قانون أمريكي يضغط العراق.. الدعم الأمني مقابل حسم ملف الفصائل

2025-12-17 20:47:18

عربيةDraw:

لم يعد الجدل الأمريكي بشأن العراق محصوراً بملف الوجود العسكري أو مكافحة داعش، بل انتقل إلى اختبارٍ أكثر حساسية يمسّ بنية الدولة العراقية نفسها، فمع إقرار الكونغرس الأمريكي قانون الاعتمادات الدفاعية للسنة المالية 2026، قررت واشنطن استخدام جزء من الدعم الأمني كورقة ضغط مباشرة لدفع بغداد نحو حسم ملف الفصائل المسلحة، في خطوة تُقدَّم بوصفها دعماً لبناء دولة ذات سيادة، لكنها تضع القرار العراقي أمام معادلة معقّدة بين الاستقلال ومتطلبات الشراكة الأمنية.

وبحسب المادة 1218 من مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي للسنة المالية 2026، قيّد الكونغرس صرف أكثر من 50 بالمئة من الأموال المخصصة لمكتب التعاون الأمني في العراق إلى حين تقديم وزير الدفاع الأمريكي شهادة رسمية تؤكد أن الحكومة العراقية اتخذت خطوات موثوقة لتقليص القدرة العملياتية للجماعات المسلحة الموالية لإيران غير المدمجة في القوات الأمنية، من خلال نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، إلى جانب تعزيز سيطرة رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة، ومحاسبة عناصر الميليشيات أو الأفراد العاملين خارج التسلسل القيادي الرسمي.

وفي هذا السياق، تقول مديرة مكتب جريدة الشرق الأوسط في واشنطن هبة القدسي إن “إقرار الكونغرس الأمريكي قانون الاعتمادات الدفاعية الوطنية للسنة المالية 2026 يُعد خطوة جريئة نحو إعادة تشكيل العلاقات الأمنية مع العراق”.

وتضيف القدسي، أن “توقيت القرار يحمل دلالات سياسية واضحة، إذ يؤشر تحولاً في السياسة الأمريكية خلال الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، باتجاه استخدام الأدوات المالية للضغط الأمني من دون الانخراط في تدخل عسكري مباشر”، مؤكدة أن “الهدف المعلن يتمثل في تقوية مؤسسات الدولة العراقية وتقليص نفوذ الدولة الموازية".

وتلفت إلى أن “القرار يتزامن مع إلغاء الكونغرس تفويضات الحرب القديمة ضد العراق، ما يؤشر محاولة مزدوجة لإعادة ضبط العلاقة مع بغداد، عبر الشراكة من جهة، ووضع خطوط حمراء واضحة أمام الفوضى الأمنية من جهة أخرى".

وتختم بالقول، إن “التداعيات الداخلية للقرار قد تكون عميقة، إذ يضع الحكومة العراقية أمام اختبار حقيقي في الموازنة بين متطلبات السيادة والضغوط الدولية، في ظل مرحلة سياسية حساسة مرتبطة بتشكيل الحكومة المقبلة".

وتزامن تحرّك وزارة الدفاع الأمريكية نحو تشديد التعامل مع ملف الجماعات المسلحة وربط جزء من الدعم الأمني المقدم للعراق بشروط تتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، مع مرحلة مهمة من المشهد السياسي الداخلي تتمثل بمفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، وما رافقها من نقاشات واسعة حول طبيعة مشاركة القوى المرتبطة بالفصائل المسلحة داخل التركيبة الحكومية المقبلة.

ويرى مختصون أن هذا التزامن لا يمكن فصله عن سعي واشنطن إلى التأثير في مسار الترتيبات السياسية والأمنية المقبلة، عبر استخدام الأدوات المالية والأمنية للحد من نفوذ الجماعات المسلحة خارج إطار الدولة، ودفع القوى السياسية نحو تشكيل حكومة أكثر انسجاماً مع متطلبات الشراكة الأمنية والاستقرار طويل الأمد.

بدوره، يرى الخبير الأمني سرمد البياتي، أن “الشروط التي فرضها الكونغرس الأمريكي على المساعدات المقدمة للعراق سيكون لها تأثير مباشر على سلوك الحكومة العراقية، في ظل امتلاك واشنطن أدوات ضغط متعددة يمكن توظيفها في هذا الملف، باعتبارها تمتلك أوراق ضغط مهمة، في مقدمتها ملف العائدات النفطية والأموال العراقية المرتبطة بالنظام المصرفي والبنوك الأمريكية، فضلاً عن المساعدات الأمنية التي ما زال العراق بحاجة إليه".

ويوضح البياتي، أن “ربط المساعدات بملف حصر السلاح بيد الدولة قد يكون الخيار الأسهل والأقل كلفة بالنسبة لواشنطن مقارنة بخيارات ضغط أخرى، لكنه في الوقت نفسه قد ينعكس سلباً على العراق، لا سيما في ظل هشاشة بنيته الاقتصادية واعتماده شبه الكامل على عائدات النفط".

ويحذر من أن “أي تضييق مالي أو اقتصادي قد تكون له تداعيات واسعة، ليس فقط على الوضع المعيشي، بل على الاستقرار السياسي والأمني في البلاد أيضاً".

ووفقاً لتقارير رسمية، قدمت واشنطن ما يقرب من 13.8 مليار دولار أمريكي كتمويل للعراق في الفترة من 2015–2023، وبحسب أحدث البيانات المتاحة لهذا العام، قُدرت هذه المساعدات في عام 2023، بحوالي 430 مليون دولار، ونحو 361 مليون دولار للعام الماضي، حيث تضمن هذا الدعم مجموعة من البرامج لتعزيز القدرات العسكرية العراقية.

إلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي نزار حيدر أن “الضغوط الأمريكية على العراق في ملف الفصائل المسلحة بدأت مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع العام الحالي".

ويشير حيدر إلى أن “هذه الضغوط اتخذت أشكالاً متعددة، شملت عقوبات وإدراج بعض الفصائل وزعاماتها على لوائح الإرهاب العالمية، وصولاً إلى ربط الدعم المالي للقوات المسلحة العراقية بملف حل الفصائل المسلحة".

ويوضح أن “الهدف الأساسي من هذه الإجراءات يتمثل في مساعدة العراق على بناء دولة دستورية كاملة السيادة، من دون وجود دولة موازية تتحكم بها الفصائل المسلحة ذات الارتباطات الخارجية”، لافتاً إلى أن “واشنطن تسعى للتعامل مع العراق كدولة مستقلة، وليس كساحة مرتبطة بالملف الإيراني".

ويرى المحلل السياسي المقيم في واشنطن، أن “قرار الكونغرس، رغم طابعه المالي، يحمل أبعاداً سياسية واضحة، ويهدف إلى دفع القوى السياسية العراقية نحو تشكيل حكومة خالية من مشاركة الفصائل المسلحة”، كاشفاً عن “تحركات دبلوماسية أمريكية مكثفة في بغداد خلال الأيام الماضية لإيصال رسالة واضحة مفادها رفض إشراك هذه الفصائل في أي حكومة مقبلة".

وفيما ركزت واشنطن خلال السنوات الماضية على الضغط المباشر على الفصائل المسلحة عبر العقوبات الفردية والتصنيفات القانونية، تشير المعطيات الحالية إلى تحوّل تدريجي في أدوات التأثير الأمريكية، من استهداف الفاعلين المسلحين بشكل منفصل، إلى ممارسة ضغط مباشر على الحكومة العراقية نفسها، بوصفها الجهة القادرة – نظرياً – على إدارة ملف حصر السلاح وتفكيك شبكات النفوذ خارج إطار الدولة.

وهذا التحول -وفق خبراء- يضع بغداد في قلب المواجهة السياسية، ويجعل القرار السيادي مرتبطاً بحسابات مالية وأمنية أوسع من مجرد ملف أمني تقني.

المصدر: موقع العالم الجديد

 

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand