اعترفت الدّول الغربية بموجبها بالجمهورية التركية الحديثة، وريثة الدولة العثمانية، بنداً خاصاً بنهري دجلة والفرات جاء فيه: "لا يحق لأية دولة من هذه الدول الثلاث إقامة سد أو خزان أو تحويل مجرى نهر من دون أن تنسق مع الدول الأخرى لضمان عدم إلحاق الأذى بمصالحها".  ومع استقلال سوريا والعراق، بقيت المياه مشكلة أساسية تعرقل إقامة علاقات ودية دائمة بين الدول الثلاث التي لديها ما يكفيها من المشاكل الأخرى التي منعتها من تطوير العلاقات في ما بينها، مع استمرار الشكوك السورية والعراقية دائماً باحتمالات أن يستخدم الجانب التركي المياه كسلاح ضدها. وقد بيّنت وثائق السفارة الأميركية في طهران (4 تشرين الثاني/نوفمبر 1979) "أن المخابرات الأميركية CIA اقترحت على مدير عام مؤسسة المياه الوطنية سليمان ديميريل في العام 1955-1956 بناء سدود كبيرة على الفرات، لتكون سلاحاً بيد أنقرة ضد سوريا التي كانت علاقاتها سيئة آنذاك مع تركيا". ويفسر ذلك فشل الاتفاقية التي وقع عليها الرئيس تورغوت أوزال في العام 1987 مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، بعد أن تأثرت بالتوترات التي شهدتها العلاقات بين البلدين، بسبب اتهام أنقرة لدمشق بدعم حزب العمال الكردستاني، إذا ما تجاهلنا قضية لواء الإسكندرون ذات التأثير النفسيّ. وقد تعهّد الجانب التركي وفق اتفاقيّة 1987 بترك 500 متر مكعب في الثانية من مياه الفرات لكل من سوريا (42%) والعراق (58%)، على أن تزداد هذه الكمية لتصل بعد 5 سنوات إلى 650 متراً مكعباً، مقابل تخلي دمشق عن هذا الدعم، من دون أن تمنع هذه الاتفاقية أنقرة من بناء سدي بيراجيك (50 كم عن الحدود مع سوريا) وقرقميش (على بعد 3 كم من الحدود السورية) وسدين على نهر دجلة، فيما تخطط مؤسسة المياه الوطنية لبناء ما مجموعه 22 سداً على النهرين المذكورين، لتصل كمية المياه التي سيتم تخزينها في هذه السدود إلى حوالى 140 مليار متر مكعب. وتخطّط أنقرة لريّ 1.8 مليون هكتار من الأراضي الزراعية بهذه المياه، كما تهدف إلى توليد 27 مليار كيلو واط /ساعة من الكهرباء (23% من استهلاك تركيا) من هذه السدود، إضافةً إلى حوالى 750 سداً بمختلف الأحجام (550 منها سد كبير) بنتها تركيا على عشرات الأنهار الصغيرة والكبيرة، ويزيد طولها داخل الحدود التركية على 20 ألف كم.  وجاءت أقوال الرئيس إردوغان الأسبوع الماضي، إذ قال "إن تركيا ليست غنية بالمياه، كما يعتقد البعض"، لتثير العديد من التساؤلات حول احتمالات استخدام المياه كسلاح في مساومات أنقرة المحتملة مع سوريا والعراق، والأهمّ مع "قسد" ووحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على شرق الفرات بدعم من واشنطن، التي تتخوّف أنقرة من أن تسعى إلى إقامة كيان كردي مستقل في المنطقة، كما هو الحال في الشمال العراقي.  وتضع الأوساط التركية الرسمية العديد من السيناريوهات في ما يتعلق بالسياسات المائية التي تتضمّن دراسات جدية حول مصادر المياه، ومنها الأمطار والمياه الجوفية، إضافةً إلى الأنهار المذكورة التي يزيد عددها على 100 نهر.  وتقدّر هذه الدراسات الطاقة الإجمالية للمياه السطحية (الأمطار) والجوفية التي يمكن الاستفادة منها بحوالى 115 مليار متر مكعب، يتم استغلال حوالى 60 مليار متر مكعب منها سنوياً. ودفعت هذه الأرقام أنقرة إلى تنفيذ العديد من المشاريع لبناء السدود الجوفية، وهي تقنية جديدة تساهم في تخزين المياه الجوفية، كما هو الحال في الأنهار التي تبني عليها أنقرة سدودها.  ولم تمنع هذه الحسابات أنقرة من الاستمرار في بناء مئات السدود على عشرات الأنهار التي تنبع في أراضيها وتصب في البحار (إيجة والأبيض المتوسط ومرمرة والأسود)، أو تغادرها إلى دول مجاورة أخرى، ومنها إيران وجورجيا وأرمينيا وبلغاريا واليونان، أو تأتيها من هذه الدول، في الوقت الذي نجحت تركيا في مد الأنبوب (80 كم) الذي ينقل المياه تحت البحر (75 مليون متر مكعب سنوياً) إلى شمال قبرص التركية مع حسابات لبيع هذه المياه للقبارصة اليونانيين، وحتى "إسرائيل"، فقد فشل الرئيس الراحل تورغوت أوزال في مشروعه لمد أنابيب المياه إلى "إسرائيل" مروراً بسوريا ولبنان، وأنبوب آخر يمتد إلى دول الخليج عبر الأردن لبيع مياه نهري سايهان وجايهان لهذه الدول. وترى العديد من الدراسات الأكاديمية في الغرب في المعطيات التركية سبباً كافياً لتخوّف كل من العراق وسوريا من الانعكاسات المحتملة لسياسات أنقرة مع الدولتين المذكورتين بالعنصر الكردي فيهما، فالجميع يعرف أن تنفيذ أنقرة مشاريعها على نهري الفرات ودجلة والأنهار الصغيرة الأخرى سيضع العراق وسوريا أمام تحديات جدية ستكون لها انعكاسات خطيرة على الزراعة والأمن الغذائي ومياه الشرب وتوليد الطاقة، وخصوصاً مع التقلبات البيئية التي تهدد بسنوات الجفاف، وفق كل الدراسات العلمية عالمياً.  ومع استمرار أنقرة في سياساتها الحالية في سوريا والعراق، بات واضحاً أنها، عاجلاً أم آجلاً، ستستخدم المياه كورقة مؤثرة في مساوماتها مع دمشق وبغداد والكرد، المستفيد الأول من مياه الفرات ودجلة وباقي الأنهار الصغيرة، باعتبار أن السدود السورية في "قسد". ويفسر ذلك تواجد أنقرة في عفرين (نهر عفرين) غرب الفرات عموماً، إضافةً إلى المنطقة الممتدة من رأس العين إلى تل أبيض، حيث العديد من الأنهار التركية الصغيرة التي تدخل منها إلى سوريا، من دون أن نتجاهل تواجدها في جرابلس، مدخل الفرات إلى سوريا، ومحاولتها السيطرة على عين العرب (كوباني)، وهي على الضفة الشرقية للنهر، وهو الحال في شمال العراق، إذ نجحت تركيا في إقامة العديد من القواعد العسكرية في الجبال الاستراتيجية المطلة أو القريبة من المجاري المائية، ومنها دجلة والزاب الكبير.  ويبقى الرهان أو الأمل في احتمالات العودة إلى علاقات الصداقة بين أنقرة وكل من دمشق وبغداد، وحتى إيران، وهي أيضاً طرف في قضية المياه، وخصوصاً مع العراق، فبعد أن نجحت أنقرة بعد العام 2003 في إقامات علاقات ودية مع سوريا والعراق وإيران وباقي دول المنطقة، أعلن الرئيس إردوغان، وقبله الرئيس عبد الله جول، أكثر من مرة، أنه "لم تعد هناك ما يسمى بمشكلة المياه مع الجارتين المذكورتين، ليعود ما بين النهرين من جديد مهداً للحضارات التي عاشت فيها قبل آلاف السنين"، وهو الكلام الذي أصبح في مهب الريح، كما أصبحت مشاعر الأخوة والصداقة بين أنقرة وكل من بغداد ودمشق في ذاكرة النسيان، بعد أن نجحت سياسات "تصفير المشاكل مع الجيران" في "تصفير الجيران"، وستكون المياه قريباً همها الأصعب!    


 الدكتور مجيد حمه أمين    منذ عقودٍ لا بل قرون يعيش العرب والكرد في فضاءٍ جغرافي واحد، أقاموا حينها علاقات وروابط متينة لم تكن لأبعاد الاختلاف الإثني والمذهبي فيها أي أثر، بل على العكس سادَ التعايشُ السلمي والتلاحم والوئام الذي وصل الى حد المصاهرة والمقاربة وبأجمل صورها، وللأسف الشديد وفي فترات متباينة بعد تأسيس الدولة العراقيَّة الحديثة في العام 1921، تسللت وتسلطت بعض القيادات التي تغالي بالنزعات القوميَّة، التي جعلت منها معياراً «إثنياً» في تصنيف البشر، فكان هناك في نظرهم مواطنون من الدرجة الأولى ومواطنون من الدرجة الثانية، وألحقت هذه النظرة الشوفينيَّة بممارسات ومحاولات تمييزيَّة من أجل تذويب وطمس الهوية القوميَّة الكرديَّة، تعرض خلال فصولها المظلمة شعبنا الكردي الى أبشع صور القمع والإبادة والتهجير. وللأمانة التاريخيَّة نقول إننا لسنا الوحيدين الذين تعرضنا الى هذا الظلم ولكننا قد نكون الأكثر، فقد شاطرنا في هذا النصيب، المكون المجتمعي العربي الشيعي، لذا فهذه التشاركيَّة في المظلوميَّة لا تجعلنا نخشى البوح بالسر في وجود نوعٍ من الود والتعاطف لدى شعب كردستان وأغلب أحزابه وتياراته المجتمعيَّة تجاه شيعة العراق. لقد عانى هذا المكون المجتمعي الأصيل من التمييز بصورٍ شتى تمثلت بحرمانهم وتهميشهم وإقصائهم من لعب دورهم في إدارة الدولة بما يتناسب مع حجمهم الحقيقي في كونهم الأغلبيَّة العدديَّة تارة، وفي كونهم أصحاب الثروات والعقول تارة أخرى، وفي صفحات أشد قسوة مُنِعوا حتى من ممارسة طقوسهم المذهبيَّة. تلك القواسم المشتركة من المظالم والمآسي التي لحقت بهذين المكونين على يد الأنظمة الحاكمة، جعلتهما طرفين متقاربين في الكثير من القضايا ومترابطين بأواصر القرابة السياسيَّة والنضال ضد الديكتاتوريَّة، لذا كانت كُردستان العراق بجبالها ووديانها وقراها، على الدوام، ملجأً حاضناً وملاذاً آمناً لمعظم مناضلي الشيعة وأحزابهم في مراحل تاريخيَّة مختلفة حتى سقوط النظام البائد، قاسمناهم فيها رغيف الخبز وشاطرناهم الخوف والحزن على ما جرى لشعوبنا من أنفال ومقابر جماعيَّة ونحن نسير في دروب المصير الواحد المشترك، سالت وامتزجت فيه دماؤنا وتوحدت أقدارنا وجمعتنا المعتقلات وزنزانات الإعدام في انتظار آجالنا، لم نكن لننسى في يومٍ من الأيام ما أفتى به مراجعهم بحرمة قتالنا وإزهاق أرواحنا عندما كنا نتعرض لأبشع عناوين القهر والاضطهاد، ولم ننس احتضانهم لنا عندما نُفينا وهُجرنا الى مُدنهم وكيف كنا نرى مؤازرتهم ومواساتهم لنا على الرغم من كل بطش وجبروت السلطات الغاشمة حينها. وبناءً على تلك المشتركات والخلفيات السياسيَّة وبعد التغيير الذي حصل عام 2003 وتحرير العراق من بطش الدكتاتوريَّة الصداميَّة، كان طبيعياً أنْ نمضي في التفاهم والتحالف مع ممثلي هذا المكون المجتمعي الأصيل، يحدونا الأمل بأنْ نعيشَ متآخين متحابين متفاهمين في عراقٍ جديدٍ اتحادي فيدرالي تسوده العدالة الاجتماعيَّة وروح المواطنة وسيادة الدستور. كما لم تقصر قيادات الكُرد في أنْ تلعبَ دوراً مسانداً «وأحياناً» وسيطاً في ذلك الوقت لاشاعة روح التآخي بين العراقيين واحتواء خلافاتهم، وربما الاتفاقيات التي رعاها الكرد والتي أبرمت بين الأطراف السياسيَّة لتشكيل الحكومات، دليل على حضور هذا الدور، لا سيما مع المساعي المخلصة التي كان يبذلها الرئيس الراحل مام جلال طالباني بحماسٍ واقتدارٍ لتوحيد البيت العراقي. ومع مرور الوقت وبوجود الكثير من التحديات في بناء الدولة الجديدة والظروف الاستثنائيَّة وما رافقها من حربٍ أهليَّة طاحنة عصفت بالبلاد برزت الخلافات وتعثرت التفاهمات وأجلت الاتفاقيات وكان هذا شيئاً منطقياً ومتوقع الحدوث في نظرنا بحكم الكم الهائل من المشكلات والتركة الثقيلة من التعقيدات التي ورثناها عن النظام السابق، مضافاً إليها محدوديَّة تجربتنا في إدارة الدولة وديمقراطيتنا الفتيَّة الهشة، حتى مع وجود الاختلاف القومي (العربي - الكردي) الذي كان يعتقد البعض أنه ضعفٌ للعراق، كنا ننظر إليه بأنه مبعث قوة له، إنْ استخدمَ بشكله الصحيح، وهي خصوصيَّة لا يمكن التخلي عنها. وكنا نقولها مراراً وتكراراً لشركائنا في الوطن؛ إنّ المشكلة تكمنُ في تحويل الانتماء القومي أو المذهبي الى سببٍ تمحو من خلاله الآخر المختلف.  وكنا نأمل أننا بتعاون شركاء الوطن سوف ننجح في تخطيها، ولكنْ كان هناك شيء مقلق ومنحى خطير ومخيف، فنحن في كردستان لم نكن لنتصور، أنْ تنقلبَ الأمورُ الى هذه الحالة الصعبة، التي تمثلت في ظهور مواقف إقصائيّة من بين ثنايا هذا المكون الأصيل، في السلطة وأجهزة الدولة تكرس جهدها لإقصاء الآخرين.  نعم، إنَّ هناك من يحاول أنْ يسيء الى كل شيء، ويتشبه حتى بثقافة الحكومات الدكتاتوريَّة في وصف الخلافات السياسيَّة بإطلاق شتى النعوت على المختلف، وهو ما يجعلنا ننتظر بفارغ الصبر أنْ يتم التحرك باتجاه الحد من غطرسة هذه النخبة وإصلاح الأمور واحتواء الأزمة، إنها دعوة صادقة وبِنيَّة خالصة في التدخل لحماية تلك العلاقة التاريخيَّة المصيريَّة من أجل ضمان رخاء ورفاهيَّة شعوبنا المظلومة، وهذه الدعوة موجهة الى شخصيات من أمثال سماحة آية الله السيد علي السيستاني حفظه الله، والقوى المؤمنة بالعراق الجديد من السياسيين الشيعة ومن الليبراليين والمثقفين والعقلاء من هذا المكون وكل الذين لا يريدون إعادة التاريخ وتشويه المسار وتاريخ نضالنا المشترك.   * عضو قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني


صلاح حسن بابان “ما فائدة وصول اللقاح في الوقت الضائع، الإصابات بالفايروس في انخفاض مستمر، ولا حاجة ضرورية طارئة لتلقيه مع بلوغ مواطني كردستان مرحلة عالية من الوعي في مكافحة كوفيد- 19، واجتيازنا مرحلة الخطر”. هكذا يعبّر ديلان حمه (44 سنة) وهو موظف في أحد المراكز الصحيّة بمحافظة السليمانية، بسخرية سوداء، عن موقفه من وصول لقاح “فايزر” إلى الإقليم في نهاية شهر شباط/ فبراير المقبل، بعدما فتك “كوفيد- 19″، بأرواح والديه، وأحد اصدقائه المقرّبين في الدائرة الصحية حيث يعمل. أظهر انتشار وباء “كورونا” مواطن الخلل والضعف لدى القطاع الصحي في إقليم كردستان وعدم قدرته على مكافحة الجائحة من دون اللجوء إلى إجراءات صارمة مثل حظر التجوال ومنع التنقل الداخلي بين محافظات الإقليم، وتعطيل المؤسسات التعليمية والخدمية، في وقت ينتشر الفساد لينخر في مختلف القطاعات في كردستان من دون استثناء. ولا يحيد واقع القطاع الصحي الكردستاني عن ذلك الموجود في العراق عموماً الذي يحتل المرتبة 176 من أصل 195 دولة، بحسب المؤشر العالمي للأمن الصحي، استناداً إلى لائحة أعدها مركز “جونز هوبكنز”، ونشر للمرة الأولى عام 2019 وتضمن إشارات إلى مشكلات عدة متعلقة بندرة التمويل، وتدني الأولوية المُعطاة للصحة في الميزانية الحكومية، والبنية التحتية المتداعية ونقص الأطباء وطاقم التمريض. وهناك ما يعادل 8.2 طبيب لكل 10000 نسمة في العراق، وفقاً لـ”منظمة الصحة العالمية”، وهو ما يجعله عاجزاً عن مواجهة تفشي الفايروس. شلّ “كوفيد- 19” مع اللحظات الأولى لإنتشاره قبل نحو عام تقريباً دوام المدارس والمعاهد والجامعات والدوائر والمؤسسات الحكومية، لكنها سرعان ما عادت الى عملها شبه الطبيعي تدريجياً بعد فرض حظر تجوال أخذ أسابيع مظلمة اقتصادياً ومادياً من حياة المواطنين، لا سيما الفئات الفقيرة التي تعتمد على دخلها اليومي لتأمين قوتها. وهو أمر يضع الإقليم بين نارين: الانهيار الاقتصادي أو الانهيار الصحي. وكما هي الحال مع معظم بلدان العالم، ينظر إلى اللقاح كمنقذ على هذا الصعيد. لكن الكثير من الأسئلة والاستفسارات باتت تقلق الشارع الكردي، بعد تعاقد العراق مع شركة “فايزر” لشراء اللقاح، كما أعلن وزير الصحة حسن التميمي، مؤكداً توفير 1.5 مليون جرعة منه على أن تكون أولوية توزيعه على الكوادر الصحية والقوات الأمنية وكبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة. أكثر الأسئلة التي تسمعها بين الأكراد: هل ستعطي بغداد إربيل حصتها من اللقاح أم أنها ستمتنع عن ذلك؟ وهو سؤال يأتي على خلفية الأزمة السياسية بين الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد، والمتعلقة بملف النفط والمعابر الحدودية وغيرها من الملفات الشائكة العالقة منذ سنين، وقد سبق للعاصمة أن امتنعت عن دفع رواتب كردستان وميزانيتها لرفض الأخيرة الالتزام بالاتفاقات المبرمة بينهما، وهو ما أدى إلى وقوع الإقليم في فوضى تأخر الرواتب ووقوع احتجاجات غاضبة في أجزاء واسعة من الإقليم ضد الفساد وتأخر الرواتب ونظام الادخار الإجباري المفروض على الموظفين. يستغرب المتحدث بإسم وزارة الصحة العراقية سيف البدر إثارة هذا النوع من الأسئلة، فـ”التوزيع سيكون مركزياً على جميع المحافظات وبحسب الكثافة السكانية، وستكون لإقليم كردستان حصة معيّنة من الجرعات بالاستناد إلى عدد سكانه ويستلم حصّته كما يستلم بقيّة الأدوية والمستلزمات الطبية من الوزارة الاتحادية”، مؤكداً لـ"درج" عدم قدرة حكومة الإقليم منفردة، على إجراء أو توقيع أي اتفاق لاستلام لقاح “فايزر” أو غيره لأن هذا الإجراء مرتبط حصراً بالحكومة الاتحادية. يأتي نفي المتحدث حول عدم قدرة حكومة الإقليم على إبرام أي عقد حول اللقاح في وقتٍ عقدت وزارة الصحة في حكومة كردستان أول إجتماع لها مع الشركة المنتجة للقاح “فايزر” في 7 كانون الثاني/ يناير 2021 من أجل تأمينه في الإقليم إضافةً إلى اجتماعين موسعين مع شركة AstraZeneca، لتأمين لقاحها أيضاً. يؤكد وزير الصحة في حكومة كردستان سامان برزنجي خوض وزارته نقاشات مكثفة مع شركتي “فايزر”، و”أسترازينيكا” من أجل شراء لقاح فايروس كورونا، في الوقت الذي خصصت فيه حكومة الاقليم ميزانية مالية لشراء اللقاح بهدف البدء ببرنامج التطعيم ضد الوباء. برزنجي يقول إن المسؤولين الصحيين العراقيين “أبلغونا بأن اللقاحات ستصل الى البلاد في نهاية شهر شباط المقبل وستكون حصة الاقليم من هذه اللقاحات مضمونة”. وفتح الإقليم، بحسب وزير صحته، قنوات للتباحاث مع الشركات المنتجة للقاح، وتحدث مع قنصليات بلدانها من أجل تأمين كمية أكبر من الجرعات، مشيراً إلى أن حكومة كردستان أبدت استعدادها مسبقاً لتأمين ميزانية مالية لشراء اللقاح للمواطنين. لا يقتنع المواطنون في الإقليم بوعود الصحة العراقية وصدقيتها بإرسال حصتهم من اللقاح، يقول هورامان خالد (35 سنة) وهو يدفع عربته لبيع “الشلغ” أمام قلعة أربيل الشهيرة: سيتكرر مشهد إمتناع بغداد عن إرسال اللقاح لكردستان كما حصل مع الرواتب والميزانية الشهرية، تعوّدنا منذ سنوات أن نكون الحطب لنار الصراعات بين السلطتين الكردية والعراقية”. وإذا كان هورامان لا يثق بالحكومة الاتحادية، فإن كثيرين غيره لا يثقون باللقاح نفسه، بسبب عوامل نفسية وثقافية وإعلامية، إذ يرفض كثيرون في كردستان تلقي اللقاح بسبب نظريات المؤامرة وما يشاع من أخبار ملفقة حول “آثار جانبية خطيرة”، وهو ما يرجعه المتخصص في الأمراض النفسية د. محمد خورشيد في حديثه لـ"درج" إلى عدم قيام وسائل الإعلام بالتوعية الكافية والصحيحة والعلمية لتشجيع المواطنين على ضرورة تلقي اللقاح وعدم الخوف منه كما يُشاع، إضافةً الى تقصير الدوائر المعنية في وزارة الصحة في التسويق لأهمية اللقاح وتشجيع المواطنين على تلقّيه وتقديم الدعم النفسي لهم.


 عبد الرحمن الراشد  باب الاحتمالات مفتوح خلال الأشهر المقبلة حتى نهاية العام، ومن يعتقد أن الأمور محسومة في أي اتجاه يكون مخطئاً. البدايات ستكون صعبة؛ اشتباكات وحروباً صغيرة حتى. مع هذا، التفاؤل يقول إن سنوات بايدن ستدفع الأمور نحو الحل الإقليمي للعديد من القضايا، لأنها في أساسها مترابطة وبعضها نتاج بعض. وهذا لا يلغي المخاوف من أن تخرج الأحداث عن السيطرة ونشهد أسوأ من كل ما رأيناه. ولأننا في بداية الرحلة مع الإدارة الجديدة، فالأفضل أن نكتشف الاحتمالات الإيجابية ليس من قبيل التفاؤل فقط، بل لأنها واقعية. في رأيي، بايدن أقدر على صنع السلام في المنطقة، لماذا؟ لا أعني بالسلام فقط الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي، الأمر الذي سنتركه لمقال آخر، بل السلام في الصراع الأخطر، إيران. في عهد دونالد ترمب كان هناك مشروع واحد؛ معاقبة إيران. وقد نجح في ذلك، وما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل أيام يعبّر بصدق: «ثلاث سنوات مضت لم أهنأ فيها بالنوم بسبب ترمب»! نجح ترمب في قضّ مضاجع النظام بشكل لم يسبق له مثيل، وصنع واقعاً جديداً سيساعد بايدن على تحقيق صفقة معقولة إن سار على نفس الدرب. لقد استردّ ترمب كل ما وهبه الرئيس الأسبق باراك أوباما للإيرانيين، من مزايا سياسية ومالية. ترمب دفعهم للإفلاس وحاصرهم، وتقريباً هزمهم. لكن، لا بد أن نقول إن النظام لا يزال، رغم ما أصابه، حيواناً جريحاً محاصَراً وقادراً على الإيذاء. يمكن لبايدن أن يبني على إنجازات ترمب ويطرح إنهاء المواجهة والحروب مع إيران، بتعديل الاتفاق الشامل (JCPOA)، أي النووي، بحيث يشمل المنطقة ويمنع التمدد الإيراني خارج الحدود، ويمنع التسلح النووي. الخطورة أن إيران تتصور أن بايدن ضعيف، وإدارته الديمقراطية لا تملك شهية للتحدي والمواجهة، وهذا سيدفع طهران لئلا تتنازل. هنا التصور أخطر من الحقيقة، أياً كانت الحقيقة. وما لم تُظهر إدارة واشنطن أنيابها فإنها ستفشل في إدارة الحوار مع إيران، باستثناء التراجع والقبول بالاتفاق القديم الذي سيشعل المنطقة حروباً وسيفشل. رغم مظهره المتماسك، فإن نظام خامنئي في وضع مزرٍ، ولا يحتمل استمرار العقوبات لسنوات مقبلة. واعتداءاتُه الأخيرة على السعودية والعراق وتزايد نشاطه في أفغانستان، وتجديد محاولات التهريب النفطي في البحار، كلها مظاهر استعراضية للقوة في مواجهة إدارة بايدن التي ترسم خطواتها المقبلة. لهذا، نجاح بايدن يقوم على استثمار نتائج سياسة ترمب وتهديد النظام بأنه قادر على الاستمرار في خنقه. وفي حال استمرت الإدارة في المحافظة على تطبيق العقوبات فإن الإيرانيين سيأتون إلى الطاولة مستعدين أكثر لحل معقول. فالتنازل لبايدن أهون على خامنئي من الانحناء لترمب، ولن ينحني من دون الضغوط الشديدة، حينها ستكون إيران مستعدة لحل سياسي يكمل مشروع الاتفاق النووي الذي فشل أوباما في تحقيقه. وهذا بدوره سيقود إلى حلول متعددة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وحتى إسرائيل في نهاية المطاف. المفتاح يكمن في الاستفادة من العقوبات وليس التخلي عنها.   الشرق الاوسط


د. اراس حسين دارتاش . بصورة عامة... كنا نلاحظ،  ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ولغاية منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، نوعا من الاستقرار الاجتماعي وحتى السياسي في معظم (( المجتمعات الغربية) التي نعتت إعلاميا وفي القاموس السياسي بـ(المجتمعات الديمقراطية)، حيث كانت تحكم من قبل الانظمة (افترضت) بانها ديمقراطية. نحن هنا لسنا بصدد تقييم تجربة تلك الانظمة الغربية بانها كانت ديمقراطية كاملةً ام نصف او ربع ديمقراطيةً، فلنترك هذا  للباحثين المختصين بهذا الشاًن. لكن.... تبدو ان ظروف تلك المجتمعات في (الديمقراطيات الغربية) اصبحت تشكل مصدرا لاًلهام المجتمعات الاخرى التي كانت تعيش في طل (الانطمة الاشتراكية) السابقة التي انهارت معظمها في بداية التسعينات من القرن الماضي تحت تاًثير (ايجابيات) المجتمعات الغربية تجاه (سلبيات) المجتمعات الاشتراكية. وكما اصبحت....ظروف المجتمعات الغربية، أيضاً، تشكل مصدراً لاًلهام معظم الشعوب الاخرى التي تعيش، في معظمها، في دول النصف الجنوبي للعالم في ظل الانظمة السياسية التي توصف بانها، كامل او نصف او ربع دكتاتورية ، والتي يفتقد فيها (الاًمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي) بصورة او اخرى، حيث اصبحت تلك المجتمعات الغربية محط أنظار الشعوب المتواجدة تحت ظل الانظمة السياسة التي تفتقد فيها (العدالة الاجتماعية و السياسية والاقتصادية) بقسط او اخر. على اي حال..... نحن هنا أيضاً، لسنا بصدد تقييم (الحالة المجتمعية و مستوى الديمقراطية) في هذه الانظمة الغربية ، بل ما يهمنا هو، بقدر ما يحصل فيها الان من الانقسامات الاجتماعية والسياسية والتردي الحاصل  في (الحالة  الديمقراطية)  فيها، التي تظهر في عدد من اعرق الديمقراطيات الغربية بدرجة او اخرى. حيث نلاحظ .... منذ النصف الثاني من العقد الحالي، هذا التردي في عدد من تلك الديمقراطيات خيب امال الشعوب المتواجدة  تحت ظل الانظمة السياسية التى تفتقر الى العدالة بأنواعها. وعلى سبيل الاستذكار لا الحصر ..... نحن لا ريد هنا ان نورد ما حصل من الانقسام في المجتمع الفرنسي بين التيار اليميني  والتيار الليبرالي في الانتخابات الاخيرة التي فاز فيها السيد ماكرون ومن ثم ما رافقها من تظاهرات عنيفة ومستمرة لحد الان، ولانورد ما حصل من الانقسامات قي المجتمع البريطاني ومووًسساته السياسية حول الخروج من منظومة الاتحاد الأوربي ولحد الان، ولا نورد هنا أيضاً التشتت و التفكك الحاصل في اتجاهات الدول الأوربية تجاه القضايا و الصراعات الدولية و الإقليمية التي تمسها، ولانورد هنا التلكؤ الحاصل في عمل و تمويل المنظمات  الدولية المتنوعة التي تشرف عليها الدول الغربية بدرجة كبيرة ، هذا ناهيك عن حدوث  الإرباك و العجز في عمل حلف الشمال الأطلسي تجاه الصراعات الدولية التي تمس مصالح الديمقراطيات الغربية . ما يهمنا هنا هو  ..... ما يحصل الان من  (انقسام أفقي ) داخل المجتمع الامريكي و ( انقسام عمودي ) داخل المووًسسات السياسية فيها المتمثلة بالحكومة و مجلسي النواب و الشيوخ و القضاء خلال  ( انتخابات ٢٠٢٠ ) ، و ما  رافقها من ادعاءات من قبل الرىًيس ترامب  ، حول قيام الحزب الديمقراطي و الأجهزة الانتخابية العائدة  له بعمليات التزوير لصالح ترشيح بايدن ، و قد اتهم ترامب مراراً حكام الولايات و محاكمها ، حتى الجمهورية منها ، بالنفاق و عدم النزاهة و التزوير  ......الخ من احداث غير  دستورية التي رافقت هذه العملية الانتخابية و التي هي معروفة للجميع باتجاه هدم العملية و المووًسسات الدستورية . على اي حال ....ان الرىًيس ترامب ، من دون عادة لبقية  الرووًساء ، استغل هذا الانقسام الحكومي و النيابي و القضاىًي بشاًن مصداقية نتاىًج انتخابات ٢٠٢٠ ، و اهم من هذا و ذاك  استغل الانقسام المجتمعي داخل المجتمع الامريكي ، من خلال الأصوات الموًيدة له و البالغة بحدود ( ٧٥ ) مليون صوت الذي يضم معظم ( التيار اليميني ) ، الامر الذي دفع به ان يدعو مناصره في يوم ( ٦يناير ) الحالي و من خلال خطاب مثير  لعواطف ، ان يقومو باقتحام مبنى مجلس النواب  خلال اجتماعه لمنع عملية تصديق نتاىًج الانتخابات لصالح الرىًيس المنتخب بايدن . خلاصة القول ...... أولاً - ان يوم ( ٢٠٢٠/١/٦ ) يعتبر مفارقة  تاريخية في مسيرة الديمقراطية الغربية لتنحدر نحو الهاوية تدريجيا و ان استمر الحال هكذا ، ان يطلب رىًيس اكبر دولة ديمقراطية في العالم من مواطنيه  ، كما يشاع ، باقتحام مبنى البرلمان الذي صادق عليه ديمقراطياً لكي يصبح رىًيساً لتلك الدولة ، الامر الذي جعل من ذلك البرلمان ان يعمل على اتخاذ اجراءات قانونية او ( ناقصة القانونية )  لعزله من الرىًاسة مرة اخرى . ثانياً- ان هذا التشنج و الانقسام المجتمعي و السياسي واصل الى مستوى مرعب و خطير  داخل النظام الامريكي ، بحيث ان (مكتب التحقيقات الفدرالي) قد حذر  من قيام جماعات يمينية متطرفة باحتجاجات ( مسلحة ) في العاصمة واشنطن في يوم تنصيب الرىًيس المنتخب بايدن رسمياً لاستلام مهام الرىًاسة في ٢٠ يناير الحالي، و ان الجيش لأمريكي ، و لأول مرة في تاريخ هذه الدولة ، يدفع بقواته الى واشنطن و (٥٠) مدينة بعواصم الولايات قبل مناسبة التنصيب ، و يوًدي  كل جندي في هذه الوحدات  ((القسم )) لحماية الدستور توخياً لحصول اي انقلاب عسكري داخل النظام الذي يفترض ان يكون ديمقراطياً . ثالثاً - و كذلك لأول مرة يحصل ان جميع القوات المسلحة الامريكية ( الشرطية و العسكرية )  تدخل في حالة التاًهب و الطوارىً لتاًمين هذه المناسبة و الممارسة الديمقراطية كأنها تستعد  لصد عدواناً عسكرياً متوقعاً . ثالثاً - و اغرب من هذا ، يبدو ان الامر خطير الى درجة ، فان واشنطن لم تكتفي بقوات الجيش و الشرطة العلنية و السرية لحماية المناسبة ، بل استدعت ( الحرس الوطني ) من ولايات أمريكية متفرقة لنشر  ( ٢٠ ألفاً ) من قواته في العاصمة واشنطن لنفس الغرض ، والمعروف  تاريخيا فان قوات الحرس الوطني كانت عبارة عن قوات ( ميليشياوية ) للولايات اضطر الكونكرس خلال عقود من الازمنة ان يوًطرها بإطار  من القوانين المتتالية لأجل كبح جماحها و انفلاتها بسبب حملها للسلاح ، و يفترض ان يكون عملها لمواجهة الاًزمات و الكوارث و التعامل مع الحشود المتظاهرين . باعتبارها قوة احتياطية موازية للجيش الامريكي . ختاماً......اذا كان حال من يقود الديمقراطية العالمية بهذه الصورة الماًساوية ، فكيف سيكون مصير الشعوب الاخرى المتطلعة نحو الديمقراطية و التخلص من استبداد انظمتها . و خير مثل يمكن من خلاله ان نفسر حالة الديقراطيةِ الامريكية الحالية هو : (( اذا كان رب البيت بالطبل ضارباً......فما شيمة أهل البيت سوى الرقص و الطرب ))... القصد هو : ((اذا كان رب الديمقراطية بالتزوير متهما ..... .. فما شيمة الشعوب المقهورة سوى  اللطم و البكاء)) ...      


كفاح محمود منذ أيّام تعرض وسائل التواصل شيئاً من إنتاج واحدة من الميليشيات التي تستخدم الكاتيوشا في التعبير عن رأيها، وهذا الشيء الذي أطلقوا عليه "فلماً قصيراً" بدا ناقصاً في فكره وأخلاقياته وتقنياته وتمثيله، ولم يتجاوز وظيفته الدعائية الساذجة، حيث عبر عن نمط تفكير ومستوى وثقافة الجهة التي أنتجته، والمتطابق تماماً مع سلوكها في التعبير عن الرأي وتشويه الحقائق.   ويبدو أن العمل الدعائي هذا جاء كمحاولة لترجمة تمثيلية زعيم حزب اللّه في حديثه عن البارزاني أبان هجوم "داعش" على مخمور، والتي صرح بها قبل فترة مدعياً أن سليماني زار الرئيس بارزاني، مُبدياً استعداد بلاده للمساعدة، علماً أن سليماني هاتف الرئيس ولم يزره، وقد ذكر ذلك الرئيس بارزاني في أكثر من مناسبة وأمام الرأي العام، والفلم الناقص الأخير نجح حقيقةً في تحويل تصريحات نصر اللّه وادعاءاته التمثيلية إلى فلم قصير بائس لا ينقصه إلا الصدق والأخلاق.   ما يُستشف من هذه اللعبة هو إسقاطات سايكولوجية تُعاني منها هذه الجهات ليس مع البارزاني شخصياً فقط، بل مع البيشمركة كقوة أثبتت جدارتها عالمياً وتحولت من قوات لحماية الإقليم إلى رمز عالمي لمكافحة الإرهاب وتدميره، هذا الإسقاط هو مجموعات مركبات نقص متراكمة تاريخياً تُعاني منها كثير من القوى السياسية، التي تعاملت مع القضية الكوردية وخاصةً في السنوات الأخيرة سواء في العراق أو ايران أو بقية دول الجوار، التي فشلت في أن تقدم نموذجاً إنسانياً مزدهراً لشعبها، أساسه قبول الآخر والتعايش السلمي الذي تميز به إقليم كوردستان منذ استقلاله الذاتي في 1992 وقيام مؤسساته الدستورية.   حرب "داعش" التي استهدفت كوردستان وتجربتها وكيانها كانت حرباً أيديولوجية عنصرية بالمطلق، وإقليمية تناغمت فيها الأهداف والوسائل وإن ظهرت إيهاماً بعض الاختلافات هنا وهناك؛ ومصيرية لكوردستان وكيانها، وقد أكّدت الشواهد ونتائج ما حصل على أن "داعش" ليست مجرد منظمة دينية عقائدية غرضها بسط نفود الدين وشريعته بمنظار قادتها، بل مشروعاً تدميرياً هدفه كل المكّونات العرقية والقومية والدينية المختلفة مع نهجه وفي مقدمة ذلك إقليم كوردستان وشعبه، حيث أدرك الرئيس مسعود بارزاني مدى خطورة هذه الهجمة، فلم يجلس في مكتبه ليدير حركات قواته ودفاعاتها، بل اندفع إلى الخطوط الأولى للقتال ولم يكن لوحده، بل أخذ معه كل من يستطيع حمل السلاح من أولاده وإخوته وأبنائهم، موزعاً إيّاهم على جميع خطوط المواجهة مع غزوات داعش، حيث شعر المقاتل ربما لأوّل مرّة في تاريخ الحروب أن القائد العام وأبنائه وإخوته يقاتلون جنباً الى جنب مع الجنود حالهم حال أي جندي في السلاح والذخيرة والمأكل والمشرب، حتى كتب اللّه لهم جميعاً النصر وحمى كوردستان وأرضها وشعبها من تلك الهجمة الهمجية المتوحشة.   لم يكن تنظيم الدولة الإسلامية حكراً كما يدعي لمذهبٍ بعينه، بل أنه نجح في جمع كل المذاهب تحت خيمة عنصرية متوحشة، مفعمة بالغرائز والأحلام المريضة، مستغلاً الخلافات ومندساً بين كل الأطراف، وليس عجيباً ما أظهرته وسائل الإعلام ومعلومات أميركية مهمة عن تعاون وثيق بين جهات إيرانية وتركية وسورية وعراقية مع هذا التنظيم، الذي استُقبِلَ بالورود في كثير من المدن والبلدات من قبل أولئك الذين تلوثت أياديهم وجيوبهم بدماء الكوردستانيين وأموالهم في الأنفال وعمليات النّهب والسّلب التي رافقت كل حروب أنظمة العراق ضد كوردستان، حقاً كان فلماً ناقصاً بكل الاعتبارات أمام حقيقة ناصعة غدت رمزاً عالمياً في الحروب ومكافحة أعتى قوةً في الإرهاب عبر التاريخ، تلك هي بطولة البيشمركة وقائدها ولوحة النصر العظيم الذي رسمته دماء 1755 شهيداً و10 آلاف جريح من البيشمركة، حمّت فيها إقليم كوردستان وكسرت أسطورة "داعش" الإرهابية.


حقوق النشر محفوظة للموقع (DRAWMEDIA)
Developed by Smarthand