عدالت عبدالله رغم إننا مع مبدأ تشجيع أي خطوات أو مبادرات عراقية بإتجاه إحتواء التحديات التي تواجهه من كل مكان وفي كل أزمان، إلا إننا نعتبر أنه من واجبنا أيضاً أن نُذَكّر المسؤولين في البلد بأن ثمة تحديات حقيقية ذات طابع بنيوي لايمكن مواجهتها بهذه بسهولة كما نتخيل، أو من خلال تنظيم بعض المناسبات المعنوية كالمؤتمرات والقِمَم، أو الحصول على تعهدات ووعود سياسية لا أحد يعلم كيف ستُتَرجم على أرض الواقع!، لاسيما مع التجارب المريرة التي مر بها العراق منذ سقوط النظام البائد الى يومنا هذا. من التحديات التي نعتبرها بنيوية وغير قابلة للتغيير على المدى القريب، هو التحدي الجيوسياسي Geopolitical challenge، ونعني بها إكراهات قدرية الموقع الجغرافي السياسي للعراق، الذي تحيط به دول إقليمية متعددة أظهرت لنا التجارب الماضية والحية بأن بعض منها- إن لم نقل معظمها!- لا تريد الإستقرار للعراق بصيغته العراقية الخالصة للأسف أو كما يتطلعون اليه أبناء هذا البلد، وأنما تتدخل هذه الدول دوماً في شؤون العراق الداخلية بشتى الأشكال، وتستغل التمايزات المجتمعية والهويات الثقافية للبلد لتحقيق أجنداتها السياسية والإقتصادية الخاصة بها، وكل مرة بمسوغات ضمنية أو مُفارقات مواقفية، هي إما إدعاء الدفاع عن هوية طائفية أو عرقية ما، أو الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً!. ومع السوسيولوجي الفرنسي الإيراني "فرهاد خسرو خافار" يمكننا أن نستدل على ذلك بمثال، يفيد:" أن صحراء كربلاء والمدن المقدسة، كالكوفة والنجف والشام كانت ولاتزال تمثل جزءاً مكملاً للمتخيل الإيراني. كما وأن كثرة الحديث المخادع للأتراك عن المكون التركماني وحقوقه، أو مشاركتها في تحرير الموصل من الداعش، لاتأتي، هي الأخرى، إلا من منطق ادعاءات تاريخية خاصة بالموصل وكركوك، أي المدينتين اللتين لم تغيبا، على حد قول الباحث التركي، بولند آراس، عن المخيلة الوطنية التركية. ومعلوم لنا أن هذا التحدي الجيوسياسي الذي يشكل تهديداً دائماً لإستقرار العراق وهويته كدولة مسؤولة عن إدارة تعددياتها الثقافية والمجتمعية، لم يطرأ عليه أي تغيير بتَغَيُّر حكومات وأنظمة الدول التي تحيط بالعراق، وأنما ظل ولا يزال تحدياً قائماً وسارياً بحيث أقل ما يستوجب على العراقيين فعله، هو توخي الحيطة والحذر منه في كل الأوقات والأزمان، ذلك لأن الحاجات والمصالح السياسية والإقتصادية، أو الهواجس الأمنية والثقافية ليست هي وحدها التي تحدد مسار سياسات ومواقف تلك الدول المحيطة بالعراق، وإنما ثمة أسباب بنيوية حقيقية تحرك ذلك المسار وتوجهه، وذلك كله من خلال إستثمار الواقع الجيوسياسي للدولة العراقية ولضرب هذه الأخيرة ضمنياً وعلانيةً!.


 راجح الخوري  في الثامن من مارس (آذار) 2015 قال علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني: «أصبحنا إمبراطورية كما كنا عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حالياً مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا كما في الماضي، وإن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة؛ إما نتقاتل معاً وإما نتحد»! كان ذلك يوم راحت إيران تزعم أنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، في إشارة واهمة إلى الإمبراطورية الفارسية الساسانية، التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها، لكن لم يكن في حساب النظام الإيراني أنه سيأتي وقت تعمّ بغداد مظاهرات عارمة تدعو إلى خروج الإيرانيين «إيران برّا برّا»، وأن العراق سيعمل جدياً وبقوة على استعادة سيادته وحريته، وأن زمن نوري المالكي، رجل طهران في بغداد، سيتهاوى كما تهاوى «داعش» الذي انبثق من سياسته الفئوية، التي سلمت الموصل من دون أي مقاومة من الجيش الوهمي الذي كان يزعم أنه يحرسها. منذ ذلك الوقت بدأ العراق يستعيد هويته وحريته رغم كل الضغوط وممارسات الهيمنة الإيرانية، التي تمثلت في محاولات تقوية الميليشيات المسلحة الإيرانية وجمعها تحت اسم «الحشد الشعبي»، الذي صحيح أنه قاتل ضد تنظيم «داعش»، لكنه كان وما زال يخطط لتكون له اليد الأمنية الطولى في البلاد، على ما يجري في لبنان حيث تبدو السيطرة لـ«حزب الله» الذي يقول أمينه العام حسن نصر الله إنه مقاتل في ولاية الفقيه! في 18 يونيو (حزيران) الماضي، قال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، إنه سيذهب إلى الولايات المتحدة لتنظيم مستوى العلاقات العراقية - الأميركية، خصوصاً الوجود الأميركي في العراق وعملية انسحاب القوات القتالية، مؤكداً أن أميركا دولة مهمة وقوة عظمى ساعدت العراق في هزيمة «داعش»، وأن زيارته لن تقتصر على الجانب العسكري فقط بل ستتناول الجوانب الاقتصادية والثقافية والتعليم، وكل ما يصبّ في مصلحة الشعب العراقي ومستقبل العلاقات بين البلدين. وأضاف: «نتحدث مع الجانب الإيراني لأننا في حاجة إلى الاستقرار، ولأننا لا نرغب في أن يكون العراق ساحة للصراع الأميركي - الإيراني، ونعمل على آليات للتوافق بين الدولتين». اقترنت زيارة الكاظمي لواشنطن وقمته مع الرئيس جو بايدن بتزخيم دعوات العراق لأن يكون ساحة لنسج تفاهمات إقليمية ولخلق جو من التعاون بين دول الجوار. وفي هذا السياق، ركّز الكاظمي على أهمية أن يعمل العراق على استضافة حوار إيراني - سعودي تحديداً، وانتهت القمة مع بايدن بالتأكيد الأميركي على الشراكة الاستراتيجية مع العراق، وعلى تعزيز الديمقراطية وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة برعاية الأمم المتحدة. يوم السبت الماضي عُقدت في بغداد نتيجة جهود الكاظمي والقيادة العراقية، «قمة دول الجوار» أو «مؤتمر التعاون والشراكة» بمشاركة تسع دول هي: السعودية والإمارات والكويت وقطر ومصر والأردن وتركيا وإيران وفرنسا، إضافةً إلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي. كان هدف هذه القمة أو المؤتمر ترميم علاقات العراق بمحيطه العربي والإقليمي، إضافةً إلى تخفيف التوترات الدبلوماسية في المنطقة، وتكتسب القمة أهمية وحساسية في هذا الوقت، قياساً بما تمر به دول المنطقة من أوضاع متوترة، وهذا ما يعطي العراق دوراً فاعلاً كساحة حيوية دبلوماسياً على صعيد تنشيط العمل لتحسين العلاقات وطي صفحة الخلافات، وإيجاد مساحة مشتركة للتفاهم بين المحورين العربي والإقليمي وتقليص فجوة الخلافات بينهما، وأجمع المراقبون على أهمية نجاح العراق في تنظيم هذه القمة، من منطلق أنه قلّما تشهد الساحة السياسية العربية والإقليمية مثل تلك القمم. ويرى المراقبون أن القمة جاءت ضمن تنشيط السياسة الخارجية العراقية، وتشكّل إسهاماً واضحاً في إبعاد العراق عن صراع الأقطاب، الذي ينعكس سلباً على البيئة العراقية، وكما قال الكاظمي في كلمته الافتتاحية، إن القمة تشكّل وفاءً لما عاهدت به حكومته بإعادة العراق إلى دوره الريادي في المنطقة، وأنه يأمل أن يشكل المؤتمر منطلقاً وقاعدة لإعادة إعمار ما دمّرته الحروب، مشدداً على رفض بلاده استخدام أراضيها ساحة للصراعات. وبدا واضحاً أن العراق يعوّل على المؤتمر لتعزيز الشراكات والمشاريع مع الدول المشاركة، وأنه يعوّل على أن يكون المؤتمر خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة، إضافة إلى استعادة دور بغداد الإقليمي والدولي وتحقيق أجواء إيجابية بين جميع الدول التي شاركت في المؤتمر. إيران التي لطالما رأت وتصرفت على قاعدة أن العراق يشكّل حديقتها الخلفية، وأنه يمثل القاعدة الشرقية لجسر تدخلاتها ونفوذها الممتد عبر سوريا إلى لبنان وغزة، لم تكن مرتاحة قطعاً لأن يلعب العراق هذا الدور الإقليمي خارج أسوارها، خصوصاً أن تركيز مصطفى الكاظمي على أن دور الدولة يجب أن يسيطر على ما يسميه دور اللادولة، في إشارة واضحة إلى «الحشد الشعبي» الذي تديره إيران كجيش رديف ينافس الجيش العراقي، تماماً كما يحصل في لبنان حيث يشكّل «حزب الله» دويلة تسيطر تقريباً على دور الدولة العاجزة عن تشكيل حكومة، والذي أعطى نفسه مثلاً حق استيراد المحروقات من إيران من دون أن يسأل الدولة رأيها أو يتوقف عند العقوبات التي ستلحق بلبنان إذا استورد نفطاً من إيران! وفي هذا السياق كان من الواضح جداً أن دعوة الكاظمي إلى عقد هذا المؤتمر المهم، جعلت النظام الإيراني يكظم غيظه العميق، وقيل إن طهران أشارت أولاً إلى أنها ستقاطع المؤتمر لأن الرئيس إبراهيم رئيسي ليس مستعداً بعد للقيام بزيارات خارجية، وهو ما دفع الكاظمي إلى إرسال وزير خارجيته فؤاد حسين، إلى طهران لإقناعه بعدم التغيّب، فكان أن أوفدت طهران وزير خارجيتها أمير حسين عبد اللهيان، الذي أثار منذ اللحظة الأولى استياء واستغراب الوفود، التي تعرف ضمناً أن نجاح العراق في تنظيم مؤتمر إقليمي مهم من هذا النوع، يشكل دليلاً على أنه خرج ويخرج عن الوصاية التي تحاول إيران فرضها عليه ولو بالقوة أحياناً. وهكذا برزت عنجهية عبد اللهيان وغطرسته وفظاظته حتى، منذ اللحظة الأولى، ففي خطوة مفاجئة وخلال وقوف الرؤساء والمسؤولين المشاركين في المؤتمر لالتقاط الصورة التذكارية، تحرك عبد اللهيان تاركاً المكان المخصص له بروتوكولياً في الصف الثاني مع وزراء الخارجية، وتقدم بلامبالاة ليقف في الصف الأول المخصص للرؤساء والزعماء والأمراء والشيوخ، رغم أن المشرفين على البروتوكول لفتوا نظره إلى ذلك بتمرير ورقة إليه، لكنه كان واضحاً أنه يتعمّد الإيحاء بأن لإيران دورها الحاسم في العراق، وحتى في كلمته قفز فوق الروح التصالحية التي سادت جو المؤتمر ليتحدث متدخلاً في الشؤون الداخلية العراقية، من خلال مطالبته بخروج القوات الأميركية من العراق، وانتقاده القيادة العراقية لعدم دعوتها النظام السوري للمشاركة في أعمال المؤتمر. وأكثر من هذا زعم في كلمته أن حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران هو 300 مليار دولار، ما أثار استهجان الحاضرين وسخريتهم، ليصحح كلامه بالقول إن التبادل بلغ 13 مليار دولار، وزيادة في التدليل على انزعاج وضيق طهران من المؤتمر انتقل عبد اللهيان فور انتهاء أعمال المؤتمر ليقوم بزيارة إلى دمشق! تستطيع طهران أن تكظم غيظها وغضبها من نجاح مصطفى الكاظمي والدولة العراقية في تنظيم هذا المؤتمر المهم، الذي يسهم عملياً في زيادة سحب السجادة العراقية من تحت أقدام النظام الإيراني، الذي مضى بعيداً في التعامل مع العراق كأنه مجرد إقليم ملحق به، أو مجرد جسر شرقي لنفوذه الميليشياوي في دول المنطقة وصولاً إلى بيروت وغزة، ولكنه العراق في النهاية!


عبد الرحمن الراشد   يُعتقد أن النظام الأفغاني، كما نعرفه اليوم، قد ينتهي قبل نهاية العام بحكومته وبرلمانه وسياسته، وربما قبل ذلك. فقد خرجت معظم الجيوش الأميركية ودول التحالف لتختتم عشرين عاماً من الوجود العسكري الذي وصل إلى نحو 150 ألف جندي من جنسيات متعددة، ثم انحسر مع فشل توحيد البلاد تحت سلطة مركزية. الخروج الأميركي لن يمنح الأفغان السلام بل سيخلق فراغاً ربما يتسبب في حروب على جبهات مختلفة، وقد تكون إيران واحدة منها. فهل الوضع الجديد خطر على إيران؟ وهل طالبان عدو طبيعي لنظام طهران؟ حدود إيران مع أفغانستان نحو ألف كيلومتر، هذه المسافة الطويلة جداً كافية لإخافة النظام الإيراني من الوضع في أفغانستان سواء إن كان مستقراً تحت سلطة حركة طالبان أو في حال اندلعت حرب أهلية هناك. ليس من المؤكد كيف ستسير الأمور، لكن من الخطأ تبسيط تحليل العلاقات في ذلك الإقليم من العالم. قد تكون طالبان عدواً شرساً لإيران، وتفتح جبهة حرب دامية، فتذيق النظام الإيراني ما فعله ويفعله بدول مثل العراق واليمن، ويصبح لأول مرة في موقف الدفاع. وقد تكون طالبان الحليف الذي يتمناه الإيرانيون، وسعوا لدعمه لسنين ضد الأميركيين في أفغانستان. الفروقات المذهبية، طالبان السنية ضد نظام الولي الفقيه الشيعي، ليست كافية للاستنتاج بحدوث صراع بين نظامي الجارتين المتطرفتين. لطالما اعتمدت طالبان على دعم إيران في السنوات التي أعقبت إخراجها من الحكم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 ضد الولايات المتحدة والتي خططت في أفغانستان. قدمت إيران الدعم العسكري للحركة، وفتحت حدودها للفارين من قيادات «القاعدة»، ويعتقد أن أيمن الظواهري، الرجل الثاني في التنظيم قد لجأ وعاش السنوات الماضية، ويقال مات ودفن هناك. أيضاً، رعت إيران أفراد عائلة أسامة بن لادن. وهي لا تزال الممول الرئيسي لـ«حماس» و«الجهاد الاسلامي» في فلسطين وحليفا لجماعة «الإخوان». وأبرز انتصاراتها في العراق جاءت من استخدامها المعارضة السنية المسلحة والتنظيمات المتطرفة في العراق ضد القوات الأميركية. إيران وطالبان كانتا حليفتين لسنوات وقد يستمر هذا التعاون، حيث تعددت زيارات وفود طالبان إلى طهران بشكل مكثف منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي وسبق أن امتدح المرشد الأعلى علانية طالبان. لا أريد الاستعجال في الحكم على طالبان وسياستها بشكل عام، وموقفها من طهران تحديداً، إنما الماضي لا يشهد للحركة بالحكمة. وعلاقتها مع النظام الإيراني لن تبقى محايدة نظراً لطبيعة الجماعتين الآيديولوجية الدينية المسلحة، التي ستنتهي إما بالتعاون أو الاقتتال. وللأسف الشديد ليست هناك توقعات باستتباب الأمن وانتهاء النزاع، سواء بقيت الحكومة الأفغانية أو استولت طالبان على العاصمة كابل والحكم. فالتنافس محموم بين القوى الكبرى. أفغانستان يبدو أنها الأماكن القليلة في العالم التي يتنافس فيها الصينيون والروس والأميركيون، وهناك القوى الإقليمية باكستان والهند وإيران التي لها نفوذها المحلي وعازمة على الاحتفاظ به.


عبد الرحمن الراشد   منذ سنوات والروايات عن سيف الإسلام القذافي تتردد عن اعتقاله، ووفاته، وهروبه، واكتشافه حياً في معتقل للثوار، وأخرى عن أنه مختفٍ في جنوب فرنسا. حديثه الصحافي أمس، أعاده للواجهة، قدم رؤيته للعالم، ولأول مرة، منذ اعتقاله إبان الثورة الليبية. موجود في ليبيا، حر طليق، أو كما قال، صار سجانوه هم حراسه وأصدقاءه، بعد أن «تحرروا من وهم الثورة». في ليبيا الممزقة ربما لو عاد القذافي الأب من قبره يحكم، بعد عشر سنوات دامية حكمت فيها الميليشيات والمرتزقة البلاد. وقد لا يوافق على هذا الرأي، بالقبول بالقذافي، قطاع كبير من الشعب الليبي، لكن حتى هؤلاء لا يملكون بديلاً للوضع السيئ الذي لا نرى له نهاية. هل يعود سيف للعمل السياسي، ويستعيد حكم أبيه؟ يستطيع، لكن أمام حلمه هذا، طريق إضافي معبد بالدم والآلام نتيجة لتراكمات من النزاعات الليبية المحلية، مناطقية وقبلية وشخصية. وهناك التحديات الخارجية من دول لها نفوذ أو تأثير جزئي، عربية وأخرى مثل تركيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة. هل هي عودة نابليون من المنفى مستفيداً من الغضب والفوضى، أم مجرد حلم المنفيين في كهوفهم الذين زادوها فوضى؟ المأساة الليبية، مثل المأساة السورية، وصلت إلى نهايتها لكن بدون فارس منتصر حقيقي. من الصعب إصلاح الحكم المكسور كما كان الذي يتطلب الكثير من الحكمة والتصالح والتنازل. سيف الإسلام يقول إنه سيعود بالكتاب الأخضر، وهذا ليس بالوعد الانتخابي الجذاب. سيف ليس معمر وإن كان ابنه. كنا نعلم أن الابن حاول تغيير الجماهيرية، بالانفتاح والانتفاع من الثروة داخلياً، وإنهاء مغامرات والده الخارجية، ونجح جزئياً خلال آخر سنوات حكم الأب، لكن سيف لم يكن في كرسي الحكم حتى يُحكم عليه. من السهل الإشارة إلى الوضع المفجع الذي آلت إليه ليبيا والليبيون بعد انهيار النظام والقول الخيار المثالي هو إعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل فبراير (شباط) 2011. عالم القذافي الأب كان حالة تجريدية خارجة عن الواقع الذي يريد أغلبية الناس العيش فيه. في المقابل أي زعيم سيرفع وعد تحقيق الأمن والاستقرار والعيش الكريم حتماً سيجد المساندة بعد عقد من الفوضى وحكم الجماعات المتناحرة والتدخلات الأجنبية. ومعضلة ليبيا بعد مضي عشر سنوات من الثورة الفاشلة، لم تعد عن رفض لنوع من نظام الحكم؛ هي ضد الانهيار التام وتقسيم البلاد نتيجة اقتتال الزعامات. في ليبيا لم تعد هناك دولة، بل دويلات تحكمها ميليشيات. في الحالة الراهنة يمكن لسيف القذافي أن ينافس ويصل إلى كرسي الحكم، كان هذا الاحتمال مستحيلاً في السابق، أما اليوم فهو من بين الرهانات المطروحة. وحتى يتحقق، هل يقبل به الشعب الليبي؟ وهل ستسمح به الدول الكبرى؟ والتحدي الأكثر صعوبة، هل بمقدوره الانتصار فيما عجزت كل القوى المحلية عن تحقيقه خلال العشر سنوات الماضية، بتوحيد البلاد وحكمها من العاصمة؟ بلوغ هذا المنال لا يكفيه حديث لـ«النيويورك تايمز».


سعد الهموندي  ليست المرة الأولى في التاريخ الكوردي التي تواجه فيه كوردستان  خطر التدخل الخارجي ، فمن هيمنة العثمانيين على مقدرات المنطقة حتى أوائل القرن الماضي، إلى تدخل القوات البريطانية، وصولاً إلى الحروب التي خاضها البيشمركة مع الأنظمة الدكتاتورية. وعند كل تهديد بالعدوان على كوردستان كانت بعض الواجهات الداخلية العاملة، تبدأ التهليل لهذا العدوان وتلميع صورته، رغم أنها حاضرة على الساحة السياسية، فتسعى بذلك إلى استثمار الرافعة السياسية التي قد يؤمنها لها العدو، بعد استنفاد إمكانيتها الذاتية على تأمين رافعتها الشعبية بعملها السياسي على الصعيد الداخلي، وذلك أن رصيدها السياسي مرهون بتحقيق الأهداف الخارجية لهؤلاء الأعداء.. فحل أزمات البلاد المتراكمة، حسب زعمهم، هو ثمنٌ باهظ على المنهوبين لكي يدفعوه، مقابل إنجاز مطالبهم المحقّة، وعليه يدخل هؤلاء في عملية طويلة يجاهدون فيها لإقناع فقراء البلد بضرورة التدخل الخارجي، كحلٍ وحيد لأزمتهم المتفاقمة.. وقد جاء تغييب البرنامج السياسي لهذه القوى اللاوطنية، ليعبر في جوهره عن ارتهانها لإجندات هذه الدول التي سعت، ومازالت تسعى، إلى تفكيك بنية جهاز أمن كوردستان وإضعاف الانتماء للوطن فكانت مواقفهم على الدوام صدى لمواقف هذه الدول كيفما جاءت... وإن موقف الدول المجاورة برفضه الاستفتاء، كان لسان حال القوى اللاوطنية التي كانت تتلقف تصريحات الدول المجاورة على اختلافها، وتعيد صياغتها كمواقف ومبادرات تعبر عنها علانية... لذلك فلا يحق اليوم لأحزاب الديكور التي ولد بعضها من رحم أحزاب أخرى أن تدعي البطولة وأن تحمل خطابا ثورياً، في حين كانوا هم المتنفذين داخل الأحزاب الحاكمة وكانوا ينهبون الشعب ويأكلون من خيرات الوطن. كما لا يحق لمن دعم أهداف أعداء الكورد أن يكون صاحب قرار سياسي أو أن يكون طرفاً في لعبة خسيسة هدفها تشويه حكومة مسرور البارزاني، خاصة أنهم اليوم يلعبون دور الضحية محاولين خلط أوراق الحقيقة بالأوراق المزيفة، لكن هذا الشعب ذكي وفطن ولن يثق بهم، وعليه فإن أرادوا استرجاع احترام الكورد جميعاً عليهم أن يعتذروا للشعب كما فعلت شخصيات سياسية وإعلامية في زمن ملا مصطفى ومسعود البارزاني ، بعد أن ندموا على ماضيهم التعيس. فالمشكلة اليوم أن الكثير من الأحزاب المعارضة في كوردستان إذا أرادت أن تتميز دون عناء تبدأ بانتقاد سياسة مسرور البارزاني الأمنية التي تعمل دوماً على جعل الآمان الخط الأول، وهذا بالضبط ما يقلق أعداء الكورد فهؤلاء المتسلقون يريدون أولاً إبعاد مسرور عن خطوات أبيه الذي حمل راية الإصلاح والانتماء، وثانياً يريدون إضعاف هذه العائلة السياسية التي صنعت تاريخ هذه الأرض. لذا فعلى الشعب الكوردي اليوم أن يلعب دور المصفاة التي تُميّز الصالح من الطالح من الخبيث، وأنا على يقين بأن الشعب قادر على أن يفرق بين الحقيقي والمزيف دون وصية من أحد، وسيبقى هذا الشعب هو الضامن الوحيد لحياة سياسية تتمتع بديمقراطية حقيقية وآمان مستدام.


سعد الهموندي  الوطن هو الخيمة الكبيرة التي يستظلّ بها الجميع، وهو الشجرة المثمرة التي تمنح أبناءها أطيب الثمار دون كللٍ أو ملل، وهو السماء العالية التي تحتضن كل مواطنٍ، لهذا فإنّ حبه واجبٌ تفرضه الإنسانية أولاً والانتماء الحقيقي ثانياً، لهذا فإنّ من واجب الأم والأب والمعلمين وجميع أفراد المجتمع تعليم حب البلاد للأطفال حتى يكبروا على هذا الحب، وأن يكونوا مستعدّين للدفاع عنه وفدائه بالروح والمال والدم، وغرس الانتماء في داخلهم، وهذا لا يكون بالقول فقط، بل يجب أن يُظهر الجميع القدوة الحسنة أمام الأطفال في الدفاع عن أوطانهم التي تمثل كرامتهم. فحُبُّ الوطن ليس تعبيرات رمزية لحظية، أو شعارات وصور وأعلام تبرز في يوم من أيام السنة، أو عبر يوم إجازة رسمية، أو برنامجاً إذاعياً مدرسياً أو إخبارياً، بل هو ثورة ذاتية ملتهبة في النفس، تصدر من عمق الأرض ورحمها، فترسلُ أشعة نورها إلى القلب، فتحرِّك حرارتُها الأعضاء وتنير أمامها سبيل الحياة.. تلك الوطنية والوطن، المصطلحُ الرائج بين الأمم والحضارات والشعوب على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وأديانهم ومذاهبهم، يتغنَّون بنشيده، يمجِّدون تاريخه وأمجاده، ويصطبغون بلون ترابه وطهره، يرسمون بسمة فخر ونشوة فرح واعتزاز غامر "مستديم" يحتّم علينا تفهمه وتشبعه وإرضاعه للأجيال . حب الوطن ليس مجرّد كلمات رنانة يقولها الشعراء والأدباء، بل هو حبٌ بالأفعال والدفاع عن كيانه ووجوده، والشعور بأنّ أمنه جزء من الأمن النفسي والشخصي، لهذا فإنّ حب الوطن يظهر في تصرفات أبنائه وخوفهم عليه وحمايته من أي تدمير محتمل، واستعدادهم للدفاع عنه باستماتة ضدّ جميع المتربصين، وهذا لا يكون سوى من خلال التضحية بالروح مقابل أن تظلّ راياته خفاقة عالية تلوح في الأفق، وحبه يكون بالسعي لتطويره وتقدمه، ويكون هذا السعي للعلم وطلبه بجدٍ واجتهاد، والاختراعات والاكتشافات التي يقوم بها أبناء الوطن لرفعته ونصرته ووضع اسمه في المقدمة. الدفاع  عن الوطن لا يكون فقط عندما يتعرض الوطن للاعتداء، بل في رفعته وسموه كل يوم، لكن أخطر أشكال الاعتداء هي: النوع الأول: الاعتداء من قِبل دولة أخرى على هذا الوطن بقصد تسخير الشعب، وامتلاك ثروات أرضه كافة، أو بهدف التوسع الجغرافي للدولة الأخرى المحتلة على حساب دولة أخرى. وربما يكون هذا الاعتداء لأسباب عقائدية وأيديولوجية. وأيضاً قد يكون بهدف الطغيان. فكل أنواع الاعتداءات هي طغيان. النوع الثاني من الاعتداء على الوطن: هو أن يتعرض هذا الوطن لمخطط تقسيم أرضه وشعبه إلى فئات متناحرة ومتذابحة بعد أن كانوا يعيشون جيراناً على أرض واحدة بذكريات واحدة. وهذا الاعتداء هو تمهيد في الغالب للاعتداء الأول. وربما يكون هذا الاعتداء من قِبل الآخرين بأيدي أبنائه الذين سُممت أفكارهم، وغُذيت بالكراهية والحقد وعدم تقبُّل الآخرين المختلفين عقديًّا أو أيديولوجيًّا، وتقبُّل فقط المساومين المتطابقين بكل شيء.  أما النوع الثالث من الاعتداء على الوطن هو عن طريق الفساد الداخلي لأبناءه، عن طريق نهب ثرواته، وعدم تحمُّل أمانة المسؤولية العظيمة التي أُلقيت على عاتقهم في صون مقدرات الوطن وثرواته وثروة المواطنين جميعهم. وهذا هو السبب الرئيسي لضياع الأوطان.  النوع الرابع هو في بعض مواطنيه أنفسهم الذين يخونون وطنهم في اللحظات الحرجة التي يحتاجهم إليها، فحينها نجد هؤلاء صامتين، وقد خمدت تغريداتهم وكأن على رؤوسهم الطير ، رغم أن الصمت في أوقات الأزمات خيانة للوطن، فمصالحهم الشخصية المتفق عليها مع الطرف الآخر ستتعارض لو فعلوا، وهنا يبيعون أوطانهم وكأنهم يبيعون قطعة حلوى مرمية على قارعة الطريق متناسين أن الوطن في النهاية مثله كمثل الأرض الأصيلة سيلفظ كل نبات لن تمتد جذوره إلى أعماقه! حب الوطن حب فطري يولد مع كل كائن في الوجود، فالوطن هو الحضن والملاذ الآمن الذي تأوي إليه الروح، الوطن ليس مجرد أرض وأشجار وتراب، بل هو مجموعة من أشياء كثيرة لا يمكن فصلها أبداً، حب الوطن حب عظيم يجب آلا يخالطه رياء أو نفاق، لأن من لا يحب وطنه بحق لا يستحق أن ينتمي إليه أو يعيش فيه، ومن لم يكن وفياً لوطنه في الحرب لا يستحق أن يعيش فيه وقت السلم، الوطن هو الوطن بجميع حالاته وتقلباته، فإن تعرض لأي خطر فلا بد أن يتحول جميع أبنائه إلى جنود جاعلين كرامة الوطن فوق كل اعتبار. نعم ما يلزمنا اليوم هو الحب والانتماء للوطن فقط.


هيوا عثمان    بعد ثلاثين عاماً، لا يزال الفساد منتشراً في كردستان، وتسيطر النخبة السياسية على الثروة. قوات البيشمركة ما زالت منقسمة بين أربيل والسليمانية، على رغم وعود الأحزاب بتوحيدها. شهدت السليمانية حدثاً لا مثيل له في التاريخ السياسي الكردي. أطاح الرئيس المشارك لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني”، وهو الحزب الحاكم في السليمانية، بافل طالباني (نجل رئيس الجمهورية العراقية الراحل جلال طالباني)، بالرئيس المشارك الآخر، لاهور شيخ جنكي (ابن شقيق جلال طالباني)، وغيّر رؤساء أجهزة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إلى جانب سلسلة من التغييرات الأخرى في الهيئات التابعة للحزب الذي صادق عليها لاحقاً. لم تكن الأحداث مفاجئة لمن يتابع الوضع منذ تولي الأحزاب السياسية الكردية السلطة في إقليم كردستان عام 1991. بل إنها في الحقيقة نتيجة طبيعية لفشل الأحزاب الكردية في مأسسة إدارة الإقليم الذي كانت تديره طيلة الثلاثين عاماً الماضية. الشعارات المتكررة التي يستخدمها كل حزب في كردستان هي تقديم خدمات جيدة للشعب، فصل الحزب عن الحكومة وعدم التدخل في شؤونها، استقلال القضاء، محاربة الفساد، توحيد قوات البيشمركة والأمن والاستخبارات تحت سلطة حكومة إقليم كردستان. لكن في الواقع، حدث العكس. تسمع كل يوم في كردستان الكثير من القصص عن قساوة أن تكون مواطناً عادياً مستقلاً، وعن امتيازات كونك عضواً فعالاً في الأحزاب السياسية. بعد ثلاثين عاماً، لا يزال الفساد منتشراً في كردستان، وتسيطر النخبة السياسية على الثروة. قوات البيشمركة ما زالت منقسمة بين أربيل والسليمانية، على رغم وعود الأحزاب بتوحيدها. نعم لا تزال قوات البيشمركة اليوم تحت قيادة الأحزاب السياسية وتحديداً تحت امرة بعض القادة داخل الأحزاب، ولهؤلاء قواتهم الخاصة داخل أجهزتها. ثقة الجمهور بالقضاء في أدنى مستوياتها. تاريخياً، عُرف النضال الكردي من أجل الحرية بأنه كفاح شرف وكرامة وتضحية. نضال كان يميز الصواب من الخطأ، وقد نقلت الأجيال الكثير من قصص الفخر إلى أطفالها. اليوم، التحدي الاصعب للآباء هو أن يحكوا لأطفالهم عن النموذج الصحيح الحديث للكوردايتي (خدمة القضية الكردية). القادة والسياسيون هم الأغنى والأكثر “إنجازاً” في مجتمعنا، هم الأقوياء المحصنون، ويأتي في المرتبة الثانية ممثلوهم في مختلف القطاعات العامة والخاصة السياسية والأمنية. اما البقية من علماء ورجال أعمال ومهنيين وأفراد كادحين، غير مستفيدين من نظام المحسوبية، فهم في الغالب مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة. رزقهم وحياتهم اليومية يعتمدان إلى حد كبير على المحصنين. تسمع كل يوم في كردستان الكثير من القصص عن قساوة أن تكون مواطناً عادياً مستقلاً، وعن امتيازات كونك عضواً فعالاً في الأحزاب السياسية. في معظم التعيينات في الخدمة العامة، المحسوبية والولاء للحزب والمحصنين هما المعيار الوحيد تقريباً لتولي مناصب مهمة في مؤسسات الدولة. ونتيجة لذلك فإن هذه المؤسسات المكلفة بتسيير حياة الناس صارت غير فعالة وغير منتجة. من المألوف أن تدخل  إلى دائرة من دوائر القطاع العام، سواء كان ذلك في مجال الصحة أو التعليم أو أي مجال آخر، وأن تجد أن من يرأسها شخص عديم الخبرة أو غير مؤهل، ووجوده في هذا المكان هو لمجرد ولائه لحزب أو قائد معين. إذا كنت موظفاً حكومياً غير منتم لأي حزب، فستعاقب على أصغر خطأ ترتكبه، وإذا كنت في منصبك وأنت من حصة حزبك، فبالامكان التسامح مع أفدح اخطائك ومخالفاتك. لا تستطيع أي شركة محلية أن تستمر في النجاح إذا لم تحصل على دعم عضو بارز في حزب سياسي، والدعم يكون عادة مقابل حصة أو رشوة. لا تستطيع أي شركة دولية العمل بشكل مريح في أي منطقة من دون استرضاء القائد الحزبي العسكري المحلي من خلال منح دائرة أقاربه أو أصدقائه بعض عقود الخدمة أو الخدمات الأمنية، كطريقة مهذبة لدفع الإتاوات. مع هذا المشهد، وفي تحديد الأولويات، من الطبيعي أن نرى أجندات القادة السياسيين الفردية تأتي أولاً لضمان قوتهم وحصانتهم، وتأتي مصالح الأحزاب السياسية في المرتبة الثانية. أما قوة الحكومة والمؤسسات الأخرى التي يفترض أن تخدم الشعب، فهي في أسفل سلم أولويات أي سياسي هنا. هذا المشهد لا يقتصر على منطقة واحدة أو حزب حاكم واحد في كردستان. الجميع يشترك في الخصائص ذاتها ومتورط في الارتكابات ذاتها. وبالتالي من الطبيعي أن تتعارض الأجندات الشخصية على مستوى القيادة. ما حدث في السليمانية كان متوقعاً، بقدر ما كان عكسه متوقعاً أيضاً. الأمر يتعلق بمن يتخذ الخطوة الأولى، وحسب.


  آلدار خليل يعتبر تأسيس مشروع الإدارة الذاتية قفزة نوعية على الصعيد الإداري في سوريا والمنطقة بعد أن كان نظام الحكم المركزي والتسلطي هو القابع والجاثم على صدور الشعب. الظروف والأوضاع التي انطلقت منها الإدارة والتي كانت صعبة جداً ساهمت في تحقيق بناء الإدارة والقرار لعموم الشعوب في شمال وشرق سوريا، لهذه الأسباب وكونها، أي الإدارة الذاتية، تمثل مشروعاً نابعاً من إرادة وحاجة الشعب، وتصر على بناء إرادتهم وقرارهم الحر وتطوير فلسفة الحماية الذاتية والدفاع الذاتي وإحياء كل ما تم مصادرته من ثقافة ولغة وهوية وتاريخ وفن؛ فإن هذه الإدارة كانت ولا تزال مستهدفة من طرف من لا يريد لهذه الأمور أن تتحقق. تتعرض الإدارة الذاتية لهجمات قوية منذ تأسيسها بهدف منع الشعوب من أن تكون واحدة في عيشها وقرارها وإرادتها؛ هذه المحاولات تكشف وبشكل جلي الهدف الرئيسي لهذه القوى والأطراف بعد أن فشلت في منع تطور تجربة الإدارة الذاتية، فحولوا الثقل برمته إلى استهداف حالة التجانس المجتمعي وشكل العيش المشترك والأخوّة بين شعوب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ بهدف إفشال المشروع، كما حاولوا سابقاً، لكن هذه المرة عبر استهداف الشعوب في وحدتها من خلال خلق الفتن، حيث باتت هذه ورقتهم الأخيرة ضد الإدارة فقط؛ لأن الإدارة تحافظ على هوية ووجود الشعوب وتشكل خطراً على جميع مشاريع الإبادة والتصفية والإنكار التي يريد أعداء شعبنا تطبيقها عليه. وإضافة لكل الممارسات والانتهاكات التي تتم في المناطق التي تحتلها تركيا ورغبة في إشباع دوافعهم بإبادة شعبنا، فإنهم يجهدون اليوم في ضرب مشروع الإدارة في المناطق التي أثبتت فيها الإدارة نفسها كمشروع ريادي في سوريا ووفرت الأمان ومنعت إجراءات تطور الإرهاب والتطرف والتآمر على الشعب السوري. ما يحدث في منبج وقبلها في مناطق أخرى هو بشكل واضح استغلال للمطالب الشعبية وحق الاحتجاج السلمي والديمقراطي الذي تقره الإدارة الذاتية؛ من خلال هذا الاستغلال تحاول تركيا تمرير مخططاتها عبر مرتزقتها في تلك المناطق، ويتناغم معها النظام السوري في المسلك من أجل تقاسم النتائج الناجمة عن تلك التدخلات والفتن على حساب استقرار أهلنا وتضحياتهم التي قدموها في سبيل تحرير منبج وباقي المناطق من هيمنة وعنهجية البعث كذلك من تركيا ووكلائها، سواء داعش أم المرتزقة. الإدارة الذاتية تمثل اليوم مشروعاً هو طموح لكل السوريين، وتقف أمام محاولات تفتيت سوريا وشعبها وتطور ما يمكن من خلاله الحفاظ على الهوية من الإبادة؛ لذا حينما يتم استهدافها، فإن إرادة كل السوريين مستهدفة، وإن أي بديل لمشروع الإدارة سيكون مثالاً حياً من مشروع الإخوان والمرتزقة المدعوم تركياً ومشروع الهيمنة والتسلط الذي يتبناه النظام السوري ويسعى لفرضه على السوريين.


بقلم ستران عبدالله كتبت هذا المقال في عام 2018 استذكارا لكاك نوشيروان و ربما يلخص هذا النص جزءا من سيرته برؤية اتحادية من وجهة نظر صحفي حزبي ملتزم . ارتأيت نشره من جديد في ذكراه الخامسة  تحية لذكرى كاكه نەوە، رفيق سلاح مام جلال و العضو المؤسس للاتحاد الوطني وزعيم حركة التغيير تحية لذكراك ايها المناضل  والرفيق المؤسس كاكه نەوە ايها التراث المشترك بين الحليفين اللدودين:   گوران والاتحاد، تحیة لذكراك يوم كنت مع مام جلال ورفاقه  تنتصرون للقضية الوطنية الكردستانية و تخططون لحق تقرير  المصير، تحية لك يوم اختلفتم على الاولويات فاستقليت بتيارك السياسي و اجتهدت في الاصلاح و حملت لواء الاولوية للتغير وبقي الرئيس مام وتلامذته مستمرون على نهج الثورة الجديدة لان المكاسب  الكردستانية كانت ولاتزال على  المحك، تحية لك ايها المناضل الصلب ولذكراك يوم تصارع الفرسان الاصلاء وجمهرهم على منطقة اللون  الرمادي سنوات محتدمة الى ان التقيا في محطة دباشان  فكان الاتفاق  والاحتضان وكأن شيئا لم یکن،   تحية لذكراك الطيبة اذ اختلفنا معك اختلاف التلميذ مع اساتذته وخضنا معك ثم ضدك معارك صحفية وحزبية  اجتهدنا فيها ان نحتفظ بالاحترام لمكانتك التأريخية ولمكانك في القلب مع حقنا الديقراطي في انتقادك دفاعا عن قناعاتنا الجلالية بل و دفاعا عن اتحاد انت كنت من مؤسيسه  ثم اختلفت معه اختلاف جنتلمان اراد ان يختط طريقا جديدا للسياسة يتماشى مع القرن الواحد والعشرين فيما اراد الرئیس مام جلال هذا الطريق نفسه ولكن بشرط ضمان الاستمرارية للمنجز التأريخي، وفي ذلك فليجتهد المجتهدون وليتنافس المتنافسون  تحية لذكراك العطرة يا كاك نوشيروان  اذ تصالحنا معك  بعد تصالحكما انت ومام في القمة،  مما مهد الطريق للقاء الاحبة فقلت لنا كما لبيشمركتك الاعلاميين  مامعناه : يحدث هذا في احسن العائلات ، وفي التصارع الانتخابي يحدث مايجب تفاديه بعد الاتفاقيات  وكعادة مام جلال ولانك من المدرسة نفسها،  مدرسة الاتحاد الوطني والثورة الجديدة للكوردايتي،  كنت رجل المبادرة ففتحت معنا صفحة جديدة وشوقتنا لكتابة  صفحة جديدة اتحادية تغيرية يصل الى حد اعادة التوازن لميزان مختل في كردستان وفي العراق ايضا، تحية لذكراك وروح التفاؤل عندك حيث کدنا ان نصل الى مرحلة جديدة من الاصطفاف الكردستاني  قبل ان يختطفك يد القدر من رفاقك في التغيير  ومن رفاق الاتحاد وقبل كل شيء من الشعب الكردستاني الذي تغنى  بتصالح واتفاق رفقاء السلاح ، تحية لدورك التأريخي الكبير سواء المتفق عليه  او المختلف حوله   وكلنا امل ان تنجلي غيوم الخلاف الانتخابي الملبدة للسماء الكردستانية وتكون ذكراك الاولى دافعا لصفاء النفوس  تمهيدا لمتابعة خارطة الطريق الدباشانية  على الرغم من التقاطعات والتعرجات بل والتحويلات المؤقتة الكثيرة ومازلت كصحفي كردستاني متورط في كل السجالات السياسية وبيشمركه متواضع في صفوف الحركة الوطنية الكردستانية مقتنعا بأن طريق المكاسب الذهبية للجميع ولوحدنا ومع الجميع مرتبط بالتفاهمات اكثر من ارتباطه بالاختلافات خدمة للقضية الكردستانية كما لدعاوي الاصلاح والتغير والتجديد  والله اعلم


جرجيس كوليزادة  مهما ادعت دولة اسرائيل بحكوماتها المتعاقبة من تاييد ومناصرة للكرد بصورة عامة ولكرد العراق خاصة فهي كاذبة وخادعة، والادلة كثيرة للبرهان على ذلك، منها عدم لعب اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة في الستينات اي دور لتحقيق الهدف الوطني والقومي للكرد في تلك الفترة، ومنها ايضا افشال ثورة الحركة الكردية في منتصف السبعينات بتخطيط امريكي غير مباشر وذلك لدفع البلدان العربية وخاصة مصر الى اجراء مفاضات السلام مع اسرائيل، ومنها ايضا عدم دفع الكرد الى اعلان الاستقلال وقيام الدولة الكردية سنتي واحد وتسعين والفين وثلاثة، ومنها كذلك عند اجراء الاستفتاء باقليم كردستان حيث تملصت حكومة اسرائيل وقفلت ابوابها امام النوايا السياسية الانفصالية لمسعود برزاني، فاوقعت الاخير في دهليز مظلم مشابه لانتكاسة الثورة الكردية في السبعينات، حيث وقع البرزاني في فخ صاعق للدول الاقليمية خسر الاقليم من خلاله واحد وخمسين بالمئة من الاراضي. واضافة الى ذلك، فان اسرائيل لعبت دورا عدائيا ضد الكرد، فقد لعب جهار المخابرات لتل ابيب دورا رئيسيا في القاء القبض على عبدالله اوجلان زعيم الحركة الكردية التحررية في تركيا، وذلك بطلب من حكومة انقرة ومن جهاز مخابراتها، ولولا الدور الاسرائيلي لما تمكنت تركيا من القاء القبض على الزعيم الكردي اوجلان، ولهذا فان الكرد عليهم ان لا يحسبوا ان اسرائيل دولة مساندة لهم ولحركاتهم التحررية ولتطلعاتهم الانسانية والوطنية والقومية، ولابد عليهم ان يحذروا منها كثيرا وخاصة من خططها الاقليمية. وبالعكس من ذلك، فان ما بين فلسطين والكرد، وبين الشعبين العتيقين، الكثير من الصلات والعلاقات التاريخية والاجتماعية والسياسية، بالرغم انهما مازالا يناضلان من اجل الحربة والكرامة وتحقيق الاستقلال لضمان الحاضر والمستقبل، ولبيان العلاقات التاريخية نجد ان الحضرة الايوبية الكردية بقيادة السلطان صلاح الدين الايوبي، لعبت دورا اسلاميا وانسانيا لانقاذ ارض فلسطين والعالم الاسلامي والقدس الشريفة من الحملة الصليبية الافرتجية، ومازالت اجراس السلام تدق في حاضرة الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين، صغارا وكبارا، نساءا ورجالا، لالهامهم للصد عن الظلم الحاصل بحقهم في الماضي وفي الحاضر. وقضية اجلاء حي شيخ الجراح (باسم طبيب السلطان صلاح الدين الايوبي) في القدس من قبل سلطات دولة اسرائيل، دليل على الاعتداء والاستيلاء الظالم بشتى وسائل الضغط لاخراج الاراضي من ايدي الفلسطينيين، وما لهيب الرفض الذي لاحق الحدث ما كان الا هديرا لصوت الحق ضد الجور المفروض بقوة الاحتلال، وما لاحق ذلك من الاحتجاجات ثم رد ورد فعل، واستخدام عنف عسكري شديد، كان بالاساس نتيجة طبيعية لثوران البركان الثائر على الاراضي الفلسطينية التي مازالت تبحث عن الحقوق المهضومة لشعبها المناضل الاصيل الذي يكافح من اجل تحقيق هويته الحقيقية. وتوازيا نجد ان الكرد في تركييا وايران وسوريا مثل الفلسطينيين حقوقهم مهضومة الى حد السحق، ولكن كرد العراق تحقق لهم كيان فيدرالي بادارة حكومية شبه مستقلة منذ سنة واحد وتسعين، وهي شبيهة بالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بنواحي كثيرة. ومن حيث الاستدلال بالعلاقات التاريخية بين فلسطين والكرد، فانها ليست وليدة اليوم، فهي كما تذهب اليها بعض المصادر تعود الى ايام فتح القدس الشريفة على يد سلطان المسلمين صلاح الدين الايوبي الكردي الاصل، حيث في ايامها توطدت علاقات وطيدة بين قوات كردية تابعة للقائد السلطان مع مسلمي ومسيحي ويهود فلسطين، وقد تمخضت بعض العلاقات بالقرابة والزواج، وتشير مصادر موثوقة ان اربعين بالمئة من العشائر الفلسطينية تعود بجذورها الى عوائل كردية في عهد السلطان الايوبي. وفي التاريخ الحديث تذكر المصادر ان قوات عراقية كردية بقيادة ضباط اكفاء من الكرد شاركت في حرب تحرير فلسطين سنة ثمانية واربعين، وقد حققت تقدما كبيرا في جبهة العمليات العسكرية، وذكر ان احد اسرار نجاح هذه القوة العسكرية العراقية في فلسطين، هو اعتماد قائد القوة العقيد المرحوم عمر على على كتابة خططه العسكرية الميدانية باللهجة الهورامية الكردية، في حين كان نصيب بقية القوات للدول العربية الفشل والاستسلام نتيجة الخيانة وكشف مخططاتهم العسكرية للقوات اليهودية. وفي نهاية الستينات، بداية تأسيس جبهة الكفاح واعلان النضال المسلح لمنظمة التحرير الفلسطينية، انضم الى صفوف القوات الفدائية بعض الشباب من كرد العراق بصفة فدائيين وقد استشهدوا عند القيام بعملياتهم الفدائية، ويقال ايضا ان بعض الشباب الكردي من سوريا وتركيا اشتركوا في صفوف فدائيي فلسطين بالسنوات اللاحقة، ولكن ما يتعلق بفدائيي كرد العراق موثوق ومدون في سجلات الفصائل والمنظمات الفلسطينية، وللتاكيد على اثبات ذلك فقد قام القنصل الفلسطيني في اقليم كردستان بالسنة الماضية بتكريم عوائل شهداء الكرد بالعقود السابقة في فلسطين العزيزة. وللدلالة على استمرار العلاقة القلسطينية الكردية، فان الكثير من قادة الكرد اعترفوا بعلاقات وثيقة بينهم وبين قادة الحركات الفلسطينية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وكانت لهم ولاحزابهم ولمجموعاتهم المسلحة من قوات البيشمركة صلات وثيقة وعلاقات ثورية مع فصائل وقادة منظمة التحرير الفسطينية، ومنهم خاصة علاقات جلال الطالباني ومسعود برزاني وعبدالله اوجلان مع القائد المرحوم ياسر عرفات والرئيس الحالي محمود ابو العباس وشخصيات اخرى على مستوى القيادة. وفي الاونة الاخيرة نجد ان ما جاء من اخبار عن قيام الرئيس التركي بتوطين خمسمئة عائلة فلسطينية في عفرين بكردستان سوريا، هو بلا شك عمل عنصري محسوب على الحكومة التركية، وعير محسوب على القضية الفلسطينية العادلة، فمقابل ذلك نجد ان القائد الفلسطيني خالد مشعل دعا تركيا وايران وسوريا الى حل القضية الكردية بالحوار السياسي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس لا ينسى انه أول رئيس من العالم العربي قد زار اقليم كردستان قبل سنوات معبرا عن فخره واعتزازه بما حققه كرد العراق. وللتأكيد فان ما يجري من اعمال عنف وعمليات عسكرية ضد اطفال فلسطين ونسائها ومدنييها ما هو الا عدوان على الانسان وكرامته، وهو سحق للحقوق الطبيعية للانسان، وما يجري من حرب بصواريخ متبادلة هي تفجير للمعاناة والماسي الانسانية، لهذا لابد من خطوة وقف النار بصورة عاجلة لانها بداية لوقف المأساة والمعاناة، وتمهيد لفتح الحوار لتحقيق خطوات السلام للشعبين الفلسطيني واليهودي، وثم السعي الجاد بمساندة المجتمع الدولي لتنفيذ خريطة قيام الدولتين لضمان حقوق الطرفين في الحاضر والمستقبل. وبالختام نقول، ان فلسطين لكرد العراق اقرب من حبل الوريد، والكرد للقلسطينين اقرب من حبل، فنأمل ان يعم فلسطين السلام بصورة عاجلة، ونأمل ايضا ان تستمع حكومات انقرة وطهران ودمشق الى نداء السلام الصادر من السيد مشعل لحل القضية الكردية في بلدانهم بالحوار السياسي المستند الى احترام حقوق الانسان وتحقيق الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والمواطنة الصحيحة بجميع صفاتها الوطنية والمدنية. والله من وراء القسد..


مينا العريبي في آخر أيام شهر رمضان الفضيل، شهدت مدينة كربلاء عملية اغتيال تظهر مجددا عدم احترام المجموعات المسلحة لأي مبدأ من مبادئ الإسلام، اغتيال رجل أعزل لا يحمل السلاح، ولم يقدم إلا كل خير لبلده. قتل هذا الشاب العراقي لأنه شكل تهديدا لكل من ينتفع من الفساد والسلاح الخارج عن سلطة الدولة. هزت هذه العملية العراق، إذ كان المستهدف الناشط المدني إيهاب الوزني الذي كان من أبرز الشباب الناشطين المطالبين بمنع هدر المال العام، وحماية البلاد من الفساد والميليشيات، ومنع التوسع الإيراني في البلاد. ترأس الوزني تنسيقية الاحتجاجات في كربلاء، ومد جسورا مع الناشطين في مدن أخرى في العراق، ضمن الحركة الاحتجاجية المعروفة بـ«ثورة تشرين» التي انطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وقد نجا الوزني من محاولة اغتيال في ديسمبر (كانون الأول) 2019، ولكنه شهد مقتل رفيقه فاهم الطائي، أول ضحايا الاغتيالات التي استهدفت الناشطين العراقيين. لائحة أسمائهم تطول، إذ تعدى عدد القتلى بين صفوف المتظاهرين السلميين الـ700 منذ زمن، وكل منهم حمل رسالة تهدف إلى إنقاذ العراق من الفساد والمجموعات المسلحة والتوسع الإيراني في البلاد. قتل الوزني، مثلما قتل غيره، أمام منزله، وأمام كاميرات المراقبة. يبدو أن القتلة لا يخشون الكاميرات، ولا يخشون القوى الأمنية، لأن أمثالهم من القتلة لم ينالوا أي عقوبة. فقبل الوزني قتل المحلل الناشط هشام الهاشمي أمام منزله أيضا، وقد مر على مقتله عشرة أشهر من دون إلقاء القبض على قاتليه. سجل مقتل الوزني والهاشمي وغيرهما من قبل كاميرات المراقبة، وتنشر تسجيلات حادثة مقتلهما، مما يزيد شعور الحسرة والغضب في قلوب العراقيين. فما نفع كاميرات المراقبة إذن، إذا كان واجبها التقاط صور الجريمة من دون أي محاسبة، أو حتى من دون أن تكون رادعا لمن يفكر في القيام بمثل هذه الجرائم البشعة؟ فور الإعلان عن مقتل الوزني، أعلنت الحكومة العراقية عن فتح تحقيق بهذه الجريمة. ولا شك أنها ستفعل ذلك حقا، ولكن التحقيق لا يجلب نتيجة. فالتحقيقات السابقة التي خصصت للكشف عن المسؤولين عن اغتيال ناشطين عراقيين لم تخرج بنتيجة ملموسة، ولم يتم محاسبة من يقوم بإعطاء أمر الغدر. وكان الوزني نفسه قال في إحدى المظاهرات إنه سيحمل القوات الأمنية مسؤولية مقتل أي ناشط آخر، مطالبا بإزاحة من يفشل في حماية المدنيين، واستبدال من يستطيع ذلك به... «هناك كفاءات كثيرة بالبلد»، هذا ما قاله الوزني في تسجيل انتشر في حينها. المشكلة أن العراق بات بلدا لا تعني فيه التحقيقات الوصول إلى نتائج ملموسة، أو تشكل رادعا للقتلة. والدليل على ذلك أنه بعد 24 ساعة من مقتل الوزني، تمت محاولة اغتيال الصحافي العراقي أحمد حسن، عند نزوله من سيارته أمام منزله. وقد نجا بأعجوبة، لكنه ما زال في المستشفى يتعافى من إصاباته. اغتيال الوزني يأتي ضمن سلسلة اغتيالات ممنهجة مدروسة. حملة الاغتيالات تستهدف نوعا معينا من الشباب العراقي، وهو الناشط الشاب الذي يتمتع بمصداقية بين العراقيين، ويرفض المساومة على مفهوم المواطنة. الهدف يبدو منع ظهور شخصيات وطنية ترفض نظاما سياسيا مبنيا على الطائفية، ويقبل التوغل الإيراني في مفاصل الدولة كافة. عانى العراق من الاغتيالات الممنهجة منذ عام 2003، عندما تم استهداف مجموعات مختلفة من المهنيين العراقيين على يد مسلحين مجهولين لديهم أجندات خارجية. بدأت الحملة بالطيارين الذين حاربوا في حرب العراق وإيران، وقتل أكثر من 30 منهم في الأشهر الأولى بعد سقوط النظام السابق. وتم استهداف الأطباء والصيادلة الذين تمت تصفيتهم من دون أي رادع في أرجاء العراق كافة. لائحة الاغتيالات السياسية التي انطلقت في أكتوبر 2019 تصب في اتجاه الاغتيالات نفسها التي استهدفت المحترفين من أطباء وأساتذة جامعة وغيرهم في البلاد؛ الهدف إضعاف العمود الفقري للمجتمع العراقي، وكل من يسعى إلى بناء دولة مدنية ترفض التقسيمات الطائفية والوصاية الخارجية. قبل كل دورة انتخابات في العراق تتصاعد وتيرة العنف؛ هناك قوى تسعى إلى فرض نفسها على الساحة السياسية من خلال التخويف والترهيب. كما أن هناك قوى تريد أن تظهر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي غير قادر على حماية الشعب، مما يقلل من فرصه لتشكيل الحكومة المقبلة. وفي حين تدور هذه التطورات في الشارع العراقي، ينشغل الساسة باللقاءات المتصاعدة في البلاد؛ تظهر صورهم وهم يجلسون في قاعات فارهة، ويدلون بتصريحات حول نواياهم للانتخابات المقبلة. بالطبع، لا مانع من أن تجتمع القيادات السياسية في العراق، وأن تتبادل الآراء، وحتى أن تخطط للحصول على مناصب في الحكومة المقبلة. المشكلة هي أن المشاورات والاجتماعات لا تدور حول فكر سياسي أو برنامج حكومي، بل غالبا ما تدور حول كيفية تقسيم «كعكة السلطة». الحديث عن صفقات انتخابية بدأ فور إعلان الكاظمي عزمه إجراء الانتخابات؛ اليوم المشاورات تحتدم مع اقتراب موعد إجراء الاقتراع في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. في دورتي الانتخابات السابقة، لم يشارك غالبية العراقيين في الإدلاء بصوتهم في الانتخابات لأنهم لم يؤمنوا بأن صندوق الانتخابات سيجلب التغيير المرجو. ويدرك الساسة ذلك، لذا يسعون إلى جلب عدد من الناشطين والشباب إلى قوائمهم الانتخابية. أمام الناشطين الشباب ثلاثة خيارات: أولا تنظيم أنفسهم سياسيا تمهيدا لخوض الانتخابات، ولكن ذلك يعني الانخراط بعملية سياسية لم يطرأ عليها أي إصلاح ملموس. ثانيا الإعلان عن دعم قائمة أو جهة سياسية معينة، مقابل ضمانات جدية لمعالجة الفساد والطائفية وغيرها من مشكلات في العملية السياسية. أما الخيار الثالث فهو مقاطعة الانتخابات، والمطالبة بعدم إجراء انتخابات تضفي شرعية على نظام سياسي لا يختلف أحد على أنه أضر بالبلاد. وهذا الخيار هو الذي بدأ يطالب به الناشطون المدنيون، بعد أن سئموا من إمكانية إحداث تغيير للنظام الحالي، خاصة أنه لا توجد فرص متكافئة لكل الأطراف التي تخوض الانتخابات؛ هناك أحزاب استحوذت على الملايين من الدولارات يمكنها أن تنفقها في الحملات الانتخابية, وهناك أحزاب تدعمها ميليشيات مسلحة ترهب نسبة من الناخبين، وتدفعهم إلى التصويت لصالحها، وتستخدم السلاح وعمليات الخطف لإزاحة منافسيها في مناطقها الانتخابية. «كلا كلا للعملاء... كلا كلا للخونة» كانت هذه هتافات يرددها الوزني وهو يقود المسيرات في كربلاء. على من يؤيده ويريد أن يبقي ذكراه حية أن يرفض كل من خان العراق، وساهم في سفك دماء أبنائه، ويتصدى له من خلال صناديق الاقتراع.


 القاضي: عبدالكريم حيدر على اولاً :- لقد اصدرت محكمة جنايات الثانية في اربيل قرارها بعدد ٤٧/ ج٢/ ٢٠٢١ في ١٩/ ٢/ ٢٠٢١ والذي قضى بتجريم المتهمين كل من ( ش أ ن س و ش س ع و هـ ع م و أ ك ر وك م أ) وفق المادة الاولى من القانون رقم ٢١لسنة ٢٠٠٣ الصادر عن برلمان كوردستان وبدلالة المواد ٤٧و٤٨ و٤٩ من قانون العقوبات والحكم على كل واحد منهم بالسجن لمدة ست سنوات مع احتساب مدد موقوفياتهم على النحو المفصل في قرار العقوبة وكذلك فتح قضية مستقلة بحق المتهم ك م أ وفق المادة ٢١ من قانون الاسلحة وفتح قضية مستقلة اخرى بحقه وفق المادة ٢٤٠ من ق ع وغيرها من القرارات الفرعية الاخرى ، وان صدور القرار كان بالاستناد الى احكام المواد ١٨٢/ أ ، ٢١٢ من قانون اصول المحاكمات الجزائية المرقم ٢٣ لسنة ١٩٧١ المعدل ،  ثانياً :- ولدى عرض الدعوى على محكمة تمييز اقليم كوردستان العراق باعتبار ان الدعوى خاضعة للتمييز التلقائي وكذلك بناء  على الطعون التمييزية المقدمة من قبل وكلاء المحكومين فان محكمة التمييز قد اصدرت قرارها بعدد ٤٦٨/ الهيئة الجزائية - الثانية / ٢٠٢١ في ٢٨/ ٤/ ٢٠٢١ بتصديق قرارات محكمة الجنايات تجريماً وعقوبة وسائر القرارات الفرعية الاخرى كونها موافقة للقانون ،  الوقائع والادلة التي بنيت عليها محكمة الموضوع قراراتها :-  لقد بنت محكمة الموضوع وكذلك محكمة التمييز الموقرة قراريهما بحق المتهمين على مجموعة من الوقائع على النحو التالي :-  أ- قيام المتهمين مع اخرين هاربين من وجه العدالة بتأليف جماعة ( عصبة ) هدفها استهداف مناطق واجهزة حساسة في اقليم كوردستان ومنها الايقاع بالامن والاستقرار في الاقليم واحداث عمليات تخريبية ضد مؤسسات الاقليم وضد المسؤولين السياسين والعسكرين وضد الاجهزة الحكومية والادارية والقضائية في الاقليم ، تشكيل ارتباطات غير مشروعة مع اشخاص اجانب وغرباء لغرض تنفيذ اهدافهم التخريبية ، اتصالهم بالقنصلية الامريكية والقنصلية الالمانية وتلقوا منهم مبالغ مالية ، واتصالهم بجماعة PKK وحصولهم على صور ومعلومات عن مسؤولي الاقليم وارسالها الى الجهات المعادية وتزويدهم بالمعلومات عن السجون والمقرات في اقليم كوردستان وحصولهم على مساعدات مالية من منظمة امريكية وتزويدهم لمنظمة المحامين العالميين بتصاوير عن تحركات البيشمركة في منطقة شيلادزي ومعلومات عن ابار النفط في الاقليم ، واجتماعهم مع القنصل الالماني في احدى الفنادق تصوير الشخصيات والمسؤولين الاداريين والامنين والعسكرين في الاقليم ،  الادلة المعتمدة في الحكم :-  ان الادلة التي اسست عليها محكمة الجنايات واقتنعت بها محكمة التمييز الموقرة هي :-  أ- افادة المخبر السري  ب- الوثائق والمستندات والمحاضر الخاصة بتفريغ التسجيلات الصوتية بين المتهمين وعلى وسائل التواصل الاجتماعي ومحاضر الاستكتاب الجارية للمتهم ش أ ن والصور والاتصالات مع منظمة ١٧ شباط  ج- اعترافات المتهمين في مرحلة التحقيق والتي جاءت بكل حرية وارادة وادراك دون ضغط او او اكراه او اغراء ولم يثبت وقوع الاعتداء والتعذيب عليهم لعدم حصولهم على تقارير طبية تبين اثار التعذيب على اجسادهم وعدم تسجيلهم للشكاوى على الذين اعتدوا عليهم كما لم يثبت انتزاع الافادات منهم بالقوة بالقوة والتهديد وان تراجعهم عن اعترافاتهم امام محكمة الجنايات لايجديهم نفعاً لان اعترافهم امام قاضي التحقيق اقرب الى وقت الحادث ويضاف الحادث الى اقرب اوقاته ، التعليق :-  اولاً :- ان المادة القانونية التي تم تجريم المتهمين بها وفرض العقوبة عليهم هي المادة (١) من القانون رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٣ الصادر عن المجلس الوطني لكوردستان العراق والتي بموجبها تم ايقاف العمل بالمادة ١٥٦ من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩المعدل ويحل محلها مايلي ( يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت من ارتكب عمداً فعلاً بقصد المساس بامن واستقرار وسيادة مؤسسات اقليم كوردستان - العراق باية كيفية كانت وكان من شأنه ان يؤدي الى ذلك )  وقد جاء في الممواد الاخرى من ذلك القانون ايقاف العمل بمجموعة من المواد العقابية في قانون العقوبات المشار اليه ومنها المواد١٥٧ لغاية المادة ١٨٩ منه والخاصة بالجرائم الماسة بامن الدولة الخارجي. والمواد ١٩٠ لغاية ١٩٥ ومن ١٩٨ لغاية ٢١٩ من ذلك القانون والخاصة بالجرائم الماسة بامن الدولة الخارجي والمواد ٢٢٣، ٢٢٤ ، ٢٢٥ ، ٢٢٧، ٢٢٨ من القانون والخاصة بالجرائم الواقعة على السلطة العامة ،  ولو تمعنا في قانون المجلس الوطني لكوردستان العراق لتبين لنا بان المشرع الكوردستاني قد اختزل جميع الجرائم الواردة في المواد العقابية في قانون العقوبات والتي تم ايقاف العمل بها في نص قانوني واحد ، وهذا التوجه لايحقق الغاية المطلوبة بشكل واضح ومعين وان الالفاظ التي استعملها المشرع الكوردستاني فيها الكثير من الغموض والمطاطية والتي لاتأتلف مع الصياغة التشريعية في مجال التجريم حيث ان ذلك النص يحتمل الكثير من التفسيرات في الوقت الذي ان الصياغة التشريعية في نطاق المسائل العقابية يجب ان تكون واضحة من جهة تحديد الافعال بشكل واضح والتي يعتبرها المشرع فعلاً محضوراً ومعاقب عليها لانه لايجوز باي شكل من الاشكال التوسع في التفسير او القياس في مجال التشريعات العقابية لانها تتنافى مع قاعدة لاجريمة ولاعقوبة الا بنص القانون ، فضلاً عن انها تضر بحق الدفاع الذي يعتبر مقدساً بنظر الدستور والقانون ،  حيث ان المشرع العراقي قد عاقب على جرائم الخيانة والتجسس والصلاة غير المشروعة مع العدو ضمن المواد العقابية من ( ١٥٦- ١٨٩ ) في حين ان المواد من ١٥٧ لغاية ١٨٩ تم ايقاف العمل بها في اقليم كوردستان ، ولو رجعنا الى اصل المادة ١٦٤ المعدلة من قانون العقوبات وجد انها نصت على مايلي ( يعاقب بالاعدام  ١- من سعى لدى دولة اجنبية او لدى احد ممن يعملون لمصلحتها او تخابر مع اي منهما وكان من شأن ذلك الاضرار بمركز العراق الحربي او السياسي او الاقتصادي .  كما ان المادة ١٦٧ / ١منه على مايلي ( من طلب لنفسه او لغيره او قبل او اخذ ولو بالواسطة من دولة اجنبية او من احد يعملون لمصلحتها نقوداً او اية منفعة اخرى او وعداً بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل يعلم ان من شأنه الاضرار بمصلحة وطنية يعاقب بالسجن المؤقت وبغرامة لاتقل عن الف دينار لاتزيد على ماطلب او اعطي او وعد به ، كما ان المادة ١٧٥/ ١ من القانون قد نصت على ( يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت من اشترك في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المواد من ( ١٥٦الى ١٧٥ ) او اتخذها وسيلة للوصول الى الغرض المقصود منه )  كما نصت الفقرة ٢ من تلك المادة على ( يعاقب بالاعدام او السجن المؤبد كل من سعى في تكوين هذا الاتفاق او كان له دور رئيسي فيه ) ،  يلاحظ ان تلك المواد جاءت بشكل واضح وجلي لتبين نوعية الافعال المحظورة دون ترك اي مجال للاجتهاد او التفسير  لذا فان النص العقابي الذي اعتمدته المحكمة في قرارها هو نص مبتور ويقبل الكثير من الاجتهاد وهذا غير جائز قانوناً في نطاق الفقه الجنائي ، لان الافعال المسندة الى المتهمين لاتندرج ضمن تلك المادة بشكل دقيق ، وبالتالي يمكن القول بان الوقائع التي بنيت عليها القرار المذكور لايمكن اعتبارها فعلاً محرماً بموجب القانون ونحن امام نص عقابي واحد وهو نص المادة ١ من قانون المجلس الوطني الكوردستاني والتي حلت محل النص العقابي الوارد في المادة ١٥٦ من قانون العقوبات ،    ثانياً :- الادلة التي بنيت عليها القرار :-  يلاحظ بان الادلة التي بني عليها القرار والذي اقتنعت بها محكمة التمييز الموقرة هي الاخرى غير كافية لبناء العقيدة والوجدان بها .  ١- حيث ان الكثير من تلك الادلة تعتبر من القرائن مثل الوثائق والمستندات والمحاضر الخاصة بتفريغ التسجيلات الصوتية بين المتهمين وعلى وسائل التواصل الاجتماعي ومحاضر الاستكتاب الجارية للمتهم ش أ ن والصور والاتصالات مع منظمة ١٧ شباط كلها تعتبر من قبيل القرائن غير القاطعة وان مثل تلك القرائن لاتكفي للقناعة اذا لم تكن مؤيدة بادلة اخرى مباشرة وقوية  ٢- افادة المخبر السري :-  ان افادة المخبر السري هي الاخرى لاتعتبر دليلاً كافياً وانما مجرد قرينة لا اكثر ولا اقل هذا في حالة ماذا تم اعتبار ذلك المخبر سرياً وليس شاهداً وفق القانون وعلى النحو المنصوص عليه في المادة ٤٧ / ٢ المعدلة من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم  من حيث تقديم الشخص طلباً الى قاضي التحقيق بالذات بعدم الكشف عن هويته وعدم اعتباره شاهداً وان القاضي هو الذي يبت في ذلك وليس جهة التحقيق لذا فهو لايتم تحليفه اليمين طالما لايتم اعتباره شاهداً رغم ان نظام المخبر السري يتنافى مع بعض المبادئ الاخرى الواردة في المواد ( ٦٠/ أ و٥٧/ أ و١٧٥ ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية وكذلك مع احكام الدستور في المواد ١٩ منه وبقدر تعلق الامر بحق الدفاع الذي صانه ذلك الدستور حيث ان المتهم لايعرف من هو المخبر السري ربما يكون خصمه او له عداوة معه لانه لا يتم احضاره لمواجهة المتهم سواء في مرحلة التحقيق او المحاكمة ويحرم المتهم ووكيله من مناقشته بخصوص الوقائع الواردة في افادته  ، لذا يتعين على القضاة في مرحلة التحقيق أخذ كل تلك الامور بنظر الاعتبار في التعامل مع المخبر السري وكذلك يتعين على محكمة الجنايات عند اجراء محاكمة المته، عدم التعويل على افادة المخبر السري في اصدار قراتها في الدعوى الجزائية عند جنوحها للادانة  وكذلك يتعين على محكمة التمييز عدم بناء قناعتها بمثل ذلك الدليل كمبدأ عام  مراعاة لاحكام الدستور وتناقض ذلك النظام مع الكثير من المبادي القانونية والدستورية المشار اليها انفاً ،   ٣- اعتراف المتهمين في مرحلة التحقيق :-  انه من ضمن الضمانات القانونية للقبول باعتراف المتهم في جرائم الجنايات هو لزوم حضور محامي عن المتهم كما تقضي بذلك احكام المادة ١٢٣ المعدلة من قانون اصول المحاكمات الجزائية من خلال اعلام قاضي التحقيق للمتهم بان من حقه توكيل محامي للدفاع عنه وان لم تكن له القدرة المالية على توكيل محامي لنفسه فانه يتعين على القاضي ندب احد المحامين للدفاع عنه وعلى نفقة الدولةً، كما ان الدستور العراق الصادر في عام ٢٠٠٥ هو الاخر وفي المادة ١٩ الفقرة الرابعة منها على لزوم انتداب المحكمة محامياً للدفاع عن المتهم في جناية او جنحة لمن ليس له محامي يدافع عنه وعلى نفقة الدولة ، ويفهم من تلك النصوص بان قول المتهم بانه لايوجد لي محامي ولا احتاج الى محامي لايجدي حق الدفاع حقه وانما في مثل هذه الحالة يكون على المحكمة لزام قانوني بانتداب محامي له قبل الشروع في استجوابه عن التهمة المسندة اليه  لكن يلاحظ من خلال التطبيقات القضائية في الاقليم ان الكثير من قصاة التحقيق لايطبقون هذا النص بشكل صحيح رغم تعلقه بالنظام العام ، لذا فان اغفال محكمة الموضوع وكذلك محكمة التمييز عند تصديها لتدقيق الدعوى والقرارات الصادرة فيها لهذا الموضوع يجعل من الاعتراف الذي ادلى به المتهم  امام قاضي التحقيق غير مشروعاً وبالتالي لايمكن بناء الحكم عليه هذا في حالة كون الاعتراف صحيحاً وصادراً عن المتهم من دون اكراه او تهديد او وعد او وعيد واما اذا كان الاعتراف مشوباً بذلك العيب فانه لاتكون له اية قيمة قانونية في الاثبات الجنائي وهذا ما أستقر عليه القضاء الجنائي العراقي ، ومما هو جدير بالذكر من الناحية القانونية بان مجرد قول المتهم بانه تعرض للتعذيب فانه يتوجب على محكمة الموضوع ان تشرع من جانبها في التحقق من تلك الجهة والسماح للمتهم بان يكشف عن اماكن التعذيب من جسمه اذا كان التعذيب بدنياً اما اذا كان معنوياً فانه يتوجب على محكمة الموضوع ان تجعل من صدرها رحبة ولزوم اجراء التحقيق بخصوص ذلك لذا فان قول محكمة التمييز الموقرة في قرارها بان اعترافات المتهمين في مرحلة التحقيق جاءت بكل حرية وارادة وادراك دون ضغط او اكراه او اغراء ولم يثبت وقوع الاعتداء والتعذيب على المتهمين لعدم استحصالهم على تقارير طبية تبين اثار التعذيب على اجسادهم وعدم تسجيلهم للشكوى على الذين اعتدوا عليهم فلم يثبت انتزاع الافادات منهم بالقوة والتهديد وان تراجعهم عن اعترافاتهم امام المحكمة لايجديهم نفعاً لان اعترافهم امام قاضي التحقيق اقرب الى وقت الحادث ويضاف الحادث (والقول لايزال لمحكمة التمييز) الى اقرب اوقاته ، كل هذه المبررات لا سند لها من القانون حيث ان المحكمة لم تطلب من المتهمين الكشف عن اجسامهم للوقوف على اثار التعذيب لم نجد في القرار الى اجراء من هذا القبيل وان استحصال المتهم على التقرير الطبي اللازم لايكون الا بقرار من المحكمة فهل يستطيع المتهم بنفسه الحصول على اي تقرير طبي من دون احالته الى الفحص الطبي كما ان تبريرات محكمة التمييز بخصوص واقعة التعذيب بالكيفية المشار اليها في القرار يكون في حالة احالة المحكمة للمتهمين للفحص الطبي واستحصالهم على التقرير الطبي اللازم ولكن التقرير لم يتضمن اية اشارة الى اثار التعذيب كما ان القول بان اعتراف المتهمين امام قاضي التحقيق اقرب الى وقت الحادث هذا التبرير والتعليل يصح من الناحية القانونية في حالة ادلاء المتهمين باقوال قد تتناقض في بعض التفاصيل عن اقوالهم الاولية امام قاضي التحقيق وهذا غير متحقق في الدعوى وبالتالي نستطيع القول من الناحية القانونية بان تبريرات المحكمة في الاخذ باعترافات المتهمين لاتجد لها سنداً حقيقياً في القانون وفي العرف القضائي ، ٤- يفهم من قرار محكمة الموضوع بانها اعتبرت تصرفات المتهمين من باب التجسس والخيانة وكما هو معلوم ان مفهوم التجسس في الفقه الجنائي يعني نقل او افشاء خبر او أي امر من الامور التي تعتبر سراً من اسرار اقليم كوردستان الى اية جهة خارجية لقاء منفعة او بدونها  وكان من شأن ذلك الاضرار بامن واستقرار وسيادة مؤسسات اقليم كوردستان ،  اما الخيانة فان مفهومها يعني تسليم سلطة اجنبية اسراراً امتلكها من قام بالتسليم ،  وبالتالي فان التمعن فيما تقدم يبدو ان الفعل المسند الى المتهمين لايشكل جريمة الخيانة فانه اقرب الى التجسسس هذا في حالة توفر كافة اركان الجريمة في ذلك الفعل وكذلك ثبوت الوقائع المسندة الى المتهمين بادلة قانونية مقنعة ومعتبرة وان كل هذا لم يتحقق في الدعوى المنظورة من قبل محكمة الموضوع ولم تلتفت اليها محكمة التمييز ، يضاف الى ماتقدم ان المعلومات التي تم نقلها الى الجهات الاجنبية في الاقليم حتى على فرض صحتها فانها لاتعتبر سرية بالمعنى القانوني المقصود لان كل مواطن لابل تلك الجهات الاجنبية نفسها على علم بتلك المعلومات حيث ان ممثليهم في زيارات مستمرة الى مؤسسات اقليم كوردستان كوزارة البيشمركة وكذلك تواجدهم في جبهات القتال في حينه هذا فضلاً عن ان تلك الجهات الاجنبية على اتصال مستمر بالمسؤولين الحكوميين والسياسين  في الاقليم لبحث مستوى التعاون العسكري بينهم وبين مؤسسات الاقليم الحربية وغيرها من الناحية المادية واللوجستية  لذا فان اي نقل للمعلومات اليهم من اي شخص كان لايشكل جريمة التجسس بالمعنى القانوني المطلوب ، لانهم ليسوا بحاجة الى تلك المعلومات وانها متوفرة لديهم بحكم علاقاتهم القانونية مع مؤسسات الاقليم ذاتها ،                 ثالثاً :- واخيراً وليس اخراً يمكننا القول بان قرارات محكمة الموضوع وكذلك قرار محكمة التمييز الموقرة تكتنفها اخطاء في تطبيق القانون وبامكان ذوي العلاقة في تلك الدعوى من سلوك طريق طلب تصحيح القرار التمييزي والطلب من السيد رئيس محكمة التمييز او ان الهيئة نفسها عند تقديم مثل ذلك الطلب عرض الدعوى على الهيئة العامة لمحكمة التمييز لاهمية الموضوع عسى ان يتوقفوا اعضاء تلك الهيئة على الاخطاء القانونية التي وقعت فيها محكمة الموضوع والهيئة الجزائية لمحكمة التمييز ،  ارجو المعذرة اذا ماكنت مخطئاً في رأي المتواضع لاننا بني ادم وكلوا بني ادم خطائين ،                                 * عضو محكمة تمييز اقليم كوردستان سابقاً   


ستران عبدالله  هذه الصورة تلخص الوضع العراقي وملفه الكردي. ربما كان الامر هكذا منذ بدايات تشكيل الدولة العراقية. ولكن ما كان ينقصنا و ماكان يحتاجه الامر هو صورة ملونة تعكس الواقع المر بكل أبعاده. جبل متين تحت نفوذ الجيش التركي حيث الخارطة الرسمية للدولة العراقية تضم هذا الجبل وسلسلة جبال أخرى من كردستان العراق. وهي منطقة تقع تحت نفوذ و سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني ويفترض بالخطاب الرسمي العراقي أن يقول كلمته عن هذا التجاوز الفظ  على السيادة العراقية.  وقال تلك الكلمة على استيحاء ، عوضا عنه وعن حكومة الاقليم ايضا . و انقرة تعلم ان الاحتجاج الديبلوماسي اضعف الايمان في الموقف الوطني العراقي والموقف القومي الكردي بينما الفعل التركي اعتداء فاقع على شروط الجيرة الحسنة. الصورة لوزير الدفاع التركي خلوصي اكار وهو يتفقد قواته التركية على أرض عراقية دون أن يرف له جفن.. قوات مدربة في صف متناسق تقدم تعظيم سلام لقائدها العسكري القادم من أرض الوطن الأم الى (أرض المال السائب ) التي تغري كل من هب و دب ليدلو بدلوه بغرس  شوكته في خاصرة الوطن الافتراضي. كانت الادبيات العثمانية تسمي هذا الجيش بالغضنفر وهي كلمة عربية أصيله دخلت قاموس اللغة التركية مثلها مثل  كلمة الغازي التي تحاكي في معناها الايجابي كلمة الفاتح المعاصرة. ويتذكر العراقيون قول الجنرال الانكليزي مود حين دخل بقواته بغداد: جئناكم محررين  لا فاتحين .  ولكن بالمناسبة أين بغداد من كل هذا؟ وخلوصي اكار يصول ويجول في أرض أستلمتها كغنيمة حرب من العثمانلي دون أن تفي بأحتياجات الوطنية الحقة؟ بل أين كردستان بكل هذا الكم  الهائل من مفردات الشعر وأدب القاومة ضد المحتل الاجنبي وهي غافلة عن الحضور التركي المتمدد على طول كردستان المحررة من قوات (صدام حسين) منذ 1991؟ وخصوصا في منطقة نفوذ لحزب لطالما رفع من منسوب الشعارات القومية الطنانة حينما يتعلق الامر بالاستهلاك المحلي وشروط التصارع الداخلي. أين الغيرة الوطنية العراقية وأين الهمة القومية الكردستانية التي صنعت مصدات نفسية عميقة تجاه الوجود العسكري العراقي و تناست الطمع التركي الممتد عبر التاريخ القريب والبعيد. أم أن المصد القومي الكردي يتحدى الحضور العراقي ويعجز عن أن يأتي بمثله في غيره و يعجز من انتاج مفاهيم بيشمركاتية تجاة الحضور التركي. محزن جداً أن العقيدة العسكرية للعراق الجديد كسابقته العقيدة العسكرية في العراق الملكي والجمهوري،  يغرق في تفاصيل الكرامة والنخوة الوطنية حينما يتعلق الامر بالملف الكردي ولكنه يتناغم مع المحيط الاقليمي ومتطلباته التوسعية التي تلثم السيادة العراقية.  والكلب المندهش من المشهد كله هو العنصر الاصيل الوحيد في الصورة الملونة.كلب عراقي - كردي يختزل الهوية المركبة لهذه الارض الطبية التي يتفنى الجميع بمآثرها الجغرافية والطبيعية الخلابة وينسى الجميع واجباتهم تجاهه. فتحية لك أيها الكلب الوفي. في عالم تزدحم فيه الهويات المركزية و الفرعية دون أن تتمكن من ضبط العلاقة بينهما . وأنما يدخل الغريب من تلك المسامات بالضبط


جويس كرم قليلة هي اللحظات حين يختار فيها الساسة والزعماء القيم والاعتبارات الأخلاقية فوق المصالح الجيوسياسية والاستراتيجية، التي هيمنت على صنع السياسة الدولية منذ نشأة مفهوم الدولة.  من المتوقع أن يشهد يوم السبت 24 أبريل لحظة مماثلة، مع اختيار الرئيس الأميركي جو بايدن الطريق الأصعب والأكثر تعقيدا على واشنطن بالاعتراف بالمجازر التي حلت بالأرمن على يد السلطنة العثمانية وتركيا الحديثة بين 1915 و1923 بأنها إبادة جماعية. أميركا بذلك ستنضم بسلطاتها التنفيذية (البيت الأبيض) والتشريعية (الكونغرس الذي اعترف بالإبادة في 2019) إلى 29 دولة بينهم ألمانيا وفرنسا وروسيا والأرجنتين ولبنان وكندا والدنمارك.  كان أسهل على بايدن أن يحذو حذو أسلافه ويخرج ببيان يقول فيه يستنكر فيها "المجازر الوحشية" و"المأساة التاريخية" وأوصاف أخرى للالتفاف حول الحدث بعدم استخدام كلمة "إبادة جماعية"، وتجنبا من إثارة غيظ القيادة التركية. جورج بوش الأب وثم الابن، باراك أوباما ودونالد ترامب، كلهم رؤساء تعهدوا في حملاتهم باستخدام عبارة الإبادة الجماعية، قبل أن يعدلوا عن قرارهم بعد تولي الحكم بسبب الضغوط التركية.  بايدن سيغير هذا النهج يوم السبت في الذكرى الـ106 على المجازر، ببيان يصف القتل الممنهج لمليون ونصف من المدنيين الأرمن بالابادة الجماعية. القرار جاء من الرئيس ومستشاريه الأقرب رغم معارضة الخارجية وحذر وزارة الدفاع بسبب المخاوف من رد فعل عكسي على العلاقة التركية-الأميركية المتأرجحة أصلا.  الخوف في الخارجية هو من انعكاسات على الانسحاب الأميركي المرتقب من أفغانستان في 11 سبتمبر، وعلى التبادل التجاري وتعاون أنقرة كحليف في "الناتو" في ردع روسيا والصين، إنما مع ذلك اختار بايدن الاعتبارات الإنسانية.  عدم الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن كان أبسط على بايدن في محاولته كسر الجفاء مع تركيا، وتسهيل الخروج مع أفغانستان، إنما كان ليكرر النمط نفسه من التغافل في القضايا الإنسانية لحماية المصالح الجيوسياسية.  تاريخ السلطنة العثمانية من مذبحة المماليك إلى مجازر القسطنطينية وحلب وجدة ومذابح سيفو، حافل بمحطات سوداوية لا يمكن لدولة تركيا الحديثة أن تتخطاها من دون حتى الإقرار بوقوعها. لم تتخط ألمانيا ذكرى المحرقة النازية بنكرانها، ولم تتخط اليابان مجازر نانكينغ من دون الاعتراف بها والاعتذار عنها. المصالحات والتقدم في مجتمعنا الإنساني وفي الدول الراقية يبدأ لحظة الاعتراف والإقرار بالخطأ بدل معاقبة من هم في تركيا الحديثة في حال استخدام عبارة الابادة. بايدن ليس دونالد ترامب ولا باراك أوباما، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان بدأ يكتشف ذلك. هناك عودة لاعتبارات حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأميركية في هذه الإدارة من دون أن تكون المحرك الأساسي. هناك أيضا وضوح في قراءة المعطيات التاريخية وقوة أميركا. فالباب مفتوح أمام إردوغان وفلاديمير بوتين وشي جين بينغ للتعاون في قضايا حيوية من أفغانستان إلى النووي مرورا بالمناخ، من دون أن يعني ذلك أن واشنطن ستلتزم الصمت حول فظائع إنسانية وانتهاكات حصلت في هذا الأسبوع أو منذ أكثر من قرن. اعتراف بايدن بالإبادة الجماعية الأرمنية هو متأخر، ولكن يرسخ منعطفا في السياسة الخارجية الأميركية التي ستستوعب المصالح الحيوية بين الدول من دون أن تتنازل عن القيم الإنسانية والحقائق التاريخية.  


  عدالت عبدالله   ليس هناك إتفاق عراقي – تركي ما، على وجود قوات تركية مسلحة على الأراضي العراقية، خصوصاً مع زوال النظام السابق(1968-2003) وإتفاقياته المشؤومة. ولا ثمة أي قبول رسمي وشعبي حتى الآن لبقاء القواعد التركية العسكرية ومقراتها الأمنية، التي تضم– حسب بعض المعلومات المخابراتية - حوالي ثلاثة آلاف مسلح، أُنتُشِروا في أكثر من 21 معسكراً تم إنشائه في مناطق مختلفة منذ أكثر من عقدين، وأصبحت الأراضي العراقية، بموجبه، منذ ذلك الحين الى يومنا هذا، مسرحاً مفتوحاً لمرور وإستعراض ارتال من الدبابات والمدرعات والمدافع التركية والقيام بعمليات عسكرية مكثفة بكامل الحرية. وقد لوحِظ إنتهاكات هذه القوات ومساويء وجودها العسكري داخل الأراضي العراقية، في التحشدات والعمليات العسكرية المتواصلة، التي تشنها بين حين وآخر وتستهدف بها قرى كردستانية ومرافق حكومية وأهلية، لاسيما في مناطقة قريبة من عاصمة الإقليم أربيل، وكذلك بالقرب مناطق بامرني وشيلادزي و باتوفان و كاني ماسي و كيريبز و سنكي و سيري و كوبكي و كومري و كوخي سبي و سري زير، فضلاً عن مدن مثل زاخو والعمادية و دهوك و سوران وبعشيقة..الخ. ومن المعلوم أن كُل هذا يَحدُث دوماً بذرائع مختلفة، هي إما محاربة الحزب العمال الكردستاني PKK، أو تدريب قوات عراقية في المناطق ذات الغالبية السنية، أو بحجة حماية الأقلية التركمانية من تهديدات داعش وجهات أخرى متفرقة يُمكن لأنقرة إتهامها في أي وقت! تسويغاً منها لتدخلات سياسية وعسكرية في الشأن العراقي الداخلي، بل تعظيم دورها، تدريجياً، كقوة محورية أخرى يمكنها التحكم متى ما شاءت بالمعادلة العراقية وبمستقبل العراقيين، وذلك على غرار نظيراتها الإقليمية تماماً وإملاءآتها على العملية السياسية والقوى المتنفذة في البلد. والحقيقة، برأيي، أن الأمر، في مجمله، أو في النهاية، لا يتعلق وحسب بمرامٍ سياسية وإقتصادية لمثل هذه الدول التي تدعي حُسن الجوار وتتعاطى بخطاب سياسي مخادع للرأي العام العراقي والإقليمي والعالمي، لاسيما إذا ما تأملنا في تدخلاتها الإقليمية المعهودة ومطامعها التوسعية في المنطقة، وإنما العلة، بل كل العلة، تكمن أساساً في الحالة العراقية البائسة نفسها، وفي وصول البلد بفضل (الساسة) غير الوطنيين الى حد القبول بالإذلال والركوع المجاني أمام كل أجنبي وفقدان الحد الأدنى من المناعة إزاء ما تتعرض لها يومياً السيادة العراقية وأراضي البلد وأهالي المناطق المختلفة في العراق نتيجةً لوجود مثل هذه القوات المُنتهكة لسيادة العراق وحقوق العراقيين وحقهم في العيش بسلام وأمان على أرضهم وفي بلدهم. نعم أن الأمر مرتبط بغياب دولة عراقية تعي، قبل أي شيء، خطورة التعود على هذه الإنتهاكات والإعتداءآت التركية وغير التركية، والتعامل معها بعقلية دولة مستقلة ذات سيادة وكرامة. ولا تكتفي بإصدار البيانات والتنديدات تجاه التهديدات الأجنبية وإعتداءآتها، أو إستدعاء الدبلوماسيين فقط وتسليمهم مذكرات الإحتجاج. أن الأمر لم يعد قابلاً للمعالجة أو التغطية بهذه الطرق التقليدية غير المُجدية، وإنما يستوجب على النخبة الحاكمة في العراق أن ترفض تماماً أي تعاون أو تواطؤ مع الأجنبي على حساب سمعة البلاد وأرواح أبنائها، أو لقاء ثمن بخس هو بمثابة رشاوي للخضوع والقبول بالصمت إزاء جرائم أُقتُرِفَت بحق ضباط وجنود عراقيين تعرضوا للقصف التركي كما حدث في غارة جوية على دورية عسكرية تابعة لحرس الحدود العراقي في الصيف الماضي(2020م) وكما تتعرض له أسبوعياً أبناء كُردستان وقراها الحدودية منذ أكثر من ثلاثة عقود متتالية. كما أن على الحكومة العراقية أن تُطالب المجلس الأمن بإتخاذ موقف دولي إزاء الإعتداءآت التركية داخل الأراضي العراقية، خصوصاً مع تزايد أعداد الضحايا في صفوف المدنيين في المناطق الحدودية والتي وصلت الى أكثر من 500 مواطن عراقي كُردستاني منذ عام 1991 الى اليوم، وتدمير أو تهجير مئات القرى وحرق المناطق المأهولة بالسكان والأراضي الزراعية وتشريد أهاليها بطريقة مأساوية فضيعة. وأن تُطالب الحزب العمال الكُردستاني PKK أيضاً بنقل مقراتها العسكرية الى داخل الأراضي التركية. من جانب آخر، ينبغي على الدولة، بكافة مؤسساتها الرسمية، أن تُعيد الهيبة الى الدولة العراقية وترفض تعاون أي طرف أو حزب سياسي في العراق أو إقليم كُردستان مع القوات التركية والإستقواء بها لحسم خلافاته مع الخصوم، ويجب أن يُناقَش هذا الملف في مجلس النواب وتُتخذ قرارات أو تُشَرَّع قوانين تَحظُر أي حزب أو تيار ما من مزاولة النشاط السياسي إذا ما تعاون مع قوى إقليمية لمصالح حزبية ذاتية ودون أخذ قوانين الدولة الإتحادية وقواعدها في التعاطي مع الدول بعين الإعتبار. كاتب وأكاديمي – من كُردستان العراق


حقوق النشر محفوظة للموقع (DRAWMEDIA)
Developed by Smarthand