باقر الزبيدي أتمنى أن لاتصل الأزمة الراهنة بين الحكومة الإتحادية والإقليم إلى حلول ترقيعية أو مساومات وإتفاقات تحت الطاولة، كما حدث في 2010 عند تشكيل (حكومة الأزمة). إن الطريق الوحيد لإنهاء هذه العقدة الدائمة هو أن يلتزم الإقليم بتسليم كافة إيرادات المنافذ الحدودية والضرائب والغرامات وعائدات النفط سواء كانت الرسمية أو النفط المهرب من حقول كركوك ونينوى أسوة بمناطق الوسط والجنوب والغربية والتي تعتمد الموازنة بالأساس على خيرات أهلها، وأن يعاد توزيع حصص المحافظات من الموازنة خصوصاً محافظات الوسط والجنوب التي ظُلمت ومحافظات شمال العراق التي تُسرق موازناتها الإنفجارية ولايصل منها شيئ للمواطن الكردي، وأن يتم إعادة بناء الموازنة بشكل يسمح بتقليل العجز والإبتعاد والنأي عن ممارسة أسلوب الإقتراض عند كل أزمة خصوصاً ونحن نشهد إرتفاع أسعار النفط والإسراع لإقرار الموازنة من أجل تجنب تأخير الرواتب مرة أخرى. على المسؤولين عند إتخاذهم القرار أن يضعوا بحسبانهم إن الحالة المعيشية للمواطن العراقي هي الأولوية، ولايمكن أن يكون هناك إصلاح من دون ضمان حياة كريمة للفرد العراقي تحت أي ظرف ومهما كانت الصِعاب.
عثمان ميرغني الذين يحاولون قراءة سياسات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن من خلال سياسات أو مذكرات الرئيس السابق باراك أوباما، يخطئون، والأسباب كثيرة. فبايدن عندما يتسلم الرئاسة رسمياً في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، سيجد الأوضاع المحلية والدولية مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل أربع سنوات عندما غادر البيت الأبيض مع أوباما. أربع سنوات تغير فيها المشهد بفعل عوامل كثيرة، وأيضاً بسبب سياسات وأسلوب الرئيس دونالد ترمب. بايدن نفسه تطرق لهذا الأمر في المقابلة التي أجرتها معه شبكة تلفزيون «إن بي سي» الأميركية هذا الأسبوع عندما قال في رده على سؤال مباشر في هذا الموضوع، إن إدارته «لن تكون مثل ولاية ثالثة لأوباما». وبعدما نوه إلى أن العالم مختلف اليوم عما كان عليه في سنوات أوباما، أشار بالتحديد إلى سياسة «أميركا أولاً» التي انتهجها ترمب واعتبر أن هذه السياسة عزلت أميركا وأضعفت دورها القيادي في العالم. عموما بايدن كان نائباً للرئيس، وإن حظي بدور وتأثير مع أوباما، فإن السياسة العامة في نهاية المطاف يقررها الرئيس ويبقى مسؤولاً عنها وعن تبعاتها. وتأكيداً لهذا الأمر فإن بايدن على سبيل المثال لم يكن متحمساً لفكرة تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا، وهو التدخل الذي أسهم في إطاحة العقيد معمر القذافي في 2011، كذلك فإنه يرى أن أميركا تحتاج اليوم لأن تكون أكثر حزماً مما كانت عليه في السابق مع الصين، وقد أوضح تفكيره في مقال نشر في مجلة «الشؤون الخارجية» في يناير الماضي. بعض الناس قد يكونون رأوا أن وجود عدد ممن عملوا مع أوباما في إدارة بايدن المتوقعة يعني أنها ستكون امتداداً لسياسات الرئيس السابق، لكن هذا أيضاً قد يقود إلى نتائج خاطئة. خذ على سبيل المثال أنتوني بلينكن الذي عمل في إدارة أوباما نائباً لمستشار الأمن القومي ثم نائباً لوزير الخارجية، وهو اليوم مرشح بايدن لمنصب وزير الخارجية. فقد بات يرى اليوم أن السياسة التي انتهجت إزاء الأزمة السورية في عهد إدارة أوباما كانت خاطئة، وعبر عن هذا الأمر في مقابلة منتصف العام الحالي قال فيها إنه لا بد من الإقرار بأن تلك السياسة فشلت في منع مأساة فظيعة أودت بحياة آلاف السوريين. بايدن وفريقه سيرون العالم بعين مختلفة عن إدارة أوباما، لأن الأوضاع تغيرت، ولأنهم يحتاجون في الفترة المقبلة إلى رسم سياساتهم الخاصة التي تتناسب مع المشهد الراهن ومع الأولويات الضاغطة. أولى الأولويات للرئيس الجديد ستكون التعامل مع جائحة الكورونا التي طغت مع آثارها الإنسانية والاقتصادية المدمرة على كل ما عداها وكانت من بين الأسباب الرئيسية التي أسهمت في إسقاط ترمب. فأميركا تتربع على رأس قائمة الدول المتضررة من الجائحة بأكثر من 12 مليون إصابة و260 ألف حالة وفاة، وتواجه اليوم ارتفاعاً كبيراً في الإصابات. وسيكون على الإدارة الجديدة التعامل فوراً مع الأزمة وتنظيم عمليات التطعيم مع بدء إنتاج وتوزيع اللقاحات الجديدة التي يؤمل أن تساعد في كبح جماح الفيروس الذي غيّر حياة الناس وضرب الاقتصادات بشكل لم يمر على العالم منذ الكساد الكبير في نهاية عشرينات وبداية ثلاثينات القرن الماضي. في الوقت ذاته سيكون على الإدارة العمل على النهوض بالاقتصاد الأميركي مجدداً، وجزء كبير من هذه المهمة سيكون على عاتق جانيت يلين التي يتوقع أن يعلن بايدن ترشيحها لتكون أول امرأة تقود وزارة الخزانة في تاريخها. في مضمار السياسة الخارجية ستهتم إدارة بايدن أولاً بترميم علاقات أميركا مع المجتمع الدولي ومع حلفائها الغربيين بعد الشروخ التي أحدثتها صدمات ترمب. كان هذا واضحاً في كلمة الرئيس المنتخب التي قدم بها مرشحيه الذين أعلنهم أول من أمس وشدد فيها على أن فريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي يوضح «عودة أميركا واستعدادها لقيادة العالم لا الانسحاب منه»، ويمثل قناعته بأن أميركا أقوى عندما تعمل مع حلفائها، وأنه يتوقع من هذا الفريق «أن يقول لي ما يجب أن أعرفه، لا ما أريد أن أسمعه». هذه العبارات تحمل في طياتها نقداً لنهج ترمب وطلاقاً مع سياساته وتأكيداً على أن الإدارة القادمة تضع في أولوياتها إصلاح العلاقات مع حلفائها في الناتو، وتنشيط دورها في حوض المحيط الهادي، والانضمام مجدداً إلى اتفاقية باريس للمناخ، واستئناف مساهمتها في منظمة الصحة العالمية. خلال المائة يوم الأولى لإدارة بايدن سيتضح للعالم أيضاً ما إذا كانت تنوي اتباع سياسة خارجية حذرة تنأى عن المشاكل ولغة الحرب الباردة، أم أنها ستتبع نهجاً أكثر حزماً لاستعادة دور أميركا في وقت تواجه فيه منافسة قوية من الصين، وتحديات مع روسيا وكوريا الشمالية وإيران. بالنسبة للتدخلات العسكرية فقد أوضح بايدن موقفه أن إدارته لا تريد الخوض في أي حرب «غير ضرورية»، كما قال إنه يفضل حصر دور أميركا العسكري في أفغانستان في قوة صغيرة مهمتها تنصب على الحرب ضد الإرهاب. إدارة العلاقات المعقدة مع الصين ستكون أحد التحديات الحساسة لبايدن، فهو يريد نهجاً أكثر دبلوماسية من ترمب، وفي الوقت ذاته يرى أن أميركا لا بد أن تتصدى بحزم لحماية دورها ومصالحها أمام التنين الصيني الزاحف. وفي مقالاته التي نشرتها مجلة «الشؤون الخارجية» خلال العام الحالي يوضح بايدن موقفه بأن الولايات المتحدة تحتاج لأن تكون أكثر حزماً مع الصين ومع روسيا أيضاً من منظور أن كلاً منهما يشكل تهديداً مختلفاً للمصالح الأميركية. ويشعر بايدن والحزب الديمقراطي بغضب شديد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرون أن تدخلات أجهزته الاستخباراتية في انتخابات عام 2016 كانت من أسباب فوز ترمب على هيلاري كلينتون. ماذا عن قضايا الشرق الأوسط والخليج وأفريقيا؟ الأمر المؤكد أن الإدارة الجديدة ستكون داعمة بشدة لإسرائيل، فبايدن يصف نفسه بأنه كاثوليكي وصهيوني، وقال في أحد خطاباته إنه لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أميركا أن توجدها لحماية مصالحها. لذلك يتوقع أن يستمر الدعم المطلق لإسرائيل وتشجيع الدول على التطبيع معها، لكن من دون الخوض في ملف السلام الشائك في هذه المرحلة، علماً بأن جيك سوليفان الذي رشحه بايدن لمنصب مستشار الأمن القومي لديه دراية جيدة بهذا الملف وقد قاد مفاوضات الهدنة في غزة عام 2012، كما لعب دوراً في المفاوضات السرية مع إيران التي قادت إلى توقيع الصفقة النووية. وفي هذا الصدد فإن إدارة بايدن يتوقع أن تعدل سياسة الانسحاب من الصفقة النووية التي عمد إليها ترمب، لكنها على الأرجح ستريد إدخال تعديلات على الاتفاقية وتضمينها بنوداً تسد بها بعض الثغرات التي ظهرت وأزعجت دول الخليج وإسرائيل أيضاً. ورغم الكلام عن اهتمام بايدن بموضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد تطرق إليه في مقالاته المنشورة وفي بعض تصريحاته السابقة، فإنه لن يكون في أولويات إدارته في ظل جبل المشاكل الذي تواجهه، وستبقى حماية المصالح هي الموجه للسياسات الأميركية. ومن المرجح أن الإدارة الجديدة ستعطي اهتماماً أكبر بأفريقيا من ترمب، وذلك ضمن حسابات التصدي للنفوذ الصيني المتنامي، ولأن الإدارة ستضم وجوهاً لها معرفة جيدة بأفريقيا مثل ليندا توماس غرينفيلد المرشحة لمنصب مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة التي عملت دبلوماسية في أفريقيا (سفيرة لدى ليبريا)، وشغلت منصب مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية من 2013 وحتى 2017. كذلك يتوقع أن يمنح بايدن منصباً ليوهانيس أبراهام وهو أميركي من أبوين إثيوبيين مهاجرين عمل مع إدارة أوباما ويشغل الآن منصب مدير الفريق الانتقالي الذي يشرف على ترتيبات تسلم إدارة الرئيس المنتخب لمهامها من إدارة ترمب. بايدن سيكون بالتأكيد رئيساً مختلفاً عن أوباما، فالرجل لديه خبرة تمتد لأكثر من أربعة عقود في العمل السياسي ما بين عضويته الطويلة في مجلس الشيوخ وعمله في البيت الأبيض، ولديه رؤاه التي يريد تطبيقها. والأهم من ذلك أنه يواجه عالماً مختلفاً عن ذلك الذي كان في فترة أوباما. الشرق الاوسط
أياد السماوي في يوم 08 / 10 / 2020 أصدر قاضي محكمة الفساد البريطانية الحكم على البريطاني من أصل عراقي ( باسل الجراح ) ممثل شركة ( يونا أويل ) الفرنسية , بالحبس لثلاث سنوات وأربعة أشهر بتهمة إفساد موظفين بوزارة النفط العراقية من خلال دفع رشاوى تزيد على 17 مليون دولار , منهم من كان على رأس وزارة النفط ( وزير ) , وآخر كان مدير عام شركة نفط الجنوب الجنوب والذي أصبح وزيرا أيضا فيما بعد , حيث قاموا بإحالة عقود كبيرة على شركات أجنبية يمّثلها في العراق شركة ( يونا أويل ) الفرنسية , وقد وصلت قيمة العقود حوالي مليار وسبعمائة مليون دولار أمريكي .. وفضيحة شركة ( يونا أويل ) كانت قد أثيرت في حزيران عام 2016 من قبل صحيفة ( هفنغتون بوست ) الأمريكية , حيث كشفت الصحيفة حينها أن تحقيقات أجرتها مؤسسة ( فيرفاكس ميديا ) الأسترالية والصحيفة الأمريكية , أثبتت فضيحة فساد كبرى تتعلّق بصفقات النفط العراقية محورها الرئيس شركة ( أونا أويل ) الفرنسية التي تتخذ من إمارة موناكو مقرا لها .. وكشفت الصحيفة أنّ اللاعبين الرئيسين في القضية هما كلّ من باسل الجراح الذي حكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات وأربعة اشهر من قبل محكمة الفساد البريطانية وشخص آخر هو المدير التنفيذي للشركة ( سايروس احسني ) , وقد كشفت الصحيفة تفاصيل كثيرة عن هذه الفضيحة الكبيرة .. الجديد في هذه الفضيحة أنّ الشرطة الأسترالية قد ألقت القبض الأربعاء الماضي على رجل له صلة وثيقة برشاوى قيمتها 78 مليون دولار , استخدمت لتأمين عقود نفطية عراقية مرتبطة بشبكات فساد دولية .. وذكرت وسائل الإعلام الأسترالية أنّ الشخص الذي تم القبض عليه هو ( راسل ووه ) المدير التنفيذي السابق لشركة ( لايتون أفشور ) , وتقول الشرطة الاسترالية أنّ هذه الشركة دفعت رشاوى من خلال متعاقدين من بينهم شركة ( يونا أويل ) ..ويقول المحققون الاستراليون أنّ الرشاوى استخدمت للتعاقد في بناء خطوط أنابيب نفطية تبلغ قيمتها مليار ونصف دولار أمريكي , واضاف المحققون الأستراليون أنّ الرشوة دفعت لمسؤولين كبار في وزارة النفط العراقية وشركة نفط الجنوب .. والتحقيق الذي استمرّ لمدة تسعة سنوات قد شاركت فيه بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية .. المثير في هذه الفضيحة المدّوية , أن السلطات الثلاث في العراق لم تحرّك ساكنا , علما أنّ الأموال المنهوبة هي أموال الشعب العراقي .. فلا السلطة التشريعية ممثلّة بمجلس النواب العراقي قد فتحت تحقيقا في هذه الفضيحة , ولا السلطة القضائية ممثلّة بالادعاء العام العراقي هي الأخرى قد فتحت تحقيقا , ولا السلطة التنفيذية ممثلّة بهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية قد فتحت تحقيقا , وكأن هذه الأموال المنهوبة هي أموال دولة ( واق واق ) وليست أموال الشعب العراقي .. والسؤال الذي يدور على لسان حال الجميع هو أين الخلل ؟ هل الخلل في بنية النظام السياسي القائم ؟ أم في قوانين البلد التي تمنع ملاحقة الفاسدين ؟ أم في فساد السلطات الثلاث في البلد ؟ أم في فساد الطبقة السياسية الحاكمة ؟ أم في فساد كلّ هذه الأطراف مجتمعة ؟ .. السيد رئيس هيئة الادعاء العام العراقي والسيد رئيس هيئة النزاهة , هل أنتما متورطان بهذه الفضيحة ؟ فإذا كان الجواب بالنفي , فلماذا لم تفتحا ملّف هذه الفضيحة حتى الآن ؟ وكيف لي أنا المواطن البسيط أن اقتنع أنّكما غير متورطين في هذه الفضيحة ؟ وهل أجريتم تحقيقا في هذه الفضيحة المدوية ؟ وأين هي نتائج هذا التحقيق ليطّلع عليها الرأي العام ؟ وهل يعقل أن تفتح ثلاثة دول كبرى تحقيقات في هذه الفضيحة , والعراق المنهوبة أمواله صامت كصمت أهل القبور ؟؟؟ ..
د. ياسر عبد العزيز أحد أصدقائي يعمل في وظيفة تعليمية مرموقة، ويحمل شهادة الدكتوراه في أحد فروع العلوم التطبيقية، لكن هذا لم يمنعه أبداً من محاولة إقناعي بأن فيروس «كوفيد - 19» ليس سوى خدعة، وأنه «غير موجود على الإطلاق»، وقد كان هذا دأبه مع نهاية الشتاء الماضي، حين كانت الإصابات في منطقتنا محدودة، بينما تأتي لنا الأخبار عن وقائع انتشار وحالات وفاة عديدة في دول الغرب. ما حدث لاحقاً أن صديقي هذا بات يعتقد أن «كوفيد - 19ا» موجود، بدليل أن بعض أفراد عائلته أُصيب به، كما أن أحدهم مات متأثراً بإصابته تلك. لكنه مع ذلك، وجد تفسيراً آخر، راح يحاول إقناعنا به على مدى نحو شهرين لاحقين، وهو أن «الغرض من تخليق هذا الفيروس هو تقويض الإسلام»، والدليل على ذلك أن الإجراءات الاحترازية آنذاك شددت على ضرورة تجنب الصلاة في المساجد. لم يقف الأمر عند هذا الحد بطبيعة الحال، فالرجل نفسه تبنى في وقت آخر مقولة إن «كوفيد» تم تخليقه في مختبر صيني، قبل أن يعود وينفي ذلك مؤكداً أن التخليق قد حدث لكن في مختبرات الجيش الأميركي. أما آخر مستجداته فليست سوى أن «كوفيد» مؤامرة تستهدف إحكام السيطرة على العالم، عبر شبكات الجيل الخامس، قبل أن يطرح فكرة أن الفيروس يستهدف الحد من سكان العالم، وفق ما يؤكد أنه كلام مكتوب على «ألواح جورجيا الغامضة». لا يتعلق هذا الأمر بشخص واحد بطبيعة الحال، بل هو عرض منتشر بين الملايين. وفي إحدى المقابلات التي أجريت معي عبر فضائية دولية قبل أربعة شهور تصادف أن توزع الحوار بيني وبين طبيبة متخصصة من فرنسا، وعندما حاولتُ الحديث عن أن الدعاوى المناهضة للقاحات يمكن أن تؤثر في فاعلية خطط بعض الدول لإجراء تطعيمات لمواطنيها، راحت تؤكد منظور التشكيك في اللقاح، فقالت بوضوح: «لن أُحقن بلقاح في حال توافره». ليست تلك سوى آثار متوقعة لشيوع «نظرية المؤامرة». وقد عرفنا أن تلك النظرية تزدهر في أوقات الأزمات والصراعات الحادة، وعند شيوع الغموض وتزعزع اليقين. في تلك الأثناء بالذات، يصعب جداً القول إن ما نطالعه ونتداوله من معلومات، أياً كانت مصادرها أو أدلة التثبت المرفقة بها، يمكن أن ترقى إلى مستوى الحقائق، بل هي مجرد «روايات تتنافس». أما ما يجعل أحدهم قادراً على الركون لإحداها أو تبني بعضها، فقد يكون مبعثه هروبه أو ارتداده إلى معتنقات آيديولوجية أو «ثوابت» عقائدية أو أساطير شائعة في محيطه الاجتماعي. على مدى القرن الماضي، لم يمر حدث عالمي رئيسي من دون أن يحظى بتفسيرات تعيده إلى «نظرية المؤامرة». وقد حدث هذا في تفسير أسباب الحرب العالمية الأولى، والكساد الاقتصادي العالمي، أو في واقعة «بيرل هاربور»، وفي «أحداث سبتمبر (أيلول) 2001»، أو إزاء حقيقة وفاة ألفيس بريسلي على سبيل المثال. يمثل «كوفيد - 19» بيئة خصبة ومثالية لازدهار «نظرية المؤامرة»، وهو أمر تورط فيه علماء وأشخاص تلقوا تعليماً جيداً وسياسيون وقادة يحكمون أقوى دول في العالم، ويعد ذلك أمراً مفهوماً، بطبيعة الحال، لما تنطوي عليه أزمة الجائحة من تأثيرات حادة وانتشار كوني وغموض وتضارب في المعلومات. لكن ما جعل «كوفيد - 19» تربة أكثر ثراء لـ«نظرية المؤامرة» يكمن في طبيعة المشهد الاتصالي الراهن، وهو مشهد تلعب وسائط «التواصل الاجتماعي» فيه دوراً جوهرياً، وعبر آليات الاتصال السهلة التي توفرها، وارتفاع أسقف الحوار عبرها بغير حدود، استطاعت أن تخلق بؤراً لتخليق هذا الفكر والاستثمار فيه. في شهر مايو (أيار) الماضي، انتشر عبر تلك الوسائط فيلم تحت عنوان «جائحة مخطط لها» (Plandemic)، وهو الفيلم الذي شوهد أكثر من 8 ملايين مرة، قبل أن تبدأ المنصات في ملاحقته وحذفه. وفي الشهر الجاري انتشر على الوسائط ذاتها فيلم «هولد أب» (Hold Up)، وهو عبارة عن دراما اتخذت شكل الأفلام الوثائقية، بهدف إثبات أن الفيروس «وليد مؤامرة عالمية»، وقد شوهد نحو ثلاثة ملايين مرة على «الإنترنت»، كما حظي بدعم نجوم وشخصيات شهيرة. يستخدم الفيلمان تقنيات متشابهة تقوم على مراكمة الحجج الداعمة لفكرة «المؤامرة»، وترسيخ الانطباع، والحذف الانتقائي، وتقديم ما يُزعم أنها حقائق بغرض الوصول إلى استنتاجات زائفة. ومع أن أي مشاهد حصيف أو مدقق يمكنه ببساطة اكتشاف الخلل في الطرح، فإن مثل هذه الأعمال تلقى رواجاً وتكسب جمهوراً يوماً بعد يوم.
د. ياسر عبد العزيز أحد أصدقائي يعمل في وظيفة تعليمية مرموقة، ويحمل شهادة الدكتوراه في أحد فروع العلوم التطبيقية، لكن هذا لم يمنعه أبداً من محاولة إقناعي بأن فيروس «كوفيد - 19» ليس سوى خدعة، وأنه «غير موجود على الإطلاق»، وقد كان هذا دأبه مع نهاية الشتاء الماضي، حين كانت الإصابات في منطقتنا محدودة، بينما تأتي لنا الأخبار عن وقائع انتشار وحالات وفاة عديدة في دول الغرب. ما حدث لاحقاً أن صديقي هذا بات يعتقد أن «كوفيد - 19ا» موجود، بدليل أن بعض أفراد عائلته أُصيب به، كما أن أحدهم مات متأثراً بإصابته تلك. لكنه مع ذلك، وجد تفسيراً آخر، راح يحاول إقناعنا به على مدى نحو شهرين لاحقين، وهو أن «الغرض من تخليق هذا الفيروس هو تقويض الإسلام»، والدليل على ذلك أن الإجراءات الاحترازية آنذاك شددت على ضرورة تجنب الصلاة في المساجد. لم يقف الأمر عند هذا الحد بطبيعة الحال، فالرجل نفسه تبنى في وقت آخر مقولة إن «كوفيد» تم تخليقه في مختبر صيني، قبل أن يعود وينفي ذلك مؤكداً أن التخليق قد حدث لكن في مختبرات الجيش الأميركي. أما آخر مستجداته فليست سوى أن «كوفيد» مؤامرة تستهدف إحكام السيطرة على العالم، عبر شبكات الجيل الخامس، قبل أن يطرح فكرة أن الفيروس يستهدف الحد من سكان العالم، وفق ما يؤكد أنه كلام مكتوب على «ألواح جورجيا الغامضة». لا يتعلق هذا الأمر بشخص واحد بطبيعة الحال، بل هو عرض منتشر بين الملايين. وفي إحدى المقابلات التي أجريت معي عبر فضائية دولية قبل أربعة شهور تصادف أن توزع الحوار بيني وبين طبيبة متخصصة من فرنسا، وعندما حاولتُ الحديث عن أن الدعاوى المناهضة للقاحات يمكن أن تؤثر في فاعلية خطط بعض الدول لإجراء تطعيمات لمواطنيها، راحت تؤكد منظور التشكيك في اللقاح، فقالت بوضوح: «لن أُحقن بلقاح في حال توافره». ليست تلك سوى آثار متوقعة لشيوع «نظرية المؤامرة». وقد عرفنا أن تلك النظرية تزدهر في أوقات الأزمات والصراعات الحادة، وعند شيوع الغموض وتزعزع اليقين. في تلك الأثناء بالذات، يصعب جداً القول إن ما نطالعه ونتداوله من معلومات، أياً كانت مصادرها أو أدلة التثبت المرفقة بها، يمكن أن ترقى إلى مستوى الحقائق، بل هي مجرد «روايات تتنافس». أما ما يجعل أحدهم قادراً على الركون لإحداها أو تبني بعضها، فقد يكون مبعثه هروبه أو ارتداده إلى معتنقات آيديولوجية أو «ثوابت» عقائدية أو أساطير شائعة في محيطه الاجتماعي. على مدى القرن الماضي، لم يمر حدث عالمي رئيسي من دون أن يحظى بتفسيرات تعيده إلى «نظرية المؤامرة». وقد حدث هذا في تفسير أسباب الحرب العالمية الأولى، والكساد الاقتصادي العالمي، أو في واقعة «بيرل هاربور»، وفي «أحداث سبتمبر (أيلول) 2001»، أو إزاء حقيقة وفاة ألفيس بريسلي على سبيل المثال. يمثل «كوفيد - 19» بيئة خصبة ومثالية لازدهار «نظرية المؤامرة»، وهو أمر تورط فيه علماء وأشخاص تلقوا تعليماً جيداً وسياسيون وقادة يحكمون أقوى دول في العالم، ويعد ذلك أمراً مفهوماً، بطبيعة الحال، لما تنطوي عليه أزمة الجائحة من تأثيرات حادة وانتشار كوني وغموض وتضارب في المعلومات. لكن ما جعل «كوفيد - 19» تربة أكثر ثراء لـ«نظرية المؤامرة» يكمن في طبيعة المشهد الاتصالي الراهن، وهو مشهد تلعب وسائط «التواصل الاجتماعي» فيه دوراً جوهرياً، وعبر آليات الاتصال السهلة التي توفرها، وارتفاع أسقف الحوار عبرها بغير حدود، استطاعت أن تخلق بؤراً لتخليق هذا الفكر والاستثمار فيه. في شهر مايو (أيار) الماضي، انتشر عبر تلك الوسائط فيلم تحت عنوان «جائحة مخطط لها» (Plandemic)، وهو الفيلم الذي شوهد أكثر من 8 ملايين مرة، قبل أن تبدأ المنصات في ملاحقته وحذفه. وفي الشهر الجاري انتشر على الوسائط ذاتها فيلم «هولد أب» (Hold Up)، وهو عبارة عن دراما اتخذت شكل الأفلام الوثائقية، بهدف إثبات أن الفيروس «وليد مؤامرة عالمية»، وقد شوهد نحو ثلاثة ملايين مرة على «الإنترنت»، كما حظي بدعم نجوم وشخصيات شهيرة. يستخدم الفيلمان تقنيات متشابهة تقوم على مراكمة الحجج الداعمة لفكرة «المؤامرة»، وترسيخ الانطباع، والحذف الانتقائي، وتقديم ما يُزعم أنها حقائق بغرض الوصول إلى استنتاجات زائفة. ومع أن أي مشاهد حصيف أو مدقق يمكنه ببساطة اكتشاف الخلل في الطرح، فإن مثل هذه الأعمال تلقى رواجاً وتكسب جمهوراً يوماً بعد يوم.
كفاح محمود كريم من محاسن انتشار الوباء الأخير وانهيار اقتصاديات العالم ومغذيها الأساسي (برميل النفط)، أنه كشف عورات تلك الأنظمة الفاسدة وفضح المستور من مخازيها التي أخفتها تحت مُسميات وشعارات وطنية وقومية ودينية زائفة، خاصةً تلك التي تدعي امتلاكها تفويضاً من الرّب للعمل والتحدث والحكم باسمه وكالةً أو تلك التي تحمل رسالة أمة إلى الحاضر والمستقبل، وهي ترتدي خرق التاريخ البالية، وما بين الحكم باسم الرّب والأمة ضاعت الأوطان وسُرقت الأموال ونُهِبت الثروات، وأصبح حال البلاد كما نراها اليوم، من أفشل بلدان العالم وأكثرها فساداً، بل وأكثرها ادّعاءًا بالنضال والوطنية والمقاومة ومقارعة الاستعمار والصهيونية!؟ هذا الوباء وانهيار أسعار النفط وتوقف عجلة الإنتاج، بل ومنع الملايين من مزاولة أعمالهم بسبب الحظر ولفترات طويلة، فضحت كثير من المستور خاصةً تلك الرواتب والمخصصات التي يتمتع بها بعض من شريحة المناضلين وأصحاب القضايا السياسية أو الإيمانية العقائدية أو معارضي النظام السابق، خاصةً ونحن إزاء ممارسة غريبة جداً، بل ومقززة في آنٍ واحد ألا وهي تشريع قوانين تُمنح بموجبها تعويضات ورواتب وامتيازات لا مثيل لها في التاريخ لهؤلاء، نظير تقديمهم خدمات نضالية وإيمانية عقائدية أو لتعرضهم للملاحقة أو الاعتقال والسجن والتعذيب، وهذه التخصيصات المالية كتعويض أو كرواتب يتمتع بها الموصوفين أعلاه مع أسرهم صغاراً وكباراً، وبالتأكيد من ضمنهم الآلاف من الذين هربوا من العراق لأسبابٍ لا علاقة لها البتة بالسياسة أو بالنضال، بل بحثاً عن فرصة للعمل أو الدراسة أو الهجرة أو هروباً من جنايةٍ أو جنحةٍ جنائية غير سياسية، والجميع تمّ تعريفهم أو تكييف هروبهم بحجة ملاحقة النظام لهم. نأتي إلى لبِّ الموضوع وما استشرى في العراق بعد أن أسقطت الولايات المتحدة نظام الدكتاتور صدام حسين، وإصدار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تحول بموجبها العمل الوطني إلى تجارة وتعويض خسائر ورواتب بأثرٍ رجعي، حتى أصبحت امتيازات شريحة واحدة من الذين هربوا إلى أراضي المملكة العربية السعودية إثر سحق انتفاضة الربيع في الجنوب والوسط العراقي، تفوق رواتب جميع أساتذة الجامعات العراقية بكافة مستوياتهم العلمية، وأكثر هذه القوانين إهانةً لمبدأ العمل الوطني والمعارضة الحقيقية هو القانون الذي يمنح هذه الشرائح التي تركت البلاد ولجأت إلى إيران أو الالاف من الذين سجنوا لأسباب جنائية أو أخلاقية أو هروب من الجيش او خيانة الأمانة وغيرها مما لا علاقة له بالسياسة وتم اعتبارهم مناضلين، وهربوا الى دول الجوار ومنها الى اوروبا، هذه القوانين التي منحتهم تعويضات خيالية أنهكت موازنة البلاد وساهمت في إيصالها إلى الإفلاس، وفرض طبقة رثة على الدولة والمجتمع، وحقيقة فأن الاعتراض ليس على ما يُعطى تكريماً متوازناً ومعقولاً للمناضلين الوطنيين الحقيقيين، بل الذي يمنح لآلاف مؤلفة من المرتزقة وبتعويضات هائلة وكأنهم عملاء بنوك وتجار أوطان ومافيات. وإذا ما حسبنا بعد ذلك الرواتب الضخمة المخصصة للرئاسات ولأعضاء الحكومة والبرلمان وملحقاتهم ونثرياتهم وما ينفقونه صدقا او تحايلا، لأدركنا أي لصوص جوعية يسيطرون على خزائن البلد التي كسحوها بالكامل في اول ازمة عالمية، يدفع ثمنها هذا الشعب المخدر بالشعارات والذي ينتخبهم كل أربع سنوات وهو صاغر! لو لم يكن العمل الوطني شركة تجارية ربحية بهذا الانفاق الخيالي والرواتب والمغريات الضخمة لما تنافس على البرلمان والحكومة الا الوطنيين الحقيقيين والاصلاء في هذا الوطن المباح، ولما كان عدده بالمئات وربما الالاف مع موظفيه وحماياته. رحم الله الصحفي المصري محمد حسنين هيكل حينما وصفهم باختصار: "انهم مجموعة لصوص سطت على بنك!".
باقر الزبيدي على كل مسؤول أن يفهم إن إدارة الدولة : هي مسؤولية إنسانية وأخلاقية قبل أن تكون مسؤولية وطنية، إبان تسنمنا حقيبة وزارة المالية كنا حريصين على أمرين : الأول هو توفير سيولة (مدور) من أجل مواجهة أي هزة مالية، كما حصل عام 2009 حين إنخفضت أسعار النفط (من 70 $ إلى 30 $) ورفضنا رفضاً قاطعاً تخفيض الرواتب وإيقاف التخصيصات الإستثمارية بسبب توفر سيولة مالية تجاوزت ال25 مليار دولار وهي غير الإحتياطي النقدي الموجود في البنك المركزي. الأمر الثاني الذي حرصنا على متابعته وتنفيذه : هو زيادة رواتب المتقاعدين ومنحهم زيادة (100) ألف دينار شهريا وتسهيل عملية حصولهم على السلف والقروض السكنية من أجل توفير حياة كريمة وسكن لائق لهذه الشريحة التي بذلت جهوداً مضنية لخدمة الوطن. الحديث المستمر عن التلاعب برواتب الموظفين والمتقاعدين لحل الأزمة الإقتصادية سوف يخلق مشاكل كثيرة وكبيرة وسوف يضع المواطن في مأزق بعد إن كيّف حياته اليومية على دخل محدد وإرتبط بإلتزامات، وهذا الأمر يزيد على المواطن ضغوط إضافية سوف تؤدي إلى أزمات مجتمعية تدمر بنية الأسرة العراقية. أدعو مجلس الوزراء إلى عقد جلسة طارئة لتخفيض رواتب الرئاسات الثلاث والمستشارين والموظفين من الدرجات الخاصة وتشكيل لجنة مختصة لإدارة وإستثمار كافة أملاك الدولة في (الداخل والخارج) والتركيز على الواردات غير النفطية ( گمارك وضرائب) والتي تعاني بعض دوائرها من إنتشار الفساد بشكل كبير والتوجه نحو وزارة الصناعة وإستثمار كافة المصانع المتوقفة. الحذر ..الحذر من المساس برواتب شعبنا الصابر..
غسان شربل أنهكَ الوباءُ العالم الذي توهم أنَّ الأوبئة القاتلة صارت جزءاً من الماضي. أنهك البشرَ وسجَّل في القتل رقماً مخيفاً وفي الإصابات رقماً مقلقاً. أنهك الدولَ أيضاً. هزَّ الاقتصادات وشلَّها وفكَّك سلاسلَها وعطَّل مصانعَها وأسكتَ المطارات والقطارات. ضرب السياحة، وتركَ الفنادقَ والمطاعم والأسواق في عهدة الفراغ والكآبة. دفع عشرات الملايين إلى البطالة وعدداً هائلاً من الشركات إلى الإفلاس. أفقر الوباءُ الناسَ ووزَّع عليهم أرغفة الخوف والقلق، وأرغمهم على الإقامة وراء كماماتهم يتساءلون يومياً عن الأرقام القياسية الجديدة التي حققها هذا القاتل المتسلسل. قصمَ الوباءُ ظهرَ المستشفيات وأصاب الأطقم الطبية. ضرب المحاصيل وألحق ضرراً فادحاً بالتعليم. ليست المرة الأولى التي يتعرَّض فيها العالم لهجمة وباء. لكن الهجمات الكبرى السابقة كانت قبل أن يتسلَّحَ الإنسان بهذا التقدم العلمي الذي حصَّنه وحسَّن ظروف معيشته، وقبل الثورات التكنولوجية المتعاقبة التي ضاعفت قدرات الإنسان في وجه أعداء سلامته. ربما لهذا السبب أصيب العالم بما يشبه الذعر. الشهور الماضية ضُخَّت في عروق الناس أمواجٌ من الكآبة. بدا العالم عالقاً في فخ «كورونا» من دون وعد قريب بالخروج أو الإفلات. كان العالم في أمس الحاجة إلى بارقة أمل. أمل في اكتشاف اللقاح ووصوله إلى الجميع، وأمل في تضميد جروح الاقتصاد العالمي على قاعدة التضامن في مواجهة الكارثة، ومساعدة الدول التي ترزح تحت أعباء الديون أو الفقر. من حسن الحظ أنَّ قمَّة الرياض لـ«مجموعة العشرين» بعثت برسالة الأمل هذه. بدا واضحاً من كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أنَّ السعودية تصرُّ على «توزيع عادل ميسر للقاحات»، وتشدّد في الوقت نفسه على حشد طاقات الدول المشاركة لمعالجة المشكلات الاقتصادية التي نجمت عن الجائحة. والحقيقة أنَّ نجاح قمة الرياض هو تتويجٌ لجهود سعودية بدأت عملياً غداة قمَّة أوساكا. فعلى الرغم من القيود التي فرضها الوباء، بما في ذلك التباعد وصعوبة الانتقال، كانت السعودية على مدار الشهور الماضية، وبعد القمَّة الاستثنائية التي دعت إليها في مارس (آذار) الماضي، ورشة لا تهدأ لبلورة صيغة ترتفع إلى مستوى التحدي غير المسبوق الذي يواجهه العالم. سهَّل حشد الطاقات انخراط السعودية العميق في السنوات الأخيرة في معركة التقدم والإصلاح والتحديث وتمكين المرأة وامتلاك التكنولوجيا وبناء الشراكات، وسهَّل الانخراط البرنامج الطموح لـ«رؤية 2030» التي يسهر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على تنفيذها، بعدما نجحت في استقطاب الطاقات الشابة، وأسقطت هيمنة الأفكار المعيقة للتقدم والتفاعل. وسهَّل نجاح القمة نهج المسؤولية الدولية الذي تمارسه السعودية في تعاملها مع ملفات المنطقة والعالم. لقمم مجموعة العشرين هالة تفتقد إليها أي قمم أخرى. يشعر المتابع لها أنَّها اللقاء الكبير لمن يحملون المفاتيح؛ مفاتيح الحاضر ومفاتيح المستقبل. وهذا يعني بالتأكيد الاقتصاد والتنمية والصحة والتعليم والبيئة، فضلاً عن السياسة والأمن. وليس بسيطاً أنْ يجمع لقاء من يمثلون ثلثي عدد سكان العالم وتجارته، وأكثر من 90 في المائة من الناتج العالمي الخام. إنَّها مواعيدُ القوى الواعدة القادرة المؤثرة. الدول التي تشارك في هذه القمم تملك بعضاً من أهم ما في هذا العالم: أقوى الاقتصادات وأكبر الثروات، أفضل المختبرات والجامعات، أبرز الاختراقات التكنولوجية والشركات العملاقة، أكبر الجيوش وأخطر الترسانات. وهذا يعني عملياً أنَّ المشاركين يحملون فعلاً مفاتيح الاستقرار والازدهار، ومن واجبهم جبه التحديات المحدقة بـ«القرية الكونية»، سواء أتعلق الأمر باقتصادها أم بأمنها أم بالأخطار البيئية والمناخية المتوقعة. امتلاك المشاركين في قمة العشرين قدرات هائلة لا يعني أنَّ الحلول السحرية متوفرة؛ لا بدَّ دائماً من الالتفات إلى أنَّ المجموعة تضم دولاً من قارات مختلفة، ومن مدارس مختلفة في السياسة والاقتصاد وفي قراءة الأزمات والسعي إلى استكشاف الحلول. إنَّها دول تخوض سباقات للتفوق وحجز المواقع والدفاع الشرس عن مصالحها. لكن على الرغم من التباينات والتنافسات، سجَّلت السنوات القليلة الماضية تزايد القناعة بما يشبه وحدة المصير، نظراً للترابط المتزايد بين الاقتصادات في عالم تضاعف فيه مرات كثيرة معدل تدفق السلع والأشخاص والأفكار. إذا كانت قمة العشرين شديدة الأهمية أصلاً، فإنَّ ظروف انعقادها في اليومين الماضيين ضاعفت أيضاً من أهميتها. لا مبالغة في القول إنَّها عقدت في عالم مختلف عن ذلك العالم الذي عقدت فيه العام الماضي قمة العشرين في أوساكا اليابانية؛ يتذكر الصحافيون الذين شاركوا في تغطية القمة، وكنت واحداً منهم، مدينة تضجُّ بالحدث. ويتذكرون أيضاً مصافحات شهيرة وعناقات بارزة ولقاءات في كواليس القمة، فضلاً عن رؤية الكبار يتحلَّقون حول الطاولة نفسها، وكأنهم لجنة أطباء معنية بتوفير ما يخفض أوجاع الاقتصاد العالمي. لم تكن القمة بلا مشكلات، لكنها كانت تواجه مشكلات طبيعية في عالم طبيعي. لدى انعقاد القمة، لم تكن هبَّت على العالم بعد رياح الوباء الغامض المخيف الذي لم يتأخر كثيراً في فرض قانونه المؤلم على مختلف العواصم والقارات. لم تكن القمم السابقة بلا أزمات، لكن أزماتها كانت من ذلك النوع الذي يدور في المصارف وأسواق المال وشروط التجارة وانتقال الاقتصاد من حقبة إلى أخرى، وضرورة رفع مساهمة المشاركين في اتقاء الكوارث البيئية المتوقعة ما لم يسارع سكان الأرض إلى اعتماد سياسات صارمة رشيدة. بعد قمة أوساكا، تسلَّمت السعودية، وهي الدولة العربية الوحيدة المشاركة في المجموعة، رئاسة المجموعة ومسؤولية التحضير للقمة الحالية. ومن حسن الحظ أنَّ قمة الرياض لـ«مجموعة العشرين» بدت بداية إعادة تأهيل العالم لمرحلة ما بعد الجائحة، خصوصاً أنَّ وصول اللقاحات بات يُقاسُ بالأسابيع. لقد بعثت القمة برسالة أمل وتضامن كان يحتاجها العالم الذي يستعد للخروج من النفق.
علاء بيومي منذ الفشل الذي منيت به في حرب العراق، وتحديدا منذ عام 2005، والولايات المتحدة حريصةٌ على رفع يديها تدريجيا من لعبة الشرق الأوسط عالية التكلفة. ولولا النفط وإسرائيل لأهملت أميركا المنطقة كثيرا. ولكن حفاظا على تدفق النفط وعلاقتها القوية بإسرائيل، قرّرت أميركا تخفيف وجودها أو رفع يديها تدريجيا عن المنطقة تخففا من أعباء التدخل العالية، وفي مقدمتها الحروب والصراعات المزمنة. وهي سياسةٌ بدأت مع جورج دبليو بوش، والذي دعا بقوة إلى التركيز على اكتشافات النفط الصخري الداخلية، لتقليل الاعتماد على نفط الشرق الأوسط. واستمرت مع خلفه الرئيس أوباما، والذي دعم الربيع العربي بخجل، قبل أن يغض الطرف عن الثورة المضادة. وترسخت مع الرئيس ترامب، والذي طالب بعض دول الخليج علانية بتحمّل تكاليف الحماية الأميركية بشراء مزيد من أسلحة بلاده، واستثمار عائدات النفط فيها. كما حرص ترامب على سحب القوات الأميركية من سورية والعراق، ولم ينسَق إلى حرب في إيران، على الرغم من كل استفزازاته العلنية لها واغتياله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إذ حرص على عدم الدخول في صراع مسلح جديد في المنطقة، مفضلا سلاح العقوبات الاقتصادية. وهي استراتيجية يُتوقع استمرارها مع الرئيس المرتقب، جو بايدن، والذي يعاني داخليا أكثر من سابقه، حيث يرث بلدا منقسما بشدة، تنتشر فيه نظريات المؤامرة، وتقتنع فيه نسبة لا بأس بها من اليمينيين المتشدّدين بأنه فاز بالتزوير أو سرق الانتخابات. كما يرث بايدن تبعات جائحة كورونا، واقتصادا يعاني، وتحالفاتٍ دولية تحتاج لترميم، ومنافسة اقتصادية وسياسية أكبر مع الصين. على بايدن أن يرمّم تحالفاته، وخصوصا مع الدول الأوروبية التي تريد العودة، قدر الإمكان، إلى رقعة عام 2016 باستعادة الاتفاق النووي مع إيران سيرث بايدن أيضا رقعة شطرنج شرق أوسطية أشد تعقيدا بكثير من التي تركها أوباما منذ أربع سنوات. خلال حكم ترامب، عزّزت روسيا وجودها في سورية وتوغلت في ليبيا، وزوّدت تركيا بمنظومات دفاع جوي متقدمة، وتعاونت معها في أكثر من ملف شرق أوسطي. كما توغلت الصين أكثر في الشرق الأوسط من خلال استثماراتها وقروضها، كما هو الحال في مصر. وخلال السنوات الأربع الأخيرة أيضا، زاد الدور الذي تلعبه دول الثورة المضادّة الخليجية، كالإمارات السعودية، في البلدان العربية المختلفة، حيث توغلت هاتان أكثر في حرب اليمن، وعملتا على تقسيم البلد من خلال دعم قوى الجنوب الانفصالية. كما فرضت هذه الدول (الإمارات ومصر والسعودية والبحرين) حصارا على قطر، ودعمت حرب اللواء المتقاعد المتمرد، خليفة حفتر، على طرابلس، وتقاربت مع إسرائيل، وقام بعضها بالتحالف العلني معها، كما استمرّت هذه الدول في هجومها على قوى التغيير والديمقراطية في المنطقة، وفي دعم النظم الاستبدادية، والتي رسخت حكمها بشكل كبير. في الوقت نفسه، قوت قطر وتركيا من تحالفيهما، وبات للقوات التركية قاعدة عسكرية في قطر. هذا بالإضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه تركيا في سورية وليبيا، وفي الصراع على موارد الطاقة شرق المتوسط. وهذا يعني أن بايدن سيواجه برقعة شطرنج جديدة، وأكثر تعقيدا بكثير من التي تركها أوباما. منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، ضاعفت إيران إنتاجها من اليورانيوم المخصّب اثنتي عشرة مرة، ورفعت نسب التخصيب وقبل اللعب أو محاولة تغيير رقعة الشطرنج، لا بد أن يبدأ بايدن بترميم تحالفاته، وخصوصا مع الدول الأوروبية التي تريد العودة، قدر الإمكان، إلى رقعة عام 2016 من خلال استعادة الاتفاق النووي مع إيران، والوحدة الخليجية، وحل الدولتين في فلسطين، والخطاب الداعم للحريات والديمقراطية، والتأكيد على الاستقرار ووقف الحروب الأهلية التي تجتاح المنطقة. ولعل قطعة الشطرنج الأكبر التي سيحاول بايدن تحريكها هي استعادة الاتفاق النووي مع إيران. وهي خطوة لن تكون سهلة بأي حال، فمنذ انسحاب ترامب من الاتفاق، ضاعفت إيران إنتاجها من اليورانيوم المخصب اثنتي عشرة مرة، ورفعت نسب التخصيب، وربما نقلته إلى مواقع جديدة، كما تتهمها الوكالة الأممية، هذا بالإضافة إلى توسّع المليشيات المتحالفة مع إيران في سورية واليمن، وترسيخ أقدامها هناك. لذا لا بد وأن يساوم بايدن إيران على الملفات السابقة، وأن يحاول تهدئة مخاوف دول الخليج وإسرائيل. ولا شك في أن عودة (أو إعادة) دمج إيران دبلوماسيا، وانفتاح إدارة بايدن عليها، سوف يؤثران على ملفات كثيرة، في مقدمها الحرب في اليمن التي انتقدها بايدن بقوة. وربما ترحب دول التحالف السعودي الإماراتي نفسها بوضع حد لها بسبب تكاليفها الباهظة وصعوبة حسمها. وهذا يعني أن المنطقة قد تشهد نشاطا دبلوماسيا مكثفا لإعادة دمج إيران من ناحية، ووضع نهاية لحرب اليمن، وحلحلة الأزمة السياسية اللبنانية الداخلية، وتحقيق بعض الاستقرار والاستقلالية في العراق، وربما التخفيف من حدّة الأزمة السورية، وكذلك التأثير على الأزمة الخليجية نفسها، فمن شأن التقارب الدبلوماسي بين أميركا وإيران التأثير على ملفات عديدة، وإعادة توزيع موازين القوى الإقليمية. سيسعى بايدن إلى العودة إلى حل الدولتين للقضية الفلسطينية. وربما يعيد افتتاح مكتب منظمة التحرير في واشنطن سيحاول بايدن كذلك وقف التمدّد التركي في الإقليم والحدّ منه، وفكّ التقارب الروسي التركي، وسيواجه بتحالف تركيا مع روسيا، وبرغبة دول أوروبية، كألمانيا، بعدم خسران تركيا والحفاظ على التحالف معها. كما سيواجه أيضا بالتمدّد الكبير الذي حققته تركيا في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، بفضل الانسحاب الأميركي نفسه، والذي ترك مساحات فراغ واسعة، وبفعل سياسة الرئيس أردوغان التي لا تتردّد في المواجهة. وقد يدفع التفاوض الأميركي مع تركيا إلى حلحلة بعض الملفات، كالأزمتين، الليبية والسورية، وربما أيضا الأزمة الخليجية، حيث سيطالب الأتراك بايدن بالضغط على الأطراف الأخرى في هذه الأزمات لتقديم تنازلات مماثلة. سيسعى بايدن أيضا إلى العودة إلى اللغة الدبلوماسية الدولية، وحل الدولتين للقضية الفلسطينية. وربما يعيد افتتاح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ويستأنف المساعدات الأميركية للفلسطينيين، ويحاول الوقوف ضد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ولكنه قد لا يحاول إعادة بث الروح في مفاوضات السلام نفسها، والتي عجزت عن التقدم منذ أوائل التسعينيات. ومن شأن عودة بايدن إلى الخطاب الأميركي المطالب بالديمقراطية والحريات في المنطقة، وخصوصا بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهها إلى النظامين، السعودي والمصري، خلال حملته الانتخابية، أن تساعد في حلحلة المواقف الداخلية في عدة دول، ودعم الأصوات المعارضة وتخفيف الضغوط المفروضة على النشطاء السياسيين والحقوقيين. ولا بد أن يواجه بايدن معارضة قوية من تلك النظم وتهديدات بالتقارب أكثر مع روسيا والصين، ومحاولات لاستخدام العلاقة مع إسرائيل، والتقارب معها كورقة للضغط على بايدن وسياساته. وهذا يعني أن الرئيس الأميركي الجديد سوف يواجَه بشرق أوسط أكثر تعقيدا وتشابكا، ونظمٍ توسعت كثيرا خلال عهد ترامب، تسعى إلى تعظيم مصالحها، ولن تتردد في مساومة الولايات المتحدة على مختلف الملفات، وفي مقدمها العلاقة مع إيران والاستقرار الإقليمي والديمقراطية. ولكن ذلك لا يعني ان إدارة بايدن ستقف عاجزةً بلا تأثير، فتدخلها في مختلف الملفات، وفي مقدمها الملف الإيراني، سيوجد مساحاتٍ واسعة للغاية للعمل والتغيير، فإعادة دمج إيران تكفي وحدها لتحريك مياه كثيرة راكدة في أكثر من ملف رئيسي في المنطقة. وهذا يعني أن رقعة شطرنج الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات هامة وعديدة، وأن الفرصة متاحة أمام مختلف القوى لتعظيم مصالحها. ولعل في هذا دعوة إلى الدول والجماعات المعنية بالإصلاح السياسي في المنطقة لإعادة تنظيم صفوفها، والتفكير في سبل تعظيم مكاسبها. سوف يستمر بايدن في استراتيجية الانسحاب التدريجي من المنطقة، ولن يخوض صراعاتٍ مكلفة، ولكنه لن يقف صامتا أمام ما يحدث، ولا بد أن يتدخل لتحريك ملفات عالقة، في مقدمها الأزمة الإيرانية. وسيؤدي التحرّك الأميركي إلى إيجاد مساحات وفرص جديدة للحركة. ويبقى السؤال الأهم هو عن مدى استعداد مختلف القوى لتعظيم مصالحها، مستفيدة من تحرّكات بايدن المتوقعة؟ العربي الجديد
عمار الحكيم يقتربُ العراقُ من استحقاقٍ انتخابيٍ جديدٍ مشابهٍ لما سبقه من حيث الممارسة والأداء ومختلفٌ من حيثُ التوقيتُ والتسمية . إذ تتميزُ الانتخاباتُ القادمة بأبعادها المصيرية وقدرتها على حسم المرحلة القائمة والانتقال بالعراق الى مرحلةٍ أكثرَ هدوءاً إذا ما أُحسِنَت إدارةُ الأزمة ، وقد تكونُ أكثرَ توتراً وتصعيداً اذا كان العكس من ذلك . فلهذه الانتخابات مجموعةٌ من الاستشرافات التي نعتقدُ بصحتها ، ففيها أفولٌ لقوىً سياسيةٍ ، وصعودٌ لأُخرى ، وتكريسٌ لمكانةِ قوى سياسيةٍ فاعلةٍ في المشهد ، ولكن أيَّاً كان شكلُ هذه الانتخابات ومخرجاتها ، فإنَّ عليها أن تجدَ إجابةً وافيةً للاستفهام الذي مفاده : "ماذا لو ذهبنا الى الانتخابات المبكرة وانتهت الممارسة الانتخابية من دون أن تتمكنَ من ازالةِ الاحتقانِ واستعادة ثقة المواطن بنظامه السياسي الديمقراطي . إنَّ الحلَّ الذي نراه للأزمةِ العراقية هو ذاته الحل الذي طرحناه في فتراتٍ سابقةٍ وواجهَ اعتراضاً من الكتل السياسية بسبب المزاج السياسي الذي كان يسود في وقتها ، فقد كانت الكتلُ السياسيةُ تخشى المجازفةَ ، وتحدوها رغبةٌ دائمةٌ بالتفكير داخلَ الصندوق لا خارجَه . وتأسيساً على تلك التعثرات فإننا نرى الحلَّ يكمنُ بتشكيل تحالفٍ انتخابيٍ عابرٍ للمكونات ، ممثلٍ للجميع ، وطني التوجه والإرادة ، قادرٍ على ردم الهوة بين الجمهور العام والمنتظم السياسي وبوسعهِ تشكيلُ نواة العمل المتوازن بالنظام السياسي على أساسِ فكرة (الموالاة والمعارضة) . عبرَ قوىً تتفقُ قبل الانتخابات على وجهتها في إدارة الدولة ، وهو سياقٌ مختلفٌ تماماً عن التحالفات التي تتشكل بعد الانتخابات ، والتي يكون فيها العاملُ المشتركُ بين الجميع هو كيفية تقاسم السلطة وفقَ لغة الاستحقاق الانتخابي . وأما التحالفُ العابرُ للمكونات فإنهُ نسيجٌ يشاركُ فيه ممثلون عن قوى سياسية من جميع الساحات ، قوىً تمتلك ثقلاً سياسياً واجتماعياً ، وتاريخاً نضالياً واضحاً الى جانبِ القوى المنبثقة من حراكِ تشرين الذي نترقبُ قدرتَه على إثبات تمثيله السياسي في المرحلة القادمة. إنَّ تشكيلَ التحالف العابر سيفرض بالتراتب تشكيلَ التحالفِ المماثلِ له ، وبالتالي سيعززُ الوصولَ الى الهدف المنشود بإمكانية ان يحظى أحدُ التحالفين بأغلبية البرلمان ويشكلُ الحكومةَ ويختارُ الرئاساتِ الثلاث ، كما يمكنُهُ أن يوفرَ ارضيةً مناسبةً للإصلاحات المنشودة وفي مقدمتها تعديلُ الدستور وتحديثُ النظامِ السياسي وفق متطلبات المرحلة الجديدة. التحالفُ العابرُ للمكونات سيمكّن الناخبَ العراقيَ من حُسنِ الاختيار ويشجعهُ على المشاركةِ وينهي حالةَ البرامج الانتخابية المستنسخة والشعارات المكرورة التي تشتتُهُ وتزيدُ من إحباطه . مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ تشكيل تحالفٍ وطني جامع سيحددُ بشكل واضحٍ من هو المسؤولُ الفعليُ عن النجاح اوالفشل . ولا شكَّ في أنَّ التحالفَ الانتخابي العابرَ سيمثلُ مشروعاً سياسياً وطنياً كبيراً يعبِّرُ عن المبادئ العامةِ التي يتفق عليها العراقيون ، وعلى رأسها (المواطَنةُ وتكافؤ الفرص وتحقيق الخدمات العامة) وسيعمل هذا التحالف المنشود على تقديم الحكومة الخادمة لشعبها ، فهو حلٌّ ينبعُ من عمق المرحلة الحالية وأزماتها ، وهو في ذات الوقت نواةٌ لحلٍّ أكبرَ في المرحلة القادمة . وقد لا يستسيغُ البعضُ هذا الطرحَ من الناحيةِ السياسيةِ ولاسيما القوى التي تعودت منذ 2003 على الغوص في الاماكن المفروزة سياسيا ، وقد لا ينسجم ايضاً مع رغباتٍ دوليةٍ واقليميةٍ تؤثرُ في الوضعِ العراقي وتتأثرُ به ممن اعتادت التعامل مع العراق وفق معادلة تمثيل الساحات العراقية. سيؤسسُ التحالفُ العابرُ للمكوناتِ الى شراكةٍ الأقوياء وسينهي معادلةَ بقاء الجميع محتفظاً بمكانته السياسية من دون السماح للأخرين بالتقدم أو تبادل الأدوار ، فثمةَ شخصياتٌ رشحت لمواقع المسؤولية ورفضتها ، لا لعلَّةِ في سيرتها أو ادائها ، وإنما لأهليتها وكفاءتها وقدرتها والخشية من تقدمها انتخابياً . إنَّ الحلولَ المرجوّةَ للأزمةِ العراقية لابد أن تكون بمستوى التحديات ، إذ لم يعد ممكناً مواجهةُ التحديات الكبيرة بحلولٍ ترقيعية يتم تدويرها وترحيلها من دورةٍ لأخرى . إنَّ ماشهدهُ حراكُ تشرين من جمهور معترضٍ على طبيعة النظام والاداء السياسيين الى جانب أغلبيةٍ متعاطفةٍ مع الحراك ، ومرجعيةٍ عليا مساندةٍ ومؤيدةٍ لمطالبه بالإصلاح ومكافحة الفساد ، كان مؤشراً صارخاً على ضرورة أن يكون الحل شبيهاً بالتداخل الجراحي ، مع التأكيد بأن الكتلةَ العابرةَ لايمكن أن تخرج بعيدا عن معادلة (الدولة واللادولة) لأنها تسعى أولاً الى الوصول الناجز الى أداءٍ نيابيٍ سليم ، بلحاظ قراءة الساحة السياسية العراقية التي تقرُّ بعدم إمكانية ذهاب أيٍّ من الكتل لحسمِ الانتخابات (بالنصفِ زائداً واحد) ، وهذا ما يثبتُ حاجةَ الجميع للجميع ، فلماذا لا نستثمر الوقتَ ونحسنُ قراءةَ المرحلة وضروراتها ، ونهيِّء إلى حلٍّ نهائي يكون التنافس فيه لخدمة العراق وشعبه على أساس المواطنة والمشروع الوطني ؟
باقر الزبيدي بالأمس وأنا أراقب غزارة المطر الذي تساقط بما يقارب (70 ملم) خلال ساعات، وكنت أقلب في صفحات كتاب (السياسية المالية) أمعنت النظر في الموازنات الإنفجارية التي خصصتها وزارة المالية، خاصة (من عام 2011 إلى 2014) وعلى مدى السنوات المنصرمة واللاحقة للطرق والجسور وأمانة بغداد ومشاريع ماء الرصافة ومشروع قناة الجيش ! ورؤساء الوزراء (المسؤول التنفيذي عن السياسات العامة للدولة) و وزراء البلديات والمحافظين وأمناء العاصمة منذ عام 1980 وإلى يومنا هذا، مطالبين بالكشف عن ما قدموه من خطط عمل ومتابعة ومبالغ صرفت وبددت لتنفيذ هذه الخطط، وهل أُنجز شيئ منها على أرض الواقع..؟ ومن هو المسؤول الحقيقي عن كارثة غرق الشوارع ودور المواطنين، ودخول مياه الأمطار إلى غرف منامهم في بغداد والبصرة وباقي المحافظات. أطالب بتشكيل لجان خاصة على غرار (لجنة مكافحة الفساد) تتألف من مختصين في وزارات التخطيط والمالية والبلديات وشؤون المحافظات، والخروج بنتائج، ومكاشفة الشعب بحقيقة من هو المسؤول عن هذا الدمار الذي أغرق العراق ؟
شيرزاد اليزيدي في غمرة انشغال العالم ومنطقتنا خاصة بالانتخابات الأميركية وتداعياتها، مر تصريح جديد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أطلقه قبل أيام قليلة، مرور الكرام، دون أن ينال ما يستحقه من توقف. فالرجل تحدث بلغة احتلالية صريحة هذه المرة وبلا مواربة معلناً أن "كل أرض جرت فيها دماء جنودنا هي جزء من أرضنا ووطننا"، مشيرا بالاسم إلى سوريا وليبيا وقبرص وإقليم ناغورني كاراباخ . لوهلة، قد يبدو هذا التصريح للمتلقي كما لو أنه مفبرك أو غير دقيق ومجتزأ، لأنه يتنافى جملة وتفصيلاً مع القوانين والأعراف الدولية، فضلاً عن "ألف باء" السياسة، كما أنه لا يصدر عن رجل دولة عاقل ولا عن مسؤول سياسي متزن. لكنه الرئيس التركي الذات بات صنوا للتهديدات. وما يفرضُ حمل هذا الكلام "السريالي" والفاشي على محمل الجد، أنه وحتى قبل العهد الأردوغاني، تقول القاعدة إن الجيش التركي يبقى محتلاً في أي مكان يدخله، كما هو الحال في شمال قبرص حيث شكلت تركيا دويلة لا تعترف بها إلا أنقرة منذ نحو خمسة عقود وقس على ذلك. ويسعى أردوغان، كما هو جلي، إلى تعميم نموذج شمال قبرص ونسخه في دول أخرى غدت محتلة جزئياً من جانب تركيا، لعل أهمها العراق وسوريا حيث يحتل الجيش التركي أجزاء واسعة من المناطق الشمالية الكردية خاصة في كلا البلدين. رب قائل قد يقول هذا مجرد هذيان لرئيس معزول ومحكوم بهواجس العظمة الإمبراطورية وبأوهام استعادة الحقبة العثمانية، وحتى إن كان هذا الكلائم صائبا، فإنه لا ينبغي التعامل باستخفاف مع هذه التهديدات وهذه الاعترافات الخطيرة بالنوايا والخطط التوسعية والاستعمارية التركية في عموم المنطقة وعلى رؤوس الأشهاد والمقرونة بالترجمة العملية ولو نسبياً. التواجد العسكري التركي المثير للتوتر يمتد من المتوسط إلى الخليج والبحر الأحمر حيث القواعد العسكرية التركية في كل من قطر والصومال. هذه العدوانية الصريحة التي تمجد وتبرر التدخل والغزو واقتطاع أراضي الغير وقضم سيادات دول وامتهان كرامات وحقوق شعوب بأكملها باتت تستدعي مواقف دولية وإقليمية وعربية صارمة وعملية، بعيداً عن الرخاوة والمهادنة والإدانات الكلامية. ذلك أن حجم التدخلات التركية السافرة المهول في مختلف ملفات المنطقة وشؤونها يكاد يشكل سابقة، فحتى إيران التي تشكل مضرب المثل بسياساتها التوسعية في تصدير ثورتها المزعومة ودورها السلبي والتخريبي في المنطقة، باتت تركيا في طورها الأردوغاني تضاهيها، إن لم تكن تتفوق عليها، حتى في التوسع العدواني ورعاية الإرهاب والتطرف.
د. آمال موسى أثار فيروس «كورونا» جدلاً وتحدياً علميين. ولكن الملاحظ أنَّ هذا الجدل تميَّز بالغموض والتناقضات، والتعتيم على أطروحات وتكثيف الضوء على أطروحات مضادة. طبعاً يبدو الأمر في ظاهره غريباً وغير قابل للتفسير والفهم. ذلك أنَّه غموض لا يناسب الموضوع محل الجدل، ولا طبيعة اللحظة الاتصالية العالمية المفتوحة والمتقاربة، فيجب ألا ننسى أنَّ هذه الجائحة التي أصابت الملايين وأودت بحياة ملايين، إنّما تمثل تحدياً علمياً طبياً حقيقياً لعالم كان يعتقد أنه سحق الطبيعة وانتصر عليها وما عادت تقهره. ولكن مع ذلك لم نرَ في شاشات التلفزيونات التي تتجاوز الآلاف في العالم حوارات ونقاشات علمية تشفي الغليل، وتجعل الناس يفهمون مع العلم أنَّ الحاجة للمعلومات، ولفهم مدى إمكانية القضاء على هذا الفيروس باتت عامة، وتشمل الجميع على حد السواء. الأطباء العلماء لم يقتنصوا هذه اللحظة لتأمين نقاشات خارج ما حصل من محاولات تهميش البعض لبعضهم بعضاً. ماذا نفهم من كيفية إدارة بعض النقاشات العلمية حول فيروس «كورونا»؟ لا شك في أن المشكل ليس شخصياً بين العلماء الأطباء، بل إن الكلام عن الحل والدواء واللقاح المنشود وضرورته ومدى نفعيته... هنا يكمن المشكل لأنَّ هذا الكلام يجب أنْ يكون نفعيّاً ورأسماليَّ الغايةِ والتأثير، وكل كلام يشوّش على جهود الشركات العالمية المنكبة من يناير (كانون الثاني) الماضي على إيجاد لقاح ضد «كورونا» يجب أن يخضع للتعتيم الإعلامي وللتقليل من قيمته، وضرب ما يتضمنه من مصداقية الأطروحة وصاحب الأطروحة معاً. ما نستنتجه من هذه الممارسات غير الظاهرة أنها تدخل في سياق استراتيجية تمهيد الطريق، والتقبل النفسي العام لما ستنتهي إليه جهود باحثي المخابر الدولية والشركات الكبرى. بل إنَّه حتى الأخبار التي كانت تبث من حين إلى آخر حول أن الفيروس سيستمر لسنوات، وضرورة التكيف مع إجراءات التباعد والحماية يمكن القول إنّها في جزء منها خاصة المبالغ فيه والواثق من دون أدلة، وأنه ينخرط ضمن تهيئة اللحظة المواتية لتلقي خبر التوصل لابتكار لقاح ضد «كورونا»، فيكون الخبر عظيماً ومفرحاً بما يجعل الطلب عظيماً ومحققاً للربح الوافر. من المهم أن نتذكر ونحن نتعامل مع أخبار اللقاح المبتكر، وخاصة آخر هذه الأخبار التي تقول إن شركتي «بيونتيك» الألمانية و«فايزر» الأميركية على وشك الحصول على تصريح لاستخدام لقاح لفيروس «كورونا» أن تاريخ اللقاحات ومقاومة الفيروسات المستجدة يشير إلى أن العملية تستوجب الوقت والصبر والتريث، وأنَّ هناك مساراً كاملاً يتم على مراحل، وقد يستغرق عقداً من الزمن. في حين أنَّ هذا الفيروس الخطير الذي قهر الإنسان الحديث لم يتجاوز الباحثون حتى الآن العشرة شهور من الأبحاث والاختبارات. أيضا أهمية الوقت في اختبار اللقاحات عامل لا غنى عنه؛ لأنه لا يكفي تطبيق اللقاح على الآلاف كما حصل في الشركتين المشار إليهما، بل أيضاً الانتظار طويلاً، ومتابعة دقيقة لأن الأعراض ليست دائماً سريعة الظهور، إضافة إلى أن اللقاح بشكل عام ليس بالدواء العرضي، بل يتجذر في البنية الفيزيولوجية، ويؤثر على البعد الجيني الوراثي. وبالنظر إلى هذه الاحترازات نتساءل: بناءً على ماذا تتحدث شركتا «بيونتيك» و«فايزر» عن أن اللقاح فعال بنسبة 90 في المائة؟ هل يسمح العلم وصرامته بإطلاق مثل هذه النسبة، أم أننا أمام حملة ترويج تتعامل مع اللقاح بوصفه سلعة كما تنص ثقافة ومبادئ السوق؟ المشكل أنه حتى وسائل الإعلام انخرطت في الدعاية والترويج بعلم منها ومن دونه. لا شك في أنَّ كل خبر يبشر بوجود دواء أو لقاح هو أمل ومبعث فرح، ولكن بما أن هذا اللقاح تنتظره مليارات من الناس في العالم، وبما أن المسألة تتعلق بصحة الإنسان، وبالنظر إلى السرعة التي عرفتها الأبحاث واللقاحات، فإنَّ المطلوب ليس التعامل الانفعالي الأعمى والانقيادي المحض مع هذه الأخبار والإنجازات، بل من واجب وسائل الإعلام تأمين خطاب عقلاني استدلالي حول الموضوع، ومكافحة الباحثين والشركات بالأطروحات المضادة والمخاوف والشكوك، وننصت لمستندات الدفاع عن اللقاح بشكل واضح ومباشر. إنَّ فكرة أنَّ مليارات من الناس سيستعملون آجلاً أم عاجلاً لقاحاً لفيروس خطير سريع التغيير ويتشكل على نحو مختلف، والحال أنه أقصر لقاح في الوقت الذي استغرقته الأبحاث للتوصل إليه هي فكرة مخيفة، وتحتاج إلى الحذر، وإلى الفهم وإعطاء الكلمة للمشككين بشكل علمي وبرهاني وعقلاني في اللقاح؛ لأنَّ خلق هذا الجدل العلمي يقمع جشع السوق ويسهم في تطور العلم. إذا ظهرت أعراض غير متوقعة للقاح المروج له، فإنَّ هؤلاء الباحثين لا أحد سيحاسبهم، فهم مجتهدون وغير مطالبين بالنتائج. في حين أنَّ معاهد البحوث الطبية المختصة ومنظمة الصحة العالمية وأيضاً وسائل الإعلام مطلوب منها ممارسة الوظيفة النقدية: تشجيع الأبحاث والاستبشار بالحلول والابتكارات الطبية، ولكن مع ممارسة النقد وتمرير محاذيرها، والحرص على نشر هذه المحاذير. والمستفيد طبعاً هو الإنسان. شاعرة وكاتبة وأستاذة علم الاجتماع في الجامعة التونسية
رياض محمد خلال السنوات الاخيرة قمت مستندا الى الوثائق العراقية والامريكية بنسف 99% من ما يمكن لي تسميته بالاساطير المؤسسة لنظريات المؤامرة في العقل العراقي. كل ما ينسبه العراقي خطأ الى مؤامرة دولية مثل حروب صدام وانقلابات العراق وحكام العراق الحاليين ...الخ لا يستند الى اي دليل علمي. على العكس فان غالبية ما حدث للعراق كان نتيجة افعال قام بها العراقيون انفسهم حكاما ومحكومين. وبما ان عراب تقسيم العراق بايدن قد فاز بالبيت الابيض وقد اقترب موعد تحقق هذه المؤامرة الشيطانية الصهيونية الماسونية الامبريالية على عراقنا الموحد السعيد فلنتناول هنا تاريخ هذه المؤامرة. لنبدأ اولا ونعترف ان العراق بكيانه الحالي (ارضه وحدوده) لم يعرف الا قبل 100 سنة فقط.. قامت على ارض العراق دول وامبراطوريات واتخذت منه عاصمة كما غزته امبراطوريات اخرى واتخذت منه عاصمة ايضا. لكن العراق كما هو الان لم يخلقه احد الا بفعل قرار بريطاني مؤيد من العالم في اعقاب الحرب العالمية الاولى بتوحيد ولايات بغداد والموصل والبصرة في دولة جديدة اسمها العراق. وهكذا فان المستعمر الانكليزي المتأمر علينا وعلى وحدة العراق هو الذي خلق هذه الطلابة المستمرة من قرن كامل! وفي الحقيقة فلولا دعم هذا المستعمر المتأمر للحكومة العراقية لربما ماكانت الموصل وكوردستان وكركوك جزءا من العراق اليوم لان تركيا طالبت بها بقوة. وهذا المستعمر ايضا كان يمكن له وبالتعاون مع امريكا وروسيا ان يقسم العراق عام 1941 - ونخلص من هالبلوة! - لكنه لم يفعل. وفي عام 1991 كان من الممكن للامبريالي الامريكي المستكبر ان ينشأ دولة جديدة في كوردستان لكنه لم يفعل. والحقيقة وللتاريخ فان كل من دول جوار العراق الكبرى الاربع تركيا وايران وسوريا والسعودية لديها مصلحة في بقاء العراق موحدا حتى لاتخلق دولة كوردية تشجع الكورد في هذه الدول وحتى لايتشجع الشيعة في السعودية ايضا. وفي عام 2003 كان يمكن للمحتل الامريكي المستكبر ان يقسم العراق - ويخلصنا! - لكنه لم يفعل. وفي عام 2014 كان وجود العراق كدولة مهددا لكن دعم الاستكبار الامريكي وايران والعالم قضى على هذه الفكرة. وكان يمكن لامريكا وايران وتركيا ان (تتأمر) لتقسيم العراق خلال استفتاء استقلال كوردستان لكنها جميعا دعمت وحدته وخصوصا ايران. ماهي اذن الدول التي لها مصلحة في تقسيم العراق؟ ربما هناك دولة واحدة هي اسرائيل. لكن مصلحة اسرائيل في ذلك ليست حيوية كما كان ذلك سابقا لان العراق لايشكل اي خطر عليها الان. ماذا عن مشروع بايدن الذي سألني عليه مليار عراقي 100 مليار مرة؟! بايدن قدم مشروع اتحاد كونفدرالي وليس تقسيم للعراق وهذا المشروع طواه النسيان ولا يتذكره بايدن نفسه المصاب بفقدان الذاكرة لكن العراقيين (مجلبين بيه) على انه الدليل الذي يثبت كل شيء! مختصر مفيد لا يوجد احد يتأمر من اجل تقسيم العراق. على العكس من تظنونهم يتأمرون هم من خلقوا هذه البلوة وحافظوا عليها! ساعة السودا!
مصطفى النعمان حتماً سيرحل الرئيس دونالد ترمب عن المكتب البيضاوي، الذي جلس عليه رؤساء ترك كثيرون منهم بصمات في التاريخ، وسيعود إلى مكاتبه في المبنى الذي يحمل اسمه (برج ترمب) وسط مدينة نيويورك، تاركاً خلفه إرثاً عظيماً من التخبط والفوضى وسوء الإدارة سيلقي عبئاً ثقيلاً على خلفه الرئيس المنتخب جو بايدن وإداراته، لإعادة الهيبة والوقار اللذين افتقدهما البيت الأبيض في السنوات الماضية. وسيواجه الرئيس الجديد مهمة صعبة للغاية نظراً إلى الكم الهائل من الألغام السياسية التي زرعها سلفه في الشرق الأوسط وحول العالم، فقد زعم ترمب أنه قادر على ابتكار الحلول لكل مشكلة بـأسلوب تجاري، بعيداً عن قيود التاريخ وضوابط الجغرافيا، فالرجل لا يحتمل تفكيره التعمق في أي قضية، إذ يتصور أنه وحده سيتمكن من إيجاد حلول لها ويكون له منفرداً القول الفصل فيها، فقد كان قليل الخبرة والتجربة في القضايا الدولية، وما كان قارئاً للتاريخ ولا مهتماً بالتفاصيل التي تشكل جوهر الحلول في عديد من الأزمات. خلال أربع سنوات لم يتمكن ترمب من معالجة أي قضية دولية بل أسهم بإمعان في خلق مزيد من بـؤر التوتر في منطقة الشرق الأوسط، وتعمد رفع حرارة الخلافات العربية مع إيران خصوصاً، وعوضاً عن لعب دور المهدئ والوسيط، عمد إلى تعميق الشكوك والمخاوف، ولم يكن ذلك إلا لتحقيق هدف واحد هو ضمان بقاء دولة إسرائيل في موقع التفوق العسكري مهما بلغت المبيعات العسكرية لبعض دول المنطقة. كان واضحاً خلال السنوات الأربع الماضية، أن سياسة البيت الأبيض غير ثابتة ولا مفهومة، وأربكت العالم في محاولة تجنب الصراع معه والسعي لفهم المؤثرات التي تتحكم في اتخاذه القرار، ويمكن الالتفات إلى العدد غير المألوف من التغييرات التي أحدثها ترمب في أهم موقعين داخل البيت الأبيض، وأقصد منصب مستشار الأمن القومي، فقد تعاقب عليه أربعة طرد منهم ثلاثة، ثم موقع كبير موظفي البيت الأبيض الذي مر عليه ثلاثة، بينما ظل الموقع الثابت الذي لم يتبدل هو موقع زوج ابنته جاريد كوشنر الذي مثل الشخصية الأهم الأكثر تأثيراً علـى مجمل القرارات والأكثر نفوذاً في تحديد أولويات السياسة الخارجية، بعيداً عن نطاق وزير الخارجية وأجهزة الاستخبارات. وتعامل ترمب مع الموقع الأخطر في العالم بعقلية صاحب المزرعة، الذي يمتلك كامل أسهمها متصوراً أنه يمتلك الحق في تحديد ما يفعله الجميع، ولم يكن يخفي نرجسيته المفرطة مدعياً قدرته على إنجاز الصفقات من دون تحمل أي تبعات، ومن المـؤكد أن معظم قيادات العالم قد تنفست الصعداء بخسارته بعد سنوات من الاضطرار إلى تحمل صفاقته وإهاناته، التي لم يسلم منها أي حاكم حتى من كان يتصور أنه قريب منه أو متوافق مع رؤيته للعالم. الآن، لا بد من أن الرئيس ترمب يفكر جدياً بما يمكن أن يحدث له في اليوم التالي لتسليم السلطة رسمياً، بل قد يكون السؤال الأهم هو، ما الذي سيفعله خلال الشهرين المقبلين؟ إذ ليس من الواضح أنه قد فكر ملياً بتبعات ما تسبب به من اختلالات سياسية ووظيفية طيلة سنوات حكمه، كما أنه صار يعمل بطريقة غير مسبوقة من حيث إقالة كبار موظفيه في الأيام الأخيرة من حكمه، وما زال يواصل السعي لمزيد من التوتر في مناطق مختلفة، وكانت زيارة مبعوثه الخاص إيليوت أبرامز إلى المملكة العربية السعودية في هذا الإطار، لكنه لم يفلح بالحصول على دعمها لاتخاذ إجراءات جماعية ضد الحكومة الإيرانية. لم يعد أمام الرئيس ترمب إلا أيام معدودة مهما حاول وبذل، وبعدها سيكون في مواجهة شرسة مع مجلس النواب الأميركي، الذي سيعمد إلى تجديد استدعاء كبار الموظفين الذين منعهم ترمب من الشهادة أمام لجانه المختلفة بخصوص قضايا التهرب الضريبي والعلاقة مع روسيا وغيرها، وليس الغرض من ذلك رغبة الديمقراطيين في الانتقام من الرجل فقط ولكن، وهذا هو المهم، التأكد من عرقلة قدرته على الترشح مرة أخرى في العام 2024، فمؤسساته التجارية تتعرض للتحقيق في تضخيم تقييم ممتلكاتها من أجل الحصول على قروض من البنوك، ثم استغلال السلطة للحصول على صفقات خارجية، والتحرش الجنسي والدعوى المرفوعة من ماري ترمب ابنة أخيه ومن محاميه السابق وقضايا أخرى كثيرة. وستشهد بدايات فترة سنوات حكم الرئيس المنتخب بايدن مواجهات على جبهات عدة مع قضايا داخلية على رأسها إعادة البطالة وبطء نمو الاقتصاد الذي تأثر بوباء كورونا، وإعادة الانضباط إلى عمل المؤسسات الأميركية، وعودة واشنطن إلى العمل الجماعي مع بقية دول العالم عبر المنظمات الدولية، وتفعيل المعاهدات الدولية التي وقعها الرئيس السابق باراك أوباما، وما يهمنا هنا أن أسلوب إدارة الملفات سيختلف تماماً، مع ضرورة التنبه إلى أن بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس متأثران بأوباما ونظرته إلى العالم، ولن يكون الرئيس الجديد متطرفاً في تعامله مع قضايا العالم كسلفه. صحيح أن بايدن والحزب الديمقراطي عموماً يوليان قضايا حقوق الإنسان والحريات اهتماماً كبيراً، وذاك تناقض تام مع سياسات ترمب، لكنهما يعرفان أيضاً مدى التغييرات العميقة التي حدثت في العالم وتبدل الأولويات في مناطق كثيرة، ضعفت فيها الحماسة للسياسات التي تصدرت سنوات الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ولا يعني هذا أن مثل هذه القضايا ستنتفي وتختفي، ولكن المؤكد أن التعامل معها سيختلف على الرغم من أن المواجهات فيها ستظل مستمرة ربما بحدة أقل مما كانت عليه في فترة ما قبل ترمب. أمام المنطقة العربية سنوات أربع لن تكون هينة لمواجهة ملفات كان الاعتماد على مواجهتها مبنياً على وجود رئيس تصورناه حليفاً أبدياً، وعليه، فمن الحيوي ألا نعيد تجربة الركون فقط على شخصية الرئيس الأميركي، بل على سد الثقوب التي توسعت في جدران العلاقات الداخلية وكذلك العربية البينية، وفي الوقت نفسه التركيز على البناء الداخلي التوافقي بين مكونات الأوطان وإزالة الحواجز التي تمنع المصالحة الوطنية داخل كل مجتمع. إن القلق الذي ينتاب البعض من عودة رئيس ديمقراطي له مبرراته، ولكنه يجب أن يكون محفزاً لدراسة أسباب هذا الضعف الذي يعتري الجسد العربي أمام المخاطر الداخلية والخارجية، كما أن استمرار الاعتماد على شخصية الرئيس المقيم في "1600 جادة بنسلفانيا" بواشنطن سيجعلنا نعيش داخل الفقاعة نفسها كل أربع سنوات.