عدالت عبدالله*     يبدو أن سؤال من هذا القبيل لم يعد مطروحاً بجدية على المستوى الشعبي، فالجواب ربما بات من الأمور المألوفة والمكشوفة، أو لايقبل النقاش والمجادلة كثيراً، لاسيما مع تزايد حدة الصراعات بين القوى السياسية والتي سُرعان ما تُفضح المستور وتُعري لنا حقائق محجوبة للرأي العام لا تَشرُق أبداً في ظروف السلم ومراحل المجاملات السياسية إلا في آنها وأوانها، أي حينما تتوتر الأجواء وتتفجر الخلافات وتتمظهر خبايا و لاوعي خطاب الأحزاب ومستوراته تجاه بعضهم البعض.     الكل هُنا، في العراق، على علم بأن الدولة وعلى يد الأحزاب المُستقوية بالخارج فقدت الكثير من السيطرة على نفسها وصارت یتحكم بها الآخرون بكل وضوح وعلى المَلَإ، وإن جهات ودول أجنبية، عالمية منها وإقليمية، هي مَن تُحدد لنا مَن يُمثلنا سياسياً بل يصير -رغماً على أنوفنا - الآمر والناهي بيننا، وهي مَن تُدير من بعيد وقريب شؤون البلاد وصاحبة الكلمة الأخيرة في إحتواء وتوجيه أحداث البلد، كما وهي نفسها أيضاً وراء بلورة الكثير مِن المواقف والصراعات في العملية السياسية وكيفية التعاطي مع القضايا العراقية.   الجميع يعي ذلك تماماً، بل أكثر من ذلك بات يشعر بأن البلد فاقد للسيادة منذ عهود، لاسيما في العهدين الأخيرين اللَذَين شاهدنا فيهما كل شيء إلا ما يُطلق عليه إستقلال القرار السياسي والسيادة الوطنية. فما يتعلق بالأول، معلوم إنه مشررط دوماً بحضور الوعي الوطني الحر القائم على مفهومه المعاصر، أي إحترام المواطنية وهيبة الدولة، وهذا الوعي كان ومازال معدوماً الى يومنا هذا. وغيابه كافٍ لنا لأن نفهم إن القرار السياسي، في عنوانه العريض، سيؤول لا محالة الى إستحقاق مسلوب ومُصادَر، بل لن يكون في بغداد أبداً حتى وإن بدا لنا أن صانعوه عراقي المنشأ ومَصّدَره- مكانياً - هو العاصمة بغداد.     الواقع يقول لنا بأن حتى وإن كانت هوية الساسة ملتصقة ببلد ما، أو أيقونة الوطنية مُزخرفة في شعار الحُكام، إلا إن ذلك لايُضفي، تلقائياً، خاصية الأصالة على القرار السياسي وبعد هذا الٲخیر عن التبعية. المشكلة أكبر بكثير من ذلك، العلة تكمن، قبل أي شيء، في التنشيئة السياسية ومنابعها، التي لم تكن والحالة العراقية، سليمة وطبيعية بالمرة، ولا كانت في يوم من الأيام، مُستمدة من بيئة سياسية حرة تُوَّلد لنا ساسة طبيعيين و ذو خُلق وطنية حريصة على التمسك بالمباديء والقيم التي تمنحه إرادة حقيقية في تحقيق كل ما يمس الوطن ومواطنيه والموقف من شؤون البلد وشجونه من دون الخضوع لأحد.     والتنشئة في ظل أنظمة حُكم تابعة للأجنبي، أو حكومات ديكتاتورية إنقلابية، كما هو الحال مع الحالة العراقية، هي عادةً ما تكون مشوشة ومشوهة، بل لا تُتنج إلا المزيد من العقليات المتزمتة، الطائفية منها والقوموية، أو ظاهرة التبعية والإمتثال للآخر، وذلك كمظاهر وعادات سياسية عادية جداً، بل مُتَبَجَّح بها أحياناً من قبل الكثيرون لتخويف الخصوم من دون الشعور بالخزي والعار!.   ولهذا السبب بالذات لانرى أن الأمر مُستجد وغريب، لأن المعظلة تبدو أساساً بنيوية وظرفية في آن معاً، ولا حلول لها إلا بقيام ثورة نقدية وفكرية طويلة الأجل، هي ربما غير سانحة، هي الأخرى، لإنعدام شروطها المشدودة بتوفير حرية الضمير والنقد والإعتراض وقيم أخرى عصرية لانُفقِهها أصلاً أو لايمكن التفقه فيها، لاسيما في ظل الإرهاب الفكري السائد في البلد وأشباح الإغتيالات والإختطافات والتهديدات المباشرة على حياة كل من يجرؤ على التفكير وبيان الإختلاف وممارسة حقه في الإعتراض على الحالة العراقية المتردية.   أما بالنسبة للسيادة، فحدث ولا حرج!، فهي الأخرى، مفقودة لأسف لحد شعور المرء بإنعدام الدولة، خصوصاً عندما ترى بأم عينك أن عناصر من مخابرات الدول الإقليمية والعالم تصول وتجول في شتى أنحاء البلاد وتزرع خلاياها التجسسية والمخابراتية بالتعاون والتنسيق مع الكثير من الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة، فضلاً عن القواعد العسكرية الأجنبية ودباباتها ومعسكراتها على أراضي البلاد، بل تحشداتها وتحركاتها العسكرية المستمرة بحرية ودون أي إعتراض، وذلك تحت غطاء أو مسوغات تافهة كانت تتعلق دوماً بكل شيء إلا بمصلحة العراق وشعبه.   بمعنى آخر، إن أي تحليل واقعي للأوضاع الراهنة في العراق غالياً ما لايخرج بشيء سوى معاودة التصادم مع هذه التحديات الخطيرة التي ترتبط بالتنشئة السياسية أولاً وثانياً بغياب الدولة وإنعدام الوعي الوطني والثقافية المواطنية وكل ما يعيد الهيبة الى البلد تجاه مظاهر سياسية مخزية بل مُهلكة للبلاد والعباد منذ عقود و مُربكة للعراق ومستقبل أبنائه وأجياله.   والمشكلة هي أننا وفي كل مرة نجد أنفسنا أمام التحديات نفسها، تتكرر وتتفاقم دون أدنى إتفاق على الحد منها، خصوصاً حينما يكون الرهان في ظرف ما، لإعادة التنظيم والنهوض بالبلد، متوقفاً على الإرادة الوطنية والتلاحم وضرورة قبول القوى السياسية بالإختلاف والتعددية وتجاوز الخلافات.    ولا تفسیر هنا لمكامن مأزق تشكيل الحكومة أيضاً وقَبلِها حسم إنتخاب رئيس الجمهورية والكتلة الأكبر أيضاً إلا بالتحديات عينها، التي تُعزى في وجه من وجوهها الى هيمنة الأجنبي على القرار السياسي وسطوته على النخبة الحاكمة في البلد والأحزاب السياسية، وإستجابة وتفاعل هذه الأخيرة هي أيضاً لمطالب وأملاءآت خارجية لقاء الحصول على مواقع ومناصب أكثر في الدولة هي ایضاً لا تُستثمر لأي شيء سوى مزيد من الخضوع للآخر وتحقيق المشاريع الطائفية. *باحث وأكاديمي – كردستان العراق


 عبد الرحمن الراشد   نحن على أعتاب إعلان عودة الاتفاق الشامل بين إيران والغرب، بعد نحو عام من المفاوضات بين الجانبين، وبعد خمس سنوات من العقوبات. وأتوقع أن يرافق الحدث «بروباغندا» واسعة، تقدم طهران نفسها على أنها الجانب المنتصر. وهي بالطبع الجانب المنتصر في إطار ضيق، تنازل الأميركيون عن شروطهم الإضافية. إنما، لم تلبَ كل مطالبِها مثل تعويضها عن سنوات تجميد الاتفاق والعقوبات الاقتصادية. لنتذكر أنه بسبب عنادها واهتمامها بصورتها، خسرت طهران ما كان يفترض أن تصدره وتقبض ثمنه خلال سنوات من العقوبات التي أكلت أكثر من ثلاثة أرباع مداخيلها، «لقد هبطت مداخيلنا من مائة مليار دولار إلى 8 مليارات دولار»، كما يقول إسحاق جهانگيري، نائب الرئيس الإيراني السابق. إيران قوة كبيرة في الغاز والنفط لولا خشية العالم التعامل معها على المدى الطويل. تملك من الغاز احتياطاً مؤكداً يجعلها الثانية في العالم، مرتين أكثر من قطر، وثلاث مرات أكثر من الولايات المتحدة. وهي الثالثة في احتياطي النفط بعد السعودية وفنزويلا. هذه الثروة الهائلة لم تستثمر إلا قليلاً منذ وصول النظام إلى الحكم قبل أربعة عقود. وهذا يبين أن مشكلة إيران، دائماً، هي في نظامها السياسي الذي جعلها منبوذة، عدا أنها تنفق معظم مداخيل البلاد على مشاريعها العسكرية، والتوسعية. معظم دول العالم تشقى وتكد وتفعل كل ما بوسعها لتحسين قدراتها الاقتصادية، في حين نرى دولة، مثل إيران، تنام على ثروة خرافية لا تتطلب منها شيئاً سوى أن تحترم قواعد العلاقات الدولية وتلتفت إلى التنمية الداخلية. فهم محركات صناعة القرار ودوافعه في طهران يساعدنا على التنبؤ بمسار طهران المقبل بعد رفع العقوبات. صورتها في العالم، وخصوصاً عند أتباعها، أهم لها من إنهاء أزماتها. ولهذا سنرى من طهران تدفقاً من الرسائل الدعائية خلال الفترة التالية للاتفاق، تحاول إقناع جمهورها بأنها ربحت الحرب. وقد تجرب أن تستعرض عضلاتها إقليمياً عقب خروجها من الصندوق. والأرجح أن يكون العراق ضحية الاكتساح الأول بعد الاتفاق، مستعينة بأجهزتها الأمنية ووكلائها من الميليشيات المحلية. وهي شرعت في فرض سلطتها، حيث نرى مستجدات مثل تعطيل ترشح هوشيار زيباري للرئاسة باستخدام المحكمة الاتحادية، ومسعى للسيطرة على البرلمان الذي خسرت فيه في الانتخابات الأخيرة، باستحداث نظام ما يسمى الثلث المعطل، كما فعلت في لبنان. وهي وراء معركة مداخيل البترول مع المكون الكردي. بدون تحريك جيوشها تريد الإطباق على بغداد، وقد تنجح نتيجة الاتفاق والتوقيع المنتظر قريباً. ولكن لا بد من القول إن العراق قد يكون لقمة سائغة اليوم لكنه، على الأرجح سيكون اللقمة السامة للنظام الإيراني. إعادة التوقيع على الاتفاق الشامل ستعيد فتح الأبواب للنظام الإيراني. ستبحر ناقلاتها من دون أن تضطر للاختباء، ومن دون أن تدفع رشى للوسطاء، وتخفيضات هائلة على الأسعار. وهذا يعني أنها ستملك فائضاً من الموارد سيسهل عليها رفع مستوى تمويل المواجهات الإقليمية، التي لم تتوقف حتى في فترة تجويع النظام الإيراني والتضييق عليه. وسيرتفع صوت الدعاية الإيرانية التي تبالغ، وتكذب طبعاً، في تصوير النظام وتقديمه للعالم. وهي حتى لو كانت قد كسبت الجولة الحالية فإنها لم تعد القديمة التي تملك جماهير واسعة في المنطقة العربية وخارجها. وهو موضوعي المقبل.


محمد واني     يوما بعد آخر تبرز الأهمية الجيوستراتيجية لموقع إقليم كردستان في المنطقة وخاصة إذا علمنا أنه يعوم على بحر من النفط والغاز الطبيعي ويتحكم بنسبة 3 في المئة من احتياطي الغاز في العالم وفق ما ذكرته بيانات وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم، وتخمن تلك النسبة بـ75 تريليون قدم مكعب بحسب شركة دانة غاز الإماراتية التي تقوم بمهمة التنقيب واستخراج النفط والغاز في الإقليم وهي أكثر من نسبة ‏النرويج 61، ليبيا 51، أذربيجان 47، هولندا 23 تريليون قَدَم مكعب من احتياطي الغاز ‏وفقا لمعلومات عام 2017‏. وإذا كان الإقليم يمتلك كل هذه الثروات الطبيعية الهائلة في الوقت الذي تنذر الأزمة الأوكرانية بحرب ضروس تشمل القارة الأوروبية بأكملها وفق ما هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صراحة الدول الأوروبية بأنها “ستنجرّ إلى صراع عسكري إذا انضمت أوكرانيا إلى الناتو”، وذلك بعد اجتماعه الأخير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. هذا التصعيد الخطير قد يؤدي في النهاية إلى وقف مشروع ‎نورد ستريم 2‏ العملاق الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر بحر البلطيق بخط أنبوبي يصل طوله إلى 1200 كيلومتر، لذلك فمن الطبيعي أن تبحث أوروبا وتركيا عن بدائل أخرى للغاز الروسي وتتجه أنظارهما إلى الاحتياطي الهائل للغاز الطبيعي الموجود في إقليم كردستان، وفي حال حصول تدهور في الأزمة وقامت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بفرض عقوبات على روسيا إن أقدمت على غزو أوكرانيا، فسيكون للإقليم دور كبير في إمداد أوروبا بالغاز الطبيعي من خلال خط أنابيب نابوكو الذي ينقل الغاز من الشرق الأوسط والبحر الأسود عبر تركيا إلى أوروبا. وطبقا للدراسات المتخصصة بالطاقة فإن غاز الإقليم وإسرائيل معا سيسد جزءا كبيرا من النقص الحاصل في الغاز الطبيعي في حال استغنت الدول الأوروبية عن الغاز الروسي وكلما تصاعدت حدة التوتر بين الطرفين كلما ازدادت حاجة أوروبا إلى الغاز الموجود في آبار إقليم كردستان وإسرائيل وانتعشت سوق الغاز وعادت بالنفع على البلدين، طبقا للمثل الدارج “مصائب قوم عند قوم فوائد”. ولا شك أن دعوة رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني لزيارة تركيا في الثاني من فبراير الجاري واستقباله بحفاوة بالغة من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان وإطلاق صفة الضيف الخاص عليه، قائلا “سيزورني الجمعة ضيف خاص، وهو نيجيرفان بارزاني”‏، لها صلة مباشرة بخطة نقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا ضمن مشروع نابوكو وهذا ما صرح به الرئيس التركي للصحافيين عندما أعلن أنه “تباحث مع نيجيرفان حول الغاز الطبيعي في إقليم كردستان، وقال له الأخير إنه سيتشاور بهذا الشأن مع الحكومة الاتحادية وأنه سيفعل كل ما في مقدوره”. لا شك أن اللقاء السريع والمقتضب بين أردوغان ونيجيرفان لم يأت عفويا بل مهيأ له وفق خطة مدروسة لعقد اتفاقية مشتركة لإمداد تركيا بالغاز، شبيهة بالاتفاقية النفطية طويلة الأمد التي أبرمت بين الرجلين عام 2013، فالعلاقة التجارية بين تركيا وإقليم كردستان في ظل ترؤس نيجيرفان للحكومة الكردية لمدة 17 عاما بلغت أوجها (حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى 12 مليار دولار في يوم من الأيام)، ولدى نيجيرفان تجربة وإلمام واسعان بالاستثمار وجلب الشركات الأجنبية إلى الإقليم من خلال وضعه قانون الاستثمار الذي أقره البرلمان عام 2006، الأمر الذي أدى إلى تدفق الشركات الأجنبية التركية بشكل خاص إلى الإقليم، ويحاول دائما أن يربط أسواق تركيا بأسواق العراق من خلال إقليم كردستان، ويؤكد أن “طريق التجارة التركية إلى السوق العراقية يمر بالإقليم”. محمد واني


كاروان انور كركوك (آرابخا) مدينة النار الأزلية بشعلتها الوهاجة التي وصفها زينفون وهيرودوتس والاسكندر المقدوني في رحلاتهم بالنار المقدسة، ونار بابا كركر التي زارتها وتزورها النساء الى يومنا هذا ظنا منهن بأنها نار آلهية مقدسة وظنا منهن بأن النار تجعلهن يلدن ذكوراً..  ( نارها مقدسة وهواؤها عذب وطينها صلصال مبارك) هذه النار وهذه الرائحة التي لاتتمتع بها الا كركوك وهذه السماء الداكنة التي تتقطر منها نفط ودم وثورة، هي مدينة كركوك ولا كركوك غير كركوك. (كركوك- آرابخا –التأميم) كلٌ يسميها بلغته وكلٌ يدعيها لنفسه والمدينة هي تلك المدينة التي إبتلت باكتشاف النفط فيها، فلو لم تُعثَر فيها على النفط لما كان حالها الآن سيئة كما هي وما كان الجميع يطالبون بملكيتها، بل كانت على أفضل الحال وللأسف الشديد، فكركوك قبل عام 1927 كانت مدينة تقليدية كسائر مدن هذه المعمورة، وككل مدينة تسكنها غالبية ما من قومية ما، ولكن بعد اكتشاف النفط في باطن أرضها، بدأت الأغراب تتوافد على كركوك لتغيير كفة الميزان السكاني وديموغرافيتها حيث كانت عمليات التوافد في البداية للبحث عن العمل، حالها حال مدينة سان فرنسيسكو الأمريكية التي توافدت اليها الآلاف من العوائل الامريكية من البيض للبحث عن الذهب، فأصبحوا فيما بعد هم أهل الدار وبدأوا بقتل وتشريد وتعذيب الهنود الحمر أصحاب الأراضي والسكان الأصليين للمدينة.. فكركوك حالها حال هذه المدينة الامريكية.. ففئة تأتي المدينة بحثاً عن العمل في مشاريع النفط وآبارها ومستودعاتها وأنابيبها، هذه كانت ضمن ألوف العوائل التي كانت هدفها البحث عن العمل وشاءت الأقدار ان تحصل على العمل في نفط كركوك وتسكن اطراف المدينة آنذاك، وأنشأوا أحياء وأزقة فقيرة لهم وبدأوا بتربية المواشي والجواميس، بدليل ان المحلات القديمة في المدينة وكركوك القديمة لم تكن تسكنها العوائل العربية، بل كانت خليطاً من الأغلبية الكردية والأقلية التركمانية والمسيحيين وعوائل عربية قليلة جدا، فالصورة التي التقطت في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي وفي احدى مدارس المدينة دليل على التكوين السكاني لهذه المدينة، حيث لم يكن في الصورة سوى نفر قليل من القومية العربية والأغلبية كانوا من الكرد، فالمدينة وطابعها السكاني كما زارها الرحالة كلاوديس جيمس ريج منتصف القرن التاسع العشر، يقول عنها: انها مدينة ذات طابع كردي بأغلبية كردية تسكنها أناس من العشائر التي لها امتدادات تاريخية في المناطق الكردية الجبلية.. ودليل آخر على القومية الغالبة وسكانها ألاصليين هو ماكتبه البريطانيون في موسوعاتهم، وما دونوها في المراسلات الرسمية، حيث لم يذكروا اسم المدينة الا كمدينة كردية حالها حال السليمانية وأربيل ومهاباد ودياربكر وعامودا، والاحصاءات الرسمية التي اجريت في المدينة واطرافها ودونت على شكل وثائق لاتثبت الا حقائق واضحة وهي ان هذه المدينة كردية بطبعها وسكانها وعاداتها وتقاليدها وتفكيرها، والكثير من المكتوبات للدولة العثمانية والخرائط التي نشرت قبل اكتشاف النفط لم يتوان عن ذكر المدينة كمدينة كردية، والدليل القاطع هو الخارطة العثمانية الرسمية التي رسمت فيها المدينة ضمن حدود ولاية شهرزور ودونتها كمدينة كردية، وختمت الخارطة بختم السلطان العثماني. هذه كنبذة مختصرة عن الحقيقة الديموغرافية لكركوك، ولكن رب سائل يسأل، لماذا تفاوت وتغير عدد القوميات الساكنة في المدينة في كل احصاء اجري في العراق، وخاصة بعد اكتشاف النفط؟؟ والجواب هو، أن التفاوت العددي لكل قومية في كركوك بازدياد واحدة وتقليل البقية وكأنهم توقفوا عن النسل والتزاوج، كان بأمر من مركز السلطة في بغداد وعند جميع السلطات والحكومات المتعاقبة التي حكمت العراق لعقود طويلة مضت، فالسلطة البعثية مثلا منذ شباط 1963 تلاعبت بالمدينة وسكانها بلعبة دنيئة ومسألة الحرس القومي وقتل الكثير من المواطنين الكرد بعد انقلابهم الأسود وأهل كركوك أدرى بشعابها طبعا ولا أحد بمقدوره أن يستنكر وجود آلاف العوائل الوافدة الى كركوك، فهل هناك مواطن عراقي نجيب لم يسمع من قبل بـ (أبو العشرة آلاف) و (أبو 17 ألف) وهؤلاء هم عشرات الألوف من العوائل المستقدمة من وسط وجنوب العراق التي اسكنتهم السلطة العفلقية في كركوك وأعطتهم المبالغ الآنفة الذكر من الدنانير العراقية لكي يسكنوا في بيوت الكرد ويستخدموا ملابسهم وأوانيهم وأفرشتهم، وخولوا بقتل أي كردي يسبب مشكلة او اعاقة في عملية إسكانهم وحتى بدون سبب في بعض الأحيان، وقُدمت لهم التسهيلات كافة.. لماذا؟  فقط لتغيير الطابع الديموغرافي لمدينة كركوك، وهذه العمليات استمرت منذ العام 1968 بشكل مكثف ومبرمج وخصصت لها ميزانية كبيرة الى العام 2003 أي حتى قبل زوال البعثية بأيام.. وفي الوقت الذي تستقدم عائلة عربية الى كركوك وتسكن في بيت كردي، تطرد في الوقت نفسه عائلتان كرديتان إما الى جنوب العراق أو الى كردستان العراق، وهذا ما كانت تسمى بعمليات (التعريب) ويدوّن في التاريخ تحت اسم التطهير العرقي أو التمييز العنصري (الآبارتايد).  اذا أردنا ذكر الوثائق والحقائق، فهناك الآلاف منها تثبت ان المدينة حتى منتصف الثلاثينيات من القرن المنصرم كانت تذكر كأية مدينة كردية تسكنها مع الكرد عدد من التركمان والمسيحيين. ودليل آخر على كردية مدينة كركوك هو الاصرار الكردي على إجراء عملية الاحصاء في المدينة والاستفتاء الذي يقرر فيه مصير كركوك اذ تبقى تابعة للمركز او تصبح ضمن مدن اقليم كردستان، فليس من المستغرب أن يقوم العرب والتركمان بعرقلة الاحصاء والاستفتاء بحجج ومشاكل واهية، وهذا ما جعل العالم يفهم حقيقة ديموغرافية كركوك وزيف الادعاءات التي كان يدعيها البعض، فرغم عمليات التعريب التي استمرت لعقود من الزمن الا ان الكرد لازالوا الأكثرية والأغلبية في المدينة، حتى وإن لم تطبق المادة 140 من الدستور وتعود المدينة الى الحدود الادارية لها في العام 1968.. حيث استقطعت منها عدد من الاقضية والنواحي الكردية والحقت بمحافظات اربيل والسليمانية وصلاح الدين ونينوى. فكركوك مدينة كردية باعتراف الأتراك العثمانيين، حيث ورد في انسكلوبيديا الدولة العثمانية أي ما يعرف بـ(قاموس الاعلام) للامبراطورية العثمانية بأن كركوك مدينة كردية وعلى هذا الاساس ينظر العالم الى كركوك وليس بالمنظور البعثي الذي طالما عمل من أجل طرد الكرد وجلب العرب الى مدينتهم وبيوتهم وأزقتهم، ونحن إن لم نقل كركوك كردية فالانسكلوبيديا البريطانية أيضا تؤكد كرديتها، والمؤرخون والمستشرقون والرحالة جميعهم متفقون بأن تلك المدينة كردية، ومن لا يصدق كلامي فعليه أن يعود الى ما دوّنه كلاوديس جيمس ريج ومينورسكي وباستيل نكتين والعثمانيون وقبلهم بآلاف السنين إقرأوا رحلة هيرودوتس (أبو التاريخ) عندما مرّ بمنطقة النار المقدسة أو النار الأزلية، وكان ذلك قبل ميلاد سيدنا المسيح، فانظروا الى ما يقوله عن المنطقة وسكانها!! زيف الادعاءات ولكن اذا نبحث عن كردية مدينة كركوك في كتابات حزب البعث وتأريخه الطلفاحي، فلاريب ولا جدال أن ما قاله ويقوله الكثير من أقطاب الشوفينية العربية وتحت تأثير الموروث البعثي وان كانوا لا يشعرون بذلك.. فكركوك مدينة عراقية وثرواتها للعراق ككل وليس لأهل المدينة، حيث اشترى البعث بأموال نفط كركوك أسلحة ومعدات ودمر بها دول الجوار ومدن العراق.. فلا تستغرب إن سمعت أناسا يعيدون هذه الاسطوانة المشروخة تحت تأثير الفكر البعثي، فلا أقولها لكم اعتباطا، سأوضح لكم أكثر، فهؤلاء ذوو ثقافة تاريخية جد محدودة ومخجلة فما يقولونه لا يستندون فيه الى دلائل تاريخية وحقائق الوثائق، بل أقوال وكلام فقط للكلام فلتمت سكان المدينة جوعا وعطشا وفقرا ولتعش العروبة ولتستخدم نفط كركوك لعمران العوجة وتكريت وليمت الكردي في بيته في كركوك، هذه كانت نظرية البعث حول كركوك حيث لم يخجلوا في ذكرها علنية، فقال طارق عزيز انها مدينة كردية ولكن عليكم فقط أن تمروا فوقها بالطيارة.... لأن التوافد المنتظم والمستمر الى المدينة والاغراءات المادية والمعنوية الكثيرة بهدف التغيير الديموغرافي والتلاعب بعدد سكان المدينة وإغراق المدينة بقومية معينة دون غيرها والبدء باخلاء السكان الأصليين ويحل محلهم أناس وافدون ومستفيدون من القوميات الأخرى، كانت ضمن خطط مبرمجة وسياسة ثابتة وضمن ستراتيجية البعث للمدى البعيد، فالسلطة المركزية والحكومات المتعاقبة التي استلمت دفة الحكم في بغداد وضعت نصب أعينها على ما تخفيه المدينة من كنوز، ظنا منها انها تحمي العروش في بغداد، وهذا ما قاله طارق عزيز لجلال طالباني حيث قال: عليكم أن تذرفوا الدموع على كركوك كما على العرب أن تذرف الدموع على الأندلس. فكم أتمنى ان يكون للأرض والسماء لسان لينطقا به حقيقة كركوك، وكم أتمنى أن تكون للنار الأزلية في بابا كركر لغة تنطق بها، وتدون سجلا للتاريخ، لكن أي سجل؟ طبعا ليس ذلك الذي يدونه البعثيون، وأصحاب الأقلام المأجورة، والخبراء المزورون أمثال خيرالله طلفاح الذي زور التاريخ الاسلامي بحاله، ثم نال جزاءه الدنيوي العادل، ومن حذا حذوه لتدوين تاريخ العراق والمنطقة مقابل حفنة من الدنانير.. إن حاملي القلم ومن لم يفكر بعقله وانما بقلبه وجيبه، ودولارات براميل النفط الصدامي المهرب والمهداة الى شلة غير قليلة من الشوفينيين والقومجيين، صدقوا ورددوا ما كتبته أقلام البعث المأجورة، فوقع نفر غير قليل منهم في حفرة ثقافة البعث، وباتوا يدافعون عن جميع حروبه وجرائمه المرتكبة ضد شعب العراق ودول الجوار من ايران والكويت.. فأصبحوا ببغاء البعث وتحدثوا عن كركوك من مصر وفلسطين والسودان والاردن دون أن يعرفوا ماذا تعني كلمة كركوك، ودون أن يعرفوا أين تقع المدينة وأدنى معلومات عنها.. لماذا؟ لا شك لتدني مستوى وعيهم وإدراكهم ولخفة حمولتهم الثقافية وعدم ايمانهم بايدولوجية ثابتة في الحياة، لا أتجرأ أن اقول الحياة السياسية، لأنهم إن كانوا ممارسين للسياسة في يوم ما من أيام حياتهم فلا شك بأنهم كانوا من بين صفوف الحزب القائد أقصد حزب البعث العربي الاشتراكي المنهار والمنحل..  هؤلاء لم يفكروا بالمنطق السديد؟ بل ضحكوا على ذلك التاريخ الذي يكتب بدماء المؤرخين بعيدا عن أللاعيب الفتنة والشوفينية والعنتريات التي قامت بتدوينه بحد السيف وليس بالقلم، كما رأيناه في عراق البعث. فلا نرى الأصل والجذور والحقيقة في صفحات التاريخ التي دونت في زمن العراق المظلم أو الفترة المظلمة في تاريخ العراق، فجعل هذا التاريخ من حزب البعث العربي الاشتراكي حزبا مثاليا وقوميا يسعى لخير العراقيين وجعل من بلادهم جنة الله على الأرض، وجعل من شخص صدام حسين قائدا للعروبة والاسلام ومجاهدا حقيقيا يقاتل من أجل الاسلام والمسلمين..  وامتلأت أذان ما سماه البعث بجيله بهذه الخزعبلات التي يستحيل أن تخرج من أدمغتهم الا ببرنامج تربوي وتوعوي طويل الأمد، وهذا ما نراه في عدة شخصيات اليوم، فهم امتداد لذاك التاريخ الأسود وتحت تأثيرات اللغة والعبارات ذاتها ومتأثرين بالأمثلة القومية والشوفينية عينها، فظهروا اليوم للعيان بحلة جديدة ولكن بفكر بعثي بحت..  فكيف نفهمهم ونوصل الحقيقة الى أدمغتهم بأن كركوك مدينة لها أصحابها الشرعيون، وتوافد اليها آلاف العوائل بهدف تدمير طبيعتها السكانية.. ماذا نقول لأجيال من أصحاب الافكار البعثية، حتى في الدول العربية ودول الجوار بأن صدام وحزبه وسلطته اغتصبوا كركوك عنوة، كما أرادو اغتصاب ايران والكويت!!.. ما فعله البعث بالكرد وكركوكهم كثير ومؤلم ولا يُنسى.  مع هذا وذاك فالكرد مسالمون بطبعهم حيث قال رئيس برلمان كردستان العراق، كمال كركوكي حول مدينته "توجد وثائق تاريخية تثبت كردستانية كركوك.  إلا إننا نحترم خيار السكان بانضمامهم إلى إقليم كردستان أو البقاء مع بغداد، في الاستفتاء الخاص بتحديد مصير المحافظة الغنية بالبترول والمتنازع عليها بين الكرد والعرب والتركمان". أنظر الى التسامح الكردي رغم أن الوافدين طردونا شر طريدة وسلبونا من مدينتنا وأملاكنا وحتى من مقابر أجدادنا، فما زال الوقت لم يفت بعد لتنفيذ المادة 140 الخاصة بالتطبيع وإن الأعذار بتاجيلها غير مقبولة، فهناك خطوات جيدة قد تحققت ومن الممكن إستثمار ما تبقى من الوقت للمضي في عملية التطبيع بما فيها إجراء الاستفتاء على مصير المدينة.. فالمناطق الواقعة ضمن إطار المادة 140 التي تقع كركوك ضمنها لم تقم الحكومة الإتحادية بواجباتها تجاهها.  ولا نحن في حكومة الإقليم قادرون على تقديم الخدمات لها، مع ذلك هناك تقدم ملحوظ في عملية التطبيع في تلك المناطق، ونعتقد أنه في حال وجود نوايا حسنة فمن الممكن تطبيق المادة في مواعيدها المحددة، فالاستفتاء المزمع إجراؤه في المهلة الدستورية، الرأي الكردي يقوله كركوكي "لقد أكدنا موقفنا من هذه المسألة وقلنا إن من يحمل هو أو أحد والديه وثيقة تثبت سكنه في المدينة أثناء الإحصاء السكاني لعام 1957 يحق له التصويت في الإستفتاء من دون استثناء بسبب انتماءاته القومية لأن كركوك مدينة متعددة القوميات، كما أن قرار إعادة الموظفين المفصولين لأسباب سياسية قد صدر، بالإضافة الى صدور قرارات إعادة ربط المناطق الإدارية المنزوعة عن حدود محافظة كركوك..  وقال "نحن نعتقد أن إجراء الأحصاء السكاني في مناطق كركوك ليس مستعصيا، كما أن إجراء الإستفتاء لا يتطلب كل هذا الوقت.  واعتبر أن الاستفتاء عملية إدارية من أجل معرفة خيارات السكان في اللحاق بالإقليم أو البقاء مع الحكومة الإتحادية، ونحن سنحترم أي خيار يختاره السكان..فهذا هو الحال في كركوك..  فالحقائق والوثائق موجودة في المتاحف والمكتبات وأدراج الأرشيف حيث تسرد تاريخ المدينة بكل صدق وامانة. وهناك من يزور الحقائق ويزيف التاريخ ولكنه يخاف من إجراء الاحصاء السكاني أو الاستفتاء الشعبي بين سكان المدينة، لأن الحقائق تظهر للعالم والادعاءات الباطلة التي تمسكوا بها وخدعوا الكثيرين خلال اربعين عاما سوف تنكشف عاجلا أو آجلا..


فائق زيدان يعرف الدستور على انه القانون الأسمى في الدولة والذي يتم من خلاله تحديد شكل الدولة وحكومتها ونظام حكمها وطبيعة السلطات واختصاصاتها والعلاقات فيما بينها وحدودها إلى جانب تحديده لحقوق المواطنين وضمان أداء هذه الحقوق لهم، وان دساتير الدول يتم صياغتها بما يتفق مع الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل دولة وبطبيعة الحال فان هذه الظروف تتغير لذا لابد من تعديل الدستور بما يتفق مع الظروف المتغيرة سيما وان النظام الدستوري لأي دولة من الصعوبة بمكان وصوله إلى درجة الكمال مهما كانت درجة إتقان صياغته. وفي العراق فان دستور سنة 2005 تمت صياغته في ظروف تختلف في حينه عن الظروف الحالية ومعظم من اشترك في إخراجه بالشكل النافذ حالياً هم في مقدمة الداعين إلى تعديله الآن لظروف ومستجدات الواقع السياسي الذي وصل إلى مرحلة خرق الدستور في أكثر من مناسبة بسبب النصوص الدستورية التي لم تعد مناسبة للمرحلة الحالية ولعل أكثر النصوص الدستورية التي تبرز الحاجة إلى تعديلها هي المواد التي تسببت أحكامها في تعثر تشكيل السلطات ومنها تلك التي تشترط موافقة (أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب) وهذه الأغلبية تفترض حضور ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب كخطوة أولى باعتبارها النصاب الواجب لافتتاح جلسة مجلس النواب ثم يصار إلى التصويت للحصول على موافقة نفس هذا العدد من أعضاء مجلس النواب كما هو الحال على سبيل المثال في المادة (52) التي نصت على ان يبت مجلس النواب في صحة عضوية أعضائه بأغلبية ثلثي أعضائه والمادة (65) التي اشترطت سن قانون مجلس الاتحاد بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، كذلك ما نصت عليه المادة (70) بان ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد أعضائه، والمادة (92) التي تشترط سن قانون المحكمة الاتحادية العليا بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، ومن هذه النصوص نلاحظ عملياً كيف ان شرط تحقق نصاب انعقاد المجلس ومن ثم موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب على منصب معين أو تشريع قانون ما يعني دخول البلد في أزمة سياسية ودستورية بدليل عدم تمكن مجلس النواب من تشريع قانون مجلس الاتحاد وقانون المحكمة الاتحادية العليا منذ نفاذ الدستور سنة 2005 والى ألان، أما شرط انتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب فقد تسبب في الأزمة السياسية التي يشهدها العراق حالياً إذ يتعذر على مجلس النواب عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ما لم يتحقق نصاب ثلثي العدد الكلي لعدد أعضاء المجلس ثم الانتقال للتصويت على المرشحين المتنافسين على هذا المنصب كخطوة أولى بوجوب حصول الفائز على أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب فإذا لم يحصل أي من المرشحين على هذه الأغلبية يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات وهذه هي الخطوة الثانية على وفق أحكام المادة (70) من الدستور. وبسبب هذا القيد الذي وضعه المشرع الدستوري انقضت المدة الدستورية البالغة ثلاثين يوماً من تأريخ أول انعقاد لمجلس النواب في (9 /1 /2022) وهي المدة التي حددتها المادة (72/ثانياً/ب) من الدستور لاستمرار رئيس الجمهورية بممارسة مهامه إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد. ودخلنا في مرحلة الاجتهاد الدستوري القضائي بخصوص استمرار الرئيس من عدمه بممارسة مهامه لحين انتخاب رئيس جديد إذ سبق وان اجتهدت المحكمة الاتحادية سنة 2010 بموجب قرارها العدد (51/اتحادية/2010) الصادر بتاريخ 13 /7 /2010 إلى ان مجلس الرئاسة (الذي كان يقوم بمهام رئيس الجمهورية في حينه) يستمر بممارسة مهام رئيس الجمهورية حتى يتم انتخاب رئيس للجمهورية رغم ما حصل من خرق دستوري (على وصف المحكمة في القرار المذكور) لتجاوز المدة المحددة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وهذا الاجتهاد سارت على منواله المحكمة الاتحادية (بتشكيلها الجديد) بموجب قرارها العدد (24/اتحادية/2022) الصادر بتأريخ 13 /2 /2022 حيث أجازت استمرار رئيس الجمهورية في مهامه لحين انتخاب رئيس جديد وفق مقتضيات الضرورة والمصلحة العامة رغم انقضاء المدة الدستورية التي حددتها المادة (72/ثانياً/ب). أما الإشكالية الدستورية الأهم هي صياغة المادة (76) من الدستور التي نصت على ان يكلف رئيس الجمهورية مرشح (الكتلة النيابية الأكثر عدداً) بتشكيل مجلس الوزراء إذ فسرت المحكمة الاتحادية العليا سنة 2010 بموجب القرار الصادر بالعدد (25/اتحادية/2010) بتأريخ 25 /3 /2010 مفهوم الكتلة النيابية الأكثر عدداً بإنها (أما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما أكثر عدداً، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة أو الكتل الأخرى بتشكيل مجلس الوزراء) في حين ذهبت المحكمة الاتحادية العليا (بتشكيلها الجديد) إلى عدم اشتراط تكوين أو تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عدداً في الجلسة الأولى وإنما أجازت ذلك في أية جلسة لمجلس النواب بموجب القرار الصادر بالعدد (7 وموحدتيها 9 و10/اتحادية/2022) بتأريخ 3 /2 /2022. ويرى قسم من المتخصصين في القانون الدستوري (نتفق معهم في الرأي) ان المقصود بالكتلة النيابية الأكثر عدداً هي (القائمة أو الكتلة الفائزة في الانتخابات) باعتبار ان هذا التفسير هو الأقرب إلى منطق التنافس الانتخابي. ولما تقدم فان مجلس النواب أمام مسؤولية تأريخية وواجب وطني يتمثل بضرورة العمل على تعديل المواد الدستورية المتقدم ذكرها سيما وانها مواد ليست خلافية وإنما قابلة لإعادة الصياغة بشكل يضمن عدم دخول البلد في حالة خرق أو فراغ دستوري مستقبلاً باعتماد المبدأ الوارد في المادة (59) من الدستور بان يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه وتتخذ القرارات بالأغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب وسريان هذا المبدأ بشكل عام بدون النص على (أغلبية ثلثي عدد أعضاء المجلس) أينما وردت في الدستور، كذلك ضرورة تعديل المادة (76) والنص على مبدأ واضح غير قابل للاجتهاد بان يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة أو القائمة الفائزة في الانتخابات بتشكيل مجلس الوزراء في نفس جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بعد استكمال إجراءات انتخابه دستورياً، وهذا يحسم الجدل المستمر منذ سنة 2010 والى الآن فيما لو تمت صياغة النص بشكل دقيق وواضح في الدستور.    


سمير داود حنوش هناك مثل شعبي عراقي يقول (من خلصت الزفة جتّي الرعنة تهلهل). دائماً في أحداث العراق المتراكمة والمتوالية التي تحدث في هذا البلد من أعمال قتل وتفجير وإغتيالات وإختطاف لاتنتهي خواتيمها إلا بنهاية واحدة وهي تشكيل لجان تحقيقية ومعاقبة من تعتقده السلطة الحاكمة أنه مقصّر في هذه الجرائم. مشاهدنا المأساوية دائماً تنتهي بنهايات متشابهة وذات مضمون واحد وهو تشكيل لجان تحقيقية للتعرف على الفاعل ومسببات الجريمة، لكننا لغاية كتابة هذه السطور لم نر أية نتائج تعلنها تلك اللجان أو حقائق ملموسة على أرض الواقع تمنع تكرار تلك الجرائم. في دوامة الفوضى والعنف التي يحياها العراق وشعبه ستظل اللجان التحقيقية وكلمات الشجب والإستنكار هو الحل الأمثل لهم والترقيعي لكل المصائب والكوارث، هي نهايات إعتاد العراقيون على سماعها بل وتوقعها حتى ظن البعض أنها ذر الرماد في العيون لإبعاد صفة التقصير والفشل الحكومي. هلاهل الحكومة العراقية بعد إنتهاء كل أزمة أصبحت مزعجة وبات صوتها مقرفاً للغير لأنه صراخ وعويل بلا جدوى وكسب للود وليس لإستقراء الحقيقة. إعتدنا في كل زفة من زفات بلدنا ومصائبه أن تأتي قرارات الحكومة متأخرة دائماً كقصص الأفلام المصرية التي تكون نهاياتها بقدوم الشرطة إلى مسرح الحادث متأخرة، لكن تأخر الحكومة العراقية بات واضحاً أنه يأتي ربما عن جهل أو غباء، وتلك مصيبتنا في حكومتنا. إستقراء الأحداث وتتابعها يُنذر أن لا نهايات مؤكدة أو حتمية للفوضى والإرباك وأن القادم يحمل المزيد. وستظل اللجان التحقيقية ونتائجها السرية البعيدة عن الرأي العام هي الحلول المُثلى لحكومة عاجزة حتى عن حماية رموزها وشخوصها ورجال قانونها. وذلك هو الإنهيار.


محمد واني ثمة علامة فارقة بين من يدعو إلى السلام والمحبة وبين من يدعو إلى القتل والخراب. لماذا اختير نيجيرفان للقيام بهذه المهمة؟ ربما كان الأكراد من أكثر شعوب المنطقة الرافعين لشعارات السلام والديمقراطية، الداعين إلى التعايش السلمي مع المجتمعات المتعايشة معهم، عملا بالحديث “لا ضرر ولا ضرار”. وبينما هم متضررون أكثر من أي شعب آخر من انعدام السلام وانتشار الكراهية، كانوا دائما من المبادرين في طرح مشاريع السلام في المنطقة، حتى وهم في أوج ثوراتهم التحررية ضد الأنظمة القمعية المتعاقبة على الحكم في بغداد، يتمسكون بهذه الشعارات ويطالبون بتطبيقها على أرض الواقع، وكثيرا ما طرحوا مبادرات سياسية لإحلال السلام وإنهاء النزاعات المسلحة في العراق.  دخلوا في مشروع اتفاقية سلام مع عبدالكريم قاسم عام 1958 ومع عبدالسلام عارف عام 1964، ووقعوا اتفاقية الحكم الذاتي في الحادي عشر من مارس 1970، وازدهرت المنطقة وانتعشت لفترة أربع سنوات، كما وقعوا اتفاقا أوليا مع صدام حسين عام 1991، يقضي بعدم المواجهة كون العراق يمر بمرحلة متأزمة خطرة. وكانت الحكومات العراقية دائما هي الجهة المبادرة لخرق الاتفاقيات وفك الارتباط بها من جانب واحد. يكفي أن حركات التحرر الكردية منذ اندلاع ثورتها عام 1961 لم تستهدف جنديا عراقيا ولا هاجمت مؤسسة أمنية خارج حدود إقليم كردستان، كان ميدان المعركة دائما الجبال وليس المدن العراقية. ورغم تطويق الإقليم وفرض حصار شامل على الشعب الكردي من قبل الأحزاب الشيعية الحاكمة منذ 2014 وقطع الميزانية عنه وقصفه بالدرونات والصواريخ، ظل يمد يده للسلام ويطرح مبادرات سياسية لإخراج البلد من أزماته، ووضع حد للعلاقة المتدهورة بين طرفي النزاع الشيعي “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران الخاسر في الانتخابات المبكرة التي جرت في العاشر من أكتوبر عام 2021، و”التيار الصدري” الطرف الفائز بزعامة مقتدى الصدر، الذي ينادي بتشكيل حكومة أغلبية وطنية بعيدا عن الإملاءات الخارجية. وبعد أن يئست جميع القوى السياسية من تقريب وجهات نظر الطرفين، ومن ضمنها قائد فيلق القدس الإيراني وراعي الميليشيات والفصائل العراقية حينها إسماعيل قاآني، قام رئيس حزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الفائز في الانتخابات والمتحالف مع مقتدى الصدر لتشكيل الحكومة المقبلة بطرح مبادرة سلام لإنهاء الأزمة السياسية، واقترح بارزاني في مبادرته أن يقوم  نيجيرفان بارزاني ومحمد الحلبوسي بزيارة  الصدر والتشاور حول كيفية مواصلة العملية السياسية وإزالة العقبات والمشاكل. ولكن، لماذا اختير نيجيرفان للقيام بهذه المهمة؟ رئيس الإقليم معروف لدى الأوساط السياسية الداخلية والخارجية بأنه رجل سلام، يتمتع بقبول من معظم الفرق السياسية الشيعية والسنية، وكذلك من الاتحاد الوطني الكردستاني الحزب المنافس لحزبه، الديمقراطي الكردستاني. ولديه محاولات في مجال الوساطة بين الدول الإقليمية، فقد قام بالتوسط بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، وبين تركيا وفرنسا بنجاح. كما أنه يتمتع بعلاقات وصداقات طيبة مع رؤساء الدول الأوروبية، ومنهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واستطاع توظيف هذه العلاقات لرفع الحظر الجوي الذي فرضه رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي على الإقليم عام 2017 كإجراء عقابي على تنظيم عملية الاستفتاء على الاستقلال. ثمة علامة فارقة بين من يدعو إلى السلام والمحبة وبين من يدعو إلى القتل والخراب، ونلاحظ هذه العلامة من خلال تغريدتين نشرتا في وقت واحد حول الاعتداءات الإرهابية التي طالت دولة الإمارات العربية المتحدة من قبل المجاميع الإرهابية الحوثية؛ التغريدة الأولى نشرت من قبل نيجيرفان منددة بالعملية الآثمة “ندين الهجوم الإرهابي الذي استهدف مواقع مدنية في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.. تعازينا الصادقة لأهالي الضحايا وتمنياتنا بالشفاء العاجل للجرحى..”، والتغريدة الثانية لأمين عام “كتائب سيد الشهداء”، أبوآلاء الولائي، الذي بارك للإرهابيين “عمليتهم البطولية التي مرغت أنوف الطغاة وكشفت وهن بيت عنكبوتهم يوما بعد يوم”. فهل تتوج جهود نيجيرفان بالنجاح ويتم الاتفاق بين الفرقاء السياسيين على رئيسي الحكومة والجمهورية الجديدة؟


عدالت عبدالله*    قلنا وكتبنا قبل أيام إن المراهنة على التيار الصدري، أو غيره، على أن يخلُق معجزات سياسية في العراق، هو ليس إلا ضرب من الوهم، ولا يؤمن أي مُراقب فاهم أو مواكب عاقل للحالة العراقية بإمكان حدوث أي معجزات أو حتى تحولات كبيرة وجذرية في المدى المنظور في ظل الأزمات والتحديات التي تعيشها البلاد والعباد.  الأمر لا يتعلق هنا لا من قريب ولا من بعيد بأخذ الموقف من هذا التيار أو ذاك، أو تقويمه وتعينه في صورة ما، أبداً، الفكرة تأتي- بكل بساطة- من نتائج تقارير دولية ودراسات علمية وميدانية وقراءآت متعمقة للحالة العراقية المزرية، التي باتت شبه مُستعصية على كل من يروم التعاطي معها بلغة الشعارات والخطابات الشعبوية الساذجة، أو من خلال إستغلال الأزمات والتحديات التي ليست ظرفية وحسب وإنما أغلبها ذا طابع بنيوي.   ولا مراء من أنه لايمكن مواجهة أزمات العراق في كل الأحوال من دون مراجعة نقدية علمية جرئية لكل التجارب والمواقف أو الخطابات والمفاهيم، التي لم تجلب للبلاد والعباد سوى الخراب والدمار والعار. ولايمكن إحتواء تحدياته الجمة من دون حشد عقلاني و وطني لكل الخبرات والعقول وكافة طاقات البلد السياسية والفكرية والإقتصادية والأمنية وقواه البشرية دون اللجوء الى إقصاء أحد، فما بالك بمساعٍ ومطامحٍ توحي لنا من الآن أن ما هو آتٍ في المرحلة القادمة يتموج بعكس الإتجاه تماماً ويخطو نحو مسار مُجازف، يبدو لنا، من الوهلة الأولى وفي مشهده التمهيدي المُتسَرّع، بأنه لايُبشر بالخير ولانتوقع منه أن ينتج لنا سوى مزيد من الفتن والصراعات السياسية المُدمرة والهزات الأمنية الخطيرة بل ربما إعادتنا أيضاً الى المربع الأول إذا ما لم يقف فوراً في محطة ما ولم يتأنى منازعه الملغومة، لاسيما تلك المتبناة بذرائع متهافتة ومألوفة لدى الجميع والتي أبرزها يتمثل في إدعاء مواجهة الفساد وإنهاء المحاصصة الطائفية أو تسويغات أخرى من هذا االقبيل بينما – وهذه هي مفارقة الذرائع بعينها!- لا تجد اليوم أي طائفة أو مكون عراقي واحد راضٍ عن أداء ممثليه في العملية السياسية، بما فيهم التيار الصدري، الذي فقد هو الآخر قرابة 200 ألف صوت في الإنتخابات العراقية الأخيرة، فضلاً عن مخرجات ومؤشرات الإنتخابات نفسها على صعيد نسبة المشاركة، والتي إن دلت لنا على شيء فإنما تدل على إن المُتلاعبين بالعقول في العملية السياسية مُنكشف أمرُهم تماماً ولم تعُد غالبية الشعب ومكوناته المختلفة تتخدر بسهولة وتتزيف عقولها بما يُقال في حقل السياسة وما تدعيه وتُبشر به الساسة بمختلف هوياتهم وعناوينهم.  بعبارة أخرى، إن العراق اليوم في قلب أزمة حقيقة خانقة لا أحد فيه يجيد لغة جراحها ودواءها طالما لم تهتز حتى الآن بنية العقل السياسي السائد فيه بكل هذا الكم الهائل من التجارب والأحداث القاسية، التي ربما لايتحملها أي شعب آخر على وجه المعمورة سوى الشعب العراقي المنكوب، لاسيما في ظل هيمنة نُخب تقليدية تُعزز هذه البنية المتحجرة بإستمرار وتوطدها بخطابات ساذجة، بل تُفقرها لحدٍ أصبح لايمكن معه لأحد أن يفهم مكامن المعضلات المجتمعية والثقافية والإقتصادية ولا يستوعب حجم التعقيدات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، التي تعيق دوماً إختبار الإرادات وتنفيذ البرامج وإجراء والإصلاحات، فما بالك إذا ما كان كل هذه الأخيرة مُفتقرة أساساً الى الدهاء السياسي والتعمق الفكري والتصور الإستراتيجي لكيفية التعامل مع أحوال البلاد وأهوال العباد.   إن ما يفكر فيه السيد مقتدى الصدر وتياره الآيديولوجي العقائدي ومعسكره السياسي الجديد في العملية السياسية لعراق اليوم لايؤول الى شيء سوى المزيد من الفتن والأكفان والنزاعات وضياع الحاضر والمستقبل معاً، وإذا كانت الصراعات الماضية متغذية على أبعادها الطائفية والقومية فإن الصراعات القائمة والآتية ستقوم على أبعاد إضافية تتخذ تسويغها من إتقاء مكونات العراق من شر التشتت والتشرذم الداخليين، والذي أصبح يهدد وعلى وجه التحديد البيت الشيعي والكُردي في العراق نتيجة لإستقطابات سياسية سلطوية مصالحية جديدة تتسم بالتهور السياسي ولاتأبى بالعواقب السياسية والمجتمعية والأمنية التي ستخلفها، ومتبجحةً فقط بأغلبية نيابية صورية في بلد قاطعت فيه 70% من أبناءها الإنتخابات ولاتثق بأهلية الحكام تحت أي أسم من المسميات.  بمعنى آخر، إن القادم سيكون أسوأ إذا لم يُفقه هذا المعسكر السياسي الجديد لغة السياسة بلهجاتها المختلفة!، ولايمكن تكهن حجم التهديدات والمخاطر التي سنواجهها في قادم الأيام والأزمان إذا ما لم نَعُد الى عين العقل والرزانة في التفكير وممارسة السياسة بآفاقها التواصلية والإنفتاحية والتوافقية، أي الصيغة المواكبة والملائمة لكل مجتمع يتمتع بالطابع الفسيفسائي خصوصاً إذا ما كان هذا المجتمع يتميز أصلاً بحساسية كبيرة – ربما من كثرة حرمانه- تجاه نزعات الإقصاء والإستبعاد والتحريم من المشاركة السياسية.  *باحث وأكاديمي من كُردستان العراق


باقر جبر الزبيدي للأسف قررت الحكومة المضي في انشاء أنبوب نقل النفط من البصرة إلى ميناء العقبة الأردني ومنذ الإعلان عنه من قبل الحكومة السابقة برئاسة الاخ عادل عبد المهدي والحكومة الأردنية في عام 2019 ونحن نحذر من خطورة هذا الأنبوب الذي نعتبره البداية الحقيقية للتطبيع حيث يمر الأنبوب عبر "تيران" التي اصبحت اليوم تحت ادارة "تل ابيب" كما ان الانبوب وقبل دخوله العقبة ببضع كيلومترات وحسب معلومات خاصة فان هناك انبوب فرعي سري تحت الارض سوف يصل الى اسرائيل وبدون علم الحكومة العراقية. اقتصاديا ليس هناك اي منفعة من هذا الانبوب حيث تبلغ تكلفه إنشائه (26) مليار دولار مايعني أن كلفة مرور برميل النفط الواحد ستبلغ تسعة دولارات في المقابل فإن كُلفة تصديره من الخليج عبر موانئ البصرة هي نصف دولار يضاف الى ذلك المخاطر الامنية التي تتمثل في مرور الانبوب من وادي حوران الخاضع تقريبا لعناصر "د ا ع ش" مما يجعل فرضية تفجير الانبوب قائمة بشكل دائم. مصر والأردن بحاجة ماسة إلى مد أنبوب النفط من البصرة الى العقبة الا ان الاردن وميناء العقبة سيخطفان الاضواء من البصرة كمصدر للنفط ويضعفان موقفها .. الاردن سيجني ارباح طائلة نتيجة مرور الانبوب على اراضيه اضافة الى الكومشنات الخطيرة والمخيفة والتي تصب في جيوب سياسيين عراقيين ومصريين واردنيين. اما مصر فقد اقنعت الاردن ان يتم مد الانبوب اليها وعبر شركة ((الجسر العربي)) وهي شركة مصرية اردنية عراقية مشتركة للنقليات البحرية حيث ستؤمن مصر حاجتها من النفط وعلى الجانب الاخر هذا النفط الرخيص الذي يصدر من العقبة سيمر على السويس وستجني قناة السويس عن كل برميل من 7 الى 10 دولار. يجب عدم توقيع مذكرة تفاهم او اتفاق مع هذه الدول ولايربط مستقبل العراق مع دول هي ليست محور للسياسة العراقية وليس هناك اتفاق سياسي يجمعنا مع هذه الدول وقد غيرت مصر والاردن موقفها من العراق مرات عديدة نزولا عند رغبات خليجية وأمريكية فهي شريك سياسي واقتصادي غير مضمون. * امين عام حركة إنجاز  


عدالت عبدالله* ثمة رؤى مختلفة ومتاينة في تقدير وتقييم الفترات والمراحل الزمنية التي تمر بها المجتمعات، ومن بين تلك الفترات والمراحل التقليدية، هو العام، الذي نمر به  بجزئية 365 يوماً، أو 12 شهراً، والذي يحدث فيه الكثير من الأحداث والتطورات، أو التغيرات والتحولات، بعض منها تتسم بالإيجابية والآخرى سلبية دون شك، ولكن المعيار في الأمر دوماً يرتبط بما أسلفناه، أي إختلاف الرأي  والمذهب في التقييم والتقدير، إذ ثمة من يُبدي الرأي من خلال مقارنة العام بالعام الماضي، وثمة من ينظر الى الأمر من زاوية الحاجات والحقوق والظروف التي مرت بها أبناء البلد، وهناك من ينطلق من منظور طبقي وأوضاع طبقة إجتماعية ما خلال العام، فضلاً عن رؤى فردية في التقييم تصدر عن مطامح وتوقعات وآمال عديدة للإنسان الفرد..   عدا ذلك كله، هناك من يقيّم العام الذي واكبه بكل تفاصيليه وجزئياته من خلال مقارنته بأحوال بلدان ومجتمعات أخرى، وباب المقارنة هذه ينفتح دوماً على جانبي الأمر، أي السلبي والإيجابي منه، فهناك من يُقَدّر حال البلد الذي عاش فيه خلال عام كامل من الزمن من منظور التطورات والتحولات الإيجابية التي حدثت في بلد ما والشعور بتخلف وتقوقع بلده مقارنةً بذلك البلد، والعكس أيضاً، أي التحولات والأحداث السلبية والمؤلمة لبلد معين لحد الحمد لله على إن ذلك لم يحدث في بلده.    كما وثمة من ينظر الى الأمر من مدخل قصور الدولة وتهاون مؤسساتها إزاء المواطن خلال ذلك العام، وهناك من يتخذ الموقف بناءاً على الآثار المحلية لأحداث عالمية وأزمات دولية لا حول للبلد فيها ولا قوة كوباء كورونا مثلاً وما الى ذلك ..  على أي حال، الرؤى تخلتف وتتباين ولكن دون أن يعني ذلك إنعدام تشكُّل رأي عام إزاء العام الذي يمر به أي بلد، لاسيما أن الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والخ، تطال جميع أبناء ذلك البلد وتؤثر على أحوالهم وحياتهم بشكل أو بآخر، وإقليم كردستان العراق هنا يمثل نموذجاً لهذه المعادلة التقلدية، إذ عانى المواطن في هذا الإقليم من شتى مشاكل وأزمات لم تستثني أي فرد من تأثيراتها القوية والمربكة إلا الطبقة السياسية، التي يعيش معظمها في معيشة رغيدة ورفاهية على حساب المواطن المسكين وحقوقه وبسوء التصرف مع ثروات وخيرات الإقليم بل نهبها أحياناً وبشكل منظم من خلال شبكات حزبية وفئوية بات يعترف بوجودها حتى كبار المسؤولين في الإقليم أنفسهم، ويدعون الى الحد منها لحد إطلاق مشاريع إصلاحية دون أن يسفر كل ذلك في النهاية عن نتائج ملموسة على أرض الواقع تُغَيّر أحوال المواطن وتُحَسّن ظروفه.   بعبارة أخرى كان عام 2021 عاماً بائساً لمواطني إقليم كردستان، وذلك لأسباب عديدة لا تُعد ولاتحصى. ويمكن لأي مراقب رصد الكثير من الأزمات والظروف الهالكة التي مر بها المواطن، منها معاودة ظاهرة هجرة المواطن بموجات كبيرة قله نظيرها منذ عام 1922-1999 الى بلدان الغربة وتعرض الكثير منهم لأحداث وفواجع مؤلمة كغرق العديد منهم في بحر إيجة اليونانية أو بحر المانش بين فرنسا وبريطانيا، وموت بعض الآخر منهم بفعل الأحوال الجوية المتردية والشتاء القارص على حدود بلاروسيا وبولندا وأماكن أخرى مختلفة على وجه المعمورة.  ان عام 2021 كان عاماً تعيساً في كردستان العراق لأنه أستشهد فيه مجدداً المئاة من قوات البيشمركة والمواطنين على يد مسلحي داعش وهجماته الإرهابية، كما وحدث فيه إضرابات أمنية في السليمانية بسبب الخلافات الداخلية لحزب الإتحاد الوطني الكردستاني ووقوع القتلى في هذه الخلافات، وتجدد المظاهرات والإحتجاجات من قبل شرائح إجتماعية مختلفة وفي مقدمتها طلبة جامعات كردستان للمطالبة بحقوقهم المشروعة وتعرضهم إثر ذلك الى العنف، فضلاً عن إشتباكات قبلية وعشائرية في أكثر من منطقة ومدينة ومصرع العديد من المشتبكين، وكذلك حدوث مناوشات أمنية بين بعض من أبناء المسؤولين المتغطرسين ومفارز من القوى الأمن الداخلي وإحداث قلاقل أمنية في مراكز المدن.   كما وأن وقوع الفيضانات والسيول المتكررة في عام 2021 في محافظة أربيل وأضرارها البشرية والمادية، هزت مشاعر الحزن والأسى بين أبناء الإقليم، لاسيما إن أربيل هي مدينة العاصمة وغالية عند الجميع، إضافةً الى إستمرار القصف التركي والإيراني للقرى الكردية الحدودية وحرق البساتين والمزارع بل موت العديد من القروين وتشرد الآلاف منهم جراء هذه الإعتداءآت المتكررة اللامتناهية.  ومن الناحية الإقتصادية، كان عام 2021 عاماً بائساً لأنه برزت فيه وبقوة ظاهرة التهريب في النقاط الحدودية وفشل الحكومة في الحد منها رغم قرارها بتشكيل قوة لمكافحة هذه الظاهرة، وكذلك تزايد ديون الحكومة وإستمرار سعر الدولار مقابل الدينار العراقي، والذي يدفع المواطن ثمنه وخاصة موظفي الإقليم بفعل قيمة رواتبهم في القدرة الشرائية، هذا فضلاً عن إحتدام أزمة الوقود وإرتفاع أسعارها بشكل كبير وإنعكاساتها السلبية على الحالة المعيشية للمواطن. أما ظاهرة البطالة وإنعدام فرص العمل فهي كالعادة كانت متواصلة من دون أن تكون هناك أية خطط حقيقية إصلاحية غير شعاراتية توضَع من قِبَل الحكومة والبرلمان لمواجتها وإحتوائها، وكذلك بروز مشكلة الفقر والعوز وتجلياتها المؤلمة في تقارير إعلامية تهز القلوب.  و من الناحية الإجتماعية، فكان عام 2021 عاماً مشؤوماً للحياة الإجتماعية، إذ تفاقمت فيه – على حد بعض التقارير الصادرة عن الجهات المعنية في المجتمع – ظاهرة العنف ضد المرأة وظاهرة الطلاق وإنهيار الآلاف من الأسر، ومشكلة العنوسة وأزمة الزواج والأمراض النفسية وظهور سلوكيات إجتماعية إنحرافية لدى بعض الفئات أو الأفراد، وتكرار حالات تعاطي المخدرات والإنتحار، أو التحرش بالجنس اللطيف بل حالات الإغتصاب والمثلية الجنسية وشبكات الدعارة وما الى ذلك.. ورغم تواصل الجهود لمكافحة هذه الظواهر الخطيرة في المجتمع إلا إنها لا تزال قائمة، وقد أشتدت أكثر في العام المنصرم كما لاحظنا ذلك بأنفسنا أيضاً من خلال متابعة الأخبار الخاصة بالأحوال والمستجدات الإجتماعية.  أما الجانب السياسي فحدث ولا حرج، فقد كان عام 2021 عاماً مبتلياً بالكثير من التقلبات والأحداث التي لم تخدم الكرد وإقليم كردستان، منها توتر العلاقات بين المجتمع والدولة أكثر، أي المواطن ومؤسسات الإقليم كالحكومة والبرلمان ورئاسة الإقليم، ذلك لأن كل تلك المؤسسات والسلطات لم تكن قادرة - للأسف- على أن تمثل المجتمع تمثيلاً واقعياً وتأخذ مصالح وحاجات فئات الشعب المختلفة بعين الإعتبار كما يجب، ولم تستطع أن تواجه الأزمات السياسية والإقتصادية والإدارية في إقليم كردستان مواجه حقيقية تطال العناصر الفاسدة والمسؤولة عن تلك الأزمات والمشاكل.   كما أن العلاقة بين الأحزاب السياسية كانت علاقة متشنجة على طول السنة، لاسيما مع أجواء الحملة الإنتخابية الخاصة بإنتخابات العراق والتصعيد المتواصل بينهم دون أدنى مراعاة للحالة النفسية للمواطن، مما أدى ذلك - بجانب عوامل أخرى - الى مقاطعة الإنتخابات بنسبة كبيرة وصلت الى 55% فضلاً عن إنخفاض شعبية الأحزاب الرئيسية وتدني نسبة التصويت لصالحهم مقارنةً بالعمليات الإنتخابية الماضية.     بإختصار شديد، كان عام 2021 عاماً مشؤوماً للغاية وينبغي ان نفعل المستحيل لكي لا تكرر أحداثه و أزماته، أو فواجعه و آلامه، وهذه من صميم مسؤولية كبار الطبقة السياسية والأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان العراق. *كاتب وأكاديمي – كُردستان العراق


درباس إبراهيم  عندما تشاهد بعض المنصات الإعلامية الحزبية الكردية الموالية أو المعارضة لحكومة إقليم كردستان وهي تتناول معضلة المهاجرين الكرد العالقين على حدود بيلاروسيا وبولندا  تشعر بإحباط شديد، فبدلا من أن تبحث هذه المنصات عن أسباب الهجرة وعن حلول موضوعية لهذه المشكلة، بدأت بعضها تتهم المهاجرين بشتى التهم و تسيء لهم وتزيف الحقائق؛ لأن هؤلاء المهاجرين تسببوا بتسليط الضوء العالمي على المشاكل داخل الإقليم، وأصبحت الفضيحة بجلاجل. أما المنصات المحسوبة على المعارضة فقد بدأت تستغل هذه الأزمة الإنسانية وتوظفها في خدمة أجنداتها، أي هي الأخرى بدأت تتاجر بمعاناة المهاجرين. نعم نحن في زمن المتاجرة بحيوات الناس. إن هذه الأحزاب بهذه العقلية الضيقة وبالمهاترات و المناكفات والصراعات والفخفخة الفارغة فيما بينها، لن تستطيع حل أصغر المعضلات. منذ سنوات والناس تعاني من أزمة  إقتصادية خانقة  بسبب سياسات الأحزاب  الخاطئة ، وللأسف لم  نجد أي بوادر أو علامات أن هذه الأزمة ستحل في القريب العاجل لأنّه من الواضح أن لا أحد   يبالي بمعاناة الناس الكبيرة ، فاليوم المواطن يزداد فقرا  ومعاناة وبعض المسؤولين وحاشياتهم  يزدادون غنى وراحة، لذلك لم نتفاجأ  من هجرة المئات إلى أوروبا، لأنّها كانت نتيجة متوقعة وطبيعية لسنوات من الاهمال. وبلا ريب جميع الأحزاب بدون استثناء تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في أقليم كردستان ولو بنسب متفاوتة.  من السهل توجيه الاتهامات  أو الإهانات للمهاجرين، لكن المشكلة لا تحل بهذه الطريقة البالية. إنّنا اليوم في القرن الواحد والعشرين، و في عصر التكنلوجيا، والفضاء المفتوح ولسنا في زمن القناة الواحدة لكي نتلاعب بالحقيقة كيفما نشاء. إن الواقع هو عكس ما تقول هذه القنوات أو المواقع الحزبية، لا أحد يترك أهله ويجازف بحياته وحياة عائلته بطرا. هنالك أسباب كثيرة وحقيقية تتعلق بالفساد المستشري على مختلف الأصعدة والذي انعكس على حياة الناس وأدى إلى هجرتهم .لقد أرهق المواطن بسبب أزمات الكهرباء والماء والرواتب والبطالة والمحروقات والجباية والتزكية. شعب يخرج من أزمة ويدخل بأخرى، لم يعد قادرا على التنفس واستنسشاق الهواء النقي بسهولة.  أولى خطوات الحل هو عدم المكابرة والاعتراف بوجود هذه المشكلة وتحديدها والبحث عن جذورها وعدم  استغلالها لمآرب سياسية . ما عدا ذلك فالوضع بلا شك سيسير نحو الأسوأ. إن البلدان المحترمة، بمختلف مكوناتها وأطيافها وتوجهاتها، تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا ما تعرض مواطنيها للأذى أو للمضايقات في أي بقعة من العالم. لكن حكومتنا وأحزابنا  للأسف تتعامل مع هذه الأزمة الإنسانية بانتهازية و ببرودة شديدة جدا كأنّ شيئا لم يكن!


    باقر جبر الزبيدي     قبل الحديث عن الإنسحاب الأمريكي المقرر نهاية العام الحالي لابد أن نشير إلى أن أي حديث سابق عن خروج القوات الأمريكية من العراق هو مخالف للواقع. وما جرى من إجراءات في حكومة الأخ نوري المالكي الثانية عام 2011 كان يدخل ضمن إطار تغيير تسمية القوات المتواجدة من عسكرية إلى مستشارين أو خبراء وبقاء بضعة آلاف منهم متواجدين في العراق. وستبقى ذريعة طلب الدعم الدولي قائمة كما حصل عندما طلبت حكومة الأخ حيدر العبادي الدعم من أجل مواجهة "د ا ع ش" ولم تنسحب هذه القوات رغم أن حكومة العبادي أعلنت النصر على الإرهاب. إحقاقاً للحق، فقد كان هناك دور لقوات التحالف من خلال الغطاء الجوي والقصف المدفعي الذي ساعد أبطال قواتنا الأمنية على التقدم في ساحة المعركة أما الحديث عن إنسحاب جديد فهو يخالف كل المعطيات على أرض الواقع.  الولايات المتحدة مستمرة بتوسيع وتطوير قواعدها في العراق لاسيما عين الأسد في الأنبار وقاعدة  حرير في شمال الوطن. هذه القواعد لا تضطلع اليوم بدور عسكري وإستخباري فقط إنما أصبحت مركز لتهريب النفط السوري والعراقي لتمويل قواتها ومن يتعاون معها كما تقوم بدور غاية في الأهمية وهو تدريب مليشيات وعناصر إرهابية أغلبهم من بقايا التنظيمات التي هُزمت في العراق وسوريا. ماجرى ويجري الآن من أحداث هو محاولة جديدة لتثبيت بقاء هذه القوات ولكن هذه المرة بصيغة تختلف خصوصاً أن بعض الأطراف السياسية التي أيقنت بأن دورها إنتهى،  تشعر بأن بقاء القوات الأجنبية هو ضمانها الوحيد للإستمرار والبقاء. الصيغة الجديدة ستكون إجماع دولي يتدخل في العراق بحجة حماية العملية السياسية والديمقراطية. العراق يحتاج الدول الكبرى والولايات المتحدة كشريك سياسي وإقتصادي مهم شريطة أن لانكون ساحة لتصفية الحسابات أو مشاريع إقليمية ودولية تطمح إلى تقسيم البلدان وإعادة تشكيلها.  وزير الداخلية الأسبق ٨ تشرين الثاني ٢٠٢١


د. أبوبكر صديق عمر ان الدستور العراقي أقر على تنظيم العلاقة بين إقليم كوردستان العراق والدولة العراقية ( على مستوى الحكومة الاتحادية )على ثلاثة اسس رئيسية ، يتمثل الاولى ، الاساس الارضي ، الذي خُطِط لكيفية معالجة القضايا المتنازعة على الحدود والاقليم الارضي لشعب اقليم كوردستان ، حيث تنضوي المادة 140في دستور 2005 ، الحلول الدستورية لهذا التنازع .اما الاساس الثاني ، هو الذي يحدد ويخطط لكيفية تنظيم العلاقة والمشاركة السياسية لمكون الكوردي في السلطات الاتحادية وسبل المشاركة في صنع القرارات السياسية واصدار القوانين . اما الاساس الثالث ، يمثل الاساس المالي الذي يحدد سبل حصول سلطات اقليم كوردستان على الواردات المالية الاتحادية . هذه المستويات ، التي قوننتها المواد المنضوية في الدستور العراقي ، تحكم سبل معالجة القضايا العالقة بين اقليم كوردستان والدولة العراقية على مستوى الحكومة الاتحادية .ولكن هناك ثغرات كثيرة وجوهرية في هذا التتقنين ، تغاضى عن ادراجها  المشرع الدستوري في احكام الدستور . ومن اخطر هذه الثغرات ، هي عدم اقرار المشرع في احكام وقواعد دستور 2005 على حق النقض( الفيتو)لموجهة القوانين او القرارات المزمع تمريريها الاكثرية النيابية او الوزارية داخل سلطتي التشريعية والتنفيذية .حيث يعتبر هذا الحق ( حق النقض) أحد اركان الديمقراطية التوافقية . وخصوصا عند الحديث عن المادة 65 من دستور 2005 ، التي تقضي بانشاء مجلس اتحادي ،يتمثل فيه ممثلي الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ، حيث تغاضى المشرع الدستوري عن الاقرار على منح حق النقض لممثلي الاقاليم او المحافظات ، للتصدي للقرارات او القوانين التي تمس كيان او اقليم او محافظة ما في المجتمع العراقي وتنوي الاكثرية النيابية ، اصدارها . ان كل من يود ان يشغل وظيفة سياسية داخل السلطات الدستورية في الحكومة الاتحادية ، يتوجب ان يمتلك ثقافة دستورية وقانونية وسياسية كي يتمكن ان يخاطب المكون العربي ، الذي هو صاحب الحصة الكبيرة في صنع  القوانين و اصدار القرارات الادارية و المالية والسياسية من جهة ، ومن جهة ثانية ،ان المجلس النواب العراقي هو الذي يمتلك القدرة على محاسبة الحكومة من خلال ما يمتلكها من سلطة رقابية وحقه في الاقرار على قانون الموازنة . وهذا يفرض على الممثل المكون الكوردي في المؤسسة التشريعية ان يكون لديه الالمام الكامل بالحقوق المقِرة لشعبه في الدستور وان يمتلك القدرة اللغوية والقانونية لتعبئة الكتل العربية - سونية كانت ام شيعية -وخصوصا عند اصدار القوانين التي تمس سلطتي وصلاحيات المؤسسات الدستورية في الاقليم وذلك للحيلولة دون المساس بالحقوق المقرة والمكتسبة في الدستور العراقي . ان على من ينال ثقة الشعب في اقليم كوردستان ، كي يكون عضوا في مجلس النواب العراقي ، يتعين ان يعمل على الاتجاهات التالية :- الاتجاه الاول :-العمل على الولوج في المحافل والاوساط التي يتم فيها حضور المكون العربي – الشيعي او السني- والمراجع التي تحكم على مصدر القرار العربي – الشيعي او السني –وذلك للحيلولة دون اصدار القوانين او القرارات التي من الممكن ان تمس الحقوق القومية لشعب كوردستان . اي انه من الضروري العمل على انشاء لوبي داخل السلطات الاتحادية والمراجع الدينية او المذهبية والكتل السياسية الشيعية والسنية المختلفة ، بهدف شرعنة حقوق ومطالبنا ومصالحنا القومية في اذهان هذه الجهات على ان تكون هذه الشرعنة مبنية وناتجة عن تعميق الصداقة بين الكورد والعرب على كل المستويات . والتي من شأن هذه الصداقة ان تقضي على اوكار وافكار الشوفينية الموجودة في الشاررع العربي ضد تطلعات الكوردية المصادق عليها من خلال الدستور. الاتجاه الثاني:- العمل على تحقيق الوحدة بين الكتل الكوردستانية ، وعدم فسح المجال، لإنتقال الخلافات السياسية الكوردية من إقليم الى المؤسسات الدستورية الاتحادية .اي انه علينا ان نضع خلافاتنا ، ككورد ،في قشتبة وقرهنجير وان نوحد صفوفنا في بغداد ، لتحقيق  حقوقنا السياسية والارضية والمالية .ويستدعي ذلك ان نؤسس شعبة او مؤسسة او غرفة قومية ستراتيجية ، لخلق وانشاء السياسات الكوردية وبناء خطاب قانوني – سياسي تجاه السياسات التي تباشرها الحكومة والسلطات الدستورية ، تجاه اقليم كوردستان . الاتجاه الثالث :- ان كل من ينال ثقة الشعب ليكون عضوا في البرلمان العراقي يتوجب عليه ان يتعمق في احكام الدستور كي يكون لديه  فهما دستوريا عميقا بالحقوق السياسية والارضية والمالية المثبتة في الدستور العراقي . وعند الحديث عن القضايا العالقة تقسم هذه القضايا الى ثلاثة مجالات رئيسية يقتضي ان يسلك كل ممثل كوردي في البرلمان العراقي المسالك التالية  وهي :- اولا: المجال المالي :- يقع على كاهل العضو البرلماني للمكون الكوردي في مجلس النواب العراقي ، ان يبذل قصارى جهده القانونية والسياسية بهدف تفعيل المادة 106 من الدستور العراقي التي تقضي بإنشاء هيئة مستقلة تمثل فيها ممثلي الاقاليم و الوزارات والمحافظات غير المنتظمة في الاقليم . وتختص هذه الهيئة بمراقبة مصادر  تحصيل الواردات الدولة الاتحادية وسبل توزيعها على الشعب العراقي بصورة عادلة .ان تطبيق هذه المادة والتركيز على مباشرة اختصاصاتها الرقابية المالية ، تكون وسيلة رادعة للحد من تقاعس وتنصل سلطتي التشريعية والتنفيذية بما يتمتع بها شعب اقليم كوردستان من حقوق وحصص من الموارد المالية الاتحادية .  ثانيا : في مجال المشاركة السياسية  يقع على عاتق الممثل الكوردي في البرلمان العراقي مهمة العمل على اصدار قانونٍ وفقاَ لمقتضيات المادة 105 من دستور 2005 والتي تقضي بإنشاء هيئة مستقلة تمثل فيها الاقاليم والوزارات والمحافظات غير المنتظمة في الاقليم . وذلك بهدف مراقبة عملية المشاركة السياسية وفقا لمقتضيات الاحكام المنضوية في دستور 2005 والمتعلقة بالمشاركة السياسية في المؤسسات الدستورية والهيئات الادارية والوزارارات .. الخ ،  لمختلف المكونات في المجتمع العراقي . ثالثا :-في المجال الارضي  العمل على تفعيل المادة 140 في الدستور العراقي . ومن ابرز الوسائل الناجعة والرادعة للاحتفاظ بفحوى هذه المادة من حيث النفاذ والتنفيذ ، هي اللجوء الى الجهات القضائية المختصة كالمحكمة الاتحادية العليا ومجلس الدولة ، كل حسب اختصاصاتها. وترجع اسباب اللجوء الى المحاكم والسلطات القضائية لاستدامة نفاذ هذه المادة وتفعيل تنفيذها ، الى تقاعس وتنصل السلطات الاتحادية – التشريعية والتنفيذية – عن تطبيق هذه المادة من جهة ومن جهة اخرى قد تلجأ هذه السلطات الى اصدار القوانين او القرارات من الممكن ان تمس الحقوق والمكاسب السياسية المثبتة في النصوص الدستورية وخصوصا بما حواها المادة 140 . ففي هذه الحالات لابد اللجوء الى السلطة القضائية الاتحادية للحد من اعتداءات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية على الحقوق السياسية الاساسية وخصوصا الحقوق الارضية لشعب اقليم كوردستان .


باقر جبر الزبيدي رغم أن الدور الإقليمي والدولي كان حاضراً في عدة دورات إنتخابية سابقة ألا أن ماشهدته الإنتخابات الأخيرة من تدخل إقليمي ودولي كان أكبر من كافة الدورات الماضية وبعدة طرق ووسائل. المعلومات التي تتحدث عن وجود (سيرفرات) لمفوضية الإنتخابات في الإمارات وإعلان بعض الدول بشكل صريح رغبتها بفوز جهة على حساب جهة أخرى كشف بما لايقبل الشك عن التدخل الكبير في شؤون العراق الإنتخابية بشكل صارخ. ولعل مايثير الإنتباه أكثر أن التدخل الإماراتي في الإنتخابات يأتي بعد فترة قليلة من التطبيع مع اسرائيل !! والتصريحات التي تخص الإنتخابات الأخيرة. أما التدخل البريطاني فقد تجاوز التدخل منذ احتلاله للعراق عام 1914 ولدينا معلومات إن رؤساء ووزراء في كل العهود السابقة كانت بريطانيا لها اليد الطولى في توجيههم. خلال الايام الماضية كان على بريطانيا بدل من لعب هذا الدور أن ترحل وتسلم أحد مجرمي الحرب الذي إنتقل إليها من الأردن والتي اقام فيها طويلاً إلا أنها منحته حق اللجوء رغم إنه ملطخ بدماء شهداء الأهوار وحلبجة. فرنسا بعد أن نجحت وبغطاء بريطاني - أمريكي أن تحصل على عقد توتال خارج سياقات الأنظمة والقوانين الحكومية للعقود حصلت على حصتها من الكعكعة العراقية وتريد المحافظة عليها عن طريق الحكومة القادمة. أما الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا تسعيان إلى بقاء قواتهما المحتلة إلى أمد طويل فيما إيران التي تدخلت في إنتخابات 2018 إنحسر دورها في الإنتخابات الأخيرة. هذه التدخلات الإقليمية والدولية هي إستهانة واضحة بخيار الشعب وخرق يمس سيادة العراق كدولة وللأسف فأن بعض الجهات المتماهية مع هذه التدخلات لازالت تمارس الاعيب وحيل في سبيل خدمة المشاريع الخارجية ضاربة بعرض الحائط مفاهيم الوطنية والولاء للوطن. وبحسب المعلومات التي وصلتنا فإن بعض الأطراف المشاركة في الإنتخابات طلبت تدخل إقليمي من دول لديها مشاريع هدامة في العراق ودول تحتل أجزاء من الوطن وهذه قمة العمالة. إن الوعود التي حصل عليها هؤلاء الحالمون بالتقسيم والأقاليم هي (هواء في شبك) وكما فشل رهانهم على الإرهاب والبعث سوف تفشل خطواتهم في تقسيم العراق بسواعد أبطالنا في القوات الأمنية "وا ل ح ش د ا ل ش ع ب ي". * الأمين العام لحركة إنجاز ١٨ تشرين الأول ٢٠٢١


غسان شربل *   كان الحديث عن السودان والثمن الذي يدفعه بسبب تحول رئيسه عمر البشير مطلوباً لدى المحكمة الدولية. غلبتني البراءة فقلت يكفي أن يستقيل البشير حتى لو لم يسلم نفسه فمصلحة الشعب السوداني يجب أن تتقدم. ابتسم الرئيس جلال طالباني، وأجاب: «إقامتك في لندن أنستك أننا في الشرق الأوسط. هنا يغادر الشعب لا الحاكم». ما أصعبَ أن تكون صحافياً في الشرق الأوسط. وما أفظع أن تكون من لبنان. تستغرب وجود حكومات تعمل من دون احتقار الدستور. وتستهجن وجود مسؤول لا يستبيح المال العام. تحسد الدول التي تنجب قامات تصلح جسوراً إلى الاستقرار أو مظلات له. لقد استحكمت الرداءة وشاع الإسفاف وسقط القرار في أيدي الخبراء في تفكيك الدول وإتلاف المدن. صرنا لا نصدق أن رئيساً يختار التقاعد بإرادته من دون أن يطرده الشعب من مقره أو يلف الحبل حول عنقه. والحقيقة هي أنه لولا ذلك النهار لما كان لهذه القصة أن تكتب. اليوم الذي شهد سقوط الجدار وغير مصير ألمانيا وأوروبا وتلك الفتاة التي تفوقت في ألمانيا الشرقية في مادتي الرياضيات واللغة الروسية. لولا ذلك اليوم لكانت متقاعدة بعد عمل طويل في الأبحاث بعد نيلها الدكتوراه في علوم الفيزياء. وكان من الصعب توقع مستقبل سياسي لها في بلاد إريش هونيكر. صمتها لم يكن من النوع الجذاب للحزب الشيوعي الحاكم والأوصياء الروس عليه. وربما كانت دفعت ثمن كونها ابنة قس على رغم أن والدها رتب علاقاته مع الأجهزة ما سمح له بتنظيم رحلات عدة إلى الشق الغربي من برلين. فتح يوم سقوط الجدار الفرص لكثيرين. ففي ذلك اليوم هُزم معسكر وهُزم نموذج. ألقت ألمانيا الشرقية نفسها في حضن الوطن الأم فخطف المستشار هلموت كول ألمانيا الموحدة على رغم مخاوف فرنسوا ميتران ومارغريت ثاتشر. كول نفسه سيدخل من كان يسميها «ابنتي» إلى المقاعد الحكومية. ولعله لم يتخيل أن تتخلى عنه يوم تلطخت سمعته بفضيحة «الصندوق الأسود» للمساعدات التي تلقاها الحزب. باستطاعة أنجيلا ميركل أن تغادر مبنى المستشارية من دون الوقوع في طقس المرارة والخسارة. ونادراً ما تيسر هذا الأسلوب في المغادرة إلا لمن كانوا أكبر من مناصبهم وأرحب من مكاتبهم. إنها شجاعة استثنائية أن يختار أحد ترك اللقب اللامع والأوسمة وفلاشات المصورين والذهاب إلى التقاعد. اختارت ميركل موعد مغادرتها. لا الدستور أمرها بذلك ولا تنكر الناخبون لها. كان الدستور يسمح لها بالاستمرار وكانت شعبيتها قادرة على تجديد التفويض. لم تقل إنها تعبت. ولم تزعم أنها مصابة بالخيبة. قبل ثلاثة أعوام قالت إنها لن تبحث عن ولاية خامسة. والتزمت ذلك التصريح من دون إعطاء أبعاد درامية للقرار. تصرفت برصانة من يخامره شعور بأنه أدى واجبه في ضوء المعطيات التي كانت قائمة. لم تزعج الشعب بجردة حساب. ولم تخاطب التاريخ كأنه نادل في مكتبها. لم تشعر بالقلق لا من المعارضة ولا من وسائل التواصل الاجتماعي. ليس لديها ما تخفيه وليس لديها ما تخافه. لا يجرؤ سياسي على اتهامها بأنها سرقت المال العام أو أهدرته. أو أنها زرعت في الإدارة أقرباء ومحازبين. أو أنها شجعت صفقات مع الخارج وسهلت تدفق العمولات إلى حسابات عناصر الدائرة الحميمة. لا يجرؤ أحد على اتهام ميركل بالفساد. ربما يأخذون عليها الإفراط في التمهل في اتخاذ بعض الخطوات. أو الذهاب بعيداً في استقبال اللاجئين. أو الإسراف في احتمال أمزجة المتعاقبين على المكتب البيضاوي. أو حرصها على دفع ثمن إنقاذ اقتصادات أخرى حفاظاً على الحلم الأوروبي الذي يتعرض للهجاء على يد شعبويين وخائفين على المساعدات والهويات. يمكن العثور على أسباب للانتقاد لكنّ أحداً لا يمكن أن ينكر أن ألمانيا شعرت على مدى ستة عشر عاماً باستقرار لم تذق مثله من قبل. في مقر المستشارية كانت ميركل مخلصة لبلادها ونفسها معاً. السيدة الوافدة بتسريحة تتكرر وجاكيتات متشابهة الخطوط مختلفة الألوان لا ترش التعابير السحرية والمخملية لخداع الناس أو رشوتهم. تقرأ التقارير. وتحترم الأرقام. وتحترم التزامات حكومتها في الداخل والخارج معاً. شعور عميق بالمسؤولية ونزاهة لم يستنزفها الوقت. لم تقترب أبداً من ممارسات برلسكوني ولم تُتهم بما اتُهم به ساركوزي. المرأة الأقوى في ألمانيا. وفي أوروبا. وفي العالم. شاشات وأغلفة مجلات. كل هذا اللمعان لا يمنع المستشارة من الذهاب إلى السوبر ماركت. وطهي عشاء متواضع. وتحريك المكنسة الكهربائية لتنظيف الشقة المتواضعة. كل الحملات المنافسة لم ترغمها على تغيير أسلوبها في الداخل والخارج. يكفي أنها تعاملت مع الرؤساء الأميركيين مغلبة روح التعاون على اختلاف الحسابات والسياسات وتصاعد الأنانيات. ويكفي أنها فاوضت رجلاً صعباً اسمه فلاديمير بوتين وزعيماً صينياً صعباً اسمه شي جينبينغ. هذا من دون أن ننسى مشاركتها في الرقصة الأوروبية مع فرنسا خصوصاً بعدما استقالت بريطانيا من رحلة الاتحاد. ما أقسى الدرس الألماني. لكن من قال إننا نتعلم؟ لو استقال البشير باكراً لما كان حال السودان ما هو عليه. يمكن قول الشيء نفسه عن القذافي وصدام وكثيرين. لكننا في الشرق الأوسط. راجع جلال طالباني تاريخ المنطقة وحاضرها واكتشف أننا في منطقة يغادر فيها الشعب لا الرئيس.   * رئيس تحرير «الشرق الأوسط»


حقوق النشر محفوظة للموقع (DRAWMEDIA)
Developed by Smarthand