هه‌واڵ / جیهان

الحصاد: عومير كرمي - معهد واشنطن يبدو أن النظام الإيراني يعمل على إزالة أي عقبة قد تمنع رئيس السلطة القضائية الايرانية إبراهيم رئيسي من الفوز برئاسة الجمهورية الإسلامية، وربما خلافة خامنئي كمرشد أعلى. وقد تؤدي خسارته إلى زيادة تقويض الشرعية المحلية للنظام. شكّلت حملة الانتخابات الرئاسية في إيران هذا الأسبوع "مفاجأة شهر أيار/مايو" حيث أعلن "مجلس صيانة الدستور" أنه تمّ استبعاد العديد من المرشحين البارزين من خوض الانتخابات المزمعة في 18 حزيران/يونيو. ورغم أن استبعاد أعداد كبيرة من المرشحين ليس بممارسة جديدة بالنسبة للنظام، إلا أن بعض الأسماء التي تمّ إقصاؤها هذا العام لم تكن متوقعة: فلم تتم الموافقة في النهاية سوى على 7 مرشحين من أصل 40 مرشحاً من الذين استوفوا الحدّ الأدنى من معايير التسجيل في وقت سابق من هذا الشهر، علماً بأن اللائحة النهائية للمرشحين المعتمدين لا تشمل شخصيات بارزة مثل رئيس "المجلس" السابق علي لاريجاني، نائب الرئيس إسحاق جهانغيري، أو الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. وحتى الآن، أعلن لاريجاني وغيره من المرشحين المستبعدين أنهم يقبلون بحكم "المجلس" ولن يطلبوا من المرشد الأعلى علي خامنئي إبطاله. غير أن شخصيات بارزة أخرى وجهت انتقادات علنية. فقد وصف صادق، شقيق لاريجاني، الذي كان رئيس السلطة القضائية الإيرانية بأن القرار "لا مبرر له". أما الإصلاحي المستبعد مصطفى تاج زاده فذهب إلى أبعد من ذلك قائلاً إنه "لا يجدر بأي مواطن مسؤول الرضوخ" لقرار "المجلس"، ثم أعلن أن القرار يهدف إلى الإطاحة بالجزء "الجمهوري" من الجمهورية الإسلامية. وحتى أن إبراهيم رئيسي - المرشح الأوفر حظاً والذي سيكون أكثر المستفيدين من الاستبعادات - أعرب عن قلقه، مشيراً إلى أنه حاول جعل الانتخابات أكثر تنافسية وتشاركية. ومع ذلك، ربما كانت الغاية من تصريحه هي خدمة مصالحه الذاتية، وبناء شرعيته والرد على الإشارات الشعبية الساخرة للسباق الانتخابي بأنه "رئيسي مقابل رئيسي" - وربما الحفاظ على فرصه في خلافة خامنئي في المستقبل. مَن هم على القائمة النهائية؟ يميل المرشحون السبعة الذين استوفوا المعايير المطلوبة وبشدة نحو المعسكر المحافظ، مع إضافة اسمين ثانويين من غير المحافظين لتمويه أحدث خطوات النظام للسيطرة [على مرشحي الانتخابات]. ومن بين أبرز هؤلاء المحافظين نذكر رئيس السلطة القضائية الايرانية آية الله رئيسي الذي يُعتبر حالياً على نطاق واسع المرشح المفضل لخامنئي بعد أسابيع من التأييد الضمني له وانسحاب العديد من كبار المحافظين (على سبيل المثال، رئيس "الباسيج" السابق علي رضا أفشار، وزير الدفاع السابق حسين دهقان، ووزير النفط السابق رستم قاسمي). وتظهر أربع شخصيات أخرى من المحافظين/المتشددين في اللائحة النهائية، على الأقل في الوقت الحالي وهم: رئيس «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني السابق وأمين "مجمع تشخيص مصلحة النظام" الحالي محسن رضائي، وأمين "المجلس الأعلى للأمن القومي" سعيد جليلي، وعضو "المجلس" السابق علي رضا زاكاني (الذي تم استبعاده من سباقييْن رئاسييْن سابقيْن)، ونائب رئيس "المجلس" الإيراني أمير حسين قاضي زاده هاشمي. وإذا كان التاريخ مؤشراً، فمن المرجح أن ينسحب معظمهم قبل وصولهم إلى خط النهاية ويتّحدوا وراء رئيسي باعتباره المرشح الرئيسي المحافظ. أما المرشحان غير المحافظين في اللائحة فهما رئيس "البنك المركزي" الإيراني عبد الناصر همتي المتحالف مع حزب الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني ولكن يُنظر إليه على أنه تكنوقراط أكثر من كونه زعيم سياسي، والإصلاحي محسن مهرعليزاده، الذي شغل منصب نائب الرئيس أثناء فترة رئاسة محمد خاتمي. ولا يملك أي من هذين المرشحين قاعدة انتخابية مهمة أو حضوراً بارزاً في الساحة السياسية الإيرانية، خاصة بالمقارنة مع المرشحين الذين لم يُسمح لهم بخوض المعركة الانتخابية. إفساح المجال لرئيسي كان علي لاريجاني من أهم الأسماء وأكثرها مفاجأة من الذين استبعدهم "المجلس" نظراً إلى نسبه وشهرته في الميدان السياسي في إيران. فعائلته هي من الأسر الأكثر نفوذاً في البلاد، ولها علاقات قوية مع كل من رجال الدين في قم والنخبة السياسية في طهران. كما  خدم الجمهورية الإسلامية في العديد من المناصب الرفيعة منذ الثمانينيات - كضابط في «الحرس الثوري» الإيراني، ووزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، وسكرتير "المجلس الأعلى للأمن القومي"، وكبير المفاوضين النوويين، ومؤخراً، كرئيس "المجلس" لثلاث فترات. وقد تأهل للترشح للرئاسة في الماضي (حصل على حوالي 5 في المائة من الأصوات في عام 2005)، ولا يزال من أبرز رموز النظام اليوم.  ومنذ تسجيل اسمه لانتخابات هذا العام، كان لاريجاني ناشطاً للغاية على تطبيقات "كلوب هاوس" و "إنستغرام" و "تويتر" ووسائل تواصل اجتماعي أخرى، حيث كان ينشر عدة مرات في اليوم ويهاجم بعض منافسيه المتشددين، من بينهم رئيسي وجليلي. واقترح البعض أن تحوّله العملي يهدف إلى اجتذاب قاعدة الرئيس حسن روحاني من الناخبين الأصغر سناً والأكثر ثقافةً، الذين لا يرغبون عموماً في أن يصبح إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية.   ولم يتم نشر السبب الرسمي لإقصاء لاريجاني - وفقاً لبعض التقارير، حاول "مجلس صيانة الدستور" إلقاء اللوم على ابنته بسبب دراستها المزعومة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فمن الأرجح أن سجله الحافل المثير للاهتمام وإمكانية أن يكون مرشح تسوية نافذاً هما ما تسبب بإقصائه. كما أزال "المجلس" عقبات أخرى من أمام رئيسي من خلال قطع الطريق أمام مرشحين بارزين مرتبطين بالإصلاح أمثال جهانغيري وتاج زاده ومحسن هاشمي رفسنجاني (نجل الرئيس السابق). وسجلت جبهة الإصلاح عدة مرشحين على أمل أن يُسمح لعدد قليل منهم على الأقل بخوض الانتخابات، ولكنهم كانوا يتوقعون بلا شك أن تتمكّن شخصية أهم من مهر علیزاده (الذي لم يكن أحد المتقدمين من قبل جبهة الإصلاح) من تخطي عتبة الترشح. ورداً على القائمة النهائية لـ "المجلس"، غرد المتحدث باسم الجبهة، عازار المنصوري، بأنهم لن يدعموا أي مرشح لأن جميع الإصلاحيين قد تم استبعادهم. أما بالنسبة لأحمدي نجاد، فلم يلبّ المعايير المطلوبة تماماً كما حصل خلال الانتخابات السابقة؛ وعلى الرغم من أن هذا القرار كان متوقعاً، إلّا أن بعض التقارير أفادت بأن النظام نشر قوات الأمن في الحي الذي يسكنه تحسباً لأي ردّ فعل عكسي على الإعلان. كذلك، تمّ رفض ترشح المسؤول في «الحرس الثوري» الإيراني سعيد محمد لخوض الانتخابات.  قد يؤدي تأمين مستقبل رئيسي إلى تآكل شرعية النظام عندما استبعد "مجلس صيانة الدستور" شخصيات بارزة خلال الانتخابات السابقة، حاول بذلك إرساء توازن من خلال السماح لمرشحي تسوية أقل "خطورة" بالترشح. وتمثلت الفكرة بتقديم شخص يتوافق معه الناخبون العمليون وتقليص فرصة نسب المشاركة الضئيلة بشكل محرج. ففي عام 2013، على سبيل المثال، مُنع رفسنجاني الأكبر من الترشح باعتباره مرشحاً عملياً نافذاً، في حين نجح روحاني "باعتباره الخيار الأكثر أماناً" وفاز بالرئاسة في النهاية.      وأخيراً، يمكن للعديد من الخطوات التي لا يمكن التنبؤ بها أن تقلّص رد الفعل المحلي لإعلان "المجلس". على سبيل المثال، قد يقرر خامنئي إعادة بعض المرشحين غير المؤهلين كما فعل أحياناً في الماضي، أو قد يعتمد فقط على المصلحة الشعبية في الانتخابات البلدية المتزامنة لضمان مشاركة محترمة في التصويت الرئاسي. ومع ذلك، في الوقت الحالي، يبدو النظام مستعد لإبعاد بعض مؤيديه الرئيسيين فقط للحرص على فوز رئيسي بأي ثمن. ويكمن أحد التفسيرات المحتملة لهذا النهج المحفوف بالمخاطر في الإشارات العديدة على أن رئيسي يجري إعداده تدريجياً لخلافة خامنئي كمرشد أعلى. وقد يؤدي فوزه في انتخابات الشهر المقبل إلى تعزيز إرثه التنفيذي لهذا المنصب، في حين أن خسارته السباق الرئاسي الثاني على التوالي قد ينهي هذا الاحتمال تماماً. وفي كلتا الحالتين، قد ينتهي الأمر إلى مزيد من تقويض الشرعية المحلية للنظام.  


الحصاد: د. حسن محمد صندقجي  المعدة والمريء من الأعضاء الحساسة جداً في الجسم، ويناط بهما أداء وظائف مهمة في عملية استقبال وهضم الطعام. وهما يضطران في نفس الوقت إلى التعامل وحدهما، ودون مساعدة منا، بما يتم بلعه من أطعمة أو مشروبات. وتبعاً لذلك تتأثر حالتهما الصحية وقدراتهما على أداء وظائفهما، بعدد من السلوكيات الحياتية التي نمارسها في حياتنا اليومية، سواء منها ما يتعلق بعملية الأكل ومكونات الوجبة الغذائية، أو بممارسات يومية لا علاقة لها بعملية الأكل كالتدخين أو تناول الأدوية المسكنة للألم غير الستيرويدية NSAID.   1- سلوكيات مؤذية ونتيجة لأي تأثيرات سلبية عليهما في طريقة تناول الطعام، يعاني المرء إما من صعوبات وألم في البلع، أو حرقة تسريب أحماض المعدة إلى المريء، أو آلام التهابات وقروح المعدة والمريء، أو اضطرابات الهضم، أو انتفاخ البطن، أو زيادة الوزن. ومن سلوكيات تناول الطعام التي قد تؤذي المعدة والمريء: تناول الطعام قبل الذهاب للنوم. وتناول أي أطعمة قبل النوم، ولو كانت قليلة، يمكن أن يلحق الضرر بالمعدة وبالراحة أثناء النوم. أما تناول وجبة طعام العشاء قبل الذهاب إلى النوم، فيتسبب في مزيد من الضرر، خاصةً الأطعمة الدسمة التي تظل في المعدة وقتاً طويلاً قبل الخروج منها إلى الأمعاء. وتفيد الإحصائيات الطبية أن حوالي 20 في المائة من الناس يعانون من درجات متفاوتة الشدة لحالات تسريب أحماض المعدة إلى المريء. ولذا ولهؤلاء، فإن أحد أهم السلوكيات الصحية لتخفيف هذه المعاناة عنهم، هي أن يكون بين وجبة العشاء وموعد النوم حوالي 3 ساعات. وللأشخاص الذين لا يعانون من هذه المشكلة، يمكن أن يكون وقت وجبة العشاء قبل حوالي 90 دقيقة من موعد النوم، كي يترك وقت كاف لإفراغ المعدة من محتوياتها قبل وضعية استلقاء الجسم للنوم. كما يجدر انتقاء أنواع من الأطعمة التي لا تبقى كثيراً في المعدة، وتحاشي الوجبات الدسمة والمقليات. ومما يساعد على منع الشعور بالجوع أثناء الليل، إضافة أطعمة غنية بالألياف وبالبروتينات الخالية من الدهون في وجبة العشاء، كي يدوم الشعور بامتلاء وشبع البطن. ومن أمثلة الأطعمة البروتينية: لحوم صدور الدجاج والديك الرومي والبيض المسلوق ولبن الزبادي واللبنة وجبنة قريشة Cottage Cheese القليلة الدسم. وهذه الأطعمة البروتينية تحتوي أيضاً على عناصر غذائية تساعد في تسهيل الخلود إلى النوم.   2- اضطراب الوجبات اضطراب وقت وجبات الطعام. أفضل ما يقدمه المرء لمعدته هو تعويدها على استقبال وجبات الطعام في أوقات شبه ثابتة خلال اليوم. ولذا فإن نسيان تناول إحدى وجبات الطعام، أو التناول المفاجئ لوجبات خفيفة، ولكنها ثقيلة بالدهون والسكريات، أمور تؤذي المعدة. وتشير بعض المصادر الطبية أن المعدة إذا تعودت على أوقات ثابتة لتناول الطعام، ربما تقوم كعادتها بإفراز الأحماض لهضم الأطعمة التي تتوقع استقبالها. وعدم تناول الطعام آنذاك قد يؤذي المعدة بالأحماض. كما تشير بعض الدراسات الطبية أن الاختلاف في توقيت الوجبة على مدى فترة طويلة قد يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأعراض جرثومة المعدة Helicobacter pylori والتهاب المعدة. علاوة على ذلك، فإن عدم وجود وقت محدد لتناول أي وجبة في اليوم سيجعل الجسم يفشل في إفراز الإنزيمات الصحيحة، لأن الدماغ يعتريه تشويش عند اختلاف توقيت تناول الوجبات. وتقول بروك ألبرت، مؤلفة كتاب «حمية التخلص من السموم» واختصاصية التغذية: «تخطي الوجبات لحرمان نفسك أو معاقبتها، أو لأنك مشغول جدًا عن تناول الطعام، له عواقب سلبية على جسمك». بينما تفيد بوني تاوب ديكس، مؤلفة كتاب «أقرأها قبل أن تأكلها» واختصاصية التغذية: «عندما يتخطى الأشخاص وجبات الطعام، فإنهم يشعرون أنهم مدينون بشيء ما في وقت لاحق من اليوم، لذا فهم يميلون إلى الإفراط في تناول وجبتهم التالية». وتضيف قائلة: «إذا قسمت وجباتك على مدار اليوم، فسيكون جسمك قادرًا على استخدام هذه العناصر الغذائية بكفاءة أكبر. ولمساعدة جسمك على العمل بشكل صحيح، تأكد من الاستمتاع بثلاث وجبات متوازنة في اليوم، وتناول وجبة خفيفة صحية عندما تكون جائعًا بين الوجبات».   3- عدم مضغ الطعام جيداً لا يتعلق الأمر فقط بوقت تناول الطعام أو ما يأكله المرء، ولكن أيضاً كيفية تناول الطعام لها أهمية لصحة المعدة والمريء. وعدم مضغ الطعام جيداً، والسرعة في وضع الطعام في الفم، وبلع لقم الطعام سريعاً، يتسبب في ضعف قدرة الأمعاء على هضم الأطعمة، لأن اللعاب يحوي عدداً من الأنزيمات التي تبدأ في عمليات هضم الأطعمة. وبعض المصادر الطبية تقول إن: «الجهاز الهضمي يريد أن يتم 50 في المائة من عملية الهضم في الفم». كما أن السرعة في تناول الطعام والطعام غير الممضوغ جيداً وغير الممزوج جيداً باللعاب اللزج، يتسبب في صعوبات في البلع، ويتسبب أيضاً باضطراب في الحركة الدودية Esophageal Peristalsis لأنبوب المريء في دفع الطعام نحو المعدة ودخول الطعام إلى المعدة بتناغم مع فتح العضلة العاصرة في أسفل المريء LES، وعدم قدرة المعدة على التوسع بسلاسة وراحة لاستيعاب الطعام. وحول عدد مرات مضغ اللقمة من الطعام، تشير إحدى الدراسات البريطانية إلى أن غالبية الناس تمضغها ما بين 5 إلى 6 مرات. وأشارت دراسات عدة أن ذوي الوزن الزائد غالباً لا يمضغون الطعام جيداً مقارنة بذوي الوزن الطبيعي. ولزيادة فقدان الوزن، وجدت إحدى الدراسات أن المشاركين الذين يمضغون كل لقمة 40 مرة فقدوا وزنًا أكبر من أولئك الذين يمضغون كل لقمة أقل من 10 مرات. وذكرت دراسة سابقة لباحثين من جامعة برمنغهام، أن المضغ الجيد للطعام لمدة نصف دقيقة على أقل تقدير لكل لقمة من الطعام، يقلل من كمية الطعام الذي يتناوله المرء في وجبة الطعام ويقلل من احتمالات الرغبة في تناول الطعام لاحقاً. ومضغ الطعام جيداً يحسن من صحة المعدة عبر ضبط كمية الأحماض التي تفرزها، ويزيد من قدرة الأمعاء على امتصاص العناصر الغذائية من الطعام، ويقلل من اضطرابات الإخراج (وخاصةً الإمساك)، ويقلل من غازات البطن، ويساعد في خفض وزن الجسم.   4- طريقة تناول الطعام وضعية تناول الطعام عند الأكل وبعده. تحتاج عملية تناول الطعام ومضغه وبلعه، وكذلك هضم المعدة والأمعاء للطعام، أن يكون الجسم في وضعية الجلوس المعتدلة. أي دون الاتكاء على أحد الجانبين أو الانحناء الشديد إلى الأمام، وأيضاً دون الوقوف. وبالمقارنة بين الوقوف أو الجلوس أثناء تناول الطعام، تقول المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها CDC: «الوقوف أثناء الأكل قد يؤدي إلى الأكل بلا وعي أو بسرعة كبيرة». ذلك أنه وفق ما تشير إليه نتائج الدراسات فإن الجلوس يساعد في بطء تناول وجبة الطعام وزيادة اليقظة الذهنية أثناء تناول الطعام Mindful Eating وتقليل كمية الطعام المتناولة، مقارنة بالوقوف. وفي دراسة لباحثين من جامعة أوترخت في هولندا، تبين أن الوقوف أثناء وبعد تناول وجبة الطعام يسرع بالشعور بالجوع لاحقاً، مقارنة بالجلوس. وأيضاً يزيد من احتمالية سوء هضم الكربوهيدرات، وخاصةً منها الكربوهيدرات المتسببة بالغازات. وبالتالي الوقوف أثناء الأكل قد يزيد من الغازات والانتفاخ من خلال التأثير على: سرعة الأكل، وزيادة كمية الطعام المتناولة، وبلع مزيد من الهواء، وعدم هضم الكربوهيدرات بشكل كافي، وذلك مقارنة بالجلوس.   وقارنت إحدى الدراسات سرعات الهضم لدى الأفراد الذين استلقوا أو جلسوا أو تحركوا بعد تناول وجبة الطعام. واستغرق الأمر لدى الذين استلقوا بعد الأكل مدة أطول بنسبة 100 في المائة، مقارنة بمن جلسوا أو تحركوا. ولم تجد دراسات أخرى فرقاً زمنياً واضحاً في مدة الهضم بين الجلوس أو الوقوف بعد تناول الطعام. وبعد تناول الطعام، يكون الهضم أبطأ عند الاستلقاء وأسرع عند الوقوف أو الحركة، وكذلك يزيد تسريب أحماض المعدة إلى المريء عند الاستلقاء. وفي إحدى دراسات باحثين من جامعة أوتاه، وباستخدام التصوير النووي لإفراغ المعدة، تبين أن وضعية الاستلقاء تبطئ بشكل كبير من إفراغ المعدة مقارنة بجميع الأوضاع الأخرى. هذا بالإضافة إلى أن الاستلقاء أو النوم مباشرة بعد تناول وجبة الطعام يزيد من احتمالات تسريب أحماض المعدة إلى المريء، لأن الاستلقاء يحرم من ميزة تأثير الجاذبية الأرضية للمساعدة في الحفاظ على محتويات المعدة في المعدة. متى تكون كمية الأكل كبيرة على المعدة؟   > المعدة أنبوب عضلي طويل. وعندما تكون فارغة، فلها شكل الكمثري ومتوسط وزنها حوالي 135 غراما، وقطرها حوالي 5 سنتيمترات. وهي قابلة للتمدد إلى خمسة أضعاف هذا الحجم لتسع حوالي ما بين 2 إلى 3 لترات من السوائل والأطعمة. ولكنها تبدأ في إظهار عدم الراحة عند تجاوز كتلة ما يدخلها (سوائل وأطعمة) مقدار حوالي 1 كيلوغرام من الأطعمة والسوائل. والمعدة وإن كانت مثل البالون القابل للتمدد لاستيعاب كمية الطعام والمشروبات المتناولة، إلا أنها، وبمجرد إفراغ محتوياتها نحو الأمعاء، تعود إلى حجمها الطبيعي. واختلاف الناس في القدرة على تناول كميات متفاوتة من حجم وجبة الطعام ليس بسبب «كبر» أو «صغر» حجم المعدة، بل بسبب الـ«تعويد» السلبي للمعدة على سهولة التمدد والتوسع عند كل مرة يتمادى المرء فيها في تناول كمية كبيرة من الطعام. وانتظار الشعور بالشبع قبل التوقف عن تناول الطعام ليس سلوكاً صحياً في التعامل مع المعدة برفق، لأن المعدة عندما تمتلئ جداً بالطعام، ترسل إشارات عصبية إلى الدماغ كي ينبه المرء بضرورة التوقف عن تناول مزيد من الطعام. ولكن هذا التنبيه يتم عبر إفراز هرمون «غرلين» الذي قد يستغرق مدة 20 دقيقة كي يبدأ مفعوله. وهو ما يبرر ضرورة التوقف عن تناول المزيد من الطعام قبل بلوغ حالة الشعور بـ«الشبع».   كيف تحسن عادات الأكل؟   تحت عنوان «تحسين عادات الأكل الخاصة بك» تفيد المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها: «عندما يتعلق الأمر بالأكل، لدينا عادات بعضها جيد وبعضها ليس جيدا. ورغم أن العديد من عاداتنا الغذائية قد نشأت خلال مرحلة الطفولة، إلا أن هذا لا يعني أن الوقت قد فات لتغييرها. ويتطلب تحسين عاداتك الغذائية بشكل دائم، اتباع نهج مدروس يمكنك من خلاله التفكير والاستبدال والتعزيز». وتضيف موضحة هذه الخطوات الثلاث: «فكر في جميع عاداتك الغذائية، سواء كانت سيئة أو جيدة، والمحفزات الشائعة للأكل غير الصحي لديك. واستبدل عاداتك الغذائية غير الصحية بأخرى صحية. وعزز عاداتك الغذائية الجديدة». > في خطوة «فكر»، تنصح المراكز بوضع قائمة لعادات تناول الأكل لديك، وخاصةً منها التي تؤدي بك إلى الإفراط في تناول الطعام، مثل تناول الطعام بسرعة، وتناول الطعام برغم عدم الشعور بالجوع، والأكل واقفاً، وتخطي بعض وجبات الطعام. ويجب تحديد المحفزات لتناول الطعام دون الشعور بالجوع، مثل: - فتح الثلاجة ورؤية وجبات خفيفة مفضلة. - الجلوس في المنزل لمشاهدة التلفزيون. - العودة إلى المنزل بعد العمل وليس لديك فكرة عما هو موجود لتناول العشاء. - الشعور بالملل أو التعب، والتفكير بأن تناول الطعام سيؤدي إلى انتعاشك. ثم اسأل نفسك: هل هناك أي شيء يمكنني القيام به لتجنب هذه المحفزات؟ وبالنسبة للأشياء التي لا يمكنني تجنبها، هل يمكنني القيام بشيء مختلف يكون أكثر صحية؟ > وفي خطوة «استبدل»، تقول: «قم باستبدال العادات غير الصحية بأخرى صحية. وعلى سبيل المثال، عند التفكير في عاداتك الغذائية، قد تدرك أنك تأكل بسرعة كبيرة عندما تأكل بمفردك. لذلك، التزم بمشاركة وجبة غداء كل أسبوع مع زميل. وأيضًا، قلل من عوامل التشتيت، مثل مشاهدة الأخبار أثناء تناول الطعام، لأن هذه المشتتات تمنعك من الانتباه بسرعة لمقدار ما تأكله». وتضيف: «تناول الطعام فقط عندما تكون جائعًا حقًا. تناول الطعام ببطء أكثر. وإذا وجدت نفسك تأكل عندما تشعر بمشاعر غير الجوع، مثل الملل أو القلق، فحاول إيجاد نشاط غير متعلق بالأكل للقيام به بدلاً من ذلك. قد تجد نزهة سريعة تساعدك على الشعور بالتحسن. وخطط للوجبات في وقت مبكر لضمان تناول وجبة صحية متوازنة». > وفي خطوة «عزز»، تقول المراكز الأميركية: «عزز عاداتك الصحية الجديدة وكن صبورًا مع نفسك. تستغرق العادات وقتًا لتتطور. لا يحدث ذلك بين عشية وضحاها. عندما تجد نفسك منخرطًا في عادة غير صحية، توقف في أسرع وقت ممكن واسأل نفسك: لماذا أفعل هذا؟ متى بدأت بفعل هذا؟ ما هي التغييرات التي احتاجها؟. احرص على عدم توبيخ نفسك أو الاعتقاد بأن خطأً واحدًا «يضر بالعادات الصحية» ليوم كامل.


الححصاد BBC انتهت مهلة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لتشكيل حكومة جديدة، ما يمنح منافسيه فرصة لتولي السلطة وإنهاء فترته المثيرة للانقسام، في رئاسة الوزراء. وظل نتنياهو يحاول، منذ 28 يوماً، تشكيل تحالف بعد الانتخابات العامة، في 23 مارس/آذار، وهي الرابعة من نوعها خلال عامين. وانقضى الموعد النهائي للتشكيل منتصف ليل الأربعاء. وقال مكتب الرئيس رؤوفين ريفلين في بيان إن نتنياهو "أبلغ (الرئاسة) أنه غير قادر على تشكيل حكومة وبالتالي أعاد التفويض إلى الرئيس". ما الذي يستطيع الرئيس فعله؟ يستطيع ريفلين الآن أن يطلب رسمياً من زعيم سياسي آخر محاولة تشكيل ائتلاف. لكن هذا قد يؤدي إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى. وستكون هذه ضربة لنتنياهو، الزعيم الإسرائيلي الأطول خدمة. ولكن ذلك كان متوقعاً على نطاق واسع، بعد النتيجة غير الحاسمة للانتخابات، بحسب تقرير مراسلة بي بي سي من القدس، يولاند نيل. صدر الصورة،EPA التعليق على الصورة، الرئيس الإسرائيلي عقد مشاورات مع زعماء أحزاب مختلفة. ويستطيع الرئيس ريفلين الآن منح عضو آخر في البرلمان 28 يوماً لمحاولة تشكيل حكومة جديدة. ومن المتوقع أن يختار يائير لابيد، الذي جاء حزبه الوسطي "يش عتيد" في المرتبة الثانية بعد حزب الليكود اليميني بزعامة نتنياهو، في التصويت الأخير. وسيواجه لابيد تحدياً لرأب الخلافات الأيديولوجية الواسعة بين الأحزاب التي قد يطلب منها الانضمام إلى ائتلاف. وإذا ثبت أن المرشح الذي طلبه الرئيس غير قادر على تشكيل حكومة، فيمكنه تكليف البرلمان باختيار مرشح. وإذا لم يستطع، فستجري إسرائيل انتخابات أخرى. ومما زاد التعقيد خلال تلك الفترة الطويلة من الجمود السياسي في إسرائيل، استمرار محاكمة نتنياهو بتهمة الفساد. وفيما ينفي نتنياهو التهم الموجهة اليه، يقول خصومه إنه لا ينبغي عليه البقاء في منصبه أثناء مواجهة تهم جنائية. ما الذي عرقل محاولة تشكيل الحكومة؟ لم يستطع حزب الليكود اليميني الذي يتزعمه نتنياهو (71 عاماً)، الفوز بأكبر عدد من المقاعد في التصويت، لكنه حصل وحلفاؤه على الأغلبية المطلقة في الكنيست الذي يضم 120 مقعداً. ويبدو أن الناخبين اختاروا، بحسب محللين، ألا يكافئوا نتنياهو على حملة التطعيم الناجحة في مواجهة فيروس كورونا. ويعد نتنياهو أطول زعماء إسرائيل خدمة، إذ قاد خمس حكومات منذ عام 1996. وانهارت حكومته الأخيرة (التي تقاسم فيها السلطة مع حزب المعارضة الرئيسي آنذاك، للمساعدة في معالجة وباء فيروس كورونا)، في ديسمبر/كانون الأول، مما أدى إلى إجراء الانتخابات الأخيرة. وكان من المحتمل أن يتطلب أي ائتلاف بقيادة نتنياهو تعاوناً ضمنياً بين حزب "القائمة العربية الموحدة" (راعم)، وتحالف الصهيونية الدينية اليميني المتطرف، الذي ألقى تبنى قادته خطاباً معادياً للفلسطينيين. صدر الصورة،EPA التعليق على الصورة، منصور عباس زعيم حزب "راعم" الفلسطيني أبدى الاستعداد للمشاركة في أي ترتيب يساعد في تحسين حياة الفلسطينيين. وقال منصور عباس، زعيم حزب "راعم"، إنه منفتح على أي ترتيب يحسن مستويات المعيشة للأقلية الفلسطينية في إسرائيل التي تبلغ 20 بالمئة. لكن زعيم "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش وصف "راعم" بأنهم "مؤيدون للإرهاب"، وقال إنه يرفض العمل معهم. وكان بإمكان نتنياهو أيضاً أن يتوصل إلى العدد المطلوب من خلال التصالح مع تلميذه السابق المنفصل عنه، القومي الديني نفتالي بينيت، وإقناع المنشقين عن الليكود في حزب "الأمل الجديد" بالعودة إلى حزبه. لكن زعيم "الأمل الجديد "جدعون سار أكد أن حزبه ملتزم بالإطاحة بنتنياهو. وقال بينيت، رجل الأعمال السابق والمليونير، الاثنين، إنه كان بإمكانه تأييد نتنياهو للحفاظ على الحكم اليميني، لكنه لم يرَ أن هناك احتمالاً لرئيس الوزراء لتشكيل ائتلاف قابل للحياة. وانتقد حزب الليكود الأربعاء بينيت لما وصفه "برفضه تشكيل حكومة يمينية". ويُنظر إلى بينيت منذ فترة طويلة على أنه داعم متشدد ومتحمس لتوسيع المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية. لكنه سعى إلى تسليط الضوء على مؤهلاته التجارية والإدارية، بعدما دمرت عمليات الإغلاق الوبائي الاقتصاد الإسرائيلي. وقال بينيت إن أولويته القصوى هي تجنب إجراء انتخابات خامسة، وإنه سيعمل على تشكيل حكومة وحدة إذا لم يتمكن نتنياهو من تشكيل ائتلاف. وقد ينتهي الأمر بينيت بقيادة حكومة وحدة، على الرغم من سيطرة حزبه "يمينا" على سبعة مقاعد فقط.


الحصاد: قال وزير المالية السعودي إن المملكة قد توفر 200 مليار دولار على مدى العشر سنوات المقبلة من خلال استبدال الوقود السائل المستخدم محليا بالغاز ومصادر الطاقة المتجددة، وسط مساع لخفض التكاليف من أجل تمويل استثمارات. وشرعت أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم في خطة إصلاحات طموح خلال السنوات الأخيرة لتحديث الاقتصاد وتوفير فرص العمل والحد من الاعتماد على إيرادات النفط. وقال الوزير مجمد الجدعان "إحدى المبادرات التي نحن بصدد الانتهاء منها استبدال السوائل. "هذا البرنامج سيوفر للحكومة حوالي 800 مليار ريال (213.34 مليار دولار) على مدار السنوات العشر المقبلة يمكن استغلالها في الاستثمار". وقعت السعودية الشهر الجاري اتفاقات لشراء الكهرباء مع سبع مشروعات للطاقة الشمسية في إطار خطة لتحقيق أقصى استغلال لمزيج الطاقة المستخدم في توليد الكهرباء. وقال الجدعان "بدلا من شراء الوقود من الأسواق العالمية بستين دولارا ثم بيعه إلى المرافق السعودية بستة دولارات، أو استخدام جزء من حصتنا في أوبك للبيع بستة دولارات، سنستبدل فعليا ما لا يقل عن مليون برميل من المكافئ النفطي في السنوات العشر المقبلة ونحل محلها الغاز والطاقة المتجددة". وتضررت السعودية ضررا شديدا من انخفاض أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا العام الماضي، وقد أعلنت حديثا عن خطة لتسريع الاستثمار الداخلي ضمن برنامج لإنفاق تريليونات الدولارات تقوده شركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو وصندوق الثروة السيادي الضخم، صندوق الاستثمارات العامة، البالغ حجمه 400 مليار دولار. وفي محاولة لرفع عبء تمويل بعض الاستثمارات عن كاهل الخزانة، طُلب من بعض الشركات تقليص التوزيعات التي تُصرف للحكومة وتعزيز إنفاقها الرأسمالي. وقال الجدعان "من الآن وحتى 2025، وربما حتى 2030، سنعطي أولوية للاستدامة المالية. نرى أنه لكي نحقق جميع الأهداف التي وضعتها رؤية 2030، نحتاج لصيانة الاستدامة المالية والسيطرة على الإنفاق الحكومي". ورؤية 2030 هي خطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتطوير السعودية عن طريق الحد من اعتماد الاقتصاد على النفط وبناء صناعات ومشروعات ضخمة جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص لتوفير ملايين الوظائف. وفي نهاية 2020، انخفض معدل البطالة إلى 12.6 بالمئة من مستوى قياسي مرتفع عند 15.4 بالمئة في الربع الثاني من العام الماضي حين كان الاقتصاد يعاني بسبب الجائحة، لكنه يظل أعلى كثيرا من السبعة بالمئة التي تستهدفها المملكة. وقال الجدعان "لم نغير هدف البطالة للعام 2030، لكن لأننا لم نتجاوز مرحلة الخطر بعد فمن الصعب جدا أن نتوقع معدل البطالة للعام 2021. "هدفنا خفض الرقم بحيث ننهي العام عند مستوى أقل مما كان عليه في 2019، قبل كوفيد، لكن لا يمكن أن أقول إنه سيحدث بكل تأكيد".


الحصاد: BBC في تطور جديد يتعلق بملف ما يسمى "مذابح الأرمن"، نسبت وكالة رويترز للأنباء لمصادر القول إنه من المتوقع أن يعترف بها الرئيس الأمريكي جو بايدن رسمياً. ولطالما نفت تركيا المزاعم بارتكاب مذبحة بحق الأرمن خلال الأعوام الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى والتي تعتبرها عدة دول غربية عملاً من أعمال الإبادة الجماعية. وينتظر أن تثير الخطوة الأمريكية حنق تركيا وتفاقم توتر العلاقات بين الدولتين. فقد قالت ثلاث مصادر مطلعة إنه من المرجح أن يستخدم بايدن عبارة "إبادة جماعية" في بيان يوم 24 أبريل/ نيسان عندما تُنظم فعاليات سنوية لإحياء ذكرى الضحايا في مختلف أنحاء العالم. ولكن المصادر حذرت من أن بايدن قد يؤثر في اللحظة الأخيرة عدم استخدام هذا التعبير في ضوء أهمية العلاقات الثنائية مع تركيا. وكان بايدن قد أحيا قبل عام، عندما كان لا يزال مرشحا رئاسيا، ذكرى "مليون ونصف مليون أرمني من الرجال والنساء والأطفال الذين فقدوا أرواحهم في الأيام الأخيرة للإمبراطورية العثمانية"، وقال إنه سيدعم مساعي وصف عمليات القتل تلك بالإبادة الجماعية. ومرر مجلس الشيوخ الأمريكي في 2019 قراراً غير ملزم يعترف بعمليات القتل بصفتها إبادة جماعية في خطوة تاريخية زادت وقتها من غضب تركيا. وأرسل عضو الكونغرس البارز عن الحزب الديمقراطي آدم شيف ومجموعة من نحو 100 من النواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي خطابا لبايدن مؤخرا طالبين منه الوفاء بتعهده الانتخابي. صدر الصورة،GETTY IMAGES وتقول تركيا أن كثيرين من الأرمن الذين كانوا يعيشون في الإمبراطورية العثمانية قُتلوا في اشتباكات مع القوات العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، لكنها تشكك في أعداد من قُتلوا وتنفي أن تكون أعمال القتل مدبرة على نحو ممنهج ترقى الى الإبادة جماعية. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوويش أوغلو إن من شأن أي تحرك من قبل بايدن لوصف أعمال القتل بالإبادة الجماعية أن يلحق ضرراً أكبر بالعلاقات المتوترة أصلاً بين الدولتين. يذكر أن إجراءات كانت تهدف للاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن قد تعطلت لعقود في الكونغرس الأمريكي، وأحجم الرؤساء الأمريكيون عن وصفها بذلك خشية تأثر العلاقات مع تركيا سلبا وبفضل اللوبي الكبير الذي جندته تركيا في الولايات المتحدة ضد تلك الإجراءات. فما هي الحكاية؟ تقول دائرة المعارف البريطانية إن "المذابح" التي تعرض لها الأرمن تمت من خلال عمليات تهجير قسري وقتل جماعي نفذتها حكومة حزب تركيا الفتاة التي كانت تحكم الدولة العثمانية ضد الرعايا الأرمن في الإمبراطورية خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918). ويقول الأرمن إن تلك الحملة كانت محاولة متعمدة لإبادتهم وبالتالي تعد عملاً من أعمال الإبادة الجماعية، وقد قاومت الحكومات التركية المتعاقبة الدعوات للاعتراف بها على هذا النحو معتبرة أنه على الرغم من الفظائع التي حدثت فإنه لم تكن هناك سياسة إبادة رسمية تنفذ ضد الشعب الأرمني. الأرمن في شرق الأناضول كانت الهضبة الجبلية العظيمة في شرق الأناضول، وهي في شرق تركيا حاليا، مأهولة لعدة قرون بشكل أساسي من قبل الأرمن المسيحيين الذين تقاسموا المنطقة مع الأكراد المسلمين، بحسب دائرة المعارف البريطانية. وحكمت المنطقة في العصور القديمة والوسطى سلسلة من الأسر الأرمنية على الرغم من أنها غالبا ما واجهت توغلات من قبل قوى خارجية. وانتهى الاستقلال السياسي الأرمني إلى حد كبير نتيجة سلسلة من الغزوات والهجرات من قبل الشعوب الناطقة بالتركية بداية من القرن الحادي عشر، وفي القرنين الخامس عشر والسادس عشر تم بسط سيطرة الأتراك تماما على تلك المناطق ودمجها في الإمبراطورية العثمانية الشاسعة. وقد احتفظ الأرمن بشعور قوي بالهوية القومية تجسد في اللغة الأرمنية والكنيسة الأرمنية، وتعزز هذا الشعور بفضل نظام الملل العثماني الذي منح الأقليات غير المسلمة استقلالية إدارية واجتماعية كبيرة. صدر الصورة،AFP وفي بداية القرن العشرين كان هناك حوالي 2.5 مليون أرمني يعيشون في الإمبراطورية العثمانية تركز معظمهم في شرق الأناضول. كما عاش عدد كبير من الأرمن خارج الحدود الشرقية للإمبراطورية العثمانية في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا. وكانت حياة القرويين وسكان المدن الأرمن في الإمبراطورية العثمانية صعبة حيث كانوا غالبا ما يتعرضون لمعاملة قاسية من قبل الأكراد المهيمنين على المنطقة، كما كانت المحاكم المحلية والقضاة يحابون المسلمين في كثير من الأحيان في أي نزاع، ولم يكن للأرمن ملاذ يُذكر عندما يقعون ضحايا للعنف أو عندما يتم الاستيلاء على أراضيهم أو مواشيهم أو ممتلكاتهم بحسب دائرة المعارف البريطانية. وكانت الغالبية العظمى من الأرمن مزارعين فقراء، لكن القليل منهم حقق النجاح كتجار وحرفيين، وقد أدت مشاركة الأرمن في التجارة الدولية في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى إنشاء تجمعات أرمنية مهمة في إسطنبول ومدن الموانئ العثمانية وفي مناطق بعيدة مثل الهند وأوروبا. وعلى الرغم من سيطرة المسلمين على المجتمع العثماني، إلا أن عددا قليلا من العائلات الأرمنية تمكنت من الوصول إلى مناصب بارزة في البنوك والتجارة والحكومة. فعلى سبيل المثال، كان كبار مهندسي البلاط العثماني، لعدة أجيال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، من عائلة البليان الأرمنية. ورغم ذلك، أدى بروز وتعاظم نفوذ النخبة الأرمنية المتعلمة والعالمية إلى إثارة الشك والاستياء بين المسلمين، وفي القرن التاسع عشر، كافح الأرمن ضد فكرة أنهم عنصر أجنبي داخل الإمبراطورية العثمانية وأنهم سيخونونها في النهاية ليشكلوا دولتهم المستقلة. وكان النشطاء الأرمن الشباب، وكثيرون منهم من القوقاز في روسيا، قد سعوا إلى حماية بني جلدتهم من خلال التحريض على إقامة دولة مستقلة، فشكلوا حزبين ثوريين هما هينشاك وداشناكتسوتيون في عامي 1887 و 1890. ولم يكتسب أي من الحزبين دعماً واسعاً بين الأرمن في شرق الأناضول، الذين ظلوا إلى حد كبير موالين للدولة العثمانية، وكانوا يأملون بدلا من ذلك في أن يضغط المتعاطفون معهم في أوروبا على الإمبراطورية العثمانية لتنفيذ إصلاحات وضمان الحماية للأرمن، لكن نشاط الثوار الأرمن أجج الخوف والقلق بين المسلمين. المشاعر المعادية للأرمن وتقول دائرة المعارف البريطانية إن المشاعر المعادية للأرمن تحولت إلى أعمال عنف جماعية عدة مرات في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. صدر الصورة،GETTY IMAGES التعليق على الصورة، رسم لمذبحة ضد الأرمن في القرن التاسع عشر فعندما رفض الأرمن في منطقة ساسون في عام 1894 دفع ضريبة جائرة قتلت القوات العثمانية آلاف الأرمن في المنطقة. وبدأت سلسلة أخرى من عمليات القتل الجماعي في خريف عام 1895 عندما تحول قمع السلطات العثمانية لمظاهرة للأرمن في اسطنبول إلى مذبحة. وإجمالا، قُتل مئات الآلاف من الأرمن في مذابح بين عامي 1894 و 1896، والتي عُرفت فيما بعد بمذابح الحميدية. وقُتل حوالي 20 ألف أرمني آخر في أعمال عنف ومذابح في أضنة في عام 1909. تركيا الفتاة والحرب العالمية الأولى وصلت مجموعة صغيرة من الثوار العثمانيينمن جمعية الاتحاد والترقي وهي مجموعة داخل حزب تركيا الفتاة الأوسع، إلى السلطة في عام 1908. وقد رحب الأرمن بإعادة العمل بالدستور العثماني، وقد دفع التعهد بإجراء انتخابات خاصة بالأرمن وغيرهم من غير الأتراك داخل الإمبراطورية للتعاون مع النظام السياسي الجديد. ومع ذلك، أصبحت طموحات تركيا الفتاة أكثر تشدداً وأقل تسامحاً مع غير الأتراك بمرور الوقت، وازدادت شكوكهم تجاه رعاياهم الأرمن الذين ينظرون إليهم باعتبارهم متعاونين مع قوى أجنبية. وأخذت تركيا الفتاة تستبد بالسلطة وتهمش خصومها الأكثر ليبرالية على نحو متزايد، وفي يناير/ كانون الثاني من عام 1913 وصل الأعضاء الأكثر تشددا في الحزب وهم أنور باشا وطلعت باشا إلى السلطة في انقلاب. صدر الصورة،GETTY IMAGES التعليق على الصورة، لاجئون أرمن في عام 1915 وقد ازدادت الكراهية تجاه المسيحيين عندما تعرضت الإمبراطورية العثمانية لهزيمة مذلة في حرب البلقان الأولى (1912-1913) مما أدى إلى خسارة ما تبقى من أراضيها في أوروبا، وألقى قادة تركيا الفتاة باللوم في الهزيمة على خيانة المسيحيين في البلقان. وعلاوة على ذلك، أدى الصراع إلى تدفق مئات الآلاف من اللاجئين المسلمين شرقاً إلى الأناضول مما أدى إلى تصعيد النزاع بين المزارعين المسلمين والمسيحيين على الأرض. واستفاد الأرمن الخائفون من هزيمة العثمانيين للضغط من أجل إدخال إصلاحات، وناشدوا القوى الأوروبية إجبار تركيا الفتاة على قبول درجة من الحكم الذاتي في المناطق ذات الغالبية الأرمنية. وفرضت القوى الأوروبية في عام 1914 إصلاحاً كبيراً على العثمانيين تضمن إشرافاً من قبل مفتشين في المنطقة الشرقية، وقد اعتبرت تركيا الفتاة هذا الترتيب دليلا آخر على تواطؤ الأرمن مع أوروبا لتقويض سيادة الإمبراطورية العثمانية. وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى في صيف عام 1914 انضمت حكومة تركيا الفتاة إلى ألمانيا والنمسا والمجر ضد الحلف الثلاثي الذي ضم بريطانيا وفرنسا وروسيا. ولأن الأرمن والآشوريين عاشوا على طول الجبهة الروسية العثمانية فقد حاول كل من الروس والعثمانيين تجنيد المسيحيين المحليين في حملاتهم ضد أعدائهم. وقد اقترحت تركيا الفتاة على حزب داشناكتسوتيون، الذي كان آنذاك الحزب السياسي الأرمني الرائد، إقناع الأرمن الروس وكذلك الأرمن في الأراضي العثمانية بالقتال من أجل الإمبراطورية العثمانية، فأجاب الحزب بأن الرعايا الأرمن سيظلون موالين للإمبراطورية التي يعيشون فيها، وقد اعتبرت حكومة تركيا الفتاة ذلك الرد بمثابة خيانة. صدر الصورة،AFP وقد قاتل الأرمن في الإمبراطورية العثمانية إلى جانب العثمانيين، بينما قاتلت وحدات المتطوعين الأرمن المكونة من رعايا روس مع الجانب الروسي. "مذابح الأرمن" حاول أنور باشا صد الروس في معركة ساري قاميش في يناير/ كانون الثاني من عام 1915 إلا أن العثمانيين منوا بأسوأ هزيمة في الحرب. وعلى الرغم من أن سوء الإدارة العامة والظروف الجوية القاسية كانت الأسباب الرئيسية للهزيمة فقد سعت حكومة تركيا الفتاة إلى تبرير هزيمتها بـ "الخيانة الأرمنية" فتم تسريح الجنود الأرمن وغيرهم من غير المسلمين في الجيش ونقلهم إلى كتائب عمالية، وتم بعد ذلك قتل الجنود الأرمن المنزوع سلاحهم بشكل منهجي على يد القوات العثمانية، وهم كانوا أول ضحايا ما سيصبح لاحقاً مذابح الأرمن، وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية. وفي نفس الوقت تقريباً، بدأت القوات غير النظامية تنفيذ عمليات قتل جماعي في القرى الأرمنية بالقرب من الحدود الروسية. وقد وفرت المقاومة الأرمنية ذريعة للسلطات لاستخدام إجراءات أشد قسوة، ففي أبريل/ نيسان من عام 1915 تحصن الأرمن في مدينة وان في الحي الأرمني بالمدينة، وقاتلوا ضد القوات العثمانية، وفي 24 أبريل/ نيسان أمر طلعت باشا باعتقال ما يقرب من 250 من المفكرين والمثقفين والسياسيين الأرمن في اسطنبول، بينهم عدد من النواب في البرلمان العثماني، وقد قُتل معظم الرجال الذين تم اعتقالهم في الأشهر التالية، وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية نقلا عن مصادر المقاومة الأرمينية. صدر الصورة،GETTY IMAGES التعليق على الصورة، أمر طلعت باشا باعتقال ما يقرب من 250 من المفكرين والسياسيين الأرمن في اسطنبول وبعد فترة وجيزة من الهزيمة في ساري قاميش، بدأت الحكومة العثمانية في تهجير الأرمن من شرق الأناضول على أساس أن وجودهم بالقرب من الخطوط الأمامية يشكل تهديداً للأمن القومي. وفي مايو / أيار من ذلك العام أصدر البرلمان العثماني تشريعاً يسمح رسمياً بالتهجير القسري، وطوال صيف وخريف عام 1915 نُقل المدنيون الأرمن من منازلهم وساروا عبر الوديان والجبال في شرق الأناضول نحو معسكرات الاعتقال الصحراوية. وقد رافق التهجير القسري، الذي أشرف عليه مسؤولون مدنيون وعسكريون، حملة قتل جماعي ممنهجة نفذتها القوات غير النظامية، وعندما وصل الناجون إلى صحراء سوريا عانوا في معسكرات الاعتقال حيث مات الكثيرون منهم جوعاً. وحسب التقديرات المحافظة فإن ما بين 600 ألف إلى أكثر من مليون أرمني قتلوا أو ماتوا خلال عمليات التهجير. وقد شهد أحداث 1915-1916 عدد من الصحفيين والمبشرين والدبلوماسيين وضباط الجيش الأجانب الذين أرسلوا تقارير حول مسيرات الموت وحقول القتل. صدر الصورة،GETTY IMAGES التعليق على الصورة، تم تهجير النساء والأطفال فيما عرف بمسيرات الموت ويقول موقع الأرشيف الوطني البريطاني إن شهود عيان، من المبشرين الألمان و المسؤولين القنصليين من الفاتيكان وإيطاليا واليونان، كشفوا عن وقوع أعمال مروعة في جميع أنحاء الأناضول خلال الفترة المتبقية من عام 1915. ولم يكن مصير أولئك الذين نجوا من القتل الجماعي أفضل حيث لم ينج ما يقدر بنحو 400 ألف من المهجرين جنوبا حيث حصد الجوع والمرض المزيد من الأرواح، وذلك بحسب موقع الأرشيف الوطني البريطاني. أسباب ونتائج مهدت تلك المذابح الطريق للدولة القومية الأكثر تجانساً، والتي أصبحت في النهاية جمهورية تركيا الحالية. وبحلول نهاية الحرب، غاب أثر أكثر من 90 في المئة من الأرمن في الإمبراطورية العثمانية وتم محو العديد من آثار وجودهم السابق، وتم منح منازل وممتلكات الأرمن المهجورة في شرق الأناضول للاجئين المسلمين، وكثيرا ما أُجبر الناجون من النساء والأطفال على التخلي عن هوياتهم الأرمنية واعتناق الإسلام، ومع ذلك، وجد عشرات الآلاف من الأيتام بعض الملاذ في حماية المبشرين الأجانب. وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية. وكان للإبادة الجماعية للأرمن أسباب قصيرة وأخرى طويلة الأمد، فعلى الرغم من أن طرد وقتل مئات الآلاف من الأرمن في 1915-1916 كان استجابة فورية لأزمة الحرب العالمية الأولى ولم يكن نتيجة لخطة طويلة الأمد للقضاء على الشعب الأرمني، إلا أن أسبابه العميقة تعود إلى الاستياء من النجاحات الاقتصادية والسياسية للأرمن مما أدى إلى انعكاس التسلسل الهرمي الاجتماعي العثماني التقليدي الذي كان المسلمون متفوقون فيه على غير المسلمين، والشعور المتزايد من جانب قادة تركيا الفتاة والمسلمين العاديين بأن الأرمن عنصر غريب وخطير في داخل المجتمع. صدر الصورة،GETTY IMAGES وقد دأبت تركيا على رفض الاعتراف بأن أحداث 1915-1916 تشكل إبادة جماعية، على الرغم من أن معظم المؤرخين قد خلصوا إلى أن عمليات الترحيل والمذابح تتناسب مع تعريف الإبادة الجماعية وهي القتل المتعمد لمجموعة عرقية أو دينية. "مذبحة الأرمن" التي تحييها فرنسا وتنكرها تركيا ماذا تعرف عن "مذابح الأرمن" التي يُتهم العثمانيون بارتكابها؟ وقد اعترفت الحكومة التركية بحدوث عمليات تهجير قسري إلا أنها أكدت أن الأرمن كانوا عنصراً متمرداً كان يجب ضبطه خلال مرحلة كانت البلاد تواجه فيها خطراَ على أمنها القومي، وقد أقرت بحدوث بعض عمليات القتل، لكنها تؤكد أنها لم تكن بمبادرة من الحكومة أو بتوجيه منها. كما رفضت الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا، وصف الأحداث بأنها إبادة جماعية من أجل تجنب الإضرار بعلاقاتها مع تركيا. وقدم المسؤولون الحكوميون في تركيا في عام 2014 تعازيهم للضحايا الأرمن، لكن الأرمن يطالبون تركيا بالإعتراف بأن جرائم القتل خلال الحرب العالمية الأولىكانت إبادة جماعية.


الحصاد: منذر سليمان  - جعفر الجعفري /  الميادين نت تشير بيانات البنتاغون إلى تواجد 3،500 جندي نظامي في أفغانستان منذ مطلع العام الجاري، فيما تشير سجلات الخارجية الأميركية إلى تواجد إضافي لنحو 18،000 متعاقد. دخل يوم 30 نيسان/أبريل 1975 التاريخ الإنساني، منصفاً الشعوب المكافحة، ومعلناً هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام. الأول من أيار/مايو 2021، "وَعَدت" الولايات المتحدة بأن يكون يوم بدء سحب قواتها "النظامية المقاتلة" من أفغانستان، ضمن منظومة ترتيبات وتدابير تتيح لها البقاء فيها بمسميات وعناوين مختلفة. بعد مرور 46 عاماً على أكبر هزيمة تلقَّتها واشنطن في العصر الراهن، لا يلمس المرء استفادة الأخيرة من الدروس القاسية لتدخلاتها العسكرية وقهر الشعوب. حظي إعلان الرئيس جو بايدن (14 نيسان/أبريل الجاري) انسحاب 3،500 جندي من أفغانستان بمزيج من مشاعر الارتياح الشعبي وتشكيك بعض مراكز القوى ومعارضة كبار القادة العسكريين، رافقه إعلان البنتاغون على الفور أنَّ "قوات إضافية سيتم إرسالها إلى أفغانستان" لضمان أمن القوات المنسحبة وسلامتها. تشير البيانات الرسمية للبنتاغون إلى تواجد "3،500 جندي نظامي في أفغانستان" منذ مطلع العام الجاري، وهم الذين يدور الحديث حولهم. أما سجلات وزارة الخارجية الأميركية، فتشير إلى تواجد إضافي لنحو "18،000 متعاقد أميركي وأفغاني، وآخرين من دول أخرى" في أفغانستان، "جلّهم من المرتزقة"، ولديهم كفاءات عسكرية واستخباراتية، وآخرين من القوات الخاصة، أي ما يعادل 7 أضعاف القوات النظامية. وقد أوضح رئيس هيئة الأركان المشتركة، مارك ميللي، رؤية البنتاغون ببقاء الوجود العسكري هناك، قائلاً أمام "معهد بروكينغز" إنَّ بلاده ستحتفظ بقاعدتين عسكريتين في أفغانستان بعد الانسحاب الرسمي، وستبقي أيضاً على "عدد من القواعد العسكرية المنتشرة" داخل الأراضي الأفغانية وخارجها (أسبوعية "يو أس نيوز آند وورلد ريبورت"، 2 كانون الأول/ديسمبر 2020).  كما تعهّد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أمام لقاء لحلف الناتو في 15 نيسان/أبريل الجاري، باستمرار "الولايات المتحدة بتمويل قدرات مهمة لأفغانستان" بعد الانسحاب الأميركي، "مثل سلاح الجو الأفغاني والقوات الخاصة، والاستمرار بدفع رواتب قوات الأمن الأفغانية". وأضاف في مؤتمر صحافي للحلف أنَّ بلاده "قد تحافظ على تواجد أميركي لمكافحة الإرهاب في المنطقة". السّؤال المركزي في إعلان الرئيس بايدن عن الانسحاب يتمحور حول حقيقة قرار "مغادرة" أفغانستان وصدقيّته، بصرف النظر عن الجدل اليومي المرافق له. وحذرت يومية "نيويورك تايمز" مراكز صنع القرار من أن الولايات المتحدة "لا يمكنها كسب حرب في أي بلد، فحلفاؤها يعانون ضعف القوة العسكرية، بينما استطاع خصومها التأقلم مع المتغيرات وراكموا قدرات عسكرية" متطورة (9 نيسان/أبريل 2021). وتتالت النصائح والتحذيرات تباعاً من أنصار الرئيس بايدن، وخصوصاً ضمن النخب السياسية والفكرية، عن ضرورة تجاوز مسألة خسارة "الحرب الأطول" والانتقال إلى مواجهة التحديات الدولية الأخرى. وقد أوضحت نشرة "فورين بوليسي" الرصينة أنَّ إعلان الانسحاب يشكّل "إقراراً، ولو متأخراً، بعدم تحقيق الولايات المتحدة نصراً" (14 نيسان/أبريل 2021). وذكّرت النشرة مراكز صنع القرار بالتجربة الأميركية المرهقة، قائلة: "بعد انقضاء 20 عاماً من الحرب التي حصدت آلاف الضحايا، يعترف المسؤولون الأميركيون بأن (حركة) طالبان أضحت أقوى عسكرياً وكثّفت هجماتها بشكل ملحوظ على مدى السنة الماضية".  نشير في هذا الصدد إلى دراسة أجرتها وزارة الطاقة الأميركية في العام 2007 تخصّ أفغانستان وترصد ما في جوفها من موارد طبيعية مهمة تثير نهم سيطرة القوى الغربية. وقد قدرت قيمتها بنحو "تريليون دولار" من المعادن الثمينة، وخصوصاً الذهب والنحاس والكوبالت والليثيوم. وفي مذكرة داخلية للبنتاغون، علّقت على الدراسة بالقول إنّ أفغانستان "قد تحتلّ مركز الصدارة في معدن الليثيوم بشكل يوازي موقع السعودية" بالنفط.  أيضاً، غزت الولايات المتحدة أفغانستان في العام 2001، استناداً إلى قرار رئاسي أصدره الرئيس جورج بوش الابن في 18 أيلول/سبتمبر 2001، وإرساله وحدات من القوات الخاصّة بعد بضعة أيام من الحادثة. جاء ذلك في سياق صراع سيطرة القطب الواحد على الموارد العالميّة، ولقربها من الصين وإيران وروسيا وما يمثّله ذلك من ثقل جيوستراتيجي لواشنطن، ولدورها المحوري في مرور خطوط أنابيب النفط والغاز المتجهة إلى أوروبا، وما ينتظرها من دور متعاظم في استراتيجية الصين المعروفة بـ"الحزام والطريق". وقد تموضعت القوات والقواعد العسكرية الأميركية قرب حدود خصومها الدوليين.  من بين رهانات واشنطن التي أثبتت خطلها الذريع، مراهنتها على "استقطاب" فيتنام ضد الصين وتقديمها شتى العروض المغرية لقاء السماح للبنتاغون بإنشاء "قواعد صاروخية على أراضيها" (2018). واتساقاً مع توجهات واشنطن التاريخية بازدراء القوى الأخرى، تعمدت الأخيرة القفز على كل المؤشرات التي ساقتها فيتنام، وربما تجاهلتها، للدلالة على عدم رغبتها في الدخول في صراع ضد الصين، وهي التي حافظت حتى الآن على مسافة واحدة في صراع البلدين. قرار الانسحاب جاء كمحصّلة لمواقف وأولويات استراتيجية أميركية متجدّدة، حتى إنه تباين مع السردية الرسمية التي حافظت عليها المؤسَّسة الحاكمة بفرعيها العسكري والاستخباراتي، في اتهامها لروسيا بعرض مكافآت مالية على مقاتلي طالبان لقاء مقتل جنود أميركيين (2019)، وارتأى البيت الأبيض الكشف عنها، محمّلاً مسؤولية ترويجها "للأجهزة الاستخباراتية" المختلفة، بعد توصله إلى قناعة بأن مدى اليقين من تلك التهمة كان "متدنياً إلى متوسط"، ما ترجم إلى فقدان المصداقية وشروط الإسناد (بيانات البيت الأبيض 15 نيسان/أبريل الجاري). اللافت في كشف البيت الأبيض عن خطل اتهامات روسيا ونشرها عبر أبرز المنابر الإعلامية المعروفة بعدائها الشديد لها، تسريب لصحيفة "واشنطن بوست" (13 نيسان) ونشرة "ذي ديلي بيست" الإلكترونية (15 نيسان/أبريل)، معزّزة تبريرها بأنَّ أجهزة الاستخبارات الأميركية "استندت إلى اعترافات موقوفين لدى السلطات الأفغانية انتزعت خلال التعذيب، وأحدهم يُدعى ابن الشيخ الليبي". تحميل البيت الأبيض القادة العسكريين والأجهزة الاستخباراتية مسؤولية تقديمهم النصائح لمركز صنع القرار وتملصه من حقيقة تصعيد العداء لروسيا والصين، مع جملة تهديدات عسكرية ضد روسيا وإرسال قطع بحرية أميركية إلى البحر الأسود، ومن ثم انسحابها على عجل بعد توعد موسكو بحماية أراضيها، يشير إلى "اضطرار" الرئيس بايدن معارضة قرار القيادات العسكرية في المرحلة الراهنة وفي ملف محدّد على الأقل. إنَّ ما يعزّز الاستنتاج أعلاه هو خطاب الرئيس بايدن الذي بدى عليه الإعياء، وظهر كأنه ضاق ذرعاً بمماطلة القادة العسكريين وطلب منحهم المزيد من الفرص الزمنية لحسم المعركة عسكرياً، وخصوصاً لتساؤله: "إذاً، متى ستكون الفرصة مؤاتية للانسحاب؟ هل هي سنة أخرى أو سنتان أو 10 سنوات؟". كما دلّ خطابه على تجنيب البنتاغون تكرار هزيمة بلاده في فيتنام والمشهد المحفور في الذاكرة الجمعية بهروب السفير الأميركي هناك عبر طائرة مروحية وسقوطها في رحلة أخرى عن سقف مقر السفارة الأميركية في سايغون سابقاً (مدينة هوشي منه حالياً). ينقل المقرّبون إلى الرئيس جو بايدن ثبات معارضته لاستمرار التدخل في أفغانستان، بالإشارة إلى مذكّرة قدمها بخط يده للرئيس الأسبق باراك أوباما في العام 2009، يناشده فيها رفض توجه القيادات العسكرية لحشد المزيد من القوات الإضافية في أفغانستان، وخسارته أمام إصرار أوباما على التكامل مع قرار البنتاغون (أسبوعية "ذي نيو يوركر"، 14 نيسان/أبريل 2021).  وأوضحت المجلَّة أنَّ الرئيس بايدن في خطابه بالانسحاب ذكّر الشعب الأميركي بأن الرئيس أوباما انتدبه في العام 2008 للسفر إلى أفغانستان والتوقّف على الأوضاع هناك مباشرة وتقديم تقييمه بذلك، وبأنه توصل إلى نتيجة مشابهة آنذاك لما أعلنه مؤخراً، مفادها أن "العملية الأميركية، كما يجري تطبيقها، مصيرها الفشل، نظراً إلى أن الوجود العسكري الأميركي اللامتناهي لن يستطيع إنشاء حكومة أفغانية قابلة للحياة أو المحافظة عليها".  للدلالة على معارضة القيادات العسكرية السابقة والراهنة لخفض مستوى الوجود العسكري الأميركي، لا لإنهائه، نسوق تصريحاً للمستشار الأسبق للأمن القومي الجنرال إتش آر مكماستر، قال فيه: "قرار الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان بينما تستمر طالبان في شن هجماتها الدموية ضد المدنيين والقوات الأمنية الأفغانية يشكّل استسخافاً أخلاقياً وكارثة استراتيجية" (15 نيسان/إبريل 2021).  وتحفل الأدبيات الإعلامية الأميركية المختلفة بتصريحات شبيهة معظمها من المقربين من البنتاغون والأجهزة الاستخباراتية، أبرزهم القائد الأسبق للقوات الأميركية في أفغانستان ديفيد بيترايوس، ومدير الاستخبارات الوطنية الأسبق جيمس كلابر، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأسبق جون برينان... في هذه الأثناء، أصدرت الأجهزة الاستخباراتية الأميركية تقريرها السنوي حول "التهديدات العالمية" التي تواجهها الولايات المتحدة في 9 نيسان/أبريل الجاري، وفحواه رسم صورة قاتمة لمستقبل التواجد الأميركي في أفغانستان، وبأن "آفاق التوصل لتسوية سلمية ستبقى متدنية، نظراً إلى يقين قيادات طالبان بقدرتها على تحقيق انتصار".  تعاظم دور تلك الأجهزة بمختلف مسمياتها في الحياة اليومية للأميركيين الَّذين "تتجسَّس" عليهم بشكل دوري ومفتوح منذ تداعيات هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. كانت أفعالها في التجسّس الداخلي غير منشورة أو متداولة لحين ذاك التاريخ، وأضحت الحواجز الأمنية والتحقيقات على الموانئ والمطارات أمراً مألوفاً ومقبولاً بعض الشيء، إذ يضطر المسافر عبر القطارات والطائرات وحافلات الباصات الداخلية إلى إبراز بطاقات هوية "رسمية" والتعرض أيضاً لتفتيش شخصي، وهي إجراءات كانت محصورة بـ"النظم الديكتاتورية" في الماضي القريب.  مهّد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن غزو بلاده لأفغانستان بتحذير الشعب الأميركي من ترقّب "حملة عسكرية طويلة الأمد، وعلى نطاق لم تشهده البلاد في أي وقت مضى"، وربما ستستمر لنحو 50 عاماً، تحت مسمّى مخادع هو "الحرب على الإرهاب". وتطورت "المهمة الأميركية" إلى التصدي لتنامي القوة العسكرية لكل من الصين وروسيا ومحاصرتها، على قاعدة صراع الدول الكبرى. صوت الحكمة أتى على لسان أحد أبرز رموز العداء لروسيا والصين، وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، محذّراً مراكز صنع القرار في واشنطن من تداعيات "استفزاز روسيا والصين"، إذ يتعيّن عليها إما القبول بالمتغيرات الجارية على النظام العالمي، وإما الإيغال في تصعيد منسوب التوتر الّذي "سيؤدي إلى مواجهة مشابهة لما شهده العالم عشية الحرب العالمية الأولى".  توجّه كيسنجر(1 نيسان/أبريل 2021) إلى قيادات بلاده السياسية والعسكرية والاستخباراتية، محذراً: "إن لم نستطع التوصل إلى تفاهم عملي مع الصين، فسنكون أمام وضع شبيه بما شهدناه قبل اندلاع الحرب العالمية والأولى". وكان أشدّ وضوحاً في تحذير صقور الحرب في بلاده، قائلاً: "إن كان لديكم تصور بأن العالم سيلزم نفسه بدخول صراع مفتوح الأجل، استناداً إلى بسط الهيمنة من قبل الطرف الأقوى راهناً، فإن زعزعة النظام الراهن ستكون حتمية، وتداعياته ستكون كارثية".  


الحصاد DRAW: غيث العمري, روبرت ساتلوف - معهد واشنطن يبدو أن الأزمة في الأردن قد انتهت في الوقت الحالي، لكن الخلاف العلني المذهل في صفوف العائلة الهاشمية هو بمثابة تذكير بأن استقرار الأردن يحتاج إلى رعاية وليس شيئاً يجب أن يعتبره أصدقاء واشنطن أو عمّان في المنطقة أمراً مفروغاً منه. الأنباء التي جاءت من عمّان - حيث تعهد ولي العهد السابق حمزة بن حسين في نهاية المطاف بالولاء لأخيه غير الشقيق الملك عبدالله الثاني بعد وضع الأمير في مركز شائعات عن [احتمال حدوث] انقلاب، واعتقال مسؤولين كبار سابقين آخرين - تشكل أمراً غير مألوف للغاية في هذه المملكة الشرق الأوسطية المعروفة بهدوئها والتي تقترب في غضون أسابيع قليلة من الذكرى المئوية لتأسيسها. وفي حين أنه من غير المرجح أن تظهر الصورة الكاملة قريباً، إذا ظهرت بالفعل، فإن هذه التطورات تركز الانتباه على الوضع الداخلي في الأردن وتسلط الضوء على الحاجة إلى تعزيز الاستقرار لدى حليف رئيسي للولايات المتحدة بعد فترة من عدم الاهتمام النسبي من قبل واشنطن. المواجهة الملكية المحتملة وسط الاضطرابات الاجتماعية تختلف الإجراءات الأمنية الظاهرة التي اتُّخذت ضد الأمير حمزة اختلافاً حاداً عن الوسائل المعتادة التي تتعامل بها المملكة مع شؤونها الداخلية. وتشمل هذه الإجراءات تجريده من حراسه الأمنيين وتقييد حركته ووصوله إلى خطوط الاتصال والإنترنت. وتظهر أحياناً أخبار التوترات داخل العائلة الهاشمية المالكة، لكن غالباً ما يتم حلها بسرعة وبهدوء بعيداً عن أعين الجمهور. على سبيل المثال، في عام 2017، أعفى الملك عبدالله اثنين من إخوته - أخيه الشقيق فيصل وأخيه غير الشقيق هاشم - من مناصبهما القيادية العسكرية، مما أثار شائعات عن وجود خلاف داخل الأسرة. ومع ذلك، امتثل كلا الأميرين للإعفاء، مما أدى إلى القضاء على المزيد من الشائعات. وكانت قد وقعت حادثة مماثلة في عام 1999 حين أعاد الملك حسين تغيير تراتبية الخلافة قبل أسابيع قليلة من وفاته من مرض السرطان، فاستبدل شقيقه حسن، الذي كان ولياً للعهد منذ عام 1965، بابنه البكر عبدالله، الذي كان حينذاك ضابطاً عسكرياً. وعلى الرغم من الصدمة والضربة الشخصية القوية اللتين تلقاهما الأمير حسن، إلّا أنه لم يحتجّ على ذلك التغيير وعبّر دائماً عن دعمه العلني لابن أخيه كعاهل الأردن. وفي الواقع، يحتاج المرء إلى العودة إلى الأيام المتوترة التي أعقبت اغتيال مؤسس المملكة، عبدالله الأول، عام 1951، ليجد أي سابقة للأمراء الأردنيين الذين يعلنون عن نزاعاتهم علناً - وحتى في ذلك الحين لم يكن هناك حديث عن التخطيط لانقلاب. والأمير حمزة هو الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني الحالي والإبن الأكبر من زواج الملك حسين من زوجته الرابعة الملكة نور. وعند اعتلاء عبدالله الثاني العرش عام 1999، قام بتعيين حمزة ولياً للعهد بناءً على رغبة والدهما المحتضر. وقيل أن الملك حسين كان متعلقاً كثيراً بحمزة، الذي اشتهر بالتقوى والتواضع والتواصل مع قبائل الأردن. ولكن بعد خمس سنوات، نزع عبدالله هذا اللقب عن حمزة ومنحه لابنه الأكبر حسين - وهذا ليس بالأمر غير المألوف بالنظر إلى أن الملك الراحل حسين عيّن ثلاثة ولاة للعهد خلال فترة حكمه. ولم يعترض حمزة علناً على القرار في ذلك الوقت، لكنه وضع نفسه لاحقاً كشخصية متعاطفة وصورة رمزية للإصلاح بين الأردنيين المستائين من الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وخاصة العناصر القبلية الساخطة. وفي البداية، سعى المسؤولون إلى التقليل من أهمية التصرفات الأخيرة للأمير حمزة، التي بدت من بعيد كأنها تقع في مكان ما داخل المنطقة الرمادية بين الانتقادات العلنية والخطوات العملياتية لتنفيذ انقلاب. لكن هذا الوضع تغيّر حين أصدر رسالتين مصوّرتين في 3 نيسان/أبريل، إحداهما باللغة العربية والأخرى بالإنجليزية. ووصفت مقاطع الفيديو هذه القيود التي فرضها رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية على تحركاته واتصالاته، وثم انتقد الفساد وسوء الإدارة في المملكة، حيث ادّعى أنها استمرت فترة دامت "بين خمسة عشر وعشرين عاماً" - أي طوال فترة حكم الملك عبدالله وقرار عزله من منصب ولي العهد. وفي أعقاب هاتيْن الرسالتيْن، تبنت الحكومة الأردنية لهجة أكثر صرامة تجاه حمزة، حيث اتهمه وزير الخارجية أيمن الصفدي خلال مؤتمر صحفي عقده في 4 نيسان/أبريل بـ "تصرّفات ... تستهدف الأمن والاستقرار في البلاد". ثم زاد الأمير حمزة بعد ذلك من حدة التصعيد بتعهده علناً بأنه "لن يمتثل" لأوامر [الجيش] بعدم التواصل مع العالم الخارجي. ولتجنب أي صدام مباشر قد يشوّه صورة النظام الملكي، عرض العاهل الأردني على حمزة سبيلاً بديلاً للمصالحة وفقاً للتقليد البدوي المعروف بالصُلحة، وعهد إلى عمه حسن، الذي يحظى باحترام كبير، بتولي المناقشات الحساسة. وأسفرت هذه المساعي عن عقد اجتماع بين كبار الأمراء في منزل حسن، حيث وقّع حمزة على رسالة استثنائية تعهد فيها بالولاء لعبدالله وولي العهد الحالي حسين، جاء فيها: "في ضوء تطورات اليومين الماضيين، فإنني أضع نفسي بين يدي جلالة الملك". ويبدو أن هذا التنازل يشير إلى انتهاء الحلقة الراهنة [من الخلافات بين الجانبين] على الرغم من أنه من غير المحتمل أن تكون الفصل الأخير من الصراع بين الأخوة غير الأشقاء. ومع أن المواجهة غير مستبعدة في النهاية، فحتى هذه ستنتهي على الأرجح برحيل حمزة عن البلاد بدلاً من سجنه وتحويله إلى شهيد للمعارضة. وأعلن المسؤولون أيضاً عن اعتقال باسم عوض الله وحسن بن زيد مع "ستة عشر إلى ثمانية عشر" شخصاً آخر، معظمهم من مساعدي حمزة ورجال الأمن. وعوض الله، الوزير السابق والرئيس الأسبق للديوان الملكي، هو شخصية مثيرة للجدل واسمه مرتبط بالفساد في ذهن الكثير من الأردنيين. ويتمتع هو وبن زيد - إبن حفيد الملك عبدالله الأول وحفيد رئيس وزراء سابق - بعلاقات واسعة في المنطقة وعملا في أوقات مختلفة كمبعوثيْن خاصّيْن للملك الحالي إلى السعودية. وأدت هذه الروابط، إلى جانب التأكيدات الرسمية المتكررة حول الاتصالات مع "جهات خارجية"، إلى إثارة شائعات بأن دولاً أخرى في المنطقة قد تكون متورّطة في الأزمة. وتأتي هذه الأحداث وسط أجواء متوترة تعيشها المملكة على الساحة المحلية. فوباء "كوفيد-19" ينتشر بكثرة في البلاد حيث بلغت عدد الإصابات 633,000 وعدد الوفيات 7,201 حالة [حتى بداية هذا الأسبوع] في بلد يبلغ عدد سكانه 10 ملايين نسمة، لتصبح بذلك نجاحات الحكومة الأولية في احتواء الوباء مجرد ذكرى بعيدة. وقد تضرر الاقتصاد الأردني، الذي يعاني بالفعل بشدة من الوباء، حيث سُجّلت معدلات بطالة قياسية في نهاية عام 2020، كما أن معدلات الفقر ازدادت بنسبة 39 في المائة خلال العام الماضي. أما الثقة في المؤسسات العامة - مع استثناءات ملحوظة للنظام الملكي والقطاع العسكري/الأمني - فهي متدنية جداً بسبب التصوّرات المنتشرة حول عدم الكفاءة والفساد. وتفاقمت هذه النظرة بسبب سلسلة حوادث مأساوية تُعزى إلى التقصير في أداء الواجب العام خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد وفاة العديد من مرضى "كوفيد-19" في مستشفى حكومي جديد في الشهر الماضي بسبب عدم توفّر الأكسجين. وفي حين لم تحظَ دعوات التظاهر خلال الأسابيع القليلة الماضية بمشاركة واسعة - ويعود ذلك إلى حدٍّ كبير إلى الإجراءات الأمنية الوقائية - إلا أنها أثارت مخاوف من تأجج الاستياء الشعبي تحت السطح. وطوال هذا الوقت، كان يُنظر إلى حمزة على أنه قد وضع نفسه بصورة المتعاطف مع هذه المخاوف وكنقيض للعاهل الأردني. التداعيات المحلية والإقليمية على الرغم من أنه من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات قاطعة، إلا أن بعض الأنماط المألوفة قد بدأت بالظهور. فعادة ما تميل التهديدات المحلية الخطيرة في المملكة إلى إنتاج ديناميكية "التجمع حول الراية". وعلى غرار التفجيرات التي قام بها تنظيم «القاعدة» [لثلاث] فنادق في عمان عام 2005 والهجمات الأخيرة لتنظيم «الدولة الإسلامية» ضد الأردنيين، يتم استخدام قضية حمزة لإحداث تناقض حاد بين حقيقتين، هما: الظروف الأقل مثالية بل المستقرة التي تُميّز حالياً الحياة في المملكة، والفوضى التي ميّزت البلدان المجاورة منذ "الربيع العربي". كما أن الرسائل الرسمية قد سلّطت الضوء على صِلات حمزة المزعومة مع المعارضين الأردنيين في الخارج، وكثير منهم فقدوا مصداقيتهم علانية. وتشير الأدلة السردية إلى أن هذه الرسائل تلقى صدى لدى نسبة كبيرة من الشعب. وبالفعل، لم تُعرب أي شخصية عامة بارزة تقريباً عن دعمها علناً لحمزة باستثناء والدته. وعلى الرغم من أن هذا الموقف قد كشف عن عداوة هاشمية تتأجج منذ زمن بعيد، إلا أن الأمر قد ينتهي بتخفيف الضغط المحلي على البلاط الملكي على المدى القريب من خلال تحويل الانتباه بعيداً عن "كوفيد-19" وغيره من التحديات الاجتماعية والاقتصادية. ومع ذلك، تبقى مصادر الاستياء الكامنة التي استغلها حمزة حقيقية، وستعاود الظهور حتماً مرة أخرى في المستقبل إذا لم تعالجها عمّان. وتشمل هذه قضايا طارئة مثل الوباء العالمي، فضلاً عن القضايا الأكثر هيكلية مثل الإصلاحات الاقتصادية والسياسية وإصلاحات الحوكمة الأوسع نطاقاً. وكما حدث في الماضي، من المرجح أن تشهد التداعيات المباشرة لقضية حمزة تعزيز قطاع الأمن على حساب الإصلاح، كما يتضح من الدور المركزي الذي لعبه رئيس الأركان العامة اللواء يوسف الحنيطي في عزل الأمير. ومن الممكن أيضاً أن يبْطِل هذا الوضع تأثير الرسالة التي وجّهها العاهل الأردني في 17 شباط/فبراير وحظيت بتغطية إعلامية كثيفة إلى رئيس دائرة المخابرات العامة بشأن تقليص دور هذه المؤسسة النافذة في بعض المجالات الاقتصادية والسياسية. وحتى قبل اندلاع الأزمة في بداية هذا الأسبوع، كانت الحكومة الأردنية قد أغلقت أساساً منصة الدردشة الشعبية "كلوب هاوس" لمنع الانتقادات غير المرغوب فيها عبر الإنترنت. وعلى الصعيد الخارجي، غالباً ما شكى المسؤولون الأردنيون من أن الدول المجاورة وواشنطن تعتبر الأردن من المسلّمات. وتحوَّل هذا الشعور إلى خوف في عهد إدارة ترامب، التي حافظت على مساعدات كبيرة للمملكة، لكن كان يُنظر إليها على أنها غير مهتمة بآراء عمّان بشأن السياسات في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ويبدو أن أحداث بداية هذا الأسبوع قد ذكّرت العديد من العواصم بأن التطورات المحلية في الأردن يمكن أن تلعب دوراً مركزياً في الأمن في المنطقة. وعبّرت السعودية بسرعة عن دعمها للعاهل الأردني والتزامها باستقرار المملكة، وتبعتها دول عربية أخرى. وبالمثل، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس الملك عبدالله بأنه "شريك رئيسي" يتمتع "بالدعم الكامل" من إدارة بايدن. وإذا كان الماضي أي دليل، فسيكون هذا الدعم السياسي مقدمة لدعم مالي متجدد وحتى موسّع من قبل أصدقاء الأردن، وخاصة في منطقة الخليج - التي هي شريان حياة رئيسي محتمل وسط الركود المستحث الناجم عن وباء "كوفيد-19" في البلاد. وفي هذا السياق، يجب على عمّان التعامل بحذر مع اتهاماتها التي لا أساس لها حتى الآن بشأن ضلوع جهات خارجية مهمّة بالمؤامرة المزعومة. فمن بين البلدان التي تم تناقل أسمائها - السعودية، والإمارات، وإسرائيل - ليست هناك مصلحة لأيٍّ دولة منها في زعزعة استقرار الأردن، ولا يمكن أن تكون أيٌّ منها قد اعتقدت أن مؤامرة رديئة قائمة على أمير ساخط وحفنة من مساعديه ربما تستطيع الإطاحة بعبدالله المحصّن. وإذا أوصلت الادعاءات المحددة بشأن عوض الله وبن زيد إلى أدلة دامغة على تواطؤ مسؤولين سعوديين في مثل هذه المؤامرة، سيكون هذا الأمر مضراً لعلاقات الولايات المتحدة مع الرياض. ومع ذلك، فمع انعدام مثل هذا الدليل، من الضروري أن يتجنب الأردن تحويل علاقة متقلّبة بين العائلة المالكة السعودية ونظيرتها الهاشمية إلى ضربة دبلوماسية كاملة، لا سيما بالنظر إلى الدعم المالي والسياسي الحاسم الذي تقدمه الرياض لجارتها الأفقر بكثير. التداعيات على السياسة الأمريكية لطالما كان استقرار الأردن أداةً قيمة لتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة، بدءاً من توسيع السلام العربي-الإسرائيلي وإلى مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية». ولذلك، على المدى القريب، يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في التعبير عن دعمها الحازم للأردن وحث حلفائها - الدول العربية وإسرائيل وغيرها - على التعبير بشكل ملموس عن هذا الدعم. إن قيام مكالمة هاتفية بين الرئيس بايدن والملك عبدالله ستبعث رسالة قوية لتحقيق هذه الغاية. يجب على واشنطن أن تعمل أيضاً مع عمّان على التحقق من أي أبعاد خارجية جوهرية للأزمة، فإما توضح تلك الأبعاد أو تقضي على شائعات قد تكون ضارة. وفي هذا الصدد، يمكن لمدير "وكالة المخابرات المركزية" الأمريكية ويليام بيرنز - الذي كان السفير الأمريكي السابق في الأردن - أن يلعب دوراً مفيداً. وفي الوقت الحالي، يجب أن تتمثل الأولوية في مساعدة عمّان على تخطي هذه الحادثة بما يضمن الاستقرار. ولكن بالتوازي مع هذا الجهد - وحتى أكثر من ذلك - فبمجرد انحسار القلق الأولي بشأن قضية حمزة - يتعين على واشنطن إشراك عمّان بصورة غير علنية في تسريع سعيها للإصلاحات الاقتصادية والسياسية وإصلاحات الحوكمة، مع الحفاظ على وتيرة تدريجية وسهلة القبول للتغييرات الجوهرية. ووفقاً لبعض التقارير نقلت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين مثل هذه النصيحة في محادثة أجرتها مع وزير المالية الأردني محمد العسعس في 1 نيسان/أبريل؛ ينبغي على المسؤولين الأمريكيين الآخرين فعل الشيء نفسه. إن الاهتمام وحده على مستوى رفيع من واشنطن والدعم المناسب من الأصدقاء الآخرين، يمنحان عمان فرصة لإجراء إصلاحات ضرورية أعمق لحماية المملكة من تكرر نوبات عدم الاستقرار، والتي يمكن أن تؤثر سلباً وبمرور الوقت على المصالح الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة.


الحصاد draw: ديفيد بولوك - معهد واشنطن شنت إدارة الرئيس بايدن ضربة انتقامية واحدة ضد ميليشيا مدعومة من إيران في سوريا، بعد هجومها الدموي على أهداف أمريكية عبر الحدود في أربيل؛ كما عززت منظومة الدفاع الأمريكية المضادة للصواريخ في السعودية للتصدي للهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران عبر تلك الحدود. على الإدارة الأمريكية أن تتبنى موقفاً واضحاً تجاه طهران يتمثل بالموافقة على تخفيف العقوبات فقط إذا أوقفت الميليشيات هجماتها على السعودية. هناك خبر سار وخبر سيئ فيما يتعلق بسياسة إدارة بايدن تجاه إيران حتى الآن. الخبر السار هو أنه، كما تم الوعد به، يبدو أن فريق الرئيس الحالي - على عكس فريق أوباما الذي كان معظم أعضاء الفريق الحالي جزءاً منه سابقاً - يصب تركيزه على ما يبدو على أنشطة إيران غير النووية بقدر تركيزه على أنشطتها النووية. أما الخبر السيئ، فيتعلق بسياسة بايدن الفعلية تجاه تلك التحديات غير النووية، وهي: تركيزها عموماً على الثواب أكثر منه على العقاب. والنتيجة، غير المقصودة حتماً هي تشجيع الولايات المتحدة لإيران وتمكينها على المستوى الإقليمي في الشرق الأوسط بدلاً من احتوائها. ولكي نكون منصفين، لنفكر أولاً بالعقوبات التي فرضها فريق بايدن حتى الآن على تهديدات إيران في المنطقة. لقد شن الأمريكيون ضربة انتقامية واحدة ضد ميليشيا مدعومة من إيران في سوريا، بعد هجومها الدموي على أهداف أمريكية عبر الحدود في أربيل، العراق؛ كما عززوا منظومة الدفاع الأمريكية المضادة للصواريخ في السعودية للتصدي للهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون (وربما آخرون) المدعومون من إيران عبر تلك الحدود. وكانت الإجراءات الأخرى المتخذة ضد إيران وحلفائها المحليين خطابية أو رمزية بحتة، وهي: معاقبة عدد قليل من الأفراد؛ أو تحليق عدد قليل من طائرات "بي-52" [فوق بعض المناطق]؛ أو مجرد التهديد باتخاذ إجراء حقيقي في تاريخ مستقبلي غير محدد. أما بالنسبة للمكافآت، فقد شطبت إدارة بايدن الحوثيين اليمنيين من القائمة الرسمية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، دون أي شروط أو تنازلات من قبلهم. وقد دعمت الزيارة الرسمية الأولى إلى طهران التي قام بها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، لمناقشة مصير البلاد من دون علم حكومتها المعترف بها دولياً. وبالمثل، اقترحت الإدارة الأمريكية رسمياً ضم إيران إلى مؤتمر دولي حول مستقبل أفغانستان من دون علم الحكومة الأفغانية، المفترض أنها حليفة للولايات المتحدة. ولا يسع المرء إلا أن يتساءل عن الخطوة التالية على هذه القائمة. فما رأيكم بدعوة إيران لمناقشة مستقبل العراق وسوريا ولبنان، وإضفاء الشرعية على ميليشياتها في هذه الدول الثلاث؟ لماذا لا يتم السماح لحركة «حماس» الإرهابية، والوكيلة الفلسطينية المحتملة لإيران ضد إسرائيل، بخوض الانتخابات في الضفة الغربية/قطاع غزة المقرر إجراؤها في 22 أيار/مايو؟ تحمل هذه المقاربة جميع السمات المميزة للمفاوضات الإقليمية "الجامعة" أو "الشاملة" أو تكتيكات إدارة الصراع التي أيّدها سابقاً ومنذ فترة طويلة بعض صناع السياسة البارزين من المستوى المتوسط ​​ في فريق بايدن، سواء كانوا داخل الحكومة أو خارجها. ولكي نكون منصفين مرة أخرى، قد تكون هذه المقاربة مفيدة في بعض الأحيان. وفي حالة إيران على وجه التحديد، لاحت فرصة محدودة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، بين 2001 و2003، عندما أثبت التواصل الدبلوماسي الأمريكي مع طهران جدواه، في أفغانستان وإلى درجة أقل في العراق. ومع ذلك، لا يوجد اليوم ما يشير إلى أن إيران مستعدة للمساهمة بشكل بناء، أو حتى للحدّ من تدخلها المدمّر في أي من ساحات الصراع الإقليمية موضع البحث. ومع ذلك، يُنظر إلى إدارة بايدن، بعيداً عن الخطابات، على أنها تخفف العقوبات المفروضة على إيران بصورة غير نشطة. ويدّعي أحد المسؤولين من المستوى المتوسط المعنيين بهذه المسألة أن "الرئيس" الأمريكي لن يتخذ أي خطوات "كبيرة" أو "أحادية الجانب" لتخفيف العقوبات ضد إيران. لكن من السهل تمرير مليارات الدولارات عبر ثغرات هذه الكلمات المصاغة بعناية. أخيراً،  لكي نكون منصفين مجدداً، من المسلّم به أنه من الأسهل انتقاد سياسة ضعيفة من ابتكار سياسة أقوى. إذاً إليكم اقتراح متواضع: بدلاً من عرض مكافآت مجانية على النظام في طهران، يجدر بالولايات المتحدة تبني موقفاً واضحاً في المعاملات، يجمع بفعالية بين الملفين النووي وغير النووي. فعلى سبيل المثال، إذا تمكنت إيران من إقناع الحوثيين وميليشيات أخرى بوقف هجماتهم بالصواريخ والطائرات بدون طيار ضد السعودية، فعندئذ فقط ستعرض واشنطن على طهران أي تخفيف من العقوبات مهما كان نوعه، بغض النظر عن أي تنازلات قد تكون إيران مستعدة لتقديمها بشأن انتهاكاتها المستمرة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أي الاتفاق النووي لعام 2015. ويقيناً، أن هذه الاستراتيجية القصيرة الأمد قد تتطلب في النهاية بعض التحسينات. لكنها خطوة إولى ضرورية. وسيكون لهذا التعديل في السياسة الأمريكية الراهنة العديد من المزايا. فسيقدم لإيران مساراً واقعياً للتوصل إلى حل وسط وليس منافع مجانية. ومن شأنه طمأنة حلفاء الولايات المتحدة - العرب والإسرائيليين وحتى بعض الأوروبيين - بأن الولايات المتحدة عادت لتكون مجدداً شريكاً موثوقاً به. كما سيساهم في الوفاء بالوعود التي قدمها فريق بايدن: أي أخذ هؤلاء الحلفاء على محمل الجد؛ والتعامل مع تهديدات إيران غير النووية أو النووية؛ ومواجهة الوقائع الإقليمية السائدة اليوم بدلاً من تطلعات حقبة سياسية سابقة، بما أن هذا الفريق لا يمل من تكرار ذلك أبداً.    


الحصاد draw: مركز الفرات   لا يستغن الافراد عن التواصل فيما بينهم بوسائل ومفردات لفظية وغير لفظية، ارادية وغير ارادية ، للتعبير عن الافكار والمشاعر والمواقف وتبادل الرسائل ، تشكل عند تراكبها وتكاملها الوظيفي والتوافق عليها بين الافراد ، لغةً قائمة بذاتها مستقلة بسماتها ووظائفها وغاياتها .        وإذا كانت اللغة المنطوقة ( اللفظية)  من أدق العلامات التي يتواصل بها الافراد ليعبروا بها عن مواقفهم واحتياجاتهم، فانها ليست اللغة الوحيدة ؛ بل وحتى ليست اللغة الاهم لبني البشر عامة ؛ اذ تشير الدراسات الى ان الكلام لا يشكل سوى %7 من التواصل اليومي بيننا ، وإن باقي الرسائل نرسلها لا شعوريا عبر نبرة الصوت والايماءات والاشارات التي يبعثها جسد الانسان ، عند تواصله غير اللفظي مع الاخرين ضمن اطار ما يسمى بـ(لغة الجسد) والتي تتفاعل – بدورها ، وعلى نحو تلقائي -  مع ادوات التواصل اللفظي للغة المنطوقة لتحقق الغاية التواصلية للأفراد  ؛ ولعل هذا ما يؤكد ويبرر كذلك دقة وصواب الرأي الذي تبناه الخبير الدولي (ساندرو رادو Sandro Rado ) بأن لغة الجسد تمثل قاعدة كل اللغات طالما تجذرت اصولها في الإحساس الخاص بالجسد . وفي هذا السياق يرى الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة أن لغة الجسد سميت لغة، لأن لها تعابير ومعان واشارات توفر انطباعات واضحة وصادقة عن مستخدمها من جانب وتساعد المتلقي من فهم تلك الرسائل غير اللفظية من جانب اخر؛ أي بعبارة اخرى، ان لغة الجسد شأنها شأن اي لغة أخرى، تتألف من مجموعة من العناصر والتراكيب ، كالإيماءات، ووضعية الجسد، وتعابير الوجه التي تتفاعل فيما بينها بانسجام وتناغم لتعبر عن مكنون الانسان ومشاعره ومواقفه ومقاصده  بكل بساطة وتلقائية .      ولغة الجسد من حيث التعريف إحدى صور التواصل غير اللفظي، والتي تصدر عن الجسد على شكل إيماءات وإشارات، والتي تعبر عن المشاعر والأحاسيس الداخلية لا شعورياً، حيث يتم عن طريق هذه الإشارات والإيماءات إيصال العديد من الرسائل والأفكار للأشخاص الآخرين. وهي لدى ( ألن بيز)  : الاتصال غير اللفظي الذي يعتمد على التواصل بين المرسل والمستقبل، باستخدام التلميحات والإشارات والحركات الصادرة من الجسم        على أساس ما تقدم ، يتضح أن لغة الجسد تعد قناةً مهمة تستخدم في نقل المعلومات والمواقف وتبادل الرسائل بشكل غير لفظي، ونافذةً تطل على ما يدور في الذهن من خواطر ومشاعر وتعبر عنها بإيماءات وحركات حسية تلقائية بالتناغم مع اللغة المنطوقة ؛ فما لا يقال شفهيا بشكل مدروس، يقال بشكل تلقائي غير ملفوظ . وفي كثير من الأحيان تكون هذه اللغة غير المنطوقة ،  أكثر بلاغةً وصدقاً من أبلغ العبارات والالفاظ، لكونها في الأغلب تعبيراً عفوياً أقل تصنعٍ من الكلمات المنمقة التي يلجأ إليها البعض لأهداف معينة لا تعبر بالضرورة عما يقصد ويريد، كما ان حركات الجسد والوجه تلقائية ولاتخضع  لسيطرة الانسان مهما تدرب عليها ، أي انها لغة لا يشعر بها صاحبها، إنما يستشعرها ويفسرها من هم حوله مهما حاول كبت مشاعره والتصنع في ردود افعاله ، الامر الذي ميز هذه اللغة الحسية عما سواها من لغات منطوقة وصيرها الوسيلة الاكثر اهمية في كشف الكثير من الاسرار والخواطر والمشاعر الدفينة للآخرين . وفي هذا الشأن يقول الخبراء إذا ما تعارضت الكلمات مع النبرة أو مع تعابير، فصدِق النبرة وتعبيرات الوجه لأنها لا تعرف الكذب، كما أن التلاعب بالكلمات أسهل وأهون من التلاعب بالحركات والإيماءات ونبرات الصوت .     ولأن معظم الإشارات الجسدية تعبر عن نفس المعنى في كل بقاع العالم تحولت لغة الجسد الى اللغة العالمية، الأكثر رواجاً وإستخداماً من كل نظيراتها المنطوقة ؛ إذ تنتقل بوساطتها نحو 55% من رسائلنا ومواقفنا اليومية بصيغٍ  ارادية ولا ارادية ؛ فبإمكان أي شخص أن يخمن المعنى المقصود من الحركات والإيماءات لغيره  من الناطقين بلغات اخرى في جميع أنحاء العالم، دون الحاجة الى مترجم ، فمن ذا الذي يحتاج إلى مترجم لتعبيرات الوجه والعيون.        إن لغة الجسد التي يستخدمها الناس جميعا، بكثافة وعفوية عند تواصلهم اليومي مع الاخرين ، يندر من يفهمها ويقرأها بدقة او يوظفها في تحقيق مصالحه وغاياته بصورة فاعلة ، رغم اهميتها وبساطتها ( بالتعبير دون التفسير) وبلاغتها ، لأن  إيماءات الجسد وحركاته التعبيرية ، ينبغي أن تحلل في السياق العام للحدث،  وليس في النطاق الضيق للحركة بحد ذاتها ، الامر الذي يرفع منسوب الخطأ في التفسير ، مهما بلغت خبرة وكفاءة الخبير المتابع ، من جانب . ومن جانب اخر، ثمة صعوبات اخرى تحيط عملية التعبير غير اللفظي عن المواقف والمشاعر والتحليل الحصيف لها ، تتعلق باختلاف ظروف  وطرق التعبير والخواص النفسية والسلوكية للشخص المعني فضلا عن اختلاف الثقافات؛ فعلى سبيل المثال ، إنَّ تشابك الذراعين قد يكون دليلاً على المقاومة أو العصبية، لكنه قد يكون دليلاً على الثقة والسلطة في حالات أخرى.      إن ما تتميز به هذه اللغة من خصائص وعناصر نوعية فذة ، وما توفره من مزايا لمن يجيد قراءة مفرداتها وعناصرها وتوظيفها ، قد جعلها ميداناً معرفياً مغريأ، ومهنةً تختص بقواعدها واعرافها المستقلة، ومقصداً وسلاحاً فاعلاً ، إجتذب إهتمام العديد من الخبراء والمختصين وطلاب السطوة والتأثير واصحاب السلطة والمصلحة ، لتوظيف مفرداتها في جولاتهم التفاوضية  مع الغير، لإنجاز جملة من المهام والاهداف يمكن إيجازها بالاتي :-  اولا - التحليل :  1- تحليل الشخصية وتكوين الانطباع : إن لغة الجسد تمنح المفاوض فرصةً مهمة لتحليل الخصائص النفسية والسلوكية للطرف الاخر، وإستيعاب غير مغلوطٍ لمشاعره، وأفكاره، سبيلاً لتكوين الانطباع الاولي والنهائي عنه ، والتعرف على مفاتيح القوة والضعف في شخصيته بغية الافادة منها اثناء العملية التفاوضية، وذلك بناء على الطريقة التي يتبعها في توصيل فكرته أو رغبته ومدى اتسامه بالحماس والإيجابية ؛ اذ يصعُب على اي انسان مهما  بلغ من الذكاء والمهارة او حاول التصنع أو التمثيل ، ان يخفي مكنون شخصيته ويسيطر على اندفاعاته وانفعالاته ،لان ما  يفكر او يُحسّ به الفرد سينعكس بالضرورة على تصرفاته وسلوكياته ويؤثر فيها بصورة تلقائية ولا ارادية . فمثلا تبرز مشاعر الفرح والسرور باتساع بؤبؤ العين وتسارع نبرة الصوت ، وعلى النقيض من هذه العلامات الجسدية تبدو مشاعر الحزن، واما مشاعر الغضب فتتشكل بعيونٍ واسعة وحواجب مقطبة وفمٍ مفتوحٍ وذراعين مضمومتين بشكل مُحكم. وعند الشعور بالخجل تتحرك العيون في اتجاهات عشوائية؛ لاخفاء حالة الاضطراب والارتباك . 2- تحليل لغة الخطاب واستكشاف مساحة الصدق والكذب فيه، واستظهار حقيقة نوايا الطرف الاخر ومقاصده ، وجدية التزامه، بالاعتماد على تحليل انماط سلوكه غير اللفظي ؛ فعند التحدث بصدق - على سبيل المثال-  يتجه البصر إلى اليمين، عند الكذب يتجه البصر إلى اليسار مع فرك الكفين بتوتر بصورة لا إرادية وتحاشي النظر الى الطرف الاول لأن ذلك سيزيده إرتباكاً.  ثانيا - التدعيم والتوضيح:       يعزز الاتصال غير اللفظي بلغة الجسد، المعاني التي يرسلها الطرف الاول عبر الاتصال اللفظي الى الطرف الاخر؛ فتستخدم حركات الجسد في تبيان وتوضيح، وتكملة المغزى والمقصود من الكلام، او حتى تُعدّيل الرسالة التي يريد الشخص إيصالها او حتى تأكيدها واستبدالها . وكلما زاد اتقان لغة الجسد تنامت قدرتنا على التأثير في الآخرين، واقناعهم بوجهات نظرنا ؛ فتكون لغة الجسد ضمن هذا المسار بمثابة العنصر المساعد والعامل المحفز بين الكلمات من أجل تعزيز المعنى والفروق الدقيقة والتضمينات، لإعطاء مزيٍد من الثقة، والحضور الأقوى، والإقناع، والتأثير، وخلق شعور من الثقة، عبر استخدام نوع النظام التعبيري المُناسب لإيصال فكرة معينة للآخرين. الامر الذي سوف يعطي أفضلية كبيرة وزخما اكبر للطرف الاول حساب الطرف الاخر اثناء الجولة التفاوضية.  فمثلاً اذا اراد الطرف الاول إظهار الحزم والعزم  والثقة والسيطرة فما عليه - بتعابير لغة الجسد-  سوى الجلوس مستقيما مع الحرص على التواصل البصري الثابت برأسٍ ثابتة والتحدّث بصوت منخفض. وعند الرغبة في انهاء الحوار واظهار الملل من الاستمرار فيه فما على الطرف الاول - بتعبيرات الجسد-  الا وضع اليد على جانب الوجه أثناء الحديث، والجلوس منحنيا إلى الأمام.  ثالثا - توفير البدائل:       من الممكن أن يستخدم المفاوض لغة الجسد كبديل للاتصال اللفظي، كأن يستخدم حركات وتعابير الوجه التي تُغني عن الكلام، مثل الإشارة بالموافقة أو الرفض ؛ فابتسامة بسيطة بمقدورها أن توحي للطرف المقابل بالموافقة على طلبه، وكأنها تجسيد لعبارة لك ما تريد. وعند التأكيد  يتم استخدم نبرة صوتٍ مختلفة لكلمات مُعيّنةٍ وتكرارها في سياق الحديث للتأكيد على أهميتها، مع الحرص على ثبات الراس والنظر  وإظهار مساحة أكبر من الجسد . رابعا-  التنظيم والتقييم :       تؤدي لغة الجسد وظيفًة مهمة في تحديد مسارات العملية التفاوضية وتعيين محطاتها ومفاصلها الرئيسة والتحكم في تدفق الرسائل بين أطرافها وضبط إيقاع المحادثات بينهم،  وتثبيت نقطة انطلاق المحادثات وانهاءها ، وبالمثل قياس مدى نجاح المفاوضات او فشلها في ضوء ما يبديه الطرف الاخر من ايماءات واشارات حسية للإعلان عن موقف ما ، لا يتم التصريح به بلغة منطوقة. أي بعبارة اخرى ان لغة الجسد تتقمص في هذا المحور دور ضابط إيقاع الجولة التفاوضية ومنظم توقيتاتها والفيصل في تقييم مدى نجاح المهمة التفاوضية ؛ فقراءة حركات الراس والعيون – على سبيل المثال كفيلة بإعطاء إشارة الانطلاق الحقيقية والجدية في الجولة التفاوضية  وتشخيص الحاجة الى الاستمرار بالكلام، أو المقاطعة، والمطالبة بممارسة حق الرد، وهي ذاتها من تعطي اشارة النهاية للجولة التفاوضية بالنجاح او الفشل .   فإن رأيت الشخص مركزاً نظره عليك وقد اتّسع بؤبؤ العين مع تكرار تحريك حواجبه وأبعد رجليه فهذا يعني انه مهتم ومتشوق  لما يعرضه الطرف الاول من افكار حريص على استمرار التواصل معه . وسيحصل العكس تماما اذا مل الحوار وفقد الرغبة في استمراره .  ومثلما يعني تشبيك اليدين خلف الظهر والنظر للأسفل باتجاه اليسار – بمفردات لغة الجسد – التأمل والتفكير في مقترح ما اثناء الحوار، فإن انحناءة أصابع الشخص الخفيفة، تدُل على أنه يشعر بالارتياح على الأرجح. بالمقابل تشير العيون الخافتة او المغلقة الى عدم الارتياح والإحباط، والتهيّج، ونفاد الصبر، وتدل الأطراف المضمومة على الرفض المقاومة.         صفوة القول إن لغة الجسد تستطيع أن تمنح المفاوضين المزيد عما يريدون معرفته او قوله للطرف الاخر، أكثر مما تفعله الكلمات مهما اكتسبت من فنون البلاغة . من هنا تظهر الحاجة الى ابداء المزيد من الاهتمام بدراسة لغة الجسد في المؤسسات التعليمية والسيادية، وتهيئة الخبراء بفنونها ولاسيما في مجال العمل السياسي والدبلوماسي او أي مجال يحتاج التفاوض والتواصل مع الاخرين . مراجع مختارة : - الاء نجار ، انواع لغة الجسد ، مقال منشور على موقع موضوع بتاريخ 14 مارس 2019 على الرابط : https://mawdoo3.com  - الكسندر لوون ، لغة الجسد ، مقال منشور على موقع معابر ، بتاريخ 24 شباط 2020 ، على الرابط : http://maaber.50megs.com/issue_september12/alternative_medicine1.htm  - جوسلين إيليا ، لغة الجسد ، صحيفة الحياة اللندنية ، العدد 13848 ، 27 اكتوبر 2016  - سهيلة افيدة ، لغة الجسد في السيميائيات المعاصرة :تحليل سيميولوجي للإيماءة في المسرح الجزائري ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية العلوم السياسية والاعلام - جامعة الجزائر ، سنة 2013 . - عقبة الصباغ ، لغة الجسد وأثرها على إنجاز أهداف التفاوض التجاري( دراسة ميدانية )، رسالة ماجستير ، كلية الاقتصاد – جامعة حلب ، سنة 2015 . - محمد مروان ، اهمية لغة الجسد، مقال منشور على موقع موضوع بتاريخ  ١٤ سبتمبر ٢٠١٨ ، على الرابط : https://mawdoo3.com - مصطفى العادل ، اهمية لغة الجسد ، مقال منشور على موقع رقيم بتاريخ 4 ديسمبر 2017 على الرابط : https://www.rqiim.com 


جيمس ستافريديس ربما تكون الحيرة التي تعتريك بشأن ما يجري مع العناصر الأرضية النادرة من الأمور المفهومة بصورة ما. لكن من جهة أخرى، تشير التقارير الإخبارية الواردة إلى أنَّ الصين قد تزيد من حصص إنتاج هذه المعادن خلال الربع الفصلي الجاري كبادرة من حسن النوايا إزاء الإدارة الأميركية الجديدة. غير أن هناك مصادر أخرى تفيد بأنَّ الحكومة الصينية قد تعتزم في نهاية الأمر فرض حظر التصدير على العناصر الأرضية النادرة بصفة كلية لاعتبارات ومخاوف «أمنية»، فما الذي يجري هنا في الحقيقة؟ تحتوي الطبيعة على 17 عنصراً نادراً، هي: لانثانوم، سيريوم، براسيوديميوم، نيوديميوم، بروميثيوم، سماريوم، يوروبيوم، جادولينيوم، تيربيوم، ديسبروسيوم، هولميوم، إربيوم، ثوليوم، إيتربيوم، لوتيتيوم، سكانديوم، وإيتريوم. وفي حين أن الكثير من هذه المعادن ليس نادراً في واقع الأمر من زاوية الرواسب العالمية، إلا أنَّ استخراجها عملية صعبة وباهظة التكاليف. وتستخدم تلك المعادن في الصناعات عالية التقنية، بما في ذلك الهواتف الذكية، والطائرات المقاتلة، والمكونات الداخلة في كافة الأجهزة الإلكترونية المتقدمة تقريباً. ومن الجدير بالذكر بصفة خاصة، أن تلك المعادن ضرورية للغاية في العديد من تقانات الطاقة النظيفة المتوقع ظهورها في المجال العام خلال العقد الحالي. بدأتُ الاهتمام بالعناصر الأرضية النادرة عندما كنت قائداً لقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، والمعروفة إعلامياً باسم قوات المساعدة الأمنية الدولية (إيساف). وفي حين أنَّ الشعب الأفغاني يعيش في بلاد وظروف معيشية فقيرة للغاية، إلا أنَّ الدراسات قدرت أنَّ أفغانستان تستقر على مجموعة متنوعة من المعادن تتراوح قيمتها بين تريليون إلى 3 تريليونات دولار أميركي، بما في العناصر الأرضية النادرة. وتشير بعض التقديرات إلى أن مستويات العناصر الأرضية النادرة وحدها تقدر بنحو 1.4 مليون طن متري. ولكن، في كل مرة أحاول زيارة منشأة من منشآت التعدين في أفغانستان يأتيني الرد من فريق الأمن الخاص بي بأنه من الخطير للغاية الإقدام على هذه الزيارة. ومما يؤسف له، ورغم الجهود الهائلة التي تبذلها الولايات المتحدة رفقة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، فإنَّ التحديات الأمنية لا تزال قائمة، الأمر الذي يعيق تدفق استثمارات رأس المال الأجنبي الكبيرة اللازمة لتحقيق الأرباح وجني الثروات. وهذا يرجع بنا مرة أخرى إلى الصين. تسيطر الصين على ما يقرب من 80 في المائة من سوق العناصر الأرضية النادرة، ما بين ما تعمل على استخراجه بنفسها، أو العمليات الجارية على المواد الخام من أماكن أخرى حول العالم. وإذا ما قررت الحكومة الصينية الاستعانة بسلاح تقييد الإمدادات من هذه العناصر – الأمر الذي هدَّدت به بكين مراراً وتكراراً من قبل – فمن شأن ذلك أن يخلق تحديات هائلة أمام المصنعين، فضلاً عن المأزق الجيوسياسي أمام العالم الصناعي. وقد يحدث ذلك بالفعل. ففي عام 2010 هدَّدت الحكومة الصينية بقطع الصادرات إلى اليابان بشأن جزر «سينكاكو» المتنازع عليها بينهما. وقبل عامين، أفادت التقارير الواردة باعتزام الحكومة الصينية النظر في فرض قيود على الصادرات إلى الولايات المتحدة بصورة عامة، وأيضاً ضد عدد من الشركات الأميركية المعينة - مثل شركة الصناعات الدفاعية الأميركية العملاقة لوكهيد مارتن - والتي تعتبرها الصين تمثل انتهاكاً لسياساتها ضد مبيعات الأسلحة المتقدمة إلى تايوان.   وكانت إدارة الرئيس السابق ترمب قد أصدرت أمراً تنفيذياً بشأن تحفيز إنتاج العناصر الأرضية النادرة في البلاد، كما أنشأت «مبادرة حوكمة موارد الطاقة» بهدف تعزيز عمليات التعدين الدولية. ويبذل الاتحاد الأوروبي رفقة اليابان، من بين بلدان أخرى، الجهود الحثيثة سعياً وراء العثور على مصادر جديدة للعناصر الأرضية النادرة. ومع اعتبار التوترات الراهنة، كان من المفاجئ بالنسبة لنا أن تعلن الصين عن زيادة حصص التعدين خلال الربع الفصلي الأول من العام الجاري بنسبة تبلغ 30 في المائة، الأمر الذي يعكس استمرار الطلب القوي والمرتفع على تلك العناصر. غير أن تلك الزيادة التعدينية المعلن عنها تقع في خضم حالة من عدم اليقين الظاهرة، إذ يعمل الحزب الشيوعي الصيني الحاكم على «مراجعة» سياساته ذات الصلة بالمبيعات المستقبلية للعناصر الأرضية النادرة. ومن كافة الزوايا، فإنَّ تكتيكات الزيادة التعدينية تعتبر مؤقتة، حيث تتناسب مع مجريات استراتيجية أوسع نطاقاً. من شأن الحكومة الصينية أن تبذل الجهود الكبيرة بغية إحكام السيطرة الكاملة على إمدادات موارد العناصر الأرضية النادرة على الصعيد العالمي. الأمر الذي يتفق تماماً مع المنهج الجغرافي الاقتصادي في مبادرة «حزام واحد وطريق واحد» الصينية، والتي تحاول الاستعانة بمجموعة متنوعة من الجزر والعصي - الاقتصادية، والتجارية، والدبلوماسية، والأمنية - في إنشاء مناطق النفوذ الجديدة على مستوى العالم. ومن زاوية العناصر الأرضية النادرة ذاتها، يبدو أنَّ الاستراتيجية الصينية تسمح بالوصول المحكم والمدروس بعناية إلى تلك العناصر، بدرجة تجعلها أقل جاذبية من الناحية الاقتصادية لدى المنافسين الساعين إلى الشروع في عمليات الاستكشاف والتعدين باهظة التكاليف. ويتماثل هذا الأمر مع استراتيجية أسواق النفط التي استخدمتها روسيا ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خلال العقود الماضية. يعتقد بعض دعاة وأنصار السوق الحرة أنَّ الحكومة الصينية لن تتخذ الإجراءات الصارمة الخانقة للعرض، نظراً لأنَّ ذلك يعجل بالانتقام من جهات معنية أخرى أو يؤدي إلى الإسراع في البحث عن مصادر بديلة في الأسواق العالمية. غير أن الأمر المرجح عندي هو إجراء سلسلة من عمليات الإغلاق الموجهة ضد جهات وكيانات معينة، على غرار شركات الصناعات الدفاعية الأميركية، أو شركات صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية في اليابان، أو استهداف الشواغل الصناعية الأوروبية التي أغضبت الصين. الطريق إلى استقلال العناصر الأرضية النادرة بالنسبة للولايات المتحدة ينبغي أن يشتمل على ما يلي: ضمان سلاسل التوريد للعناصر الأرضية النادرة واللازمة لأغراض الأمن القومي، وتعزيز جهود استغلال تلك العناصر محلياً (مع إزالة العوائق الحائلة من دون تنفيذ ذلك بصورة مسؤولة)، تفويض مقاولي الدفاع وغيرهم من الجهات الأخرى المعنية بمشاريع البنية التحتية الحيوية للاعتماد على الذات والاستغناء عن العناصر الأرضية الصينية النادرة، ورعاية جهود البحث والتطوير للعثور على مواد بديلة، لا سيما لصالح تقنيات الطاقة النظيفة، وإنشاء مخزون كبير من هذه العناصر في حالة وقوع المقاطعة الصينية المحتملة. هذا من أجندات الأعمال المهمة لدى الحزبين الكبيرين. كما أنَّ التقييم الاستراتيجي الذي أجرته إدارة الرئيس السابق ترمب لما ينبغي اتخاذه من إجراءات (والذي يتجاوز العناصر الـ17 سالفة الذكر، ويشتمل على إجمالي 35 عنصراً من المعادن المهمة والحيوية) هو تقييم مهم ومدروس بعناية، وينبغي أن يشكل الأساس الذي تبني عليه إدارة الرئيس بايدن رفقة الكونغرس الأميركي. ومن شأن استراتيجية العناصر الأرضية الأميركية النادرة أن تشكل جزءاً واحداً فقط من الحسابات المعقدة لدى الإدارة الأميركية الحالية حال صياغتها لاستراتيجية شاملة معنية بالتعامل مع الصين. وربما يكون تأمين السلام الشامل والدائم في أفغانستان جزءاً من الحل، رغم أن آفاق المستقبل المنظور لا تعد بالكثير.   * أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»


الحصاد DRAW: يمثل صدور تقرير المخابرات الأمريكية الذي رفعت عنه السرية بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ضربة للسلطة والهيبة والمكانة الدولية لواحد من أقوى الرجال في الشرق الأوسط ألا وهو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وقد يكون لتلك الخطوة تداعيات على تعامل الغرب مع المملكة العربية السعودية لعقود قادمة. وبعد الآن فإن تأكيد دور ولي العهد، المعروف بالأحرف الأولى من اسمه إم بي إس، في تلك الجريمة البشعة التي جرت وقائعها في عام 2018، سيجعل من الصعب أكثر من أي وقت مضى إقامة القادة الغربيين صلات علنية به كفرد. العلاقة السعودية-الأمريكية تدخل مرحلة إعادة الضبط ومع ذلك، ففي ظل الوضع الحالي يبدو أن ولي العهد محمد بن سلمان سيكون القوة المهيمنة على العرش السعودي لفترة طويلة جداً. يبلغ محمد بن سلمان من العمر 35 عاما فقط ويتمتع بشعبية واسعة داخل المملكة وخاصة في أوساط الشباب، ويعود ذلك في جانب منه للوطنية وفي جانب آخر للتضييق الشديد على الحريات المدنية حيث أن انتقاد ولي العهد حتى الآن علناً أمر نادر. من هو جمال خاشقجي الذي شغل اختفاؤه العالم؟ توبيخ جو بايدن العلني لمحمد بن سلمان "مقامرة" - التايمز وقد أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أنه يريد التعامل مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وليس نجله ولي العهد محمد بن سلمان، لكن الملك وابنه يعملان بشكل متناغم وثيق للغاية، لذلك فإن هذا التمييز لا معنى له عملياً إلى حد بعيد. ويبلغ الملك سلمان بن عبد العزيز من العمر 85 عاما، وهو في حالة صحية سيئة، وقد سلم بالفعل معظم سلطاته إلى نجله. شريط تقشعر له الأبدان لطالما كانت صلة ولي العهد بمقتل خاشقجي معروفة لمعظم وكالات المخابرات الغربية، ولكن لم يتم فقط الإعلان عن تلك الصلة. وكانت جينا هاسبل، التي رأست وكالة المخابرات المركزية الأمريكية منذ عام 2018 حتى وقت سابق من هذا العام، قد سافرت إلى العاصمة التركية أنقرة حيث استمعت هناك إلى الشريط الصوتي المرعب الذي كان بحوزة المخابرات التركية، والذي يظهر لحظات الرعب التي مر بها خاشقجي داخل القنصلية السعودية حيث تمت السيطرة عليه جسدياً وخنقه من قبل عملاء أرسلوا من الرياض. كما قدمت تركيا التسجيلات الصوتية السرية التي بجوزتها عما جرى داخل القنصلية السعودية إلى أجهزة الاستخبارات الغربية، رغم أن التجسس على الهيئات الدبلوماسية أمر مخالف للأعراف المتبعة لكن تم تجاهل ذلك إلى حد كبير. التعليق على الفيديو، جمال خاشقجي: تسجيلات سرية تكشف تفاصيل عن مقتل الصحفي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول وقال مسؤولون أمريكيون إن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية خلصت "بدرجة متوسطة إلى عالية من اليقين"إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان كان متواطئاً. ماهي ملفات بن سلمان الشائكة التي ينتظر موقف بايدن منها؟ لكن خلال وجود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض ظل تقرير المخابرات الأمريكية طي الكتمان حتى لا يحرج حليفه المقرب في الرياض، لكن اختفى الآن ذلك الغطاء الذي وفره ترامب. لم يكن المفضل لدى واشنطن لم يكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الخيار المفضل لواشنطن ليصبح الملك القادم. كان الرجل المفضل لدى واشنطن هو الأمير محمد بن نايف الذي كان الشخص التالي في ترتيب ولاية العرش حتى أطاح به محمد بن سلمان في عام 2017. صدر الصورة،AFP التعليق على الصورة، كان الأمير محمد بن نايف هو المفضل لدى واشنطن وكما هو معروف فإن محمد بن نايف قيد الاعتقال حاليا بتهم الفساد والتآمر ضد ولي العهد، وهو ما تنفيه أسرته. من هو محمد بن نايف ولي العهد السعودي المعزول؟ نيويورك تايمز: الليلة التي لم ينم فيها محمد بن نايف وكان محمد بن نايف، لسنوات عديدة، أهم حليف لأمريكا داخل العائلة المالكة السعودية. وكان محمد بن نايف يتولى منصب وزير الداخلية لسنوات عديدة وقضى بنجاح على نشاط القاعدة في السعودية وأقام علاقات وثيقة مع وكالة المخابرات المركزية من خلال رئيس استخباراته سعد الجبري الذي يعيش الآن في منفاه في كندا. ورفع جبري مؤخراً أمام القضاء دعوى ضد محمد بن سلمان تتهمه بإرسال فرقة اغتيال لقتله. سعد الجبري: لماذا تسعى السعودية إلى إعادته؟ من هو محمد بن نايف ولي العهد السعودي المعزول؟ محمد بن سلمان ينفي إرسال فريق اغتيال إلى كندا لتصفية مسؤول سعودي سابق إذن فإن لولي العهد الحالي سجل حافل لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. لا تزال الولايات المتحدة بحاجة إلى علاقة عمل جيدة مع الديوان الملكي السعودي نظراً للتهديد المستمر الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية والإرهاب الذي يعد تنظيم القاعدة مصدر إلهام له، لكنها تفضل كثيرا التعامل مع شخصية موثوقة ومستقرة مثل محمد بن نايف بدلاً من شخصية لا يمكن التنبؤ بها مثل محمد بن سلمان. هدية لإيران ويعد أي أمر يقوض الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية بمثابة هدية لإيران، منافس السعودية الإقليمي. صدر الصورة،REUTERS التعليق على الصورة، وجد محمد بن سلمان في دونالد ترامب حليفاً بينما جو بايدن لا يحبذ التعامل معه فعلى الرغم من سنوات من العقوبات خلص الخبراء مؤخرا إلى أن إيران باتت صاحبة اليد العليا في الشرق الأوسط حيث وسعت نفوذها الاستراتيجي من خلال الميليشيات التي تعمل بالوكالة عنها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، تاركة السعوديين محاصرين. وعندما أعلن الرئيس بايدن عن تعليق مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية التي تقود حربا في اليمن، سارع المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران إلى الاستفادة من ذلك، فقد تقدموا على عدة جبهات منذ ذلك الحين مدركين أن حظر الأسلحة يحد من قدرة عدوهم. كل ما تريد معرفته عن مقتل جمال خاشقجي الولايات المتحدة: ولي العهد السعودي وافق على قتل خاشقجي كيف أثر مقتل خاشقجي في صورة محمد بن سلمان؟ إدارة بايدن تستعد لنشر تقرير سري حول مقتل جمال خاشقجي ومن المرجح أن يدفع كل ذلك القيادة السعودية، على المدى الطويل، نحو تنويع شراكاتها في مجال الدفاع والأمن وربما فتح أبواب جديدة أمام لروسيا والصين. وقد تدفع أيضا بالرياض إلى بناء علاقات أوثق مع إسرائيل التي تشاركها المخاوف من التوسع الإيراني والانتشار النووي.


الحصاد draw: سكاي نيوز بعد مرور ستة أشهر على انفجار مرفأ بيروت المدمر، لم تتمكن السلطات اللبنانية من كشف كل ملابسات الكارثة التي أودت بحياة العشرات ودمرت أحياء بكاملها، بل إنها أقصت القاضي المسؤول عن القضية. وأفاد مراسلنا في بيروت، الخميس، بأن محكمة لبنانية، استبعدت القاضي المشرف على التحقيقات في انفجار المرفأ، فادي صوان في خطوة ستؤدي إلى تأخير التحقيق في الكارثة، الذي يعاني من بطء أصلا. ووافقت محكمة التمييز على طلب الوزيرين السابقين المنتميان إلى حركة أمل غازي زعيتر وعلي حسن خليل نقل ملف انفجار مرفأ بيروت من القاضي فادي صوات إلى قاض آخر. وسيترتب على هذا القرار، تعليق التحقيقات في الانفجار المدمر، إلى حين تعيين قاض جديد. وقال مسؤول قضائي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول التحدث إلى وسائل الإعلام، إن مكتب المدعي العام تلقى نسخة من القرار، مشيرا إلى أن جميع الاستدعاءات الآن متوقفة منذ أن طُلب من صوان التنحي، وفق "فرانس برس". أخبار ذات صلة ومن المقرر أن تقترح وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم اسم قاض جديد ليستلم، ثم سيتم طرح الاسم على المجلس الأعلى للدفاع للموافقة عليه. وكان زعيتر وخليل تقدما بمذكرة أمام النيابة العامة التمييزية لنقل الدعوى من صوان إلى قاض آخر، بعد اتهامه بتجاوز صلاحياته وخرق الدستور بالادعاء عليهما ونائبين في البرلمان بتهمة الإهمال والتسبب بانفجار مرفأ بيروت. ووجه صوان أيضا اتهاما إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، بالإهمال على خلفية الانفجار المدمر. وما زال اللبنانيون ينتظرون إجابات بعد مرور أكثر من ستة أشهر على انفجار كمية من نترات الأمونيوم كانت مخزنة بالمرفأ لسنوات في وضع لا يضمن السلامة مما أدى لمقتل 200 شخص وإصابة الآلاف وتدمير أحياء بأكملها. وطالبت القوى الدولية مثل الولايات المتحدة وفرنسا بالإسراع في التحقيق في الكارثة، مع بطء خطوات السلطات اللبنانية في هذا الاتجاه. ويواجه التحقيق في الكارثة معارضة سياسية شرسة، على ما تنقل وكالة "رويترز"، مشيرة إلى رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، وميليشيات حزب الله. وقال وليام نون وهو شقيق رجل إطفاء لقي حتفه في الانفجار "لمابلش (لما بدأ) القاضي يدق فيهن (يحقق معهم) شالوا دغري ( أزاحوه)". وقالت هيومن رايتس ووتش إن استبعاد القاضي بناء على شكوى من سياسيين "إهانة" للضحايا. كان الانفجار الذي اعتبر أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، واحدا من أكثر تجارب لبنان صدمة وترويعا.  


الحصاد draw: فابريس بالونش - معهد واشنطن لم يتغيّر الوضع كثيراً على الحدود السورية خلال العامين الماضيين. وتعارض روسيا وشركاؤها في "عملية أستانا"، وإيران وتركيا، أي جهود رسمية لتقسيم البلاد أو ترسيخ وجود كيان كردي منفصل في الشمال. وحتى لو انسحبت القوات الأمريكية بالكامل من الشرق، فستبقى البلاد في أيدي "ثلاثية أستانا"، لذلك ليس أمام الأسد خيار في هذا الشأن. بالمعنى الرسمي، على الأقل، بالكاد تغيّر الوضع على الحدود السورية خلال العامين الماضيين. فما زالت الأجندة الغربية تستبعد أي حل دولي، مماثل لما تم التوصل إليه في "اتفاق دايتون" المبرم في دول يوغسلافيا السابقة. وتعارض روسيا وشركاؤها في "عملية أستانا"، وإيران وتركيا، أي جهود رسمية لتقسيم البلاد أو ترسيخ وجود كيان كردي منفصل في الشمال. علاوة على ذلك، تسببت المشاكل الناتجة عن تقسيم السودان بنشوء شكوك جدية لدى صناع السياسة الغربيين حول جدوى مثل هذا الحل لسوريا. ومع ذلك، لم تمنع أي من هذه الاحتمالات الدولية المجهضة القوى الخارجية من تقسيم البلاد بشكل غير رسمي إلى مناطق نفوذ متعددة والسيطرة من جانب واحد على معظم حدودها، وبالتالي حرمان نظام الأسد من أداة رئيسية للسيادة. Open image الحدود تُخبِر قصة السيادة الحقيقية من المؤكد أن استراتيجية النظام السوري لمكافحة التمرد قد أتت بثمارها داخل البلاد. فقوات بشار الأسد تسيطر الآن على ثلثي الأراضي السورية، من بينها جميع المدن الرئيسية الست (دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية وطرطوس ودرعا ودير الزور)، بالإضافة إلى 12 مليون نسمة من أصل عدد السكان الإجمالي المقدر بـ 17 مليون (ما زال 7 ملايين سوري يعيشون في الخارج كلاجئين). وهذا تحوّل كامل عن وضع النظام السيئ في ربيع 2013 عندما كانت قوات الأسد تسيطر على خُمس مساحة البلاد فقط. ومع ذلك، تُعتبر الحدود رمز السيادة بلا منازع، ولا يزال سجل أداء النظام خالياً تقريباً على هذا الصعيد. ويسيطر الجيش السوري على 15 في المائة فقط من الحدود البرية الدولية للبلاد، في حين تتقاسم جهات فاعلة أجنبية الحدود المتبقية. الغرب والجنوب: سيطرة وهمية للنظام يسيطر حالياً «حزب الله» وميليشيات شيعية أخرى مدعومة من إيران على حوالي 20 في المائة من حدود البلاد. وعلى الرغم من أن سلطات الجمارك السورية هي المسؤولة رسمياً عن إدارة المعابر مع العراق (البوكمال)، والأردن (نصيب)، ولبنان (العريضة وجديدة يابوس وجوسية والدبوسية)، إلّا أن السيطرة الحقيقية تكمن في الواقع في أماكن أخرى. ويحتل «حزب الله» الحدود اللبنانية، وأقام قواعده على الجانب السوري (الزبداني والقصير) التي يسيطر منها على منطقة القلمون الجبلية. وبالمثل، تدير الميليشيات الشيعية العراقية كلا جانبي الحدود من البوكمال إلى التنف. وتمتد قبضة القوات الموالية لإيران أيضاً إلى العديد من المطارات العسكرية السورية، والتي غالباً ما تكون بمثابة وسيلة لنقل الأسلحة الإيرانية الموجهة إلى «حزب الله» وخط المواجهة مع إسرائيل في مرتفعات الجولان. ويكشف هذا الوضع عن اندماج سوريا الكامل في المحور الإيراني. Open image   بعد استعادة الجيش السوري سيطرته على الجنوب في حزيران/يونيو 2018، عاد إلى الحدود الأردنية وأعاد فتح معبر "نصيب" في جو احتفالي كبير. لكن حركة المرور لا تزال محدودة جداً حالياً، ووجود الجيش في محافظة درعا سطحي. ولإخماد المقاومة المتنامية في المنطقة بسرعة، اضطر النظام إلى توقيع اتفاقيات مصالحة بوساطة روسية، تاركاً الفصائل المتمردة المحلية تتمتع باستقلالية مؤقتة وحق الاحتفاظ بأسلحة خفيفة. وحافظ المتمردون السابقون أيضاً على روابط قوية عبر الحدود عن طريق الحدود الأردنية، مما يمنحهم مصدراً محتملاً للدعم اللوجستي في حالة نشوب صراع جديد (وفي غضون ذلك الحصول على دخل مربح للغاية من عمليات التهريب). الشمال: وكلاء الأتراك والقوات الروسية في عام 2013، بدأت تركيا في بناء جدار حدودي في منطقة القامشلي، معقل الأكراد السوريين. ومنذ ذلك الحين وسّعت هذا الحاجز على طول الحدود الشمالية بأكملها. وكان أحد الأهداف منع التسلل: أولاً من قبل «حزب العمال الكردستاني»، وهي جماعة تعتبرها أنقرة عدوّها الداخلي الرئيسي والمنظمة الأم للفصائل الكردية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال سوريا؛ ولاحقاً من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية»، بعد موجة من الهجمات الإرهابية الجهادية التي هزت تركيا في عام 2015. وكان الهدف الآخر هو منع تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا، التي تستضيف بالفعل 3.6 مليون لاجئ. ولا يزال العبور الفردي ممكناً عبر السلالم والأنفاق، لكن الشرطة التركية توقف معظم هؤلاء المهاجرين وتعيدهم بعنف إلى سوريا. وفي الواقع، إن الجزء الوحيد من الحدود الشمالية الخاضعة لسيطرة الأسد هو معبر "كسب" شمال اللاذقية، وحتى هذا المعبر تم إغلاقه من الجانب التركي منذ عام 2012. ومن "كسب" إلى أقصى الحدود الشرقية، يتم السيطرة على الجانب السوري من الحدود تباعاً على النحو التالي: المناطق حتى خربة الجوز من قبل الثوار التركمان الموالين لتركيا المناطق بين جسر الشغور وباب الهوى من قبل الجماعة الجهادية العربية السنية «هيئة تحرير الشام» المناطق حتى نهر الفرات من قبل الثوار الموالين لتركيا المعروفين بـ «الجيش الوطني السوري» المناطق حول كوباني من قبل الجيش الروسي و«قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد المناطق بين تل أبيض ورأس العين من قبل «الجيش الوطني السوري» المناطق من رأس العين حتى نهر دجلة من قبل الجيش الروسي و«قوات سوريا الديمقراطية» في تشرين الأول/أكتوبر 2019، شنت تركيا هجوماً عبر الحدود في الشمال، مما دفع القوات الأمريكية إلى الانسحاب من معظم الأراضي في "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" التي يسيطر عليها الأكراد. وبعد ذلك، سيطرت روسيا على مناطق الاتصال بين «قوات سوريا الديمقراطية» وتركيا ومناصريها في «الجيش الوطني السوري» وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في سوتشي في ذلك الشهر نفسه. وحلّت الدوريات الروسية-التركية محل الدوريات الأمريكية-التركية على خطوط التماس هذه لضمان انسحاب «قوات سوريا الديمقراطية» من منطقة الحدود التركية. وعلى الرغم من أنه قد طُلب من قوات الأسد نشر بضع مئات من الجنود على طول تلك الحدود، إلّا أن وجود هذه القوات رمزياً فقط. ومنذ ذلك الحين، انطلقت الدوريات الروسية باتجاه الشرق، في محاولة لإقامة موقع في مدينة المالكية (ديريك باللغة الكردية) والسيطرة على المعبر مع العراق في سيمالكا/فيشخابور، وهو طريق الإمداد البري الوحيد المتاح للقوات الأمريكية في شمال شرق سوريا. معبر حدودي واحد لا تزال كافة المعابر الشمالية إلى تركيا مغلقة، كما يمنع الجدار الحدودي أنشطة التهريب. وهذا الأمر يجعل معبر سيمالكا/فيشخابور النافذة الدولية الوحيدة أمام "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا". وعلى الجانب العراقي من الحدود الشرقية لسوريا، كانت الميليشيات الشيعية مسؤولة عن معظم المناطق منذ خريف 2017، عندما فقدت «حكومة إقليم كردستان» سيطرتها على الأراضي المتنازع عليها بين كركوك وسنجار. ولكن الأهم من ذلك، لم تشمل هذه الأراضي المفقودة فيشخابور. وتسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» على الجانب السوري من الحدود بدعم من القوات الأمريكية، لكن الوكلاء الإيرانيين منعوها ومنعوا غيرها من الجهات الفاعلة من استخدام أي معابر أخرى، وذلك جزئياً بمساعدة التعاون الدبلوماسي الروسي. على سبيل المثال، تم إغلاق معبر اليعربية الحدودي الرسمي أمام المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة منذ أن استخدمت روسيا حق النقض ضد تجديدها في مجلس الأمن الدولي في كانون الأول/ديسمبر 2019. ومن بين التداعيات الأخرى لهذا القرار هو أنه يجب أولاً إرسال جميع مساعدات الأمم المتحدة إلى "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" بالكامل، إلى دمشق قبل أن يتم نقلها إلى الشمال الشرقي من البلاد. لذلك يُعتبر معبر سيمالكا/فيشخابور أمراً حيوياً للبقاء السياسي والاقتصادي للمنطقة التي تتمتع بالحكم الذاتي، حيث يمثل نقطة الدخول الوحيدة للمنظمات غير الحكومية العديدة التي تعمل فيها وتوفر دعماً أساسياً للسكان المحليين. ومع ذلك، لا تزال الحكومة السورية تَعتبر الدخول عبر هذا المعبر جريمة يُعاقب عليها بالسجن لفترة تصل إلى خمس سنوات، لذلك يجب أن تحرص المنظمات غير الحكومية التي تدخل منطقة "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" من العراق على أن لا تقوم بأي أنشطة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. فأي منظمة غير حكومية تتقدم بطلب للحصول على تفويض من "الهلال الأحمر العربي" السوري من أجل العمل في مناطق النظام، عليها أن تتعهد بعدم تنفيذ أي أنشطة تتضمن العبور إلى "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" من الدول المجاورة. ومن المحتمل أن يكون تعنّت النظام بشأن القضايا الإنسانية هو طريقة الأسد لمحاولة إعادة تأكيد سيطرته على جانب واحد على الأقل من السيادة الحدودية. في غضون ذلك، لا تزال الدوريات الروسية تحاول الوصول إلى سيمالكا واختبار مقاومة «قوات سوريا الديمقراطية»، وقد هددت الميليشيات العراقية مراراً وتكراراً بالاستيلاء على فيشخابور.   مستقبل السيادة المحدودة فشل نظام الأسد في إعادة بسط سيطرته على سماء سوريا ومياهها الإقليمية، بالإضافة إلى تنازله عن معظم حدوده البرية لروسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة. وتخضع المناطق البحرية للبلاد للمراقبة من قبل قوات من القاعدة الروسية في طرطوس، ويتم التحكم في معظم مجالها الجوي من القاعدة الروسية في حميميم. وتعتمد إيران على الأصول الجوية الروسية للحماية من الضربات الإسرائيلية - وهي ضمانة محدودة في أحسن الأحوال، لأن روسيا لا تحمي عمليات طهران الأكثر استفزازاً مثل نقل الصواريخ إلى «حزب الله» أو تعزيز مواقعه في الجولان. ومن جانبها، تحتفظ الولايات المتحدة بممر جوي بين نهر الخابور والحدود العراقية، حيث تتواجد آخر قواتها البرية. وعلى الرغم من التصريحات العلنية التي تدلي بها دمشق بين الحين والآخر حول استعادة سيطرتها على كافة الأراضي السورية، إلّا أنها تبدو راضية في الخضوع لهذه اللعبة من القوى الأجنبية وبسط سيادتها المحدودة على عدد أقل من الأراضي على الأمد الطويل. وحتى لو انسحبت القوات الأمريكية بالكامل من الشرق، فستبقى البلاد في أيدي "ثلاثية أستانا"، لذلك ليس أمام الأسد خيار في هذا الشأن.  


الحصاد draw: أسامة أبو ارشيد - العربي الجديد في زمن الإعلام الرقميّ، ترى اليوم العجب العجاب. مهرّجون تحولوا مشاهير ومرجعيات. وهرطقات سخيفة يقتبسها كثيرون على أنها معلومات مُوَثَّقَةٌ وتحليلات رصينة. وجماهير تعد بعشرات الألوف، بل مئاتهم. والأدهى أن يناطح رُوَيْبِضَةٌ قامات علمية أو فكرية أو أكاديمية باسقة، محاججاً إياهم، بل وزاعماً نقض أفكارهم وطروحاتهم ونتاج خبراتهم. الرويبضة هو تعبير نَبَوِيٌّ جاء في حديث شريف، يُوَصِّفُ الحال السابق الذي قدمنا به، وفيه: "سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصَدَّقُ فيها الكاذب وَيُكَذَّبُ فيها الصادق، وَيُؤتَمَنُ فيها الخائن وَيُخَوَّنُ فيها الأمين، وَيَنْطِقُ فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة" (الإمام أحمد). إذا لم يكن هذا توصيفاً لواقع الحال، فماذا يكون؟ من حق كل إنسان أن يكون له رأيه وتحيزه الإيديولوجي والسياسي الخاص. كما من حق كل شخصٍ أن يعبر بحرية عمَّا يؤمن به ويتبناه. لكن أن يزعم المرء أنه متخصّص في أمر لا يفقه فيه شيئاً، ويحاكم أصحاب التخصص والخبرة، في سياق من التفاهة وسلاطة اللسان والوقاحة، فذلك أمر آخر. أكبر من ذلك أن ترى هؤلاء السخفاء يَهيمونَ في كل علم وتخصّص، لا يفرق عندهم أن يكون موضوعاً دينياً أو علمياً أو فلسفياً أو لغوياً أو فكرياً أو سياسياً معقداً. وهم فوق ذلك لهم أتباع ومؤيدون لا يحصون. أما ثالثة الأثافي فهي أن تجد بين معجبي هؤلاء المهرّجين أشخاصاً كنت تحسبهم مثقفين واعين، يروّجونهم، ويحيلون في معلوماتهم إليهم، ويعتمدون في تحليلاتهم عليهم. إذا كان هؤلاء المهرّجون يدخلون في سياق "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة"، فكيف لنا أن نصف أولئك الذين يعدّون أنفسهم نخباً وهم يتبعون تفهة جُهَّالاً؟ مهرّجون تحولوا مشاهير ومرجعيات. وهرطقات سخيفة يقتبسها كثيرون على أنها معلومات مُوَثَّقَةٌ وتحليلات رصينة كثيراً ما تقف مشدوهاً وأنت تتابع بعض تلك النماذج من الرويبضات يسرحون ويمرحون في فضاءات وسياقات تكاد تختنق حسرة وكمداً على عِلْمٍ يُهان وأخلاق تداس. ذاك يحاكم كتاباً لمفكر معروف يشهد له أصالة نتاجه وعميق طرحه، وينتهي إلى أن عملاً من أعماله منتحل! هكذا وبزفرة واحدة تجد عشرات الآلاف من المعجبين والمؤيدين لجريمة اغتيال معنوي. وآخر يَخْتَلِقُ أحداثاً وسيناريوهات خيالية في تحليل حدث سياسي خطير، بحيث تشعر وكأنك أمام فيلم رديء الإنتاج والحبكة الدرامية. أما إذا انتقدت شطحاته فالتهمة جاهزة: أنت تغار منه! وثالث يقدّمه بعض الإعلام الذي كنت تحسبه جادّاً ورصيناً، على أنه "خبير" في الشؤون الفلانية والفلانية، حتى وإن كان يتحدّث من مرحاض دكانه! المشكلة أن ما يقدّمه من "معلومات" و"تحليلات" هي الخَبَلُ ذاته، إذ إنها تقوم على معطيات خاطئة وفرضيات غير صحيحة. ورابع يصرّ على لازمة "خبير استراتيجي"، من دون أن يتجرأ أحد أن يسأل خبيرا استراتيجيا في ماذا؟ وخامس ينتحل صفة تدريس في جامعة أو درجة الدكتوراة، أو أنه يصمت تواطؤاً وهو يُعَرَّفُ بهما صباح مساء من دون أن يحاول تصحيح الأمر، هذا إذا افترضنا جدلاً أن الخطأ هو من الجهة المُسْتَضيفَةِ. وسادس يظن أن شهادة في الطب العام أو غيره تؤهله أن يكون خبيراً في الأوبئة والأمراض المعدية وعلم اللقاحات، ومن ثمَّ تراه يَتَجاسَرُ، أو إن شئت الدقة فقل يَتَواقَحُ، وهو يصول ويجول في الحديث عن نظريات المؤامرة في وباء كورونا واللقاحات المعروضة. لا أجزم بسلامة اللقاحات وعدم وجود أعراض جانبية لها، ولكني لست أهلاً للحديث في الأمر بحكم التخصّص. درجة الدكتوراة أو الموقع الوظيفي لا يصنعان وحدهما قيمة المرء وما يطرح، بل قيمة الطرح، بالدرجة الأولى، تكون في عمقه ورصانته ما سبق ليس مبالغات ولا تهيؤات، بل هي حقائق صادمة وَمُرَّةٌ نعيش معها كل يوم، ولولا مخافة إثارة حزازات لسميت أسماء بعينها. وكما سبق القول، فإن المسؤولية لا تنحصر في الرويبضات، بل في من يُمَكِّنُ لهم ويروج سفاهاتهم، خصوصاً في بعض وسائل الإعلام التي يظنها الناس جادّة ورصينة، وبالتالي تكون متواطئة في خداع الناس وتجهيلهم. وجدت نفسي غير مرة في برامج تلفزيونية مشتركة مع أشخاصٍ عرب من هذا الطراز. أحدهم يُقَدَّمُ دائماً على أنه أستاذ قانون في جامعة أميركية عريقة وعضو في أحد المجالس الاستشارية للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب. تقصّيت عن الرجل بعد أن فوجئت بمستوى "تحليله" الضعيف، فلم أجد له ذكراً لا في الجامعة المعنية، ولا غيرها، ولا في أي مجلس استشاري رئاسي. اللافت أني وجدت أن صحافياً أميركياً يعمل في موقع غير مشهور كان قد واجهه يوماً بهذا الانتحال، فما كان منه إلا أن أجابه بأنه لم يزعم صفة الاستشارية، وأن هذا خطأ من يقدمونه. المشكلة هنا أنه لم يحاول يوماً أن يصحّح ذلك "الخطأ"، بل يبدو دوماً مز�وّاً به. أما المصيبة الأكبر فهي إني عندما حاولت أن أنبه بعض المحطات التلفزيونية التي تربطني بها علاقة وثيقة إلى هذا الخلل، قيل لي من بعض العاملين فيها إنهم مضطرون إلى مسايرة هذا الدجل، حتى يظهروا بمظهر من استقطب شخصية رفيعة في الإدارة الأميركية! قس على المنوال السابق ذلك الشخص الذي كثيراً ما يزعم أنه التقى مسؤولين أميركيين كباراً وناقش معهم قضية بلاده، على الرغم من أنه لا يتكلم الإنجليزية أصلاً. وفي أحيان أخرى، أشار إلى مُحاججات وقعت بينه وبين مسؤولين آخرين في لقاءات، كنت فيها، وشاركنا جميعاً عبر تقنية الفيديو كونفرانس بسبب كورونا، وأقسم أنه لم ينبس ببنت شفة! المسؤولية لا تنحصر في الرويبضات، بل في من يُمَكِّنُ لهم ويروج سفاهاتهم، خصوصاً في وسائل إعلام يظنها الناس جادّة درجة الدكتوراة أو الموقع الوظيفي لا يصنعان وحدهما قيمة المرء وما يطرح، بل قيمة الطرح، بالدرجة الأولى، تكون في عمقه ورصانته. وما دام فينا من ما زال يقتنع بخزعبلات التافهين من الناس وحماقاتهم وتدليسهم ودجلهم، وما دام بقي فينا من يروّجهم إعلامياً وعلى مستوى من يفترض أنهم من النخب، فإننا سنبقى ندور في دائرة الجهل والتخلف. وبالمناسبة، هذه ليست مشكلة حصرية عند العرب، وواحدة من الأمور التي تعلمناها من سنوات ترامب الرئاسية الأربع، وما زلنا، أن الرويبضات موجودون في كل ثقافة ومجتمع. كلمة أخيرة، لا يعيب المرء إن لم يكن تلقى تعليماً عالياً، أو إن لم يكن من أهل الاختصاص والرأي والمكانة، لكن ما يعيبه أن يزعم ذلك لنفسه وهو مجرد خواء. أيضاً، يعيب بعض أصحاب التخصصات المحدّدة أن يُنَصِّبوا أنفسهم مراجع في كل أمر وشأن، على الرغم من أن نتاجهم في مجالاتهم يدخل في سياق سَقَطِ المَتاع.  


الحصاد draw: سكاي نيوز قال أطباء إن الأشخاص يمكن أن يصابوا بفيروس كورونا، المسبب لوباء كوفيد-19، مرتين، وأنهم يمكن أن يعانوا من نوبتين منفصلتين تماما من المرض، وذلك في غضون 4 أشهر فقط. ويأتي التحذير بعد ظهور أدلة على رجل أصيب بالفيروس مرتين خلال 4 أشهر، دون ظهور أعراض واختبارات سلبية متسلسلة للفيروس. ويقول الأطباء إن العدوى الأولى الحادة بفيروس كورونا قد تتبعها أعراض أكثر اعتدالا في المرة الثانية. الجدير بالذكر أنه تم الإبلاغ عن عدد قليل جدا من حالات الإصابة بالفيروس مرتين، وفقا لما ذكره موقع سكاي نيوز البريطاني. وأشارت دراسات سابقة إلى إمكانية الإصابة مرة أخرى بالعدوى، لكنها تميل إلى الإشارة إلى حصول الناس بشكل عام على بعض المناعة لأكثر من 4 أشهر. ويقول الخبراء، الذين سلطوا الضوء على الحالة في مجلة "بي أم جاي كايس ريبورتس"، إنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان هذا يمثل في الواقع استمرار للإصابة الأولى بالفيروس، بدلا من الإصابة الجديدة بالعدوى الحقيقية. ويقول مؤلفو الدراسة التي تمت مراجعتها من قبل نظراء: "مع تطور وباء كوفيد-19، أظهرت التقارير الناشئة أن عودة الإصابة بفيروس كورونا الجديد ممكنة". وشددوا على أهمية إجراء مزيد من الدراسات، مشيرين إلى أنه ومن المؤكد أن الملاحظات المستقبلية ستلقي مزيدا من الضوء على هذا، إذا ثبتت صحة هذه الفرضية. وأشار الخبراء إلى أنه "لم يتم تحديد دور وجود أو عدم وجود الأجسام المضادة بعد الإصابة الأولية لدى الناجين من الإصابة بالفيروس، ودورها في التخفيف من خطر الإصابة مرة أخرى بكوفيد-19. ومع ذلك، فمن المعقول أن هذا التراجع في المناعة أو عدم وجود الأجسام المضادة بعد النوبة الأولى من عدوى كورونا قد تجعل الشخص أكثر عرضة للعدوى مرة أخرى".    حالة دراسية وتتضمن الحالة التي أبرزها المؤلفون رجلا في الأربعينيات من عمره تم إدخاله إلى المستشفى مصابا بعدوى خفيفة من كوفيد-19، بعد 4 أشهر من نوبة أولية شديدة من المرض في أبريل 2020. وكان المريض يعاني من داء السكري من النوع 2 يتم التحكم فيه جيدا، بالإضافة إلى معاناته من غدة درقية غير نشطة، إلى جانب السمنة، وهي عوامل الخطر المعروفة للإصابة الشديدة بكوفيد-19. وعندما أصيب لأول مرة، تم نقله إلى المستشفى بسبب صعوبات في التنفس وأزيز حاد ناجم عن تعطل تدفق الهواء إلى الرئتين. وأصيب بفشل في الجهاز التنفسي، وتطلب تهوية ميكانيكية بواسطة جهاز التنفس الصناعي، بالإضافة إلى مميعات الدم، إلى جانب العديد من الأدوية الأخرى المستخدمة لعلاج كوفيد-19. وخلال إقامته في المستشفى لمدة شهرين، أصيب بمجموعة من المضاعفات الخطيرة قبل أن تستقر حالته ويخرج إلى مرفق رعاية الحالات الحادة لإعادة تأهيله. وفي الحالة الثانية في أغسطس 2020، أثبتت إصابته بفيروس كورونا، بعد 4 اختبارات سلبية خلال الأشهر الثلاثة السابقة، وبقي في المستشفى ليوم واحد فقط. ثم نُقل إلى المستشفى مرة أخرى بعد أسبوعين، وبقي فيه لمدة أسبوع آخر.    إصابة ثانية أم استمرار المرض؟ واقترح المؤلفون أن نتائج الاختبار الإيجابية التي تفصل بينها عدة أشهر قد تكون بسبب الإصابة مرة أخرى بالفيروس، لكنهم أضافوا أن الأعراض الأكثر اعتدالا في المرة الثانية يمكن أن تكون نتيجة المناعة المتبقية من العدوى الشديدة الأولى. وقال داني التمان، أستاذ علم المناعة في إمبريال كوليدج لندن، لشبكة سكاي نيوز إنه بينما لم يكن هناك سوى 100 حالة مؤكدة في جميع أنحاء العالم من الإصابة مرة أخرى، فإن محادثاته مع الأطباء تشير إلى أنها "أكثر شيوعا مما كنا نتخيل". وأضاف: "يمكن أن تحدث إعادة العدوى إلى حد ما". وأوضح ألتمان أنه على الرغم من أن النوبات الثانية من المرض قد تكون أقل حدة، بسبب الأجسام المضادة المتبقية، إلا أن دراسة جديدة أجريت في البرازيل قدمت أدلة مقلقة على عكس ذلك. وقال إن البحث وجد أن 30 من العاملين في مجال الرعاية الصحية في نفس المركز أصيبوا بالفيروس للمرة الثانية، وهو ما يمثل معدل الإصابة بنسبة 7 في المئة، وأنهم كانوا يعانون من أعراض أسوأ مما كانت عليه أثناء الإصابة الأولى.      وقال: "واحد ممن أصيبوا بالفيروس بشكل معتدل في المرة الأولى، توفي في المرة الثانية". وأضاف أنه كان من الصعب معرفة ما إذا كانت مثل هذه الحالات نتيجة لمتغيرات متحولة للمرض، أو أن المصابين في المرة الأولى لم يطوروا أجساما مضادة. وأظهر تقرير صادر عن هيئة الصحة العامة في إنجلترا، نُشر في يناير، أن الأجسام المضادة من عدوى فيروس كورونا السابقة توفر حماية بنسبة 83 في المئة لمدة 5 أشهر على الأقل. ومع ذلك، وجد الباحثون 44 إصابة محتملة بكوفيد-19 بين 6614 مشاركا أظهروا دليلا على الإصابة السابقة.  وأشارت دراسة أخرى، شملت 1700 شخص، إلى أن ما يصل إلى 88 في المئة من الأشخاص لا تزال لديهم أجسام مضادة في دمائهم لمكافحة فيروس كورونا بعد 6 أشهر من الإصابة بالفيروس. وقالت كبيرة علماء البنك الحيوي الإنجليزي، نعومي ألين: "رغم أننا لا نستطيع أن نكون متأكدين من كيفية ارتباط وجود الأجسام المضادة بالمناعة، إلا أن النتائج تشير إلى أنه يمكن حماية الناس من العدوى اللاحقة لمدة 6 أشهر، على الأقل، بعد الإصابة الطبيعية".


حقوق النشر محفوظة للموقع (DRAWMEDIA)
Developed by Smarthand