فتح الأنبوب الكوردستاني.... معادلة النفط مقابل الرواتب
.jpg)
2025-09-27 12:45:03
عربيةDraw:
مع بزوغ فجراليوم السبت، عاد النفط العراقي ليجد طريقه من جديد نحو البحر الأبيض المتوسط عبر أنبوب كوردستان – جيهان، في حدث وُصف في بغداد وأربيل بـ"التاريخي". غير أن أهمية الوصول إلى الميناء التركي تتجاوز عودة التدفقات إلى الأسواق العالمية بعد توقف دام أكثر من عامين، لتشكّل محطة مفصلية في إدارة موارد العراق النفطية وعلاقته المعقدة مع الإقليم الكوردي، بل وحتى في موازين سوق الطاقة العالمي.
أُغلق خط جيهان في مارس/ آذار 2023، بعدما ألزمت محكمة تحكيم دولية تركيا بدفع غرامات للعراق عن سنوات سمحت فيها بتصدير النفط من كوردستان دون موافقة بغداد. وردّت أنقرة بتعليق التدفقات، لتتوقف صادرات كانت تصل إلى نحو 400 ألف برميل يومياً. والنتيجة خسائر تراكمية للعراق قدّرتها وزارة الخارجية بما بين 22 و25 مليار دولار، فضلاً عن ضربة قاسية لاقتصاد إقليم كوردستان الذي يعتمد بأكثر من 80% من إيراداته على النفط.
إلا أن هذا التوقف لم يكن الأول. فمنذ إقرار دستور 2005 الذي منح الأقاليم صلاحيات واسعة، ظل الخلاف محتدماً حول "من يملك حق إدارة النفط": هل هي الحكومة المركزية أم حكومة الإقليم؟ وبقدر ما كان الأنبوب أداة لتصدير النفط، كان أيضاً رمزاً للخلاف السياسي.
معادلة النفط مقابل الرواتب
هذا، وينص الاتفاق الجديد على تسليم أربيل كامل إنتاجها من الخام لشركة تسويق النفط العراقية "سومو"، على أن تدير الأخيرة عمليات التصدير عبر جيهان وتوزيع الإيرادات. وفي المقابل، تتعهد بغداد بدفع رواتب موظفي الإقليم وتأمين حصته من الموازنة، لتُطوى صفحة "النفط مقابل الرواتب" بشكل مؤسّسي.
ويقوم جزء أساسي من الترتيب المالي على تخصيص 16 دولاراً لكل برميل لتغطية التكاليف، تُمنح للشركات الأجنبية في صورة نفط خام بدلاً من السيولة النقدية، في انتظار تقييم مستقل لكلفة الإنتاج في نهاية العام. ويشكّل هذا النظام "حلاً وسطاً"، فهو يضمن استمرار الشركات وفي الوقت نفسه يكرّس سيادة بغداد على العوائد.
شركات عالمية إلى الواجهة
على المستوى الدولي، دخلت مجموعة فيتول (Vitol)، أكبر تاجر نفط مستقل في العالم، على خط الترتيبات، لتتولى بيع الخام من ميناء جيهان بالنيابة عن سومو والشركات الأجنبية. وهذه الخطوة، بحسب بلومبيرغ، ليست مجرد "خدمة تسويقية"، بل آلية لتسريع تدفق الصادرات وحسم ملفات مالية عالقة، باعتبار أن فيتول كانت قد قدّمت قروضاً للإقليم على طريقة "النفط مقابل السيولة"، وترك توقف التصدير ديوناً غير مسددة.
وثمة ثماني شركات، بينها غلف كيستون (Gulf Keystone) و"اتش كيه إن" (HKN)، تمثل أكثر من 90% من إنتاج كوردستان، وافقت هذا الأسبوع على الترتيب الجديد، في حين تُجرى محادثات مع شركة "دي إن أو" (DNO) النرويجية، أكبر المنتجين هناك. وتعني مشاركتها أن الإنتاج يمكن أن يرتفع سريعاً إلى ما بين 400 و500 ألف برميل يومياً، وهو ما سيضاعف العائدات ويعزز موقع العراق مزوّداً رئيسياً للأسواق الأوروبية.
جيهان: بوابة العراق الثانية
صحيح أن غالبية صادرات العراق، الذي ينتج نحو 4.2 ملايين برميل يومياً، تتدفق من البصرة إلى آسيا، لكن أنبوب كوردستان يمنحه منفذاً استراتيجياً نحو المتوسط وأوروبا. بهذا، يتحرر العراق جزئياً من الاعتماد على موانئ الخليج، وهي منطقة شديدة الحساسية جيوسياسياً. يمكن تشبيه أنبوب جيهان بـ"الرئة الثانية" لصادرات العراق، تعطيله يضيّق التنفّس وتشغيله يفتح آفاقاً أوسع.
فضلاً عن ذلك، يقترب عقد استخدام الأنبوب مع تركيا من نهايته في 2026، وقد بدأت مفاوضات مبكرة لتجديده. من هنا، يشكّل الاتفاق الحالي تمهيداً لمفاوضات أصعب مع أنقرة، التي ستسعى لتعويض خسائرها القانونية عبر شروط مالية جديدة، وفقاً لبلومبيرغ.
الانعكاسات الإقليمية والدولية
إلى ذلك، رحّبت الولايات المتحدة بالاتفاق الثلاثي (بين بغداد وأربيل والشركات)، معتبرة أنه يضمن بيئة أكثر استقراراً للاستثمار، ويعزز "أمن الطاقة الإقليمي". في الواقع، واشنطن ترى في استئناف عمل خط جيهان فرصة لاحتواء أي اضطرابات في سوق النفط، خصوصاً في وقت تحذر فيه وكالة الطاقة الدولية من فائض معروض عالمي.
أما داخلياً، فقد وصف رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني الاتفاق، يوم الخميس، بأنّه "تاريخي"، فيما أكد رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني أنه "يزيل عقبة كبرى أمام تأمين المستحقات المالية للمواطنين". هكذا، وجد الطرفان في الاتفاق مخرجاً يحفظ ماء الوجه، إذ إن بغداد استرجعت السيادة على التصدير، وضمنت أربيل الرواتب.
وتشير تقديرات العائدات الضائعة من إقفال الأنبوب الكوردي إلى حجم الخسارة الضخمة، لكنها أيضاً تُظهر حجم المكاسب الممكنة من إعادة الفتح. وبالنسبة للعراق، الذي يخوض سباقاً لزيادة إنتاجه ضمن إطار أوبك+ يشكّل جيهان أداة لزيادة المرونة التصديرية وربما لموازنة التزاماته داخل المنظمة. لكن التحدي الأعمق يبقى سياسياً: فهل يشكّل الاتفاق الحالي بداية لعلاقة مستقرة بين المركز والإقليم، أم أنه مجرد هدنة موقتة ستتجدد معها الخلافات مع أول تعثر مالي أو قانوني؟
المصدر: العربي الجديد