الحصاد draw: بيل ترو - إندبندنت في بلد نشأ شبابه وسط الحروب وباتوا يواجهون البطالة الجماعية من دون أن يحصلوا على أي دعم كان، ملأت عصابات المخدرات الفراغ. انطلاقاً من العاصمة ووصولاً إلى مدينة البصرة الجنوبية، وقعت بيل ترو على أعداد متزايدة من المدمنين ونظام يكافح لمعالجة الوضع. لم يدرك علي سوى بعد محاولته بيع أنبوبة غاز الطهي التي سرقها من موقد والديه أن المخدرات هي التي تستهلكه [تستنفد قواه] - وليس العكس. كان الشاب العراقي البالغ من العمر 27 عاماً قد باع بالفعل هاتفه المحمول والكراسي والسرير، ووصل به الأمر حتى إلى بيع الفراش الذي ينام عليه من أجل شراء بضعة غرامات إضافية فقط من مخدر الكريستال ميثامفيتامين (الكريستال ميث). ولم يتبق سوى أنبوبة الغاز القديمة هذه، لكنها لم تكفِ لسد ثمن الجرعة. وبعد إصابته بالحمى وبداية معاناته من أعراض انسحاب المخدر من جسمه، أوقف الشاب عند نقطة تفتيش في حي فقير في بغداد. لا يذكر الشاب النحيل الذي تظهر الثقوب بوضوح على جلده ما حدث بعدها جيداً، ما عدا معاناته من آثار توقيف المخدر فجأة وانسحابه من جسده داخل السجن. وقال لـ"اندبندنت" من داخل مركز شرطة القناة في شرقي بغداد حيث يقضي حكماً بالسجن أربعة أشهر لحيازته المخدرات "كنت في عالم آخر، كما حال الجميع، وأردنا الهروب من حياتنا التعيسة". كان علي يعاني من صعوبة في التركيز بينما عيناه تبدوان أشبه بالآبار المحفورة. وقال "ترك أثراً هائلاً على محيطي الاجتماعي. عندنا كثير من الأشخاص المعدمين ومن توفوا بسببه. لكن الحياة شاقة". يعد علي (اسم مستعار) واحداً من بين آلاف المدمنين على الكريستال ميثامفيتامين في العراق، هذا البلد الذي لم يكن قد عانى سوى في وقت قريب نسبياً من انتشار موجة الإدمان على المخدرات، حتى فيما كان الأفيون والهيروين يغرقان بلداناً مثل إيران وأفغانستان. بتمويل من المساهمات التي يتلقاها برنامج الداعم الذي تديره "اندبندنت"، تحدثت الصحيفة مع العاملين في مجال الصحة في العراق الذين يطلقون على هذه الموجة المتنامية من تعاطي الكريستال ميث وصف جائحة خفية- ويحذرون من أنها أصبحت أخطر منذ ظهور فيروس كورونا. اقرأ المزيد موجة فيروس كورونا الأكثر فتكاً في العراق بدأت للتو المخدرات المهربة إلى الداخل العراقي تفتك بشبابه وقال قاسم ورش، كبير الممرضين في مستشفى ابن رشد، مركز إعادة التأهيل الرئيس في العراق أثناء قيامه بجولته "يقضي الميث على دفاعات الجسم ويؤدي إلى عوارض منها خسارة الوزن فيجعل [المتعاطين] عرضة للإصابة بكافة أنواع الأمراض بما فيها كوفيد-19 طبعاً". "لا يعود الناس يبالون بشيء بسببه، ويكونون أقل ميلاً إلى التزام ممارسات من قبيل التباعد الاجتماعي". يتسبب هذا المنشط الذي صنعه الإنسان بالإدمان الشديد وقد طور في اليابان واستخدم خلال الحرب العالمية الثانية لكي يبقى الجنود متيقظين، وهو يجتاح جهاز المناعة في الجسم ويمكن أن تنتج عنه آثار جانبية تشكل خطراً على الحياة بما فيها فشل القلب والفشل الكلوي فضلاً عن خسارة هائلة في الوزن. غير أن الخطر الإضافي المتمثل في التقاط عدوى كوفيد-19 لا يردع المتعاطين. وقال علي بطريقة حالمة "لا يفكر [يحتسب] المرء في المخاطر. أنا عامل زراعي. بدأنا جميعاً بتعاطيه لأن حياتنا صعبة". "فالمخدر ينقلك إلى عالم آخر، أفضل. فلا تعود تبالي بشيء". "لا مفر" يلجأ عدد متزايد من العراقيين إلى تعاطي الكريستال ميث هرباً من الواقع الصعب حيث البطالة مرتفعة جداً والفساد يجتاح الاقتصاد والبنية التحتية متهالكة في بلد انتقل من حرب إلى أخرى منذ الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003. وفقاً لتقرير نشره مجلس الأطلسي في فبراير (شباط)، نحو 60 في المئة من سكان العراق هم من فئة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً، فيما يقدر معدل البطالة في أوساطهم في العراق بـ36 في المئة. يقول مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، إن الكريستال ميث أصبح المخدر الأساسي الذي يستدعي القلق في البلاد وحذر في تقرير أصدره في فبراير من أن المخدر الذي كان يجري تهريبه من إيران المجاورة سابقاً بات يصنع الآن في مختبرات داخل العراق. وتقع مراكز انتشاره الرئيسة في المحافظات الحدودية الجنوبية مثل البصرة وميسان. هناك، درجت عصابات قوية من تجار المخدرات منذ زمن على تهريبه داخل البلاد، كما قال أحد سكان البصرة المحليين المطلع على هذا القطاع لكنه رفض ذكر اسمه بسبب مخاوف أمنية. وأضاف المصدر أنه يجري غالباً استخدام النساء لتهريب المخدرات لأنهن أقل عرضة للتفتيش. والكمية التي تشترى بمبلغ قد لا يتعدى خمسة آلاف دينار (2.5 جنيه إسترليني) لقاء الغرام الواحد قد تباع بأربعة أو خمسة أضعاف السعر الأصلي، مما يدر مكاسب كبيرة على التجار. قاسم ورش، كبير الممرضين في مركز إعادة التأهيل الرئيسي في العراق يقول إن جائحة كريستال الميثامفيتامين تجعل الشباب أكثر عرضة للإصابة بكوفيد-19 (بيل ترو) والحق أن العراق ما عاد مجرد معبر للمخدرات في طريقها إلى تركيا، بل أصبح وجهة في حد ذاته خلال السنوات القليلة الماضية مع ارتفاع معدلات العنف والفقر. وشكلت البصرة لقمة سائغة، وليس وراء ذلك موقعها الجغرافي فحسب. فالمدينة الجنوبية التي عرفت في الماضي باسم "بندقية الشرق" شهدت ارتفاعاً جنونياً في معدلات البطالة خلال السنوات القليلة الماضية في غياب البنى التحتية الأساسية، بما فيها توفر المياه النظيفة. وقال الرجل الذي يقطن البصرة "هنا في البصرة، ليس لدينا متنزهات ولا نواد ولا حتى سينما. لا يوجد أي مرفق يمكن للشباب ارتياده حرفياً وليس لديهم ما يفعلونه". "عايش الشباب عدة حروب. يقول لي المدمنون الذين أتحدث إليهم إنهم لا يملكون وظيفة ولا هواية ولا سبيلاً آخر للهروب [نسيان واقع الحال]". لقد أنهك إدمان الميث النظام الجنائي العراقي الذي يرزح تحت ضغط كبير أساساً. وأعلنت فرق مكافحة المخدرات في سجن القناة حيث يحتجز علي، أنها استنفدت طاقتها الاستيعابية بعد اعتقال 217 مدمناً وتاجراً للكريستال ميث، وحشرهم جنباً إلى جنب داخل الزنازين. وقال الضباط، إن الأرقام الرسمية قد ارتفعت بشكل هائل منذ عام 2017 مع تردي اقتصاد البلاد كما أسعار الكريستال ميث. وأبلغ الرائد يابار حيدر "اندبندنت" أن "عدد المدمنين ارتفع 40 في المئة في هذه المديرية منذ عام 2017 وسجلت زيادة 30 في المئة في أعداد التجار". و"يعود ذلك إلى زيادة في وفرة كريستال ميث مما يخفض سعره". وقال إنه في عام 2017 كان الغرام الواحد يكلف نحو 100 دولار أميركي، بينما قد لا يتجاوز سعره الآن في بعض المناطق 20 ألف دينار عراقي- أي 10 جنيهات إسترلينية فقط. لا يعلم مدى انتشار المخدر على وجه التحديد بسبب شح المعطيات. لكن الرائد حيدر قال، إنه قبض على أكثر من 6 آلاف شخص العام الماضي بتهم مرتبطة بالمخدرات في جميع أنحاء البلاد، فيما صادرت السلطات أكثر من 120 كيلوغراماً من الكريستال ميث. تنشر "المديرية العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية" في العراق تحديثات منتظمة على صفحتها على موقع "فيسبوك" حول عمليات ضبط المخدرات، وقد بدأت عدداً من حملات التوعية لتشجيع السكان على مشاركتها معلومات حول التجار وهذا القطاع. وفي هذه الأثناء، صرح وزير الصحة العراقي بأن الكريستال ميث أصبح ثاني أكثر المخدرات تعاطياً بعد الكحول. وكشفت آخر البيانات عن وجود 813 مدمناً في مراكز إعادة التأهيل الحكومية، وهو ما يفوق بكثير عدد مدمني أي مادة أخرى. سلب مني حياتي ومن هؤلاء المرضى أحمد، 32 عاماً، أجير زراعي عاطل عن العمل، دخل بنفسه إلى مستشفى ابن رشد في بغداد بعد أن وصل الحال بعائلته إلى طرده من المنزل. ويعتبر مستشفى ابن رشد أحد المستشفيين النفسيين الحكوميين ضمن النظام الفيدرالي العراقي؛ كما أنه الأكبر. هناك، خصص 13 سريراً لمرضى مثل أحمد يتعافون من الإدمان على المواد المخدرة. وقال أحمد، إن الرجال والنساء يتعاطون على حد سواء، مع أن عدد النساء اللاتي يفصحن عن إدمانهن أقل بسبب الوصمة الاجتماعية. وتابع، أن تجار المخدرات يلجأون إلى طرق أكثر ابتكاراً من أجل استقطاب زبائن جدد. وبدل المخاطرة ببيع بضاعتهم في الشارع، بدأ التجار في توزيع كميات صغيرة من الكريستال ميث خفية بالمجان على من يعيشون في مجتمعات هشة. ثم ينتظر التجار أن يعلق زبائنهم الجدد بالمادة فتأتي إليهم موجة جديدة من المدمنين تتوسلهم الحصول على مزيد من المخدر. وقال لـ"اندبندنت" من سريره في المستشفى "عندما يتملكك اليأس يطلب منك بعض التجار أن تسرق بعض الأغراض مثل الدراجات النارية وخلافها، لدفع ثمن المخدرات". "ويتزايد عدد المتعاطين الذين يتحولون أنفسهم إلى تجار صغار من أجل تمويل تعاطيهم وتتواصل هذه الدورة لقاء ثمن باهظ. لولا الكريستال ميث لكنت متزوجاً ولدي وظيفة- سلب مني حياتي". باع أحمد كل ممتلكاته ودفع كل قرش من مدخوله الضئيل في سبيل التعاطي، فأقصى نفسه بسرعة عن عائلته وأصدقائه الذين قالوا له إنه لا يمكنه العودة إلى المنزل قبل شفائه. عند تلك المرحلة، قال الشاب إنه كان يعاني من هلوسات مخيفة ويسمع أصواتاً. كما أن جهازه الهضمي دمر وأتلفت ذاكرته. وأضاف "عانيت لثلاثة أيام على الأقل من عوارض انسحاب المخدر من جسمي. كنت متكوراً على نفسي كما لو أنني رجل تسعيني". كان العراق يحكم في ما مضى بالإعدام على المتعاطين وتجار المخدرات لكنه أقر قانوناً في عام 2017 يمكن للقضاة بموجبه أن يحكموا على المدمنين بإعادة التأهيل أو بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. ومن حسن حظ أحمد أنه يتعافى في مركز إعادة تأهيل. ففي المناطق العراقية حيث لا تتوفر هذه المراكز، يسجن العديد من مدمني المخدرات. مستشفى ابن راشد أكبر منشآت إعادة التأهيل التي تديرها الحكومة في العراق (بيل ترو) قال الطاقم الطبي في ابن رشد، إن هناك حاجة لتخصيص مزيد من الوحدات وبناء مستشفيات المخصصة في جميع أرجاء البلاد بسبب تزايد عدد المدمنين، فاعتقالهم ليس حلاً. وقال الدكتور أرجان طوقاتلي لـ"اندبندنت" "نحتاج آلاف الأسرة غير المتوفرة في كافة أرجاء العراق. خذوا مثلاً كركوك التي أتحدر منها. ليس في المنطقة بأسرها سوى ثمانية أسرة". بالنسبة لعلي وأحمد، ليست المشكلة مسألة حياتهما أو موتهما فقط بل حياة وموت جيلهما بكامله. وقال أحمد وهو جالس في حديقة مستشفى ابن رشد "هذا المخدر لا يهدد بتدمير الشباب. بل إن الكريستال ميث قد قضى علينا بالفعل". يمول برنامج الداعم في "اندبندنت" التقارير الخاصة من غرفة أخبار حائزة على جوائز يمكنكم الوثوق بها. نرجو أن تفكروا في المساهمة فيه.
الحصاد draw: حامد عبد الحسين الجبوري - مركز الفرات تسعى أغلب الدول، سواء كانت متقدمة أو نامية، لبناء علاقات خارجية متينة مع دول اقليمية أو دولية، لاعتبارها النافذة التي تمكن الدول من تحقيق أهدافها الخارجية أو الداخلية أو كلاهما معاً. اختلاف أهداف العلاقات الخارجية ونظراً لتجاوز الدول المتقدمة أو على الأقل إنها قطعت شوطاً كبيراً في تحقيق الأهداف الداخلية، فهي تسعى في الغالب لوضع أهداف خارجية كعولمة ثقافتها أو محاربة الإرهاب وتعمل على تحقيقها من خلال بناء علاقات خارجية مع الدول التي تصب في مصلحتها وتحقيق تلك الأهداف. فعلى سبيل المثال سعت أمريكا ولا تزال في بناء علاقات خارجية مع كثير من دول العالم-دول أوربية، دول أسيوية، دول شرق أوسطية-من أجل عولمة ثقافتها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو من أجل محاربة الإرهاب لضمان سلامة مصالحها الإستراتيجية في تلك الدول. في حين لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للدول النامية، فهي لا تزال تعاني من التواضع في تحقيق الأهداف الداخلية، ولا يتسنى لها وضع أهداف خارجية وبناء علاقات لتحقيقها، لان الأولى بها أن تعمل على بناء علاقات خارجية من أجل تحقيق الأهداف الداخلية التي لا تزال متواضعة كالأمن والاقتصاد والخدمات. عقبات انعكاس العلاقات الخارجية على الداخل وما سعي الحكومات العراقية بعد عام 2003 باتجاه العلاقات الخارجية الإقليمية والدولية إلا لتحقيق الاستقرار الأمني وتحسين الاقتصاد وتقديم الخدمات، ولكن أغلب الجولات الخارجية لم تنعكس على الوضع الداخلي العراقي بشكل ملموس. بمعنى إن هناك عقبات كانت تحول دون انعكاس العلاقات الخارجية التي تقوم بها الحكومة العراقية على الوضع الداخلي، وهي عقبات مترابطة فيما بينها ومن أبرزها هي غياب الاستقلال وضعف الاستقرار، إذ لا استقرار بلا استقلال. حيث اتجه العراق نحو نافذة العلاقات الخارجية بعد 2003 وبالخصوص في زمن حكومة العبادي بعد تحرير الموصل من تنظيم داعش الإرهابي الذي أسقطها في نهاية حكومة المالكي، كان ذلك الاتجاه بمثابة دعوة تلك الدول للوقف لجانب العراق ودعمه لمحاربة الإرهاب وإعادة الأعمار. ثم جاءت حكومة الكاظمي وسارت على نفس الوتيرة، لتكمل ما انتهت إليه حكومة العبادي، رغم إن الأولوية التي جاءت من أجلها هي تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات، ومع هذه الأولوية عملت على فتح نافذة العلاقات الخارجية وزارت العديد من الدول كان آخرها السعودية والإمارات وزيادة عدد الاتفاقيات مع الدول في مجالات مختلفة وعلى رأسها المجال الاقتصادي، من أجل دعم الاقتصاد العراقي وتحسين الأوضاع الداخلية. اختلاف أولويات الحكومات المتعاقبة بشأن العلاقات الخارجية وبالتأكيد، ثمة اختلاف ما بشأن الهدف من فتح نافذة العلاقات الخارجية ما بين الحكومتين، حيث ركزت حكومة العبادي على العلاقات الخارجية من أجل محاربة الإرهاب وإعادة الأعمار، في حين ركزت حكومي الكاظمي على دعم الاقتصاد وتحسين الأوضاع الداخلية من خلال زيارة الدول ودعوتها للاستثمار في العراق. يبدو إن مسيرة الحكومتين كانتا تسيران بنفس الرؤية وبنفس الاتجاه، ونظراً لاختلاف الأحداث على أرض الواقع وما ينبغي على الحكومة أن تتخذه، أصبح لكل حكومة أولويات تختلف عن الأخرى وذلك بما ينسجم مع الحدث الذي وقع، فكانت أولوية حكومة العبادي هي محاربة الإرهاب بالدرجة الأولى وإعادة الأعمار وأولوية حكومة الكاظمي هي دعم الاقتصاد وتحسين الأوضاع الداخلية. التقييم ومن حيث التقييم، يمكن القول، إن حكومة العبادي نجحت في محاربة الإرهاب رغم الوضع المتهالك مالياً واقتصادياً الذي ورثه من حكومة المالكي. تحقق ذلك النجاح بفعل تكاتف الجهود الداخلية من مرجعية وشعب من جانب واستثمار العلاقات الخارجية من جانب آخر. وبالتأكيد إن الدول التي استجابة لحكومة العبادي في محاربة الإرهاب كانت هي أيضاً راغبة وبشكل كبير في محاربة الإرهاب لحماية مصالحها في العراق من جانب وتحقيق الأمن والسلم الدوليين من جانب ثانٍ لان تحقيقهما يعني ضمان حماية بلدانها من انتقال الإرهاب لها. أما على مستوى إعادة الأعمار، فكانت النتائج متواضعة، إذ بلغ حجم التعهدات التي تعهد بها المشاركون في مؤتمر الكويت لإعادة أعمار العراق 30 مليار دولار في عام 2018 في حين كان المطلوب هو88 مليار دولار حسب وزارة التخطيط للإيفاء بإعادة أعمار المناطق المتضررة سواء بفعل الإرهاب أو بفعل عمليات التحرير. يمكن إيعاز انخفاض حجم المشاركة في إعادة أعمار المناطق المتضررة للعقبات التي تم ذكرها آنفاً وهي غياب الاستقلال وضعف الاستقرار، إذ ترى كثير من الدول إن القرار العراقي لا يزال يخضع للإرادة الخارجية، إضافة لضعف سلطة إنفاذ القانون وانتشار السلاح خارج القانون، لذا يرى البعض، أن الالتفاف على إعادة الأعمار أو تسويفها أو سوء إدارتها بالشكل الأمثل هو التحليل الأكثر واقعيةً، فكانت المشاركة متواضعة. أما بالنسبة لحكومة الكاظمي فقد عملت على الورقة الاقتصادية في العلاقات الخارجية الإقليمية والدولية من خلال زيارة أمريكا وطهران وتركيا الأردن والسعودية والإمارات، وإجراء العديد من الاتفاقات الاقتصادية معها، وأبرزها اتفاقية الربط الكهربائي مع الأردن ومصر والسعودية، وإنشاء صندوق عراقي سعودي مشترك، يقدر رأس ماله بثلاثة مليارات دولار، وكذلك أعلنت دولة الإمارات عن استثمارها مبلغ ثلاثة مليارات دولار في العراق وغيرها الكثير من الاتفاقات. لا تقييم بلا وقت كافي ولا يمكن تقييم أداء الحكومة الحالية بشكل دقيق في الوقت الحاضر في مدى قدرة الحكومة على تذليل العقبات وتحييد أثارها وجعل العلاقات الخارجية تنعكس بشكل ايجابي ومباشر على واقع الاقتصاد العراقي ما لم يتم إعطاء الوقت الكافي لظهور النتائج ومن ثم اتخاذ قرار بشأن التقييم ما إذا كانت جيدة أم لا؟ ولذا يبقى السؤال المطروح، هل ستنجح حكومة الكاظمي في ترجمة تلك الاتفاقات على ارض الواقع العراقي وبما يخدم الاقتصاد العراقي؟ إذا ما استطاعت حكومة السيد الكاظمي تذليل تلك العقبات والعمل على جعل القرار العراقي مستقل بعيداً عن الاملاءات الخارجية والعمل وفق مبادئ التعاون والمصالح المشتركة من جانب، واستطاعت أن تعمل، أيضاً؛ على تقوية سلطة إنفاذ القانون وحصر السلاح بيد الدولة الذي من شأنه تحقيق الاستقرار من جانب ثانٍ، كلا الأمرين سيكونان كفيلان بانعكاس العلاقات الخارجية إيجابياً على الاقتصاد العراقي والعكس صحيح. وتبدو بعض المؤشرات إن حكومة الكاظمي تسير إلى حد ما بالشكل المطلوب داخلياً وخارجياً سياسياً واقتصادياً، سينعكس هذا السير بشكل ملموس على ارض الواقع إن عاجلاً أو آجلاً ومع ذلك سيبقى هذا السير محفوفاً بالمخاطر، مما يتطلب الحذر دائماً لأي محاولات تريد الانزلاق به نحو الهاوية.
الحصاد: أعلنت الأحزاب التركمانية، الخميس، الدخول في الانتخابات بتحالف انتخابي موحد. وقال رئيس الجبهة التركمانية العراقية حسن توران في مؤتمر صحفي عقده اليوم، إن "الأحزاب التركمانية عقدت اجتماعاً في مقر الجبهة التركمانية في كركوك جرى فيه بحث مجمل تطورات المشهد السياسي والأمني واستحقاقات المكون في العراق، وكركوك". وتقرر عن الاجتماع المشاركة في الانتخابات النيابية بتحالف انتخابي موحد في "تركمان ايلي" والعراق، وباسم جبهة تركمان العراق، كما تمت تسمية حسن توران رئيسا للتحالف الانتخابي، والتحالف سيعلن عن برنامجه السياسي لأبناء التركمان لاحقا
الحصاد: أكد مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة، جوي هود، في مقابلة خاصة مع "الحرة" أن الحكومة العراقية لم تطلب خلال الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، الذي عقد الأربعاء، مغادرة القوات الأميركية من العراق. وأوضح هود أن الولايات المتحدة والحكومة العراقية والتحالف الدولي والبشمركة حققوا الكثير في مواجهة تنظيم داعش وهزيمته وتفكيك نظامه. إلا أنه أضاف أن "الهزيمة الكاملة لداعش لم تتحقق بعد وعلينا مواصلة قتالهم سوياً. ووافقنا على أن تجتمع اللجان التقنية للجنة العسكرية المشتركة لمواصلة النقاش لتحديد الخليط المناسب من القوات الأميركية والتحالف الدولي الذي يجب أن يبقى في البلاد لإتمام المهمة". وحول تغيير مهمة القوات الأميركية والتحالف الدولي في العراق، قال هود إن "التغيير يحصل منذ عام 2014 وحتى الآن. وقواتنا الآن تركز على التدريب والنصح وتقديم المشورة والتجهيز للقوات العراقية لملاحقة داعش بنفسها وهذا ما يقومون به . وهذا ما خولنا تعديل قدرة قواتنا في العراق وخارج العراق أيضاً مع الوقت، وسنواصل القيام بذلك بالتنسيق مع الخبراء العسكريين في اللجنة المشتركة". وحول تأكيد المسؤولين العراقيين على أن الولايات المتحدة تعهدت بعدم وجود قواعد عسكرية أميركية في العراق، قال هود: "ليس لدينا قواعد عسكرية في العراق وقواتنا العسكرية الموجودة هناك تقيم على منشآت عسكرية عراقية، ونحن ضيوف في بلدهم. ولذلك أكدوا لنا أنهم يعملون بجهد كبير لحمايتنا وأكدنا لهم أن كل ما نقوم به في بلدهم هو بالتنسيق معهم". وأوضح هود في المقابلة أن الحكومة العراقية جددت دعمها ومسؤوليتها عن "حماية كل الضيوف المدعوين إلى العراق بمن فيهم الدبلوماسيون الأميركيون والقوات الأميركية وقوات التحالف الدولي. وجددوا هذا التأكيد لنا وشكرناهم على ذلك". وأشار هود إلى أن "الشعب العراقي يتوقع الكثير من العلاقات الأميركية العراقية التي تبدأ بالثقافة والتربية وتصل إلى انتخابات حرة ونزيهة وعادلة وإلى المجال الأمني والتنمية الاقتصادية والتعاون الصحي". وكشف عن تقديم عشرة ملايين دولار إضافية لتمويل جهود الأمم المتحدة في العراق لدعم الانتخابات المقبلة. وقال: "تحدثنا عن تنسيق إضافي في المستقبل، لأننا نريد التأكد من وجود مراقبين دوليين لمراكز الانتخاب لمساعدة السلطات الانتخابية على إجراء انتخابات حرة وعادلة للشعب العراقي". وأصدرت بغداد وواشنطن بيانا مشتركا، الأربعاء، عقب انتهاء الجولة الثالثة من جولات الحوار الاستراتيجي بين البلدين. وقال الطرفان في البيان إن "دور القوات الأميركية وقوات التحالف قد تحول الآن إلى المهمات التدريبية والاستشارية" على "نحو يسمح بإعادة نشر المتبقي من القوات القتالية خارج العراق". وجدد البلدان تأكيدهما على أهمية مبادئ اتفاقية الإطار الاستراتيجي، فيما جددت الولايات المتحدة تأكيد احترامها لسيادة العراق وسلامة أراضيه وللقرارات ذات الصلة والتي صدرت عن السلطتين التشريعية والتنفيذية العراقية.
الحصاد draw: صفوان الأمين, بلال وهاب - معهد واشنطن أسفر التوصل إلى حل وسط معقد اتخذه "مجلس النواب العراقي" إلى إعادة تنشيط بعض الآليات المطلوبة للانتخابات المقترحة المقرر إجراؤها في تشرين الأول/أكتوبر، ولحل محتمل للنزاع حول الطاقة في «إقليم كردستان»، على الرغم من أن المؤسسات القانونية المتعثرة في البلاد لا تزال تعرقل عملية الإصلاح. في 19 آذار/مارس، عدّل "مجلس النواب العراقي" القانون رقم 30 لعام 2005 الذي أنشأ "المحكمة الاتحادية العليا"، وهي أعلى محكمة دستورية في البلاد. وعلى الرغم من أن القرار نابع من تسوية سياسية شائكة وفشل في حل المشاكل القانونية الأعمق في العراق، إلا أنه مع ذلك سيساعد في التغلب على عقبة خطيرة أمام إجراء انتخابات مبكرة في تشرين الأول/أكتوبر. وقد ظلت "المحكمة الاتحادية العليا" معطّلة منذ عام 2019 بسبب أزمة دستورية ذاتية، لكن بإمكانها الآن الوفاء بالواجب المنوط بها من خلال التصديق على نتائج الانتخابات. وقد تكون قادرة أيضاًعلى "نفض الغبار" عن قضية تتعلق بالحقوق الوطنية لإدارة النفط والغاز الطبيعي - وهو موضوع نزاع مرير بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان». ومع ذلك، إذا استمر العراق في تأجيل التعامل مع مشكلة الإصلاحات التي يفرضها الدستور، فقد يؤدي الوضع إلى تعقيدات سياسية وقانونية أسوأ. ركيزة ثالثة معطوبة منذ اعتماد الدستور العراقي الحالي في عام 2005، خضع الفرع القضائي لعدد من التحوّلات العشوائية والتغييرات السريعة التي كان تأثيرها النهائي هو إضعاف سيادة القانون. ومن بين هذه النتائج السلبية عملية سياسية تشوبها انتهاكات دستورية بشكل دوري. لقد نصت المادة 92 (2) من الدستور على إنشاء محكمة اتحادية عليا وكلّفت الهيئة التشريعية بتحقيق هذه الغاية. ومع ذلك، فعلى الرغم من حملها هذا الاسم، لم يتم إنشاء "المحكمة الاتحادية العليا" الحالية من قبل "مجلس النواب" كما هو مطلوب بموجب الدستور - بل تم إقامتها من قبل الحكومة المؤقتة التي أشرفت على المرحلة الانتقالية في العراق قبل المصادقة على الدستور. وكان يتعيّن استبدال هذه "المحكمة الاتحادية العليا" المفترض أن تكون مؤقتة بعد وقت قصير جداً من وضع الدستور، ولكن بعد خمسة عشر عاماً، لا يزال يتعيّن على "مجلس النواب" إصدار التشريعات اللازمة - وهو الفشلْ الذي لا يزال من بين الخطايا التأسيسية للعراق بعد الحرب. وبالإضافة إلى سجل حافل من الأحكام المشكوك فيها للغاية التي اتخذتها "المحكمة الاتحادية العليا" (انظر أدناه)، توقفت المحكمة كلياً عن القيام بمهامها في عام 2019 بعد تقاعد أحد أعضائها. وقد أقدمت سابقاً على إلغاء مواد في القانون رقم 30 تسمح بتعيين قضاة في "المحكمة الاتحادية العليا"، لذلك تعذّر تعيين أي بديل عن العضو المتقاعد. وفي غياب النصاب القانوني الضروري لإصدار الأحكام، تعطّل عمل المحكمة فعلياً منذ ذلك الحين. وفي وقت سابق من هذا الشهر، شرع "مجلس النواب" أخيراً في بدء الجهود التي طال انتظارها لتمرير التشريع المنصوص عليه دستورياً وإنشاء "محكمة اتحادية عليا" جديدة. غير أن مشروع القانون واجه عقبتين كبيرتين. أولاً، في ظل السياسات المتصدعة اليوم، يكاد يكون من المستحيل الحصول على أغلبية الثلثين اللازمة لتمرير مثل هذا القانون بالنظر إلى طبيعته الدستورية. ثانياً، اندلعت خلافات محتدمة بشأن تفسير لغة دستورية مبهمة حول دور رجال الدين في "المحكمة الاتحادية العليا". وبعد مشاحنات مطولة، لجأ "مجلس النواب" إلى خيار أسهل ولكنه يطرح إشكالية قانونية، وهي: الاستمرار في إرجاء إنشاء "محكمة اتحادية عليا" جديدة تتوافق مع الدستور واللجوء بدلاً من ذلك إلى تعديل القانون رقم 30 بطريقة تعيد تفعيل دور "المحكمة الاتحادية العليا" الحالية، لأن هذه الخطوة تتطلب أغلبية بسيطة فقط. وعلى وجه التحديد، ينص التعديل على عزل جميع القضاة الحاليين لـ "المحكمة الاتحادية العليا" وتعيين قضاة جدد. كما تم توسيع اختصاص المحكمة. ومن المفارقات، أن التعديل تم "نسخه وإلصاقه" بشكل انتقائي من الدستور - حيث تتكرر سلطات "المحكمة الاتحادية العليا" والاختصاصات المتوخاة منها والمتوافقة مع الدستور كلمة بعد أخرى، لكن البنود التي تحدد العملية والمتطلبات لإنشاء مثل هذه المحكمة يتم تجاهلها تماماً. وهناك مشكلة أخرى وهي أن عملية التعديل لترشيح القضاة تلفها الضبابية كما أنها غير خاضعة للمساءلة. فهي تمكّن فقط بعض الهيئات القضائية من إعداد قائمة بقضاة مرشحين وإرسالها إلى الرئيس الأمريكي من أجل التصديق عليها وأداء اليمين الدستورية، أو إلى "مجلس النواب" إذا رفض الرئيس استلامها. ويحاول التعديل أيضاً إدخال "توازن" عرقي في هيكلية "المحكمة الاتحادية العليا"، وترسيخ مكانة جديدة بل غير واضحة لأمين عام المحكمة. وبغض النظر عن كيفية تبلور هذه التغييرات، فقد فقدت "المحكمة الاتحادية العليا" أساساً الكثير من مصداقيتها على مر السنين من خلال إصدار أحكام غير ديمقراطية وذات دوافع سياسية بشأن قضايا مختلفة. على سبيل المثال، عمدت إلى تقليص صلاحيات "مجلس النواب" وأوقفت عمل لجان مستقلة لصالح السلطة التنفيذية. وأصدرت على عجل قراراً بشأن عدم دستورية استفتاء استقلال «إقليم كردستان»، لكنها التزمت الصمت عندما فوتت الحكومة العراقية الموعد النهائي لتنفيذ المادة 140 من الدستور في عام 2007، والتي تغطّي المناطق المتنازع عليها. وربما أكثر خطواتها ضرراً من حيث تأثيرها على السمعة كان تفسير المحكمة للمواد الدستورية بطرق فضلت الحزب الحاكم في ذلك الوقت - وهي صلاحية لم يمنحها إياها القانون رقم 30 على الإطلاق. وفي عام 2010، على سبيل المثال، فسَّرت معنى "الكتلة الفائزة" من المادة 76 (1) بطريقة فضّلت رئيس الوزراء نوري المالكي، على الرغم من تواجد أدلة واضحة أنه كان يُقصد منها تفسير مختلف أثناء عملية صياغة الدستور. الخلافات المتعلقة بالانتخابات والطاقة ما أن يتولى قضاة "المحكمة الاتحادية العليا" الجدد مناصبهم، ستكون الانتخابات المقبلة والخلافات حول إدارة البترول بين «حكومة إقليم كردستان» والحكومة الاتحادية القضايا الأكثر إلحاحاً وأهمية التي ستتطلب اهتمامهم. لقد طالب الشعب بإجراء انتخابات مبكرة، والتزمت الحكومة بإجرائها خلال تشرين الأول/أكتوبر المقبل. وإذا كان "مجلس النواب" الذي سيُنتخب آنذاك صالحاً من الناحية القانونية، فعندئذ سيتعين على "المحكمة الاتحادية العليا" المصادقة على النتائج. وكبديل، قد تضع المحكمة العصي في دواليب الانتخابات من خلال الحكم بأن أقسام من قانون الانتخابات الجديد غير دستورية. أما القضايا السياسية الأخرى التي قد تنظر فيها "المحكمة الاتحادية العليا" على الفور فهي قانون الميزانية لعام 2021 وتصويت "مجلس النواب" المتنازع عليه قانونياً من كانون الثاني/يناير 2020 حول طرد جميع القوات الأجنبية. وفيما يتعلق بالنزاعات حول شؤون الطاقة، أقامت بغداد دعوى أمام "المحكمة الاتحادية العليا" ضد «حكومة إقليم كردستان» في عام 2012 بشأن صادرات النفط المستقلة في الإقليم. وتعثرت القضية لأسباب فنية وسياسية، لكن في عام 2014، قدّمت الحكومة دعوى منفصلة ضد تركيا في "محكمة التحكيم الدولية التابعة لغرفة التجارة الدولية"، متهمةً إياها بالسماح بتصدير نفط «حكومة إقليم كردستان»عبر خط الأنابيب العراقي-التركي دون الحصول على موافقة بغداد. وقد يكون مصير الدعوتين مرتبطاً ببعضهما البعض - فقد تنخفض التوترات العراقية-التركية بشأن خط الأنابيب إذا أصدرت "المحكمة الاتحادية العليا" حكماً متعلقاً بالتصدير تلتزم به كل من «حكومة إقليم كردستان» وبغداد، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يتم ذلك. وتريد أنقرة أن تتخلى بغداد عن قضية التحكيم وتركز على إعادة النظام إلى السلطة القضائية في العراق فيما يتعلق بإدارة قطاع النفط. وحاولت الحكومة العراقية القيام بذلك في الماضي من خلال قانون "شركة النفط الوطنية العراقية"، إلّا أن "المحكمة الاتحادية العليا" اعتبرت ذلك غير دستوري. توصيات في مجال السياسة العامة على الرغم من أن العراق يمكن أن يفخر بعض الشيء بسياسته الدستورية والتنافسية، إلا أنه لا يزال يتعين ترسيخ ثقافة قانونية وسياسية في الدستور وسيادة القانون. وتشير المخاطر المحتملة في خطوة "مجلس النواب" بتعديل القانون رقم 30 إلى أن النظام السياسي لا يزال يواجه تحديات خطيرة تعترض مسؤوليته وشرعيته. وكما فعلت في الماضي، فإن "المحكمة الاتحادية العليا" المعاد تنشيطها قد تتجاوز دورها وتضع سوابق تؤثر على البلاد لسنوات قادمة. وتعمل الميليشيات والسياسيون الفاسدون على تقويض سيادة العراق من خلال التفاخر بسيادة القانون في العديد من القطاعات، ولا تُستثنى من ذلك السلطة القضائية. على الولايات المتحدة أن تراقب هذا المجال. وعموماً، يجب أن يتمثل هدف واشنطن في الحرص على أن يحترم العراق وسلطته القضائية دستور البلاد. ومع اقتراب موعد الانتخابات الحاسمة، على إدارة بايدن (عبر مكتب وزارة العدل الأمريكية في سفارة الولايات المتحدة في بغداد) العمل مع شركاء دوليين بشأن التعامل مع "المحكمة الاتحادية العليا". ويشمل ذلك تقديم المساعدة التقنية والقانونية وكذلك دعوة القضاة الجدد إلى واشنطن في المستقبل القريب (وإن كان ذلك بعد جائحة فيروس كورونا). على المسؤولين الأمريكيين الوقوف أيضاً على أهبة الاستعداد لإثارة [القضايا المتعلقة] بأي نتائج تسفر عن إجراء انتخابات مزيفة والحكومات التي تشكَّل في أعقابها. وإذا صادقت "المحكمة الاتحادية العليا" على إجراءات انتخابية أو نتائج غير خالية من التلاعب أو ليست ذات مصداقية، فإنها تخاطر بأن يُنظر إليها على أنها امتداد للطبقة السياسية ونظام المحسوبية الخاص بها. وفي المقابل، فإن تعزيز الثقة في النظام الانتخابي والمحكمة العليا يمكن أن يساعد في زيادة إقبال الناخبين على التصويت في الانتخابات القادمة في تشرين الأول/أكتوبر. أخيراً، يُعد قيام "محكمة اتحادية عليا" شرعية وموقرة أمراً أساسياً لواشنطن لكي تدعو إلى حل الخلافات بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان» بشأن الطاقة والمسائل الأخرى وفقاً لسيادة القانون وليس حسبما تمليه الوقائع السياسية على الأرض.
الحصاد draw: أ. د. خالد عليوي العرداوي - مركز الفرات العمق الاستراتيجي من الموضوعات التي لم تجد الاهتمام الكافي في العراق، سواء على مستوى المؤسسات الرسمية ذات العلاقة، ام على مستوى الدراسات الاكاديمية المركزة، لذا لا غرابة ان ترى الكثيرين يجهلون هذا الموضوع او لديهم معرفة سطحية فيه. وعليه، فان ما نحاول القيام به في هذه المقالة البحثية ليس تقديم دراسة منهجية متكاملة حول نظرية العمق الاستراتيجي، فهذا الامر يتطلب بحكم الاختصاص جهودا اكبر يبذلها المختصون في حقول الاستراتيجية والعلاقات الدولية والامن والدفاع، بل سنقتصر على رؤية مفاهيمية مختصرة، نذهب بعدها نحو تحديد التحديات الداخلية لعمق العراق الاستراتيجي متوغلين في الموضوع من منطلق بناء الانسان والمجتمع والدولة كونه المنطلق الذي يمثل جوهر اهتمام كاتب هذه السطور، والذي يفوق في أهميته وخطورته المنطلقات الأخرى، لاسيما تلك المرتبطة بالتحديات ذات الطبيعة الخارجية. مفهوم العمق الاستراتيجي العمق الاستراتيجي من المفاهيم ذات الطبيعة العسكرية، فهو يشير الى المسافة الفاصلة بين قوات العدو والمناطق ذات الطبيعة الحيوية في الدولة، كالمراكز: السكانية الكثيفة، والاقتصادية المهمة لاسيما الصناعية، والعسكرية وغيرها، والتي تمثل مركز ثقل الدولة وجوهر قوتها وقدرتها على الصمود ومواجهة الاعتداء. ان هذا الفهم العسكري للعمق الاستراتيجي دفع أحد الباحثين الى تقديم مفهوم ضيق يتمثل في كونه " المسافة المكانية او الزمانية بين مراكز المدن والمؤسسات الحيوية للدولة، وبين خطوط المواجهة مع العدو"، فضلا عن مفهوم واسع يتمثل في " وقف التهديد المعادي"( 1). ان الفهم العسكري للعمق الاستراتيجي لم يمنع من سحب المصطلح الى ميادين أخرى، اذ من السهولة ان تجد من يتحدث عن العمق الاستراتيجي الجغرافي للدولة او عمقها الاستراتيجي الاقتصادي او عمقها الاستراتيجي الثقافي وغيرها. اما سياسيا فيمكن القول: ان العمق الاستراتيجي للدولة هو موقعها وثقلها في السياسة الدولية، ومدى قدرتها على توظيف مصادر قوتها في حماية مصالحها وأمنها الوطني الشامل. وما يتحكم في تقرير قوة الدولة تلك المعطيات او العناصر التي أشار اليها الأكاديمي والسياسي التركي احمد داود أوغلو، وقسمها الى معطيات ثابتة: الجغرافيا، والتاريخ، وعدد السكان، والثقافة. ومعطيات متغيرة: الاقتصاد، والتكنلوجيا، والقدرة العسكرية (2 ). الا ان هذه المعطيات تصبح مشلولة وعاجزة عن القيام بدورها عندما تفتقر الدولة الى وجودها القانوني الفاعل كدولة، او عندما تواجه تحديات تجعل ما يمكن تسميته بقوى اللا دولة هي المتحكمة بمصيرها وارادتها، ناهيك عن افتقارها الى نظام حكم مستقر وقوي تقوده مؤسسات دستورية متماسكة وفاعلة في اتخاذ القرارات وتنفيذها ومراجعتها، وهذا ما تعاني منه الدولة في العراق منذ وقت طويل، لاسيما في المدة التي أعقبت عام 2003. تحديات قاتلة تهدد عمق العراق الاستراتيجي يبعث الحديث عن عمق العراق الاستراتيجي سحابة قاتمة من الإحباط والأسى؛ لكثرة الفرص الضائعة التي كان بالإمكان انتهازها لتحويل هذا البلد الى قوة فاعلة ورقم مؤثر في الساحة الإقليمية والدولية، فضلا عن كثرة الأخطاء الكارثية التي تسببت بها القيادات السياسية الحاكمة خلال السبعين سنة الأخيرة. وما يزيد الطين بلة هو الإصرار على الاستمرار بمسار ارتكاب الأخطاء والفشل، على الرغم من نتائجه المرعبة التي عانى ولا يزال يعاني منها العراق كدولة وشعب وقدرات. ان تشخيص طبيعة التحديات الداخلية لعمق العراق الاستراتيجي من الأمور المهمة والتي لا غنى عنها لمن يرغب في ان يكون لهذا البلد وزنه الإقليمي والدولي، ولكن تشخيص التحديات لوحده غير كافي ما لم تتوافر الإرادة السياسية القادرة والعازمة على مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها، بل ان فقدان هذه الإرادة يجعل التشخيص أمرا لا قيمة له اطلاقا. مع ذلك ليس أمامنا سوى الأمل بأن تمتلك المؤسسات والقيادات والشعب في العراق هكذا إرادة في المستقبل القريب، لاستعادة ما هو حق للعراق، ليقوم بدوره المفترض محليا وإقليميا ودوليا. وعليه يمكن تحديد هذه التحديات بما يلي: أولا-ضعف الادراك. عندما تكلم احمد داود أوغلو عن التدخلات العسكرية الضخمة التي حصلت على المستوى الدولي بعد انهيار جدار برلين ونهاية حقبة الحرب الباردة في عام 1989 ذكر ثلاثة تدخلات مهمة هي: العراق، يوغوسلافيا السابقة، وافغانستان، وقد أشار من خلالها الى حقيقة مهمة للغاية الا وهي ان هذه التدخلات لم تتم عبثا، فكل دولة من الدول الثلاث أعلاه لها قيمتها الجيواستراتيجية لتقرير طبيعة النظام الدولي بعد الحرب الباردة، وبقدر تعلق الامر بالعراق قال: العراق يقع " ضمن ساحة المرور الجيوسياسي بين كل من بلاد الرافدين ومصر وآسيا"، وأنه يقع " على خطوط جيو اقتصادية مهمة لنقل مصادر الطاقة والموارد الطبيعية والتجارية الهامة"، كما انه يعد " نموذجا مصغرا للشرق الأوسط لاحتوائه على مختلف الاجناس والمذاهب الشرق أوسطية، من عرب وكرد وتركمان وسنة وشيعة وكلدانيين وآشوريين"(3 ). ولا تنحصر أهمية العراق فيما تقدم من مؤشرات، بل أن وحدة العراق كدولة ومجتمع –أيضا-لها أهميتها في المحيط الإقليمي، وهذا ما وضحه أوغلو أيضا عندما قال:" لا توجد دولة واحدة من دول المنطقة ترغب في تمزق العراق لأي سبب من الأسباب. فعلى سبيل المثال، تدرك الأردن ان كل دولة ستنجم عن انقسام العراق تمثل تهديدا بالنسبة أليها. وكذلك هو الامر بالنسبة الى المملكة العربية السعودية، التي ترى في دولة شيعية على جزء من العراق خطرا قد يمتد الى دول الخليج، بينما تعتقد سوريا أن القومية العربية ستصاب من جراء انقسام العراق بضربة شديدة ...ان دول الجوار العراقي تلتقي في سلوك مشترك، وعلى رأي جامع، وان لم تستطع إقامة أرضية مشتركة بالقدر الكافي وذات فاعلية إيجابية..."(4 ). هذه الأهمية الجيواستراتيجية للعراق: موقعا، وشعبا، وثروات، ووحدة جغرافية، وثقافة، وتاريخ وغيرها تواجه للأسف معضلة كبيرة بالأمس واليوم تتمثل في عدم ادراكها بصورة واضحة من القيادات والشعب في هذا البلد، مما اصاب التفكير والتخطيط الاستراتيجي بالفشل، وهو ان دل على شيء فانه يدل على عدم معرفة الف باء متطلبات النجاح الاستراتيجي لدى كثير من العراقيين؛ فعدم ادراك الذات يجعل الدولة تفقد نصف قدرتها في الحفاظ على مكانتها في محيطها الدولي، استنادا الى ما أشار اليه بذكاء قبل اكثر من الفين واربعمائة سنة القائد العسكري الصيني اللامع سن تزو عندما قال: " اذا كنت تعرف العدو وتعرف نفسك، فلا حاجة للخوف من نتائج مائة معركة. إذا عرفت نفسك لا العدو، فكل نصر تحرزه سيقابله هزيمة تلقاها. إذا كنت لا تعرف نفسك أو العدو، ستنهزم في كل معركة"(5 ). ان عدم الادراك لا يشكل مشكلة فقط عند رسم السياسات ووضع الاستراتيجيات، بل هو مشكلة –أيضا-في اتخاذ وتنفيذ القرارات، وتحديد القيادات والمجتمع لملامح الدور الذي ينبغي للعراق الاضطلاع به في محيطه الخارجي. لقد تسبب عدم الادراك في خلق حالة من الفوضى العارمة في بناء الدولة العراقية، على مستوى القيادة والإدارة، كما على مستوى تحديد الأوليات والمصالح وغيرها، وبقاء هذه المشكلة يعد تحديا كبيرا للعمق الاستراتيجي للعراق، تتضاعف مخاطره مع وجود قيادات محدودة القدرات وضيقة المصالح ومتعددة الولاءات تدير دفة نظام الحكم وتتحكم بقراراته. ثانيا: الارتباك. اذا كان المعنى العسكري للعمق الاستراتيجي ينصرف الى تحديد المسافة الزمانية والمكانية بين خط العدو والمراكز الحيوية للدولة، فان تعريف العدو في العراق عانى ولا زال من التشويش والارتباك لسببين: الأول يرتبط بمشكلة تحديد العدو نفسه، فقبل سنة 2003 تجد ان النظام الحاكم –آنذاك-ونقصد به نظام صدام حسين ركز في سياساته وخطاباته واستراتيجيته على تحديد عدو العراق بكونه ايران وإسرائيل وحلفائهما جاعلا من المحيط العربي عمقا استراتيجيا جغرافيا وتاريخيا وثقافيا للعراق، وهذا الامر مفهوم للغاية كون النظام استند الى القومية العربية في بنيته الأيديولوجية. ولكن تشخيص العدو بهذه الصورة عانى من الاختلال والارتباك عندما قام العراق بغزو الكويت في الثاني من آب-أغسطس 1990، فبهذا الغزو حول العراق كل جيرانه الى أعداء، فظهر بمظهر المعزول في محيط معادي، وهذا الامر تسبب للعراق بخسائر فادحة في مصالحه العليا، كما تسبب للمواطن العراقي بصدمة نفسية وفكرية شديدة شلت حركته وقيدت طاقاته. وما يؤسف له انه بعد زوال نظام صدام حسين سنة 2003 لم تلتفت القيادات الجديدة الى حاجة العراق شعبا ودولة الى التصالح مع محيطه بكسر قيود العداء معه، كما انها لم تعتني عناية جدية بتعريف العدو في ضوء المتغيرات الجديدة، وهي لا زالت الى هذه اللحظة تعيش جوا مشحونا بالارتباك والفوضى، وما يفاقم من حجم هذه المعضلة هو تقاطع رؤاها وتصوراتها عن العدو، فما يعده طرف عراقي ما عدوا يعده غيره صديقا وداعما، وما يعدها طرف ما مصلحة عراقية عليا يعدها غيره مؤامرة وخيانة وهكذا دواليك. اما السبب الثاني للارتباك فيرتبط بتحول شكل الحروب من شكلها التقليدي القائم على الحرب بين جيوش نظامية الى شكلها الجديد المسمى بالحرب غير المتماثلة، والتي يكون أحد أطرافها جيشا نظاميا اما الطرف الاخر فتنظيما إرهابيا او ما شابه. ففي ظل الحروب الجديدة لم يعد العدو متموضعا في خط قتالي محدد، بل أصبح لديه القدرة على اختراق الخطوط الامامية والوصول الى قلب المراكز الحيوية للدولة، كما انه لم يعد يعول في أخذ المبادرة على ضعف المؤسسات العسكرية والأمنية وارتكابها للأخطاء في قراراتها بقدر تعويله على اضعاف تماسك المجتمع واحباطه ونقمته، فضلا على استفادته من أخطاء القيادات السياسية وسوء ادارتها لشؤون البلاد. لقد ظهر تأثير الحرب الجديدة بعد ظهور داعش واخواتها في العراق، لاسيما سنة 2014 وما تلاها، وعلى الرغم من هزيمة هذا التنظيم الإرهابي سنة 2018 من قبل الحكومة العراقية بمساعدة التحالف الدولي الا أن ما يثير الرعب هو ان الأسباب التي جعلت هذا التنظيم يظهر ويستفحل امره ويتمدد لا زالت موجودة، وأحيانا تبدو بصورة اسوء مما كانت في السابق. هذا يعني ان القيادات السياسية الحاكمة لم تستفد كثيرا من الدرس، ولم تفهم حقائق القوة والضعف في بنيتها الاجتماعية، ومنظومتها المؤسساتية، كما لم تدرك جيدا ان الحلول العسكرية والأمنية لواقع اجتماعي واقتصادي وثقافي متأزم لا تجدي نفعا، وانما قد تزيد الأمور سوءا. وعليه، فان إزالة هذا الارتباك والتشويش في تحديد خارطة الأصدقاء والاعداء ووضع الاستراتيجية المناسبة للتعامل معهم من قبل القيادات العراقية يعد من الأمور التي لا غنى عنها لاستعادة دور الدولة وتحجيم فوضى اللا دولة من اجل حماية عمق العراق الاستراتيجي. ثالثا-هيمنة قوى اللا دولة. لا يمكن الحديث عن نظرية العمق الاستراتيجي لأي دولة إذا كانت حكومتها تفتقر الى القدرة على اتخاذ قراراتها بحرية، وتتحمل نتائج هذه القرارات سواء كانت سلبية ام إيجابية، فمكانة الدول المؤثرة في محيطها الدولي هي في النهاية خلاصة تفكير وتخطيط وأداء حكوماتها، وهذا الامر مفقود في العراق اليوم؛ بسبب تغول وتغلغل وتسيد ما يمكن تسميته بقوى اللا دولة على القرار العراقي. ان قوى اللا دولة هي عنوان يشير الى قطاع عريض من القوى المتباينة المصالح والنفوذ والتسميات والانتماءات الا ان ما يجمعها هو شعورها بأن قوة الحكومة العراقية وقدرتها على تفعيل دور مؤسساتها الرسمية وتطبيق قوانينها النافذة بحزم يشكل تهديدا لها، لذا لا تدخر جهدا في اضعافها وتقزيمها وتقليل هيبتها سواء كانت هذه القوى اجتماعية (عشائر، قبائل، مؤسسات تقليدية أخرى)، ام مليشيات مسلحة (طائفية، قومية، حزبية، عابرة للحدود)، فضلا على القوى المرتبطة بمافيات الفساد والجريمة المنظمة. وأفضل تصوير لقوى اللا دولة هو تشبيهها بالسوسة التي تنخر بناء الدولة من الداخل، فتتركها قائمة هيكلا، ولكنها واهنة وضعيفة وعديمة التأثير جوهرا، وهذا ما يحصل في الواقع، لذا تجد العراق اليوم يتصدر الدول في مؤشرات الفساد والعنف والفوضى وضعف سلطة انفاذ القانون، فيظهر للعالم كدولة فاشلة (غير قادرة على إدارة تنوعها وتحقيق الاندماج بين مكوناتها الاثنية والدينية)، ودولة رخوة (يسود الفساد مؤسساتها ومجتمعها ويعرقل مشاريع التنمية فيها)، وهذا الامر اضر اضرارا كبيرا بسمعة العراق الدولية وقزم بشكل كبير مصادر قوته الناعمة التي بقيت مجرد قوة كامنة لم يحسن التعامل معها. ان تحكم قوى اللا دولة بالسلطة والنفوذ والثروة والقرار في العراق يهدد ليس ثقل العراق ومكانته الدولية فحسب، بل يهدد سلمه وأمنه الاجتماعي-أيضا-ويخلق الظروف المناسبة للتدخل في شؤونه الداخلية، وهذا ما بدا واضحا عندما أصبح العراق ساحة مفضلة لتصفية الحسابات بين كثير من القوى الإقليمية والدولية، وقد انعكس كل ذلك سلبا على معطيات القوة العراقية بصورتها الثابتة والمتغيرة، ولا توجد أي فرصة لتغيير ذلك الا باستعادة دور الدولة وانهاء التأثير السلبي والقدرة على المبادرة من قوى اللا دولة. رابعا-ضيق هامش الخطأ. في كتابه الرائع (الأعوام المائة القادمة استشراف للقرن الحادي والعشرين) تطرق عالم السياسة الأمريكي جورج فريدمان الى قاعدة جيوسياسية بالغة الأهمية والخطورة سماها قاعدة "هامش الخطأ"، ويقصد بهذه القاعدة " كمّ المساحة التي تتمتع بها أية دولة يمكن لها أن تمارس فيها الأخطاء" في سياستها الخارجية، ورأى أن هامش الخطأ يتكون من قسمين: " أنواع الاخطار التي تواجهها الدولة، وكمّ القوة التي تمتلكها تلك الدولة". واستنادا الى هذه القاعدة تجد بعض الدول لديها هامش ضيق جدا من الأخطاء، لذلك هي " تعاني من الهوس حول ادق التفصيلات في سياستها الخارجية؛ لأنها تعرف أن أدنى خطوة غير محسوبة قد تؤدي الى نتائج كارثية"، فيما هناك دول أخرى لها هامش خطأ واسع، لذلك هي تتصرف بشكل مريح، ولا تعود اخطائها غير المحسوبة عليها بنتائج مدمرة (6 ). وعند تطبيق قاعدة هامش الخطأ على العراق ستجد ان هذا البلد من البلدان التي لديها هامش خطأ ضيق للغاية في محيطها الإقليمي والدولي، ولكن هذا الواقع لم تفهمه أنظمة الحكم المتعاقبة في العراق، لاسيما منذ بزوغ عهده الجمهوري سنة 1958 والى الوقت الحاضر، فكانت النتيجة سياسة خارجية عراقية غير مدروسة بعناية ارتكزت على قرارات سياسية متهورة ومرتجلة وفوضوية قادت الى نتائج كارثية بالغة الضرر. ان من يراقب سياسة العراق الخارجية في العقود الأربعة الأخيرة يكتشف انها مجرد سلسلة من الأخطاء الكارثية في بلد تصبح نتائج الخطأ مأساوية بشكل لا يرحم ومن الصعب تلافيها، فكان الخاسر الأكبر فيها العراق شعبا ودولة، فقد اقتطعت أجزاء من أراضيه عنوة وتحت حراب الأعداء، ودمرت بنيته التحتية نتيجة الحروب والحصار والعزلة الدولية، وتفكك نسيجه الاجتماع بتأثير الفقر والعنف والسياسات المتطرفة، وتمزق قراره السياسي بفعل التدخل الخارجي، وضُعفت هويته الوطنية الجامعة مع بروز الهويات الفرعية للطوائف والاثنيات والعشائر والزعامات، فخسر البلد خلال حقبة الاوتوقراطية السياسية كافة معطيات قوته الثابتة والمتغيرة، فيما اجهزت الاوليغارشية السياسية في الوقت الحاضر على ما تبقى من مظاهر الدولة فخسرتها لمصلحة قوى اللا دولة. لقد كانت محدودية هامش الخطأ الجيوسياسي للعراق بحاجة الى فهم من أنظمته الحاكمة منذ ظهور دولته الحديثة عام 1921، وتطلبت حذرا كبيرا من قياداته النافذة وهي تسير في طريق اثبات موقع العراق في الساحة الدولية، ولكن هذا ما لم يحصل، وما يؤسف له اليوم هو استمرار المسار الخاطئ على ما كان عليه من سوء فهم يترتب عليه المزيد من التراجع والانكماش في تأثير العراق الإقليمي والدولي، ولا يمكن اصلاح الأمور وتغيير طريق الانحدار ما لم يتم اصلاح الخلل في العقليات التي تدير السلطة من خلال اكتسابها وعي جديد بدورها وما يجب عليها. خلاصة الامر هي: ان هذه التحديات الأربعة التي واجهت عمق العراق الاستراتيجي اشارت الى ضعف كبير في الاوضاع الداخلية لهذا البلد في مجالات السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة، وطالما أن القاعدة المعروفة في العلاقات الدولية تقول: ان قوة السياسة الخارجية للدولة هي امتداد لقوتها الداخلية، لذا من العبث البحث عن قوة العراق في محيطه الإقليمي والدولي ما لم يستعيد قوته في الداخل، وهذه المهمة تقع مسؤوليتها بشكل مباشر على العراقيين أنفسهم كقيادات سياسية ونخب ومجتمع ومؤسسات. المصادر: 1- ينظر للمزيد: هشام العلي، العمق الاستراتيجي بين الرأي العام والاتجاه العام، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت) على الموقع الالكتروني: www.beirutme.com تاريخ الزيارة في 21/3/2021 الساعة الثالثة مساء. 2 - ينظر للمزيد: احمد داود أوغلو، العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، ترجمة محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل، الطبعة الثانية، الدوحة-قطر، مركز الجزيرة للدراسات، 2011، ص35-43. 3- ينظر: احمد داود أوغلو، مصدر سابق، ص606. 4 - المصدر نفسه، ص 622-623. 5 - سن تزو، فن الحرب، تقديم احمد ناصيف، الطبعة الاولى، دمشق-سوريا، دار الكتاب العربي، 2010، ص 24. 6-ينظر للمزيد: جورج فريدمان، الأعوام المائة القادمة استشراف للقرن الحادي والعشرين، ترجمة منذر محمود محمد، الطبعة الأولى، دمشق-سوريا، دار الفرقد، 2019، ص 83.
الحصاد draw: العربي الجديد يؤكد خبراء بالشأن الاقتصادي العراقي وسياسيون أن أرقام الأموال المهربة من البلاد بواسطة شخصيات حزبية وسياسية تراجعت لكنها لم تتوقف. يأتي ذلك على الرغم من إعلان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي استمرار الحملات للسيطرة على المنافذ الحدودية ومنع التهريب والفساد في المعابر مع الدول المجاور إضافة إلى المطارات. ويختلف مراقبون بشأن قيمة الأموال التي هرّبت من العراق منذ الاحتلال الأميركي في 2003 ولغاية اليوم، لكنهم يتفقون جميعاً على أنها كافية لإعادة إعمار العراق بالكامل وتوفير البنى التحتية وفرص العمل وإقامة مشاريع عملاقة. ويستمع العراقيون إلى الخطابات التي تطلقها الحكومات المتعاقبة، حول مشاريع وقوانين وآليات استرداد الأموال المنهوبة من بلادهم، ولكنها تبقى حبراً على ورق. ويُرجع محللون عدم استطاعة أي حكومة إنجاز هذا الملف إلى كثرة المتورطين فيه، إضافة إلى أن غالبيتهم أعضاء في الأحزاب ذاتها التي تمسك بالسلطة وتمتلك المليشيات والفصائل المسلحة. وقال رئيس الجمهورية برهم صالح، مطلع مارس/ آذار، إنه "بصدد وضع مدونة قانونية تتناول آليات لاسترداد الأموال المنهوبة من العراق، والموجودة في الخارج". وهذا التعليق الثاني لصالح خلال أقل من ستة أشهر، فقد سبق له أن أكد في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أن العراق يمضي في استرداد الأموال المنهوبة وملاحقة الفاسدين. وكان وزير المالية الحالي علي علاوي، قد أشار في وقتٍ سابق إلى أن "250 مليار دولار سرقت من العراق منذ عام 2003 حتى الآن، وهذا المبلغ يبني العديد من الدول، كما أن هذه السرقات أدت إلى تراجع قدرات العراق الاقتصادية". إلا أن لجنة النزاهة في البرلمان العراقية كانت قد قدرت مطلع العام الحالي حجم الأموال المهربة خارج البلاد بنحو 350 ترليون دينار (239.7 مليار دولار أميركي)، وهو رقم يفوق موازنة البلاد لأكثر من عامين، وفقاً لعضو اللجنة طه الدفاعي، الذي أشار إلى أن "المبالغ المهربة خارج البلاد كانت عبر إيصالات وهمية. وكثير من العمولات دفعت لغرض التهريب كان يحصل عليها بعض المسؤولين"، لكن عضو اللجنة المالية في البرلمان سابقاً رحيم الدراجي أكّد أن قيمة الأموال المنهوبة في العراق نحو 450 مليار دولار. وتواصل "العربي الجديد" مع الدراجي الذي قال إن "هذا الرقم يرتفع يومياً بنسب متفاوتة، لأن عمليات الفساد التي تقودها الأحزاب النافذة وبرعاية من الداخل والخارج تستمر بقوة، وتواصل هذه الأحزاب استغلال كل حادثة أو نكسة عراقية لتحويلها إلى شكل من أشكال المكاسب المالية". وأوضح أن "هذه القوى السياسية، وما فيها من شخصيات فاسدة، تعتبر العراق ليس أكثر من منجم ومعسكر عمل، لذلك فإن معظم السياسيين يغادرون العراق بعد انقضاء مهامهم السياسية إن كانت برلمانية أو حكومية، ولأن أجهزة الرقابة ضعيفة في العراق وخاضعة للنفوذ الحزبي، فإن السرقة لا تكون صعبة على المتنفذين". ويتذكر العراقيون العديد من الملفات في هذا الإطار، فقد اتهم وزير الدفاع في حكومة إياد علاوي، حازم الشعلان، بتهريب نحو مليار دولار، وحكم عليه بالسجن سبع سنوات، إلا أنه لا يزال خارج العراق. كذلك الحال بالنسبة إلى وزير التجارة في حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، عبد الفلاح السوداني، والذي كان متهماً بسرقة 4 مليارات دولار، وحكمت عليه المحاكم العراقية بالسجن 21 عاماً بعد هروبه إلى الخارج. وأكد عضو البرلمان العراقي باسم خشان أن "المبالغ المهربة من العراق تبلغ مئات المليارات". ولفت إلى أن "الحكومة الحالية وكذلك تلك السابقة غير قادرة على استرجاع دولار واحد من الفاسدين". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "أكثر من 90 في المائة من الشخصيات التي سرقت مليارات الدولارات من أموال العراقيين هم أعضاء بارزون في أحزاب عراقية مدعومة من جهات خارجية وداخلية، إضافة إلى أن معظم هؤلاء يمتلكون جنسيات أجنبية ومنها أميركية، وبالتالي فإن هناك عراقيل في عملية اعتقالهم، وإن تم ذلك فإن من المستبعد أن يتم إيجاد هذه الأموال، التي سرعان ما تتحول إلى ممتلكات وشركات تسجل بغير أسمائهم". من جهته، بيَّن الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني أن "الأرقام التي يتحدث عنها سياسيون ومراقبون للشأن السياسي والمالي في العراق عن المبالغ المهربة إلى الخارج كافية لبناء دولة كاملة من الصفر، فهي أرقام ليست اعتيادية، وتدل على كارثة سياسية واقتصادية، قد تظهر آثارها في السنوات المقبلة، وفي الأزمات". وأكد لـ"العربي الجديد" أن "هناك آليات كثيرة للتعامل مع الأموال المهربة، مثل مخاطبة الإنتربول وتفعيل القرارات القضائية العراقية الصادرة بحق المتهمين، إضافة إلى مخاطبة الحكومات التي يستقر فيها المتهمون، ومصادرة كل ما استملكوه بعد توليهم المناصب في العراق، ولكن كل هذا يحدث في حال توافر الإرادة السياسية في العراق لمتابعة هذا الملف".
الخصاد draw: france 24 على طول الحدود البرية والبحرية للعراق، يقوم كارتيل متشابك ومعقّد بعمليات تهرّب جمركي يحوّل من خلالها الملايين من الدولارات التي يفترض أن تدخل خزائن الحكومة، إلى جيوب أحزاب وجماعات مسلحة ومسؤولين. ويقول موظف جمارك إن هذه الشبكة المتداخلة "لا توصف. الأمر أسوأ من شريعة الغاب". ويضيف "في الغابة، تأكل الحيوانات على الأقل وتشبع. هؤلاء الرجال لا يقنعون أبداً". وعلى غرار معظم المسؤولين الحكوميين وعمال الموانئ والمستوردين الذين قابلتهم وكالة فرانس برس على مدى ستة أشهر، طلب الموظف التحدث دون الكشف عن هويته خوفا من تعرّض حياته للخطر. في البلد الذي يحتل المرتبة 21 في العالم في سلم الفساد، وفق منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية، تعبّد البيروقراطية المملّة والفساد المزمن طريقا الى امتصاص موارد الدولة. وفي اقتصاد يقوم أساسا على النفط، وفي ظل ضعف كبير في القطاعين الزراعي والصناعي وغياب أي إمكانية للحصول على عائدات منهما، تشكّل رسوم الجمارك المصدر الأهمّ للعائدات. لكن الحكومة العراقية المركزية لا تتحكم بهذه الموارد التي تتوزّع على أحزاب ومجموعات مسلحة غالبيتها مقربة من إيران تتقاسم السطوة على المنافذ الحدودية وتختلس عبرها ما أمكن من الأموال. ويقول وزير المالية العراقي علي علاوي لوكالة فرانس برس "هناك نوع من التواطؤ بين مسؤولين وأحزاب سياسية وعصابات ورجال أعمال فاسدين"، مشيرا الى أن "هذا النظام ككل يساهم في نهب الدولة". - نظام "مصمم للفشل" - ويستورد العراق الغالبية العظمى من بضائعه، ويعتمد في الغالب على إيران وتركيا والصين في كل شيء من الغاز الى الكهرباء والطعام والإلكترونيات. رسمياً، استورد العراق ما قيمته 21 مليار دولار من السلع غير النفطية في عام 2019، وفق أحدث البيانات التي قدمتها الحكومة، مرّت بمعظمها عبر خمسة معابر رسمية على الحدود مع إيران التي يبلغ طولها 1600 كيلومتر، وواحد على الحدود مع تركيا الممتدة على قرابة 370 كيلومترا، وعبر ميناء أم قصر العملاق في محافظة البصرة الجنوبية. لكن نظام الاستيراد العراقي مرهق وعفا عليه الزمن. فقد تحدث تقرير للبنك الدولي عام 2020 عن "تأخيرات لا تنتهي، ورسوم مرتفعة واستغلال". وقال مستورد يتخذ من دولة في الشرق الأوسط مركزا لعمله لوكالة فرانس برس "إذا كنت تريد أن تستورد بالطريقة الصحيحة، تنتهي بأن تدفع آلاف الدولارات كغرامة تأخير"، مضيفاً أن هذا النظام "مصمم للفشل". وأدّى ذلك، وفق مسؤولين وعمال موانئ ومستوردين ومحللين، إلى نشوء نظام استيراد مواز عبر المعابر البرية وميناء أم قصر، تتولاه أحزاب ومجموعات مسلحة. وتتحقّق معظم الأرباح من ميناء أم القصر كونه المنفذ الذي تدخل عبره الكمية الأكبر من البضائع إلى البلاد. وأكد مسؤولون لوكالة فرانس برس أن غالبية نقاط الدخول تسيطر عليها بشكل غير رسمي فصائل تنتمي الى الحشد الشعبي، وهو تحالف يجمع فصائل شيعية دُمجت مع القوات الأمنية. وتملك هذه الفصائل مكاتب اقتصادية لتمويل نفسها، وتأسست حتى قبل تشكيل الحشد الشعبي. وقال ضابط في المخابرات العراقية حقّق في قضية التهرّب الضريبي "إذا كنت تريد طريقاً مختصراً، تذهب إلى الميليشيات أو الأحزاب". وأضاف "يقول المستوردون إنهم يفضلون خسارة مئة ألف دولار (تدفع كرشوة) بدلاً من خسارة بضاعتهم بالكامل". ويعمل أعضاء الأحزاب والفصائل المستفيدة من ذلك، أو معارفهم وأقاربهم كوكلاء حدود أو مفتشين وفي الشرطة، ويتقاضون مبالغ مالية من المستوردين الذين يريدون تجاوز الإجراءات الرسمية أو الحصول على حسم على الرسوم. وينفي الحشد الشعبي هذه المزاعم علنا. لكن مصادر مقربة من فصائل متشددة مثل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله"، أقرّت بوجود نفوذ لفصائل مختلفة على الحدود، معدّدة الأرصفة والمراكز التي يتمّ عبرها التهرّب الضريبي على أنواع من البضائع، بما يتطابق مع ما قاله مسؤولو الجمارك وضابط المخابرات لفرانس برس. - "المخلّص" - وأكد عمال ميناء أم قصر ومسؤولون ومحللون أن "منظمة بدر" مثلا، وهو فصيل تأسس في إيران في الثمانينات، تدير معبر مندلي على الحدود الإيرانية. وقال ضابط المخابرات "إذا كنت تاجر سجائر، اذهب إلى المكتب الاقتصادي لكتائب حزب الله في الجادرية (في بغداد)، اطرق الباب، وقل أريد التنسيق معكم". وأحد الأشخاص الرئيسيين في عجلة الفساد، هو "المخلِّص"، أي موظف الجمارك الحكومي الذي غالباً ما يعمل كوسيط للجماعات المسلحة والأحزاب السياسية. وقال ضابط المخابرات "لا يوجد شيء اسمه +مخَلِّص+ من دون انتماء، جميعهم مدعومون من الأحزاب". بعد الدفع نقدًا مقابل عمليات صغيرة أو عبر تحويلات مصرفية لصفقات أكبر، يقوم المخلّص بتزوير الأوراق الرسمية، عبر تحريف نوع السلعة التي يتم استيرادها أو عددها وقيمتها الإجمالية، ما يؤدي الى خفض قيمة الرسوم الجمركية التي على التجار دفعها، والتي تكون في النهاية أقلّ بكثير من القيمة الفعلية للبضائع. وقال أحد المستوردين لوكالة فرانس برس إن تسجيل كمية أصغر من الكمية الحقيقية يوفر للمستورد حسما على الرسوم الجمركية يصل إلى 60 في المئة. والمثال الشائع على ذلك هو في استيراد السجائر التي تبلغ تعرفة الاستيراد الرسمية عليها 30 في المئة من قيمتها بالإضافة إلى 100 في المئة إضافية لرفع سعرها في السوق المحلية بهدف تشجيع المستهلكين على شراء البضائع المصنّعة في العراق. ولتقليص هذه الرسوم، غالبًا ما يتم تسجيل السجائر على أنها مناديل ورقية أو سلع بلاستيكية ما يعني في المقابل دفع تعرفات جمركية أقل بكثير. ويقول مسؤول الجمارك "بدلاً من دفع 65 ألف دولار لكل شاحنة على الأقل ينتهي بك الأمر بدفع 50 ألف دولار فقط". ويتلاعب المخلّصون أيضاً بالقيمة الإجمالية المقدّرة للشحنة. فتسجل تلك القيمة بداية على رخصة الاستيراد ولكن يملك المخلّص صلاحية إعادة النظر بها عند نقطة الدخول وبالتالي تخفيضها بهدف تخفيف قيمة الرسوم. وروى مسؤول في أم قصر لفرانس برس أن وكيل جمارك قام بتقييم شحنة من الحديد بثمن بخس لدرجة أن المستورد دفع رسوما جمركية قدرها 200 ألف دولار، في حين كان ينبغي أن يدفع أكثر من مليون دولار. وقال المستورد "هذا النفوذ الكبير للمخلّص ليس طبيعياً على الإطلاق". ومن خلال علاقات مع أشخاص نافذين، تتسرّب بعض البضائع دون تدقيق على الإطلاق. وفي هذا الإطار، قال موظف الجمارك "أنا لست فاسدًا، ولكنني اضطررت لتمرير الشحنة دون تفتيش لأنها مرتبطة بطرف نافذ". في حالات أخرى، يأخذ التجار تراخيص استيراد وإيصالات مزورة إلى البنك المركزي العراقي الذي يرسل بعد ذلك دفعة بالدولار الأميركي إلى شركة شحن وهمية خارج العراق. وتسمح هذه المعاملات بغسل الأموال، بحسب وكيل جمركي ومسؤولين مصرفيين عراقيين. وقال مستورد لوكالة فرانس برس إنه دفع 30 ألف دولار لموظف جمارك في أم قصر للموافقة على دخول أجهزة كهربائية مستعملة يعتبر استيرادها مخالفة قانونية. وأضاف أنه يدفع بانتظام "رشوة لضابط في شرطة الموانئ" ليبلغه بعمليات التفتيش المفاجئة. ومقابل رسوم إضافية، عرض الضابط عليه "إرسال دوريات لتعطيل خروج بضائع منافسة". - "مافيا حقيقية" - وكونهم يعتبرون المنافذ الحدودية مصدراً لامتناهياً للمال، يدفع الموظفون العامون أموالاً لرؤسائهم لتعيينهم هناك. ويفاخر مسؤول في معبر مندلي بالقول إن المعبر يدرّ رشاوى تصل إلى عشرة آلاف دولار لأصغر موظف كل يوم. ويعرب وزير المالية علاوي عن أسفه قائلاً "يتراوح سعر أصغر وظيفة في الجمارك بين 50 ألف دولار إلى مئة ألف دولار، وفي بعض الأحيان ترتفع إلى أضعاف ذلك". وتستخدم الأحزاب والجماعات المسلحة نفوذها السياسي للاحتفاظ بمواقعها هذه التي تسمح لها بتكديس الأموال، ولا تتوانى عن التهديد باستخدام العنف. وقال عامل في معبر مندلي لوكالة فرانس برس إنه أخّر ذات مرة دخول شحنة قادمة من إيران لافتقادها أوراقا رسمية، لكن المخلّص هدّده، مدّعياً أنه من عناصر الحشد الشعبي وأصرّ على إدخال البضائع دون دفع الرسوم، وهو ما سمح به العامل في نهاية المطاف. وروى ضابط المخابرات أن مخبرا في معبر زرباطية على الحدود مع إيران والذي تديره عصائب أهل الحق، وُضع مرارا في إجازة إدارية بسبب عرقلته عمليات استيراد منتجات إيرانية بدون رسوم جمركية. في النهاية، لم يستطع تحمل الضغط. وقال الضابط "عدنا لاحقًا للتحدث معه مرة أخرى ووجدنا أنه انضم إلى العصائب". وقال موظف كبير في المنافذ الحدودية لوكالة فرانس برس إنه يتلقى مكالمات منتظمة من أرقام خاصة تهدّد بالتعرّض لأقاربه بالاسم، في محاولة لترهيبه ودفعه إلى وقف عمليات التفتيش على البضائع في الموانئ. وقال موظف الجمارك "لا يمكننا فعل شيء لأننا سنقتل. الناس خائفون... إنها مافيا حقيقية". - "لا منافسة" - ويشرح ريناد منصور من مركز أبحاث تشاتام هاوس أن هذا النظام أصبح شريان الحياة للأحزاب العراقية والجماعات المسلحة، بما في ذلك فصائل الحشد الشعبي الموالية من إيران. وأضفت هذه الأطراف طابعاً احترافياً على موضوع التمويل غير المشروع هذا بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2017، بعدما لم يعد في إمكانها الوصول إلى ميزانيات الدفاع الكبيرة. وازدادت هذه الشبكة نشاطا بعد فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عقوبات قاسيةً على إيران. وفي آذار/مارس 2020، أدرجت الولايات المتحدة شركة "الخمائل البحرية للخدمات"، وهي شركة شحن في أم قصر، على القائمة السوداء لتنسيقها مع مجموعات شيعية مسلحة لمساعدة الحرس الثوري الإيراني على "التهرب من بروتوكول التفتيش الحكومي العراقي". كما فرضت عقوبات على عراقيين اثنين وإيرانيين اثنين مرتبطين بالشركة لتمويلهم الكتائب وحزب الله اللبناني. ورفضت السفارة الأميركية في العراق طلبات وكالة فرانس برس التعليق على الأمر. ويجري تقاسم الغنائم بين الأحزاب والجماعات المسلحة بشكل سلس على الرغم من خصومات في ما بينها أحيانا. ويقول منصور "منفذ حدودي واحد يمكن أن يدرّ ما يصل إلى 120 ألف دولار في اليوم (كرسوم غير مشروعة)" تتقاسمه مجموعات عدة "قد تكون عدوة في ما بينها". وقال ضابط المخابرات العراقية "لا توجد منافسة. يعرفون أنه إذا سقط أحدهم فسيسقط الآخرون". في شباط/فبراير، قتل عضوان في عصائب أهل الحق في حادثتين منفصلتين وصفهما مصدران في الحشد الشعبي لفرانس برس بأنهما ذات "خلفيات اقتصادية". لكن عمليات القتل هذه نادرة. - إصلاح بقي قاصرا عن الإصلاح - ويحرم هذا النظام الموازي الدولة من مصادر تمويل كان يمكن تخصيصها للمدارس والمستشفيات والخدمات العامة الأخرى. وقال الوزير علاوي لوكالة فرانس برس "يجب أن نحصل على سبعة مليارات دولار من الجمارك سنويا، لكن في الواقع، تصل عشرة إلى 12 في المئة فقط من موارد الجمارك إلى وزارة المالية". وأفادت منظمة الشفافية الدولية في عام 2020 أن تركيا والصين، وهما من أكبر المصدرين للعراق، هما أقل دولتين تراقبان ضبط الفساد في إطار تصديرهما الى العراق. ويدفع ثمن كل هذا الفساد المستهلك العراقي. وقال مسؤول عراقي لفرانس برس "بصفتك مستهلكاً، فأنت الشخص الذي ينتهي بك الأمر بالدفع مقابل هذا الفساد". منذ الأسابيع الأولى لتوليه رئاسة الوزراء في أيار/مايو 2020، جعل مصطفى الكاظمي من إصلاح المعابر الحدودية أولوية قصوى. فمع الانخفاض الشديد بأسعار النفط، بات العراق بأمس الحاجة إلى عائدات إضافية. وفي رحلات حظيت بتغطية إعلامية واسعة إلى أم قصر ومندلي، تعهد الكاظمي بإرسال قوات جديدة إلى كل منفذ حدودي وتطبيق المداورة في وظائف الجمارك بانتظام لتفكيك دوائر الفساد. على الورق، يفترض أن يكون ذلك مجديا. وبشكل شبه يومي، تفيد هيئة المنافذ الحدودية عن عمليات ضبط بضائع كانت هناك محاولات لتهريبها بدون دفع رسوم. لكن مع انخفاض الواردات في عام 2020 بسبب فيروس كورونا والإعفاءات الجمركية المؤقتة الممنوحة للأدوية والغذاء، كان التأثير الإجمالي لتلك الاجراءات متواضعا. وقالت هيئة المنافذ الحدودية إن العراق حصد 818 مليون دولار من الرسوم في 2020، وهو مبلغ أعلى بقليل من 768 مليون دولار في 2019. - "نحن ندفع الضعف" - ويعتبر مستوردون ومخلصون ومسؤولون هذه الإجراءات ذرّا للرماد في العيون. وقال مستوردون لوكالة فرانس برس إنه، في حين أن بعضهم يدفع الآن الرسوم الحكومية، فإنهم ما زالوا يدفعون في الوقت نفسه الى المخلّصين للتأكد من أن البضائع لن يتم تأخيرها بشكل تعسفي. وقال رجل أعمال عربي يقوم بتصدير بضائع الى العراق منذ أكثر من عقد "في النهاية، ندفع مرتين". في غضون ذلك ، لم يتأثر أصحاب العلاقات الجيدة بالتدابير الجديدة. وقال مستورد عراقي "لم يتغير شيء. يمكنك إدخال أسلحة أو أي شيء آخر تريده عبر مندلي بدون رخصة استيراد وبدون دفع رسوم جمركية". وقال الرجل إنه أدخل مواد بناء من خلال معبر مندلي بدون دفع رسوم جمركية حتى بعد الإصلاحات التي أعلنها الكاظمي. ويصف عناصر في الأمن الأمر بأنه أشبه بالفوضى. وقال جندي تم نشر وحدته لفترة وجيزة في مندلي لوكالة فرانس برس "الشرطة هناك متورطة بجميع عناصرها في الرشوة. التجار يدفعون الأموال بشكل جنوني. اعتقلنا رجلاً، لكنهم أخرجوه في اليوم التالي". واعترف المسؤول الحدودي الكبير بأن بعض عمليات نشر إضافية لعناصر أمن تمّ التعهد بها، لم تحدث قط. وقال لوكالة فرانس برس "في أوقات أخرى، كان الأمر عبارة عن مسرحية، إذ نُشر فقط حوالى عشرين رجلا". ويقول المستوردون والمسؤولون الذين تحدثوا لفرانس برس إن السبب الرئيسي في فشل تلك التدابير هو أن "تناوب الموظفين لم يشمل عنصراً حاسما في آلة الفساد: المخلّص". وقال مسؤول الجمارك "المخلص هو الوسيط الرئيسي للفساد، ما زال هناك. تفاحة فاسدة واحدة ستفسد الباقي". - "الفساد ما زال موجودا" - وما زال وسطاء الأحزاب والمجموعات المسلحة موجودين أيضاً. وقال المستورد العراقي "هناك غرفة جاهزة تدخل إليها الآن، وتقوم بفرز كل شيء هناك". وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية لوكالة فرانس برس إن كتائب حزب الله المتهمة بإطلاق صواريخ على السفارة الأميركية، أُجبرت على إغلاق مكتبها الاقتصادي في مطار بغداد الدولي لمنع وصولها إلى بضائع ثمينة معفاة من الرسوم الجمركية. وأضاف المسؤول "لكن لا يزال بإمكانها الصعود إلى الطائرة والقيام بما تريد. الفساد ما زال موجودا". وبدلاً من الاتصال ببعضهم البعض بشكل علني، انتقل الميسرون إلى تطبيقات المراسلة المشفرة مثل واتساب. وقال ضابط المخابرات "أصبح عملنا بالفعل أكثر صعوبة لأنهم يتخذون المزيد من الاحتياطات". وعلى الرغم من النجاح الجزئي في زيادة إيرادات الدولة، الكارتيل صامد على حاله. وتوقع مسؤولون أن يتجنب التجار بشكل متزايد المعابر التي تديرها الدولة وأن يعتمدوا إما على التهريب أو الاستيراد بشكل غير رسمي عبر كردستان شمالاً. وحذروا من أن تفكيك الشبكة بالكامل سيؤدي إلى عنف قد يكون الكاظمي غير مستعد له. وقال ضابط المخابرات "هذه المصالح تساوي ملايين الدولارات. رصيف واحد في أم قصر يعادل ميزانية دولة"، مضيفاً "لن يتنازلوا بسهولة".
الحصاد: مايكل نايتس - معهد واشنطن تقيّم الميليشيات العراقية المدعومة من إيران الشرعية وتحاول أن تُظهر نفسها على أنها تعمل وفقاُ للقانون. لذلك يمكن أن تكون الأساليب القائمة على الأدلة فعالة للغاية في كبح جماح أولئك الذين يهاجمون نيابة عن طهران مثل «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» و«كتائب سيد الشهداء» و«حركة حزب الله النجباء». استحدث القاضي السابق في "محكمة العدل العليا في الولايات المتحدة"، لويس برانديز، عبارة "يُقال إن ضوء الشمس هو أفضل المطهرات" وهذا هو الحال حتماً حين يتعلق الأمر بدحض التكتيكات المبهمة التي تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران في العراق. فالهجمات الصاروخية التي أُطلقت على إربيل في 15 شباط/فبراير، هي أعمال تخريبية طائشة أمطرت مدينة مكتظة بالسكان بالقرب من قاعدة أمريكية بوابل من الذخائر الشديدة الانفجار عيار 107 ملم، أعقبها هجوم جديد على القوات الأمريكية في "قاعدة الأسد" الجوية في العراق في 3 آذار/مارس. وقُتل عراقي وفيليبني في هجوم إربيل الذي أسفر عن إصابة تسعة آخرين بجراح؛ كما لقي مقاول أمريكي حتفه في "قاعدة الأسد". وقد اعتقلت قوات الأمن الكردية اثنين على الأقل من مطلقي وابل الصواريخ الذي ضرب إربيل، لتعود وتفيد أن أحدهما اعترف بتنفيذ الهجوم. وزعم مقاتل الميليشيا المحتجز لدى الأكراد أنه تمّ تجنيده من قبل "كتائب سيد الشهداء"، وهي جماعة ميليشيا تعرضت لضربة أمريكية في سوريا الأسبوع الماضي، رداً على تورطها في الهجوم على إربيل. ونفذت الميليشيات المدعومة من إيران كلا الهجومين الصاروخيين لكنها فعلت ذلك بطريقة مبهمة، سواء بالادعاء أن الهجوم حصل عبر جماعة "واجهة" («سرايا أولياء الدم» فيما يتعلق بحادثة أربيل) أو عبر عدم الادلاء بأي تصريح على الإطلاق (في حادثة "قاعدة الأسد"). ونحن نعلم ذلك لأن الميليشيات استخدمت شبكاتها الإعلامية المتخصصة - قنوات "تيليغرام" وصفحات التغريدات، بالإضافة إلى بعض الأساليب الأكثر غموضاً - للتلميح بشكل استباقي إلى الهجمات المقبلة، والإبلاغ عن الهجمات بسرعة غير معتادة، ومن ثم السيطرة على تغطية الهجمات عبر الغوص في تفاصيل فريدة. وتدل هذه الإزدواجية - إخفاء دورها في الهجوم ولكن التلميح بقوة إليه - على أن الميليشيات تجد صعوبة أيضاً في ما يسمى بـ"الحرب في المنطقة الرمادية". فمن جهة، عليها تجنب الجوانب السلبية لأفعالها - الانتقام من قبل الولايات المتحدة وإلقاء اللوم عليها على مقتل المدنيين الذي سببته صواريخها. ومن جهة أخرى، تريد أن يُنسب إليها الفضل في "مقاومة" الولايات المتحدة وحلف "الناتو" وأي قوى غربية أخرى تقدم المساعدة الأمنية إلى العراق. ونتيجة لهذه الخطوة الموازنة المخادعة، ترتكب الميليشيات الكثير من الأخطاء التي يمكن جمعها كدليل على ذنبها. ويواصل قادة الميليشيات توريط أنفسهم من خلال إظهارهم قيادة خلايا الصواريخ والتفجيرات والتحكم بها، وإعطاء الأوامر لها بوقف الهجمات أو شنها ضد هذا الهدف أو تلك الفئة من الأهداف. وفي حادثة إريبل، ربما تكون "كتائب سيد الشهداء" قد وفّرت القوى البشرية للتحرك وإطلاق الصواريخ، لكن من الواضح أن العملية كانت محرّكة من قبل قيس الخزعلي الذي صنفته الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب و"عصائب أهل الحق" التي أدرجتها الولايات المتحدة على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، واللذين أعلنا مسؤوليتهما عنها. ولهذا السبب سيطرت وسائل الإعلام التابعة لـ «عصائب أهل الحق» - "صابرين نيوز" ومجموعات الواجهة «أصحاب الكهف» و «سرايا أولياء الدم» -على تغطية الهجوم "قبل" 13 دقيقة من سقوط الصواريخ. كما تكافح الميليشيات مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب سيد الشهداء" و"حركة حزب الله النجباء" من أجل لعب نوع مختلف من هذه الخدعة - أي أن تكون جزءاً من القوات المسلحة العراقية عندما يكون الأمر ملائم لها، ولكن عدم خضوعها لسيطرة الدولة. فعندما قصفت الطائرات الأمريكية نقاط تفتيش تابعة لـ "كتائب حزب الله" في سوريا في 25 شباط/فبراير، الأمر الذي أسفر عن مقتل أحد أفراد «كتائب حزب الله»، وصفت كافة الميليشيات الغارة بأنها هجوم استهدف "قوات الحشد الشعبي"، وهي ذراع تابعة لقوات الأمن العراقية التي يحصل أفرادها على رواتبهم من الدولة العراقية ولكنها بالكاد تخضع لسلسلة القيادة. ومع ذلك، فإن "قوات الحشد الشعبي" ليست مخوّلة بالتواجد في سوريا، حيث يعمل أعضاء "كتائب حزب الله" وميليشيات عراقية أخرى، في حين يتقاضى أفرادها رواتبهم بالكامل من الحكومة العراقية، ولكنها تخضع للسيطرة العملياتية لـ "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني. وكما ذكر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بعد هجوم 25 شباط/فبراير، لم يكن العراقيون الذين تعرضوا للغارة الجوية الأمريكية في سوريا "أعضاء فعليين في قوات الأمن العراقية". ويتمثل الدرس الرئيسي المستفاد من مبارزة "المنطقة الرمادية" الأخيرة مع إيران وميليشياتها الوكيلة في كوْن أشعة الشمس فعلاً أفضل شكل من أشكال المطهرات، وأن الولايات المتحدة قادرة تماماً على لعب دور في المنطقة الرمادية أيضاً. ومنذ صيف 2020، تقوم وكالات الاستخبارات العراقية والكردية باعتقالات رمزية [لمطلقي الصواريخ] من "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب سيد الشهداء". غير أنه في كل حالة، مهما كانت محدودة، تسببت الاعتقالات بمضايقة الميليشيات وقلق كبير في أوساطها. وفي حين تبذل الميليشيات المدعومة من إيران قصارى جهدها لتمويه تواطئها في الهجمات الصاروخية، إلّا أن اعتقال مقاتلي الميليشيات وفضح تواطؤهم في الهجمات الصاروخية يقوّض قدرتهم على الهروب من وجه القانون. كما أن قرار السلطات الكردية باعتقال أحد أفراد "كتائب سيد الشهداء" والإعلان عن اعترافه يشير أيضاً إلى أن الميليشيات لا يمكنها دائماً الهروب من وجه القانون وأنه حيثما توجد الإرادة السياسية، إلى جانب التشجيع والدعم من الولايات المتحدة، سيكون من الممكن فرض درجة من المساءلة تضمن عدم حصول الميليشيات على تفويض مطلق [أي أنها غير معفاة من المسؤولية]. علاوةً على ذلك، فإن ربط العمليات الإعلامية للميليشيات والجماعات "الواجهة" بمنظمات فعلية مثل "عصائب أهل الحق" يتسبب بتذلل واضح وكبير في أوساط هذه الشبكات، يتبعه تجزئتها وبروز موجة جديدة من الجهود الفعالة بل المستحيلة في نهاية المطاف لاستحداث علامات جديدة مجهولة الهوية. وعلى نحو مماثل، أدّى كشف النقاب عن تورط "كتائب حزب الله" في إطلاق الطائرات بدون طيار من العراق إلى السعودية في أيار/مايو 2019 وأيلول/سبتمبر 2019 وكانون الثاني/يناير 2021 إلى تفاقم الخروقات بين هذه الجماعة والحكومة العراقية. وقد أسفر تسليط الضوء على سيطرة "كتائب حزب الله" على مطار بغداد إلى تقليص دورها هناك. وأدّى الكشف عن فساد الميليشيات في أكبر موانئ العراق إلى تطهير الميناء من المسؤولين والتحصين العسكري لأم قصر. تجدر الملاحظة أن الميليشيات العراقية المدعومة من إيران تقيّم الشرعية وتحاول أن تُظهر نفسها على أنها تعمل وفقاُ للقانون. وفي حين تقدّر كونها جزءاً رسمياً من قوات الأمن، إلّا أنها ببساطة تفتقر إلى الانضباط للتقيّد بدستور العراق وقوانينه. وستتمثل الخطوات التالية في هذا الجهد في التوصل إلى المزيد من الأدلة حول توّرط الميليشيات في الجرائم، وتقديم هذه الأدلة إلى العراقيين من أجل دعم الدعاوى المدنية والقضايا الجنائية. على الولايات المتحدة الاستفادة من عودتها إلى نظام تعددية الأطراف من أجل تشجيع أوروبا ودول الخليج على اعتماد العقوبات المتعلقة بمكافحة الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان وفقاً لـ "قانون ماغنيتسكي العالمي"، والتي من شأنها تعزيز تأثيرها بشكل كبير.
الحصاد- BBC توفي الطبيب العراقي ظافر فؤاد إلياهو الذي لقب بـ"طبيب الفقراء"، وهو واحد من آخر اليهود العراقيين الذين ما زالوا يقيمون في بلادهم. ودفن طبيب وجراح العظام المعروف قبل أيام في مقبرة يهودية، بعد وفاته عن عمر ناهز 62 عاماً، وقد نعاه "مستشفى الواسطي" حيث كان يعمل منذ سنوات. وتقع مقبرة الحبيبية، أكبر مقبرة لليهود في العراق، في مدينة الصدر في بغداد، ويحرسها رجل مسلم، يعتني بالمدافن وبزوارها النادرين. وقال أصدقاء إلياهو على مواقع التواصل إنّ الطبيب رفض عروضاً للهجرة خارج العراق على مر السنين، وفضّل البقاء في بلاده. روت شقيقة إلياهو، التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها، لوكالة الصحافة الفرنسية: "أنا صليت عليه، وكذلك شارك أصدقاؤه في مراسم الدفن وصلوا عليه كل حسب دينه". وتعدّ هذه الصلاة حدثاً نادراً في بغداد التي فيها كنيس يهودي واحد صالح للاستخدام. وغالباً ما تقام الشعائر اليهودية لمن بقي من أتباع الديانة في العراق، داخل المنازل. ويقول إدوين شكر، وهو يهودي ولد في العراق عام 1955 وغادره إلى بريطانيا في سن السادسة عشرة، أنه "لم يبقَ سوى أربعة يهود يحملون الجنسية العراقية ومن أبوين يهوديين" في العراق. في عام 1948، بعد إقامة إسرائيل، كان عدد اليهود يبلغ نحو 150 ألفاً في البلاد، ثم بدأ بالتراجع، إثر سحب وثائقهم الشخصية واستبدالها بأخرى خاصة باليهود فقط، جعلتهم عرضة للاستهداف عند إظهارها، بحسب "فرانس برس". وبحلول العام 1951، كان نحو 96 بالمئة من يهود العراق قد خرجوا من البلاد، والتحق بهم كثر بعد ذلك مع تزايد معدلات الهجرة في أعقاب عمليات إعدام علنية شنقاً لعدد من التجار معظمهم من اليهود بتهمة التجسس لحساب إسرائيل في العام 1969. تدريجاً وعلى مر العقود، تلاشى وجود هذه الطائفة الصغيرة، على خلفية الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) ثمّ اجتياح الكويت وما أعقبه من حصار اقتصادي استمر حتى غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين العام 2003. وبعد هذه المرحلة أيضاً، تواصل تناقص أعداد اليهود وسط حرب طائفية وسنوات من العنف الدامي. وبحلول العام 2009، لم يبق سوى ثمانية يهود عراقيين في بلدهم، بحسب برقية دبلوماسية أميركية. في المقابل، تشير إحصاءات رسمية إلى وجود 219 ألف يهودي من أصل عراقي في إسرائيل يشكلون أكبر مجموعة من اليهود المتحدرين من آسيا. وترك هؤلاء خلفهم منازل ومعابد كانت حتى العام 2003 "بحالة ممتازة لدى مالكين معروفين"، حسبما ذكر شكر، للوكالة الفرنسية. وأشار إلى أن استرجاعها "لا يحتاج غير تصويت واحد في البرلمان" ليعاد إلى العائلات اليهودية العراقية كل ما فقدته.
الحصاد draw: ياسر الغرباوي - العربي الجديد في كتابه "نحن و أبعادنا الأربعة" شرح الدكتور جمال حمدان، فلسفة توجه مصر نحو القبلة الآسيوية قائلا: "رغم أن مصر في أفريقيا موقعا، فقد كانت أبدا في آسيا وقعا، وهي في أفريقيا بالجغرافيا لكنها في آسيا بالتاريخ، وهي في أفريقيا طبيعيا لكنها بشريا في آسيا أكثر". وأشار إلى أن العلاقات الخارجية المصرية القديمة كانت آسيوية أكثر منها أفريقية، معتبرا أن مصر أكثر أفريقيا آسيوية، "فالنيل في مصر لا يجري في منتصف صحرائها ولكنه يجنح بتحيز واضح نحو الشرق، والمسافة بين بورسعيد وغزة تبلغ 250 كم في مقابل 800 كم بين الإسكندرية ومنتصف الجبل الأخضر في ليبيا، ويعني هذا أن أقرب جار لمصر إنما يقع في آسيا، فجغرافيا البر المصري جعلت لمصر علاقة حميمة مع غرب آسيا". الذاكرة التاريخية على مدار التاريخ المصري القديم والمعاصر كانت حركة التجارة والعلاقات والهجرات تدور بلا انقطاع بين غرب آسيا ووادي النيل، خاصة بين مصر والجزيرة العربية في الشمال وبين اليمن والحبشة في الجنوب، على سبيل المثال هجرة الحاميين القدماء من جنوب الجزيرة إلى القرن الأفريقي وحوض النيل حتى مصر شمالاً، بينما جاءت هجرة الساميين العرب مع الإسلام إلى مصر والسودان، ويشير حمدان إلى انتقال جالية مصرية من الصعيد في مصر إلى الحجاز قبل الإسلام واستقرارها وتوطنها، وعلى مر التاريخ المصري يرى حمدان أن "جميع الموجات التي اكتسحت البلاد جاءت من آسيا عبر سيناء في ما عدا قليلا منها جاء من الغرب مثل الفاطميين، وفي المقابل كل الحركات الخارجة من مصر وكل معاركها التاريخية كانت تتم على أرض آسيوية، وآخرها حرب العاشر من رمضان بينها وبين دولة الاحتلال، والتي وقع مجمل أحداثها من أجل سيناء وفيها". الجغرافيا السياسية المصرية استكمل حمدان رؤية البعد الآسيوي في السياسة المصرية في كتابه إستراتيجية الاستعمار والتحرير، ووضع إحدى أهم الاستراتيجيات تعبيراً عن فلسفة التوجه المصري نحو آسيا، وطرح فكرة قيام تحالف بين تركيا وإيران الآسيويتين ومصر الأفريقية أطلق عليه اسم مثلث القوة الإقليمي (مصر، تركيا، إيران)، مقدما قراءة بأن "هذا المثلث سيكون من أهم مراكز القوة الطبيعية في العالم العربي والشرق الأوسط". وتتقاطع هذه الرؤية الاستشرافية لمثلث القوة عند حمدان مع رؤية أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي سابقاً في كتابة "العمق الاستراتيجي، موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية"، إذ أكد على أهمية هذا المثلث الإقليمي للسياسة التركية الخارجية المعاصرة، وأنه يقع ضمن الأبعاد الجيواستراتيجية والجيوثقافية لتركيا الحديثة التي يطمع هو من خلال تفعيلها إلى أن تتحول تركيا من دولة طرفية إلى دولة مركز عالمية، ليطلق أوغلو على هذا الأمر مصطلح المثلث الحساس لأمرين هما: الأول : عند دول المثلث الثلاث (مصر، تركيا، إيران)، تتقاطع الطرق المائية للقارة الأفروأورآسياوية الأم مع الطرق البحرية الرئيسة، ووفق تصنيف أوغلو لأهمية المضايق عالميا تُطل دول المثلث على ثلاثة مضايق حيوية من مجموع ثمانية مضايق تتحكم في توازنات الإستراتيجيات العالمية عالمية وهي: 1- قناة السويس في مصر التي تصل قارة آسيا بأفريقيا وتربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر. 2- مضيق هرمز (تطل عليه إيران) والذي يصل بين الحزام الهندي الجنوبي للقارة الآسيوية وبين شبة الجزيرة العربية، ويصل الخليج العربي الغني بالمواد الخام مع المحيط الهندي. 3- مضيقا البوسفور والدردنيل في تركيا اللذان يربطان البحر الأسود مع البحر الأبيض المتوسط ويفصلان القارة الأوروبية عن الآسيوية. الثاني: بروز العلاقات الدولية والإقليمية القائمة على النفط في العصر الحديث، ما زاد من أهمية هذا المثلث. ويحدد أوغلو 4 ملاحظات حول الطبيعة السياسية للمثلث الحساس هي: 1- قوى الهيمنة العالمية تنتهج إستراتيجية الضلع الناقص، للحيلولة دون بناء المثلث، فالقوى الخارجية قبلت التعاون المصري- التركي على حدة، لكنها منزعجة من رفع مستوى التعاون الثلاثي بين الدول الثلاث في آن واحد. 2-أن تحقيق سلام طويل المدى في المنطقة لا يمكن إلا من خلال "تعامل القوى العالمية مع الدول الثلاث وفق أرضية منطقية"، ويعتبر قيام المثلث ضرورة إستراتيجية يمكن أن تتقاطع حولها مصالح القوى الخارجية مع مصالح دول المثلث من زاوية إقرار سلام في النزاع العربي مع دولة الاحتلال. 3- تكمن أهمية تركيا في تحقيق التوازن داخل المثلث كما يرى أوغلو، والذي يقول إنه يتوجب على تركيا اتباع أسلوب من شأنه تخفيف التوتر بين هذه الأقطاب في إطار استراتيجية إقليمية متزنة، ويعتبر أن نجاح تركيا في هذا الدور سيمكنها من الضغط بقوة على التوازنات الإقليمية في أية لحظة. 4-بناء هذا المثلث سيكون له انعكاسات بارزة على مثلثات أصغر للقوى في الساحة مثل المثلث (الأردني، الفلسطيني، اللبناني) والذي يرتبط بعلاقة مجابهة مباشرة مع دولة الاحتلال، والمثلث (العراقي، السوري، السعودي). الخلاصة من خلال ما تقدم تقترب رؤية حمدان وأوغلو في أهمية ومنافع قيام التعاون الإستراتيجي بين الدول الثلاث (مصر، تركيا، إيران) وحاجة منطقة الشرق الأوسط له، لخيارات استراتيجية ستحقق لدول المنطقة وزناً كبيراً يمكنها من نيل الحقوق، وتحقيق الحماية لمقدراتها ومصالحها الاقتصادية والسياسية، ولكن المشكلة تتمثل في عوامل وخلافات عديدة تمنع تقارب البلدان الثلاثة وتحقيق مصالح الشعوب.
الحصاد/ الحرّة قال موقع "أويل برايس" إن العراق بدأ يفقد حصته في أسواق النفط الأوروبية نتيجة الاعتماد بشكل متزايد على المشترين الآسيويين، وخاصة الصين والهند. وذكر الموقع أن متوسط حصة البلدان الآسيوية من الصادرات العراقية ارتفع بشكل مطرد خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث بلغت حصتها نحو 80 في المئة من صادرات العراق عبر حقوله الجنوبية في عام 2020. وقارن الموقع بين هذه النسبة وما تم تصديره خلال الفترة الفائتة، والتي تضمنت 60 في المئة في 2017، و65 في المئة عام 2018، و71 في المئة خلال عام 2019. وكشف التقرير أن الصين والهند استحوذتا على نحو ثلثي صادرات العراق اليومية من النفط، بمتوسط مليوني برميل يوميا (1.05 مليون للصين، و0.9 مليون للهند). وأعلنت وزارة النفط العراقية أن صادرات البلاد من الخام ارتفعت إلى 2.96 مليون برميل يوميا في فبراير، من 2.868 مليون برميل يوميا في الشهر السابق. وأضافت الوزارة أن الصادرات، من مرافئ البصرة في جنوب العراق، بلغت 2.825 مليون برميل يوميا في فبراير، ارتفاعا من 2.77 مليون برميل يوميا في يناير. ويعتمد العراق، ثاني أكبر منتج في أوبك، على صادرات النفط في تحصيل جميع إيرادات الدولة تقريبا. وتضرر بشدة من نزول أسعار الخام في العام الماضي وواجه صعوبة في دفع أجور العاملين بالقطاع العام. وزادت إيرادات العراق النفطية في فبراير إلى خمسة مليارات دولار عند متوسط سعر 60.33 دولار للبرميل، مقارنة بمتوسط سعر 53.294 دولار في يناير.
الحصاد draw: معهد واشنطن - بلال وهاب نظرًا إلى الدوامة المستمرة من الأزمات، نادرًا نحن العراقيون ما ننظر إلى الوراء، ولكن ما لم يستقوا بشكل جماعي العبر من الماضي ويقرروا تجنّب تكرار أخطائهم، فهم سيواصلون الرد على هذه الجرائم بالمثل كما حصل في الماضي. تحمل زيارة البابا فرنسيس إلى العراق هذا الأسبوع رسالة سلام وأخوّة إنسانية، وهذا خبر جيد عن العراق، وويعلم الله كم ان العراق بحاجة الى خبر جيد. الزيارة تاريخية بالمقاييس كافة – فهي الزيارة الأولى التي يقوم بها بابا إلى العراق. والجديد في هذا أيضًا هو زيارة البابا إلى النجف، أو مدينة الفاتيكان الشيعية، ولقاؤه هناك بآية الله علي السيستاني. وبفضل هذه الزيارة، سيتعلم الكثيرون من خارج العراق أن هذا البلد يضم مدينة أور التي وُلد فيها النبي إبراهيم. والأهم، أن البابا سيضمد جراح المجتمع المسيحي في العراق. وعلى نحو مماثل، كان استقبال العراق للبابا حارًا وموحدًا. ومع ذلك، أتمنى أن تكون زيارة البابا وقمة النجف التي عقدها أكثر من مجرد رواية جيدة. فرغم أن العزاء والمسامحة وحدهما لن يكفيا لإنهاء دوامة العنف التي تشهدها الأقليات في العراق والتي غالبًا ما ترتكب باسم الإسلام، إلا أنهما ضروريتان. فزيارة البابا قد تكون بمثابة دعوة للعراق لكي يستفيق وينظر إلى الندبات التي خلفتها دوامة العنف الديني التي اجتاحته، ويتوقف لبرهة من أجل التفكير مليًا في كيفية الحؤول دون استمرار هذه الدوامة. نحن العراقيين عانينا ما عانيناه، سواء من جراء عنف الدولة المنظَّم على يد نظام صدام حسين الذي أباد الأكراد، أو فوضى الحرب الأهلية الطائفية التي اندلعت في خلال السنوات التي تلت الإطاحة به أو إرهاب تنظيم "داعش" الوحشي. وبينما تزامنت المنافسة السياسية المفاجئة مع سقوط دولة العراق، سيطرت الهوية الدينية والطائفية على السلطة والسياسة. وفي خلال هذه الفترة، كانت هوية الفرد الدينية تقرر مصيره بالحياة أو الموت أكثر من أي وقت مضى. وبين عاميْ 2005 و2007، كان الانتماء إلى الطائفة الشيعية بحد ذاته جريمة كافية للتعرض للقتل على يد تنظيم "القاعدة" في العراق. وقتلت الميليشيات الشيعية بدورها، التي لا يزال الكثير منها يتجول بلا رادع، رجال سنّة وفجرت قراهم وأحياءهم. وقُسّمت بغداد تقريبًا إلى مناطق طائفية منفصلة. وكان المجتمعان المسيحي والأيزيدي من بين أوائل ضحايا "داعش". فإلى جانب الكثير من المساجد والأضرحة الإسلامية، دمّر التنظيم الكنائس ومعابد الأيزيديين. وتراجعت أعداد المسيحيين في العراق من 1.5 مليون إلى ما يقدر بربع أو سدس مليون. كذلك، عانى الأيزيديون من التشرد والاستعباد. وكما فعل الغزاة المغول حين دخلوا إلى بلاد ما بين النهرين قبل مئات السنين، لم يترك "داعش" خلفه سوى الدمار والمعاناة. وهذه كلها جراح عميقة لا تزال تنزف في المجتمع العراقي التعددي، غير أن الحكومة تعاملت مع الوضع عن طريق دفع تعويضات للضحايا ومحاولة طي الصفحة والمضي قدمًا. ولكن الجدير بالذكر أنه في ظل هذه البيئة، كانت المعاناة التي شهدها المسيحيون والأيزيديون وغيرهما من مجتمعات الأقليات في ما بعد هائلة وإنما غير مفاجئة. واليوم، لم تعد خلافة "داعش" قائمة، كما أصبح من معيب الخطاب الطائفي الصريح. ولكن في ظل غياب الحسابات الجدية وتحسين التعليم وفرض قوانين أشد صرامةً تعزز التسامح وتحظر خطاب الكراهية، من المستبعد أن تتوقف دوامة العنف الديني في العراق. وهذا لا يعني أنه لم يتمّ إحراز بعض التقدم. فغالبًا ما تصف الحكومتان العراقية والكردية أفعال صدام و"داعش" على أنها جرائم ضدّ الإنسانية وتعلنان عن دعمهما وتعاطفهما مع ضحاياها. وكان البرلمان الاتحادي العراقي وبرلمان إقليم كردستان سنّا تشريعات هامة يعترف بهؤلاء الضحايا – كان أحدثها قانون الناجيات الأيزيديات الذي سُنَّ في خلال هذا الأسبوع في بغداد والذي يصف المعاناة التي تعرضت لها الأيزيديات ونساء من الأقليات الأخرى على يد "داعش" بالإبادة. وإلى جانب الإقرار الرسمي بمعاناة الضحايا، يقدّم القانون – شأنه شأن قوانين أخرى تغطي معاناة ضحايا صدام أو الإرهاب – التعويضات. ولكن هذا القانون هو في الوقت عينه الاستثناء وليس القاعدة. فجزء كبير من الاستجابة للعنف الطائفي لا يغطيه تشريع إنما أوامر تنفيذية أو قرارات برلمانية ضعيفة. كما أنه ما من جهود مبذولة لمعالجة الأسباب الجذرية للعنف الديني وكيفية تطبيق هذه الجهود لوضع حدّ لهذه الدوامة. ونظرًا إلى الدوامة المستمرة من الأزمات، نادرًا نحن العراقيون ما ننظر إلى الوراء، ولكن ما لم يستقوا بشكل جماعي العبر من الماضي ويقرروا تجنّب تكرار أخطائهم، فهم سيواصلون الرد على هذه الجرائم بالمثل كما حصل في الماضي. فالعراقيون بحاجة إلى القيام بالمزيد إذا ما أرادوا أن تكون إبادة الأيزيديين وتشريد المسيحيين آخر فصول العنف والتعصّب الديني في العراق. وما تحتاج إليه البلاد هو حوار جدي بين القادة السياسيين والدينيين والمثقفين حول فصول العنف المتكررة المنفذة باسم الدين. كما يحتاج العراق إلى قوانين أكثر صرامةً تحمي حقوق الأقليات. علاوةً على ذلك، لا بدّ من إدراج قيم التنوع والتسامح في خطب الجمعة والنقاشات الدائرة في الصفوف التعليمية. وقد تعود ربما الخطيئة الأصلية للتعصب الديني والعنف في العراق الحديث إلى نزع الملكية من يهود البلاد وطردهم منها. وعلى نحو مماثل، تمثّل الردّ بعد هذا الفصل المظلم بالنسيان والمضي قدمًا بدلًا من البحث عن الذات والتعلّم من الدروس. مع ذلك، كانت جدتي تتحدث عن جيرانها اليهود؛ وكانت مصطلحاتها وأمثالها مليئة بالأسماء والنوادر وأيضًا بالأنماط اليهودية. لقد ترعرعت في عراق ذي أحياء يهودية أُفرغت من سكانها، ولكن كان لدي الكثير من الأصدقاء وزملاء الدراسة المسيحيين. واستنادًا إلى تقديراتي المحزنة، لو كان إرث "داعش" قد نجح في طرد المسيحيين كافة من العراق، لترعرع أولادي في عراق من دون زملاء دراسة من المسيحيين أو الأيزيديين أو الشبك كما ترعرعت أنا من دون زملاء من اليهود. صحيح أنه ليس لدي إحصاءات لإثبات ذلك، لكن كلي ثقة بأن جيل أجدادي عاش حياة أغنى وأكثر تسامحًا مني. ويشير جعل هذه الدورة تكرر نفسها إلى آفاق قاتمة للمستقبل، إن صحّ تقديري. بعدها، يُطرح سؤال الإيمان بحدّ ذاته في العراق. فلم يسئ أحد إلى ديني، وهو الإسلام، أكثر ممن يقتلون ويسرقون باسمه، سواء "داعش" أو الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد صدم ازدياد أعداد الملحدين في العراق البعض. أما أنا، فما يصدمني هو أن المساجد لا تزال مليئة بالمؤمنين – هذا أشبه بمعجزة نظرًا إلى التمثيل السياسي والعسكري للإسلام. فصحيح أن الكثير من قادة الميليشيات وكبار السياسيين يرتدون العمامة، ولكنهم لا يستقون الكثير من التسامح أو الرحمة من الدين، ويضم العراق عددًا قياسيًا من الأحزاب الإسلامية التي تدير حكومة تعاني من أعلى مستويات الفساد والاختلال الوظيفي في العالم. وليس لدى هذه الأحزاب الكثير لتقدمه من خلال الاستجابات النابعة عن الدين للشباب العراقي الذي يطالب بالسلام والازدهار وسيادة القانون. ويمكن للدين المخطوف أن يكون مبعث قلق مشتركًا بين البابا والسستاني. فهما الحاميان الإسميان لدينهما. ورغم التناقض الصارخ بين آية الله السيستاني والنموذج الإيراني الذي يشغل فيه الإمام منصب رئيس الدولة، إلا أن مناصريه في السياسة والجماعات المسلحة عرفوا كيف يتعاملون مع الإسلام الشيعة. ويضع آية الله السيستاني، من خلال اجتماعه بالبابا، معيارًا إيجابيًا للتسامح لخلفه. فضلًا عن ذلك، يستمد الرجلان قوتهما وشرعيتهما من أتباعهما وليس من الدولة. وبخلاف إيران أو فعليًا معظم الدول السنية، إن آية الله السيستاني ليس موظف دولة ولا يخضع للدولة وينتظر الكثيرون إدانته القوية لحالة عدم الاستقرار الذي تسببه الميليشيات التي أساءت استخدام اسمه. ومع ذلك، تحمل قمة المنارة والجرس في النجف ثقلًا دينيًا كبيرًا في العراق وخارجه، التي تلت خطوة المهمة عندما زار البابا الإمارات والتقى بعلماء بالأزهار الشريف. وبين إيران و"داعش"، يمكن لاسم الإسلام وصورة الإسلام بحاجة بعض من التحسين. ولا بدّ من إدانة العنف المرتكب باسم الله بشكل قاطع. فوضع اسم الله على راية لا يعفي أي ميليشيا أو حزب من العقاب. ونستذكر مشهدًا من الموصل ما بعد "داعش" حين أعاد جنود مسلمون في زيهم الرسمي بخشوع صليبًا إلى إحدى الكنائس. في الموازاة، وتمامًا كالمجتمع المسيحي، يُعتبر ترحيب المجتمع الإسلامي في العراق بالبابا وبلقاء النجف خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.
الحصاد: قال مصدر أمني في محافظة صلاح الدين العراقية إن مسلحين بزي عسكري قتلوا، صباح الجمعة، سبعة أشخاص من عائلة واحدة، بينهم امرأة، في منطقة البو دور جنوب مدينة تكريت. ونقل مراسل قناة "الحرة" عن المصدر أن "مجموعة مسلحة هاجمت صباح اليوم الجمعة أحد منازل قرية البو دور، وفتحت النار عليهم، مما أسفر عن مقتل سبعة أفراد من العائلة، وإصابة آخر". وأوضح المصدر أن القتلى هم أربعة أشقاء وشقيقتهم ووالدتهم، والمصاب هو شقيقهم الصغير. وأشار إلى أن مجموعة ترتدي زيا عسكريا، وتقود سيارتين، نفذت الهجوم المسلح، وذلك نقلا عن شهود. من جهتها، أصدرت خلية الإعلام الأمني بياناً حول ملابسات الجريمة، وقالت إن "الجهات المختصة في قاطع عمليات صلاح الدين، تباشر بإجراءاتها التحقيقية لمعرفة ملابسات الجريمة البشعة التي حصلت (..)"، وكشفت عن أن "عصابة إرهابية مسلحة" أقدمت على قتل العائلة". وقال قائممقام قضاء تكريت عمر الشنداح لوسائل الاعلام بأن "المعلومات والتحقيقات الأولية أكدت أن الحادث إرهابي، تقف وراءه عناصر داعش لدواع انتقامية، وأن التحقيقات مستمرة لكشف خيوط الجريمة بالكامل". ولفت إلى أن "قوات الأمن اتخذت إجراءات مشددة في عموم مناطق جنوبي تكريت للتحري عن منفذي الهجوم والقبض عليهم".
الحصاد: أعلنت خلية الإعلام الأمني، الخميس، إطلاق عملية خاصة لجهاز مكافحة الإرهاب في سلسلة جبال قرة جوخ. وقالت الخلية في بيان ورد إلى "الحصاد"، انه "بنسيق مع قيادة العمليات المشتركة، يواصل الشجعان في جهاز مكافحة الإرهاب عملياتهم الناجحة والنوعية في مختلف قواطع العمليات لملاحقة بقايا عصابات داعش ودك اوكارهم، وبعد مجموعة من العمليات المتميزة والاستباقية، شرعت قيادة العمليات الخاصة الثانية في جهاز مكافحة الارهاب بتنفيذ عملية خاصة في سلسلة جبال قره جوخ سبقها ٣٠ ضربة جوية لطيران التحالف الدولي". وأضاف البيان، أن "العملية اسفرت عن تدمير عدد من الاوكار وقتل مجموعة من الإرهابيين وقد باشر طيران الجيش منذ الصباح الباكر بتقديم الاسناد الجوي القريب لهذه العملية والتي جاءت بالتنسيق مع قوات البيشمركة في الطرف الشمالي من سلسلة الجبال وقيادة الفرقة 14 الجيش العراقي من الطرف الجنوبي.